محتويات العدد 4 إبريل (نيسان) 2003

نحو بناء منتدى‏-‏ عربي صيني للتعاون
                 د‏.‏ محمد السيد سليم
                          مدير مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة

لا يختلف المراقبون لحركة القوى الدولية على أن الصين الشعبية‏، رغم كونها قوة إقليمية بالأساس‏، إلا أنها قوة عالمية في طور التكوين‏.‏ ومن ثم، فإنه من المهم مراقبة مسيرتها نحو الصعود‏، وبناء تفاهمات استراتيجية بعيدة الأمد معها‏.‏ ويكتسب ذلك أهمية خاصة بالنسبة للطبيعة القطبية الأحادية للنظام العالمي الراهن‏، ولأن الصين تؤكد أنها تسعى إلى تكريس تعددية النظام العالمي على غرار ما جاء في بيانات رسمية متعددة أهمها إعلان التعاون الاستراتيجي المصري‏-‏ الصيني الموقع سنة‏ 1999‏. وتزداد تلك الأهمية بالنسبة للعرب على وجه التحديد‏، بالنظر إلى عاملين: أولهما الأثر السلبي الذي أنتجته القطبية الأحادية على القضايا العربية‏، وبالذات بعد‏11‏ سبتمبر سنة‏ 2001 .‏ وثانيهما هو العلاقات الإيجابية بين العرب والصينيين قبل وبعد عام ‏1949، الذي تأسست فيه جمهورية الصين الشعبية، فليس هناك ميراث استعماري بين الطرفين‏، كما أن سجل سياسات كل طرف تجاه الآخر اتسم بصفة عامة بالإيجابية.‏ الخطوات المرحلية الزمنية

لهذا كله فقد اقترحت جامعة الدول العربية على جمهورية الصين الشعبية إنشاء منتدى عربي‏-‏ صيني للتعاون‏.‏ والفكرة المحورية لهذا المشروع‏ هو أن مستوى تطور العلاقات العربية الصينية قد وصل إلى مرحلة تتطلب وضع تلك العلاقات في إطار مؤسسي جماعي يكمل العلاقات الثنائية ويطورها‏.‏ ونقطة البدء في هذا الإطار هي النظر في شبكة المصالح العربية‏-‏ الصينية القائمة‏.‏ وتدور هذه المصالح حول القضية الفلسطينية‏، وقضية أمن الخليج‏، وقضية التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وقضية الوحدة الصينية‏، وقضية الإرهاب الدولي‏، والتعاون الاقتصادي‏، ثم قضايا العولمة وحوار الحضارات‏.‏ فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية‏، فقد كان هناك اتفاق حول الدعم الصيني لتلك القضية‏، ولكن اللحظة الحرجة الراهنة من القضية تتطلب الارتقاء بهذا الدعم إلى مستوى أعلى يدور حول زيادة الدعم الصيني للسلطة الفلسطينية من خلال المساعدة في بناء أجهزة الدولة‏، والضغط على إسرائيل لوقف حركة الاستعمار وتنفيذ الاتفاقات التي وقعتها مع السلطة‏، وإيفاد مبعوث صيني للسلام في الشرق الأوسط لمراقبة التطورات والاتصال بالأطراف وجعل وجهة نظر الصين واضحة‏.‏ ولعله من المفيد أن نشير إلى أن الصين هي الدولة الكبرى الوحيدة التي لديها تمثيل دبلوماسي مستقل بدرجة سفير لدي السلطة الفلسطينية‏.‏ من ناحية ثانية‏، فقد زادت احتمالات التصعيد في منطقة الخليج العربي من خلال المواجهة المرتقبة بين الولايات المتحدة‏، من ناحية‏، والعراق وإيران‏، من ناحية أخري‏.‏ وهي مواجهة ستؤدي إلى اشتعال التوتر في المنطقة‏، وتهديد الواردات الصينية من النفط في المنطقة والتي تشغل‏80%‏ من وارداتها النفطية‏.‏ ومن ثم‏، فإن هيمنة الولايات المتحدة على الخليج ستؤثر سلبا على المصالح الصينية.‏ فهذا الاحتواء يأتي من الشرق في إطار الوجود الأمريكي في المحيط الهادي‏، كما أنه موجود في الغرب منذ الوجود الاستراتيجي الأمريكي في آسيا الوسطي‏.‏ ولهذا‏، فإن من مصلحة العرب والصينيين العمل سويا على إقرار الأمن في المنطقة بشكل متكافئ‏.‏ ويرتبط بذلك المصلحة الصينية العربية في بناء توازن استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط‏.‏ إن التوصل إلى تسوية في المنطقة تعكس الرؤى الإسرائيلية والأمريكية ستؤدي إلى بناء شرق أوسط جديد تسوده الولايات المتحدة‏، مما يكرس القطبية الأحادية العالمية التي تسعي الصين إلى إنهائها‏.‏ فلا يمكن أن تسعي الصين إلى بناء تعددية عالمية دون أن تسعي أيضا إلى تعددية إقليمية‏، مما يتطلب منها العمل مع العرب لتصحيح الخلل في التوازن الاستراتيجي‏.‏ فهذا الخلل هو المسئول عن زيادة التطرف الإسرائيلي وعرقلة التسوية السلمية‏.‏ وفي المقابل‏، فقد أيد العرب جميعا الوحدة الصينية‏، وعارضوا المحاولات الأمريكية لتكريس التقسيم‏، أو لزيادة التوتر في منطقة المضايق‏.‏ الخطوات المرحلية الزمنية

