محتويات العدد 3 مارس (آذار) 2004

ذيكل منهما البي إم والكارو صراع غير متكافئ! يغذي كل منهما

 

تشهد المدن الصينية ظواهر ربما لا تختلف عن كثير من حواضر العالم الكبرى، ولكن  الزيادة السريعة في أعداد سيارات بي إم دبليو الفاخرة تثير الانتباه حقا، فيما يراه البعض تحولا من أثرياء الصين عن التفضيل السابق للمرسيدس. ومن الملاحظ أيضا أن راكبي البي إم من الشباب عادة، والنساء بخاصة. يغذي كل منهما

بعيدا عن هذه الرؤية، يعبر انتشار السيارات الفاخرة في الصين عن ظاهرة أخرى، تحظى باهتمام كبير من جانب الرأي العام الصيني، ولعل ما وقع في السادس عشر من أكتوبر العام  الماضي يكشف عن حساسية الرأي العام تجاه العلاقة المتبادلة بين المال والنفوذ، وهي علاقة ليست بريئة كثيرا، عندما تشم فيها رائحة الفساد. الذي وقع هو حادث طريق مثل آلاف الحوادث التي تقع بالصين يوميا، ولكن هذا الحادث بالذات أثار اهتماما وصل  المستويات القيادية العليا. وبالطبع الاهتمام ما كان ليكون لولا أجواء حرية الصحافة التي تتنامى، فلو لم يكشف الإعلام عنه لراح في طي الكتمان مثل كثير غيره. يغذي كل منهما

في ذلك اليوم كان داي يي تشيوان والسيدة زوجته ليو تشونغ شيا يسيران بعربتهما الكارو، والتي هي عبارة عن دراجة ذات ثلاث عجلات، المحملة ببصل أخضر في أحد الشوارع الضيقة بحي داولي في هاربين، عاصمة مقاطعة هيلونجيانغ. من الاتجاه الآخر كانت هناك سيارة قادمة، حاول السيد داي تفاديها بالانعطاف قليلا جهة اليمين، ولحظه العاثر خدشت الكارو حافة مرآة البي إم دبليو، إكس5 التي كانت واقفة. ولتزداد البلة طينا سقط بعض من بضاعة الرجل فوق الليموزين بل غطت المرآة تماما. وعلى الفور قفزت الرشيقة سو شيو ون وشقيقتها المدللة من السيارة وانهالتا ضربا على الرجل وهي تصيح فيه.. كيف ستعوض الخسارة التي سببتها؟ وهي محقة في سؤالها، فالرجل ربما إذا باع كل ما يملك لا يستطيع دفع ثمن مرآة بي إم. ولأن السيد داي يعلم أنه هو المخطئ فقد تحمل اللكمات هو والسيد قرينته دون أن يردا بمثلها، أو حتى بأقل منها. وكالعادة في مثل هذه المواقف بالصين، تجمع الناس بسرعة، كأن الأرض انشقت وخرجوا منها. وكالعادة أيضا في أغلب الأحوال وقفوا يستمتعون بالمشهد الميلودراما، ولكن واحدا من المتفرجين تقدم باقتراح أن تتحرك البي إم قليلا إلى الخلف فتنسحب من تحت كومة البصل. وبالفعل صعدت الجميلة سو وشقيقتها السيارة، ولكن، ولدهشة الجميع، بدلا من أن تتحرك السيارة إلى الخلف اندفعت إلى الأمام بقوة فأردت السيدة ليو، حرم داي، قتيلة، وأصابت 12 شخصا من الواقفين. يغذي كل منهما

   في شهر ديسمبر العام الماضي نظرت محكمة حي داولي بمدينة هاربين القضية واعتبرتها حادثة مرور سببها إهمال السيدة سو التي حكم عليها بسنتين سجن مع وقف التنفيذ. وخارج أروقة المحكمة تمت تسوية القضية بين عائلة سو وداي يي تشيوان، حيث دفعت أسرة سو مبلغ 90 ألف يوان، أي 11 ألف دولار أمريكي تعويضا للزوج المكلوم،  كما قبض المصابون الإثنا عشر 180 ألف يوان، أي 22 ألف دولار أمريكي. يغذي كل منهما

هذه الحادثة أثارت جدلا كثيرا كان الإنترنت هو ساحته. كثيرون اتهموا الأثرياء بأنهم يدوسون بأقدامهم غير المحظوظين من فقراء البشر، وباتت البي إم  وعربة الكارو المحملة بالخضار رمزا للذين يملكون والذين لا يملكون. وسرت شائعات بأن السيدة سو زوجة ابن مسؤول كبير بالمقاطعة وأن علاقاتها هي التي يسرت لها كل هذا، ولكن عائلة سو والمسؤول الذي ذكر اسمه نفوا ذلك. والحقيقة أنه لا سو ولا زوجها قوان منغ بو لهم أقارب في مناصب حكومية رفيعة، ولكن الحقيقة أيضا أن فجوة الثراء بين أسرة داي وأسرة قوان هائلة؛ فالأولى تعيش على ما تجود به الثلاث هكتارات من الأرض التي يزرعونها بالمقاولة، وفي أحسن الأحوال يكون عائدها 10 آلاف يوان سنويا، أي ألف ومائتي دولار أمريكي. وإذا كان زوج السيدة سو قد نفى أنه رئيس العديد من الشركات فإنه لم ينكر أنه يعمل في شركة يرأسها شقيقه، شركة قوانيانغ التي  يبلغ رأسمالها المسجل 12 مليون دولار أمريكي. كما كشفت سجلات مكتب الأعمال التجارية في المقاطعة أن قوان نفسه رئيس شركة لونغهاي هاربين لتنمية واستثمارات السوق التي تبلغ قيمة أصولها 15 مليون يوان، أي مليون وثمانمائة ألف دولار أمريكي. وإذا كان السيد قوان قال للصحافة إن مبلغ 15 مليونا ليس كبيرا فإنه اعترف بأن ثمن البي إم 800 ألف يوان وأنه أنفق 55 ألفا أخرى ليحصل على لوحة أرقام شخصية جدا لها هي AL 6666، فالصينيون يقرؤون مكانة وثراء الفرد من لوحة أرقام سيارته. يغذي كل منهما

المثير أنه بعد أن دفع الزوج الثري التعويض السخي للرجل الذي فقد زوجته، اعتبر الثاني الأول صديقا له وقال إن قوان يزوره الآن كل عدة أيام، ولكنه أوضح أنه صديق قوان فقط وليس زوجته التي دهست أم العيال بسيارتها. أما الجميلة سو فإنها كلما تحدثت للصحافة والتلفزة تنفجر في البكاء وتقول إن أحدا لا يفهم مشاعرها، وتقول "إنني سببت ألما لغيري ولكن أنا نفسي ضحية، ليس هناك مكان أتوارى فيه، فقد صورني مستخدمو الإنترنت على أنني شيطان. وقال الزوج إنني أدعو الصحافة أن تأتي إلى بيتي لترى زوجتي من أي نوع. ولكن هل يغفر لها فعلتها أنها زوجة لطيفة وديعة؟ يغذي كل منهما

جدل الثراء والفقر الذي أثارته حادثة البي إم كشف عن المشاعر غير الودية تجاه الأثرياء في الصين، ومازلت أحتفظ بخبر نشره جهاز إعلامي صيني حول هذا الموضوع، وهو كما يلي: يغذي كل منهما

يواجه عدد من الصينيين الأثرياء الناشئين بعض المتاعب، من مواجهة اتهامