محتويات العدد 3 مارس (آذار) 2004

خمسون عاما من الصداقة بين الصين وأفريقيا

تسانغ باو تسنغ  الباحث بمعهد غرب آسيا وأفريقيا

 بالأكاديمية العلوم الاجتماعية

تاريخ التبادل بين الشعب الصيني والشعوب الأفريقية طويل، يرجع إلى قديم الزمان، وشاهدنا على ذلك، ضمن شواهد عديدة، الأسطول الذي قاده البحار الصيني تشنغ خه في فترة أسرة مينغ (1368-1644) إلى الساحل الأفريقي الشرقي ثلاث مرات. بعد تأسيس الصين الجديدة وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين استعادت الدول الأفريقية استقلاها وسيادتها، وواكب ذلك تطور علاقات التعاون والصداقة بين الصين وأفريقيا. بعد تحقيق الاستقلال  والتحرر الوطني، واجهت الصين وأفريقيا مهاما ومشاكل مشتركة ألا وهي تنمية الاقتصاد وتحقيق التحديث الاقتصادي؛ حماية سيادة الدولة واستقلالها وسلامة أراضيها ومقاومة الإمبريالية والاستعمار والعنصرية والهيمنة؛ حماية السلم العالمي ومقاومة سيطرة الدول الكبيرة على العالم ومعارضة سياسة القوة، وتعزيز وتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع العالم الثالث، وتعزيز تعاون الجنوب-الجنوب، وإقامة نظام سياسي واقتصادي دولي جديد. هذه المهام والمواقف المشتركة نفسها أرست أساسا راسخا لتمتين علاقات الصداقة والتعاون بينهما وتنسيق المواقف وتبادل الدعم في المحافل الدولية. بعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949، ومنذ أن أقامت الصين مع مصر العلاقات الدبلوماسية يوم 30 مايو 1956، أقامت الصين علاقات دبلوماسية  مع 51 دولة أفريقية من إجمالي 53  دولة في القارة السمراء ، واليوم هناك علاقات مع 45 دولة أفريقية. وتقول الأرقام إنه منذ زيارة أول وفد صيني أفريقيا في مارس 1957 إلى عام 1999، زار أكثر من 30 شخصا من كبار قادة الصين، على مستوى عضو مجلس الدولة فما فوق، أكثر من 40 بلدا أفريقيا. يشمل ذلك زيارة ثلاثة من رؤساء الصين ونائب للرئيس وزيارة ثلاثة رؤساء لمجلس الدولة أكثر من 30 دولة أفريقية. وفي نفس الفترة زار أكثر من 80 رئيسا أفريقيا من أكثر من 50  دولة أفريقية الصين أكثر من 120 مرة، وزار أكثر من 30 رئيس حكومة أفريقية الصين. في فترة تأجج حركة الاستقلال الوطني الأفريقية، من أواسط خمسينيات إلى نهاية ستينيات القرن العشرين، قدمت حكومة الصين الدعم لنضال الشعوب الأفريقية العادل في سبيل تحقيق الاستقلال القومي ومعارضة التدخل الأجنبي وحماية سيادة البلاد، مما كسب ثقة وصداقة الدول الأفريقية. في تلك الفترة زار رئيس مجلس الدولة الراحل تشو ان لاي 10 دول أفريقية من نهاية 1963 إلى بداية 1964، وهذه الزيارة تعد معلما في تاريخ علاقات الصداقة الصينية الأفريقية. بعد ذلك أقام عدد كبير من الدول الأفريقية العلاقات الدبلوماسية مع الصين. في سبعينيات القرن الماضي، استعادت الصين مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، فزاد دعم وتأييد الصين لنضال الشعوب الأفريقية ضد الإمبريالية والاستعمار والهيمنة، وهو الأمر الذي دفع كثيرا العلاقات الصينية الأفريقية، فأقامت 24 دولة أفريقية علاقات دبلوماسية مع الصين خلال عشر سنوات. في ثمانينيات القرن العشرين تبنت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، التي تؤكد على البناء الاقتصادي ولكنها مازالت تولي أهمية لعلاقات الصداقة والتعاون مع الدول الأفريقية. عندما زار قادة الصين 11 بلدا أفريقيا في نهاية عام 1983 وبداية عام 1983 حددوا المبادئ الأربعة للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين الصين والدول الأفريقية، وهي: "المساواة والمنفعة المتبادلة والاهتمام بالنتائج الواقعية وتنويع وسائل التنمية المشتركة". حظيت هذه المبادئ بدعم إيجابي وموافقة الدول الأفريقية. وبإرشاد من هذه المبادئ  ظهر وضع جديد للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول الأفريقية. في التسعينيات، شهد الوضع الدولي تغيرا هائلا. ومن أجل تعزيز العلاقات الودية بين الصين والدول الأفريقية، طرح  الرئيس الصيني الأسبق يانغ شانغ كون عام 1992 في زيارته لأفريقيا ستة مبادئ: أن تدعم الصين الدول الأفريقية في جهودها لحماية سيادة الدولة والاستقلال الوطني ومعارضة التدخل الأجنبي والتنمية الاقتصادية؛ أن تحترم الصين أفريقيا في اختيار النظام السياسي وطريق التنمية وفقا لوضع بلدانها؛ أن تدعم الصين الدول الأفريقية في تعزيز التضامن والتعاون والاتحاد والتقوية الذاتية وحل الخلافات بين الدول بالتشاور؛ أن تدعم الصين جهود منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا) لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية وتحقيق العولمة الاقتصادية في القارة الأفريقية؛ أن تدعم الصين مشاركة الدول الأفريقية كأعضاء متساوين في الشؤون الدولة في إقامة نظام سياسي واقتصادي دولي جديد عادل ومنصف؛ أن الصين ترغب في تطوير التعاملات الودية والتعاون الاقتصادي بأشكال مختلفة مع الدول الأفريقية على أساس مبادئ التعايش السلمي. هذه المبادئ الجديدة هي الأسس التي تستند إليها الصين في تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية. بعد عام 1995 زار الرئيس الصيني السابق جيانغ تسه مين ورئيس مجلس الدولة السابق تشو رونغ جي أفريقيا، مما أعطى دفعة لتطور العلاقات الصينية الأفريقية. أثناء زيارته لأفريقيا عام 1996 قدم جيانغ تسه مين خمسة اقتراحات للعلاقات الصينية الأفريقية المتجهة نحو القرن الحادي والعشرين، تقوم على الاستقرار الدائم والتعاون الشامل، ومحورها "الصداقة المخلصة، المعاملة بالمساواة، التضامن والتعاون، التنمية المشتركة، مواجهة المستقبل". توضح هذه الاقتراحات بجلاء دعوة الصين بتطوير علاقاتها الودية والتعاونية مع الدول الأفريقية في الفترة الجديدة. بعد ذلك بأربع سنوات، زار الرئيس جيانغ تسه مين أفريقيا مرة أخرى، وأكد من جديد على أن الصين تهتم بأفريقيا دائما، وأن تعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية ومنها الدول الأفريقية مكون هام دائما للسياسة الخارجية الصينية المستقلة والسلمية. من أجل التعبير عن الرغبة المشتركة في حماية الشعب الصيني والشعوب الأفريقية للسلام، زار أسطول القوات البحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني تنزانيا من 28 إلى 29 يوليو 2000، في سابقة هي الأولى من نوعها بعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949. عززت هذه الزيارة علاقات الصداقة الصينية الأفريقية. في السنوات الخمسين الأخيرة، قامت الصين وأفريقيا على المستويات الحكومية والشعبية بالتعاون الفعال في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والصحة والثقافة والتعليم، وحققت إنجازات كبيرة في مختلف المجالات. على الصعيد السياسي، استعادت الصين وضعها الشرعي في الأمم المتحدة عام 1971 بدعم كبير من الدول الأفريقية. وفي قضية تايوان الصينية، تنتهج الدول الأفريقية التي لها علاقات دبلوماسية مع الصين سياسة "صين واحدة" منذ سنوات طويلة، وتؤيد الصين في نضالها العادل لتحقيق وحدة البلاد. منذ تسعينيات القرن الماضي، قدمت بعض الدول الغربية ما يسمى"مشروع وضع حقوق الإنسان في الصين" على مدى سبع سنوات متتالية للأمم المتحدة لتتدخل في شؤون الصين الداخلية بذريعة مشكلة حقوق الإنسان، ولم تتم إجازة المشروع في أي مرة والفضل في ذلك يعود إلى دعم الدول النامية، ومنها الدول الأفريقية. على الصعيد الاقتصادي، بدأت الصين تقدم المساعدات لأفريقيا منذ عام 1956. خلال أكثر من أربعين عاما بعد ذلك  قدمت الصين أنواعا مختلفة من المساعدة لثلاثة وخمسين بلدا أفريقيا. حيث ساعدت الدول الأفريقية في إنجاز بناء نحو ثمانمائة مشروع بمعونات مالية، منها مشروع سكة حديد تنزانيا - زامبيا  الذي يعد نموذجا لهذه المساعدات، فهو معلم للصداقة الصينية الأفريقية. بعد الثمانينيات، إلى جانب تقديم المساعدات بمجموعات الأجهزة، قدمت الصين المساعدة التقنية والعينية. منذ عام 1986، قدمت حكومة الصين مساعدة متعددة الأطراف لاثنين وأربعين بلدا أفريقيا، ودربت أكثر من ستمائة وستين فنيا للدول الأفريقية. في عام 1995، عدلت الصين سياسة المساعدات الخارجية، الأمر الذي  لقي ترحيبا من الدول الأفريقية. حاليا الصين لها علاقات اقتصادية وتجارية مع أكثر من خمسين بلدا أفريقيا. ويجري بصورة شاملة التعاون ذو المنفعة المتبادلة بين الصين وأفريقيا في التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي ومقاولة المشروعات والعمالة. أقامت الشركات الصينية أكثر من 150 مركزا تجاريا أو مكتبا تمثيليا وأكثر من مائتي شركة تجارية أو مركز توزيع في أفريقيا. وازداد حجم التبادل التجاري  بين الصين وأفريقيا من 64ر2 مليار دولار أمريكي عام 1994 إلى 48ر6 مليارات دولار أمريكي عام 1999. واستثمرت المؤسسات الصينية 130 مليون دولار في أفريقيا عام 1999. على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية حقق التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الأفريقي تقدما متواصلا في السنوات الأخيرة، مما قدم إسهاما هاما للتطور الشامل والسريع للعلاقات الصينية الأفريقية. التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الأفريقي يتسم بعنصر التكاملية في مجالات كثيرة وينتظر مزيدا من الاستكشاف والجهود المشتركة من الطرفين واتخاذ إجراءات مختلفة لدفع التجارة والاستثمار والتنازل عن التكنولوجيا حتى ترتفع نوعية هذا التعاون إلى مستوى جديد. إلى يونيو 2000 وبفضل دعوة جيانغ تسه مين نظمت الصين أربع دورات تدريبية لمسئولي الإدارة الصينيين والأفارقة، الأمر الذي  لعب دورا إيجابيا في دفع تبادل مسئولي الإدارة الصينيين والأفارقة تجارب التنمية وتعزيز التعارف بينهم والتعرف على أسلوب التنمية للبناء الاقتصادي الصيني، خاصة التجارب والدروس التي حققتها الصين منذ تبنيها سياسة الإصلاح والانفتاح، كما أنه تجسيد ملموس لرغبة الصين حكومة وشعبا في تعزيز الصداقة والتعاون وتحقيق التنمية المشتركة مع أفريقيا. إلى جانب ذلك بعثت الصين من عام 1963 إلى عام 1999 العديد من الفرق الطبية لمساعدة أكثر من أربعين بلدا أفريقيا بلغ إجمالي عدد أعضائها 16 ألفا، عالجوا نحو ثلاثمائة مليون مريض. التضامن