ومن ناحية أخري‏، فإن قضية الإرهاب الدولي أصبحت هي القضية المحورية على أجندة السياسة الدولية بعد أحداث‏11‏ سبتمبر‏.‏ وقد اهتم العرب والصينيون بقضية مكافحة الإرهاب‏، وفي إطار الاتفاقية العربية لمقاومة الإرهاب‏، وميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي حول مكافحة الإرهاب‏، وإنشاء الصين‏" منظمة شنغهاي للتعاون‏" وهي تركز على القضية ذاتها‏.‏ ولكن المعضلة تكمن في سعي بعض الدول للخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال لقد قاوم الصينيون الاحتلال الياباني لمنشوريا‏ وأيدت مصر تلك المقاومة بمجرد دخولها عصبة الأمم سنة 1937، وهو أمر يجعل الصين في مركز المتفهم لضرورة دعم المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، فهي ليست عملا إرهابيا على الإطلاق.‏ ويرتبط بذلك السعي لوصم الإسلام بالإرهاب‏، واعتبار أن الإرهاب هو ظاهرة إسلامية رغم أنه ظاهرة عالمية تبلورت في كل الديانات بما في ذلك اليهودية‏.‏ ومن ناحية أخرى‏، فإن شبكة المصالح الاقتصادية العربية الصينية قد تشعبت‏.‏ فطبقا لإحصاءات سنة‏2002 ‏ زاد حجم التجارة العربية الصينية على 15 بليون دولار‏، تشكل الصادرات الصينية حوإلى‏60%‏ منها، وهو رقم لا يزيد على حوإلى‏3.5%‏ من إجمالي التبادل التجاري للطرفين مع الدول الأخرى.‏ كذلك‏,‏ فالصين تستورد حوالى‏80%‏ من نفطها من دول مجلس التعاون الخليجي‏، ولكن استثماراتها في العالم العربي‏103‏ ملايين دولار مقابل‏200‏ مليون دولار استثمارات عربية في الصين في مجال الصناعة البتروكيميائية‏.‏ وقد وجدنا لدي الصين اهتماما كبيرا بتأمين وارداتها النفطية العربية‏، وزيادة الاستثمارات العربية لديها‏ وإن ذلك كله يشكل أساسا قويا لبناء تفاهم استراتيجي عربي‏-‏ صيني يشمل كل القضايا‏,‏ بما في ذلك القضايا الثقافية والحضارية‏، فالقيم الإسلامية والكونفوشيوسية تتعرض لهجمة غربية قوية تسعى إلى اعتماد القيم الغربية باعتبارها القيم الوحيدة المقبولة للتعامل الدولي‏.‏ كذلك‏، فإن صراع الحضارات قد زادت احتمالاته بعد‏11‏ سبتمبر وعلى العرب والصينيين أن يدخلوا في حوار حضاري شامل لإنتاج معرفة جديدة حول وجهات نظرهم فيما يتعلق بالقضايا الجديدة الناشئة عن العولمة مثل التدخل الإنساني،‏ وتحرير التجارة‏، ودور الثقافة والهوية الوطنية في التنمية‏.‏ لقد أوجدت العولمة فرصا كما أنتجت تحديات أمام العرب والصينيين‏، يجب دراستها ورصدها وتحديد أساليب التعامل المشترك معها وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والثقافية‏(‏الملكية الفكرية‏، القيم الثقافية وغيرها‏).‏ الخطوات المرحلية الزمنية

