محتويات العدد 4 إبريل (نيسان) 2003 

أحدب بكين .. صديقي

حسين إسماعيل

في واحدة من جولاتي الصباحية في بكين شاهدته. في بداية الأمر لم أعره كثيرا من الانتباه، ولكن وجوده أمامي في الشارع الخالي إلا من قليل من المارة وبعض من الحافلات العامة جعل نظري إليه من الخلف محتوما، ولما كانت خطواتي أسرع منه فقد تجاوزته وانطلقت إلى حال سبيلي.الخروج، غير أن أحدب بكين،  

في عطلة الأسبوع التالي، وكعادتي، كنت اقطع نفس الطريق في المسافة ما بين حديقة الحيوانات إلى دار ضيافة الدولة أو ما يسمى دياو يوتاي. رأيته أمامي، بنفس الجاكيت الكالح والخطوات المتثاقلة والرأس الحليق. تباطأت هذه المرة وعندما كنت بمحاذاته نظرت إلى وجهه.بدا وكأنه لا يشعر بوجودي، وربما بوجود أي شخص آخر. أحسست بأن وجهه مألوف لدي، حاولت أحفر في الذاكرة تفتيشا عن هذه الصورة، الأكثر أنني شعرت أنني قريب منه، أريد أن أحادثه. طريقته في سحب ساقه اليسرى وحركة الجزء العلوي من جسمه ذكرتني بالصورة التي رسمها فيكتور هوغو لأحدب نوتردام.الخروج، غير أن أحدب بكين،  

فكرت في طريقة "أتقرب" بها إليه. في الأسبوع التالي خرجت في نفس التوقيت لألتقيه في نفس المكان، ولما جاورته حاولت تحيته.. ني هاو. لم يرد أو أنه لم يكن يشعر بي أصلا أمسكت بورقة نقود وهممت أدسها في جيبه فإذا به يبتعد عني بخطوة لم أكن أتوقعها منه.الخروج، غير أن أحدب بكين،  

داومت على خروجاتي الصباحية لأضبط ساعتي على مكان وزمان رؤيته، واهتديت إلى حيلة تقربني منه.. قدمت له تفاحة وفاجأني بأن أخذها. قلت له كيف حالك "ني هاو ما؟" لم يرد وتحرك رأسه حركة لم أفهمها.الخروج، غير أن أحدب بكين،  

أصبحت رؤيته كل يوم أحد من مفردات حياتي. ذات مرة أخذته إلى واحد من المطاعم الغربية التي تحفل بها شوارع بكين. لم يكن صعبا أن اقرأ الدهشة تعتلي وجوه العاملين ولم يكن الفضول من عيون الزبائن خافيا. سحبته من ذراعه إلى غرفة الحمام وأشرت إلى حوض الغسيل فأدرك ما أعني وغسل يديه وأجلسته أمامي نأكل طعاما من نوع يدخل فمه لأول مرة، بدا أنه لم يستسغ مذاقه ولكنه التهم كل ما أمامه.الخروج، غير أن أحدب بكين،  

كان حوارنا دائما صامتا على الأقل من جانبه، وكان يكفيني منه ابتسامة أشعر في كل مرة أنها مبتسرة، ولكني كنت متأكدا أن بذور صداقة آخذة في النمو بيننا.الخروج، غير أن أحدب بكين،  

لا أنكر أنني، لبرهة، تساءلت، من يرعاه أو أين ينام وماذا يفعل في ليال الشتاء الباردة وهو الذي لا يغير هذا الجاكيت في الصيف أو الشتاء؟ هل له أهل؟ هل أسرته في بكين؟ أسئلة كثيرة أرهقتني، ولم أجد إجابة لأي منها سوى دع الملك المالك.الخروج، غير أن أحدب بكين،  

اقتضت ظروف العمل أن أمضي عشرة أيام خارج بكين تخللتها عطلة نهاية أسبوع كنت في منطقة نينغشيا، على مسافة ساعة ونصف بالطائرة من بكين. هناك تذكرته صباح يوم الأحد وشعرت بحنين جارف يشدني إلى بكين. بعد العودة انتظرت متلهفا يوم الأحد وخرجت أبكر من الموعد المعتاد. كنت أسير بخطوات أسرع وقطعت المسافة نفسها في نصف الوقت، لم أره، قلت ربما وصلت مبكرا، رجعت في نفس الطريق، من دياو يوتاي إلى حديقة الحيوان، لم يكن هناك. جلست على مقعد بمحطة أتوبيس أراقب المارة لكنه لم يظهر. رجعت إلى بيتي عازما على الخروج في الأحد التالي في نفس الموعد، ليس قبله وليس بعده. وخرجت ولم أجده وتكرر الخروج، غير أن أحدب بكين، صديقي، تاه في زحام الحياة مثل أشياء كثيرة تاهت مني في نفس الزحام.الخروج، غير أن أحدب بكين،   

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.