 ومن أجل تعزيز التشاور والتعاون بين الصين وأفريقيا، وباقتراح من بعض الدول الأفريقية، دعت حكومة الصين إلى إقامة "منتدى التعاون الصيني الأفريقي- المؤتمر الوزاري لعام 2000" في بكين في أكتوبر عام 2000، في أول سابقة من نوعها في تاريخ العلاقات الصينية الأفريقية وتاريخ دبلوماسية الصين الجديدة، كما أنه كان إجراء هاما وتجربة مفيدة قامت بهما حكومة الصين لتعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين الصين وأفريقيا في القرن الجديد، ولعب دورا دافعا للتعاون الصيني الأفريقي سياسيا واقتصاديا وتجاريا وثقافيا. في ديسمبر 2003 أقيمت الدورة الثانية لهذا المنتدى في أديس أبابا، التي أصدرت "خطة أديس أبابا للأعمال 2004-2006"، أوضحت هذه الخطة الفكرة الجديدة والإجراءات الجديدة للتعاون الصيني الأفريقي في تنمية الموارد البشرية وبناء الإنشاءات الأساسية الزراعية والاستثمار والتجارة بالتعاون العملي والأعمال النشيطة. التضامن

إن أفريقيا تحتاج إلى الصين بقدر حاجة الصين لأفريقيا. منذ خمسين عاما تشاطر الصين والدول الأفريقية السراء والضراء في تطوير العلاقات الدولية وبناء دولها وتنميتها وتبادل الدعم والتعاون الوثيق، فأنشأ الجانبان صداقة عميقة. الصين حريصة على الصداقة التقليدية والعلاقات التعاونية مع أفريقيا، ولن تغير سياستها لتعزيز التضامن والتعاون مع أفريقيا أيا كانت التحولات التي تشهدها الساحة الدولية. التضامن

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

موضوع تسجلي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.