إن هذا كله لابد أن يقودنا إلى نتيجة أساسية وهي أن شبكة المصالح العربية‏-‏ الصينية قد توسعت وترابطت‏، ولم يعد من الممكن الفصل بين عناصرها‏.‏ وهو ما يتطلب بناء إطار مؤسسي للتعاون العربي الصيني‏، يتم من خلاله مناقشة عناصر شبكة المصالح وكيفية بلورتها ودفعها‏.‏ وقد أصدر مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه في‏18‏ مارس عام‏2000‏ قراره رقم‏5972‏ والذي وافق المجلس من خلاله على‏"مقترح إنشاء منتدى عربي‏-‏ صيني‏"، وتكليف الأمين العام للجامعة العربية بإجراء الاتصالات اللازمة مع الحكومة الصينية لبحث السبل الكفيلة بتنفيذ هذا المقترح‏.‏ وفي‏30‏ مايو عام‏2000‏ صرح لي تيانغ، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني‏، ورئيس الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في اجتماعه مع السفراء العرب في بكين بأنه يوافق على إنشاء هذا المنتدى‏.‏ الخطوات المرحلية الزمنية

والحق أن فكرة المنتدى هي فكرة جديرة بالاعتبار في ضوء المتغيرات التي سبقت الإشارة إليها‏، وفي ضوء خبرة الصين في إقامة منتديات جماعية‏، وأهمها المنتدى الصيني‏-‏ الإفريقي‏، والمنتدى الصيني‏-‏ الأوروبي‏، ومنتدى الآسيان‏+3‏. ويمكن أن يتم إنشاء المنتدى العربي‏-‏ الصيني في صورة إعلان مشترك بين الجانبين يتم بموجبه إنشاء مؤسسات حكومية وغير حكومية‏(‏ أكاديمية‏,، رجال أعمال‏، وفنون وآداب وغيرها‏).‏ الخطوات المرحلية الزمنية
إن الميزة الأهم لهذا المنتدى هي أنه يوفر آلية عربية جماعية للتعاون مع الصين‏، وبذلك فإنه يسهم في تنسيق ليس فقط السياسات العربية‏-‏ الصينية‏، وإنما أيضا السياسات العربية تجاه الصين‏، فضلا على أنه يشكل إطارا لحماية المصالح التي أشرنا إليها.‏ وتضمن مشروع المنتدى عقد مؤتمرات دورية على مستوى القمة ووزراء الخارجية والوزراء المتخصصين في القضايا الاقتصادية والثقافية، كما تضمن إنشاء أمانة عامة تنسيقية، ومجالس للتعاون  بين الأكاديميين ورجال الأعمال ورجال الفنون والآداب في الصين والبلاد العربية.الخطوات المرحلية الزمنية

وقد رأي الجانب الصيني أن يتم إنشاء هذا المنتدى من خلال خطوات تدريجية‏، والتدريج مطلوب بشرط أن يتفق الجانبان على الخطوات التدريجية التي ستتبع لكي تنتهي بإنشاء المنتدى في إطار جدول زمني محدد‏.‏ أما الاكتفاء بالتركيز على التدريج بدون خطة استراتيجية محددة لذلك‏، فإنه يعني تأجيل المشروع إلى أجل غير مسمى‏.‏ الخطوات المرحلية الزمنية

‏ إن هناك مياها كثيرة تتدفق تحت جسور العلاقات العربية الصينية‏، ولعل مما يبشر بالخير هو تسيير خط طيران بين بكين والقاهرة‏، وقرب تسيير خط طيران آخر بين شنغهاى والقاهرة‏.‏ والأهم من ذلك كله هو ضرورة البناء على السجل الإيجابي القائم‏، والتحلي بالصبر والإصرار‏، وعلى ضرورة تحديد الخطوات المرحلية الزمنية لتطوير العلاقات العربية‏-‏ الصينية وبناء المنتدى‏.‏ الخطوات المرحلية الزمنية

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

كلنا شرق
Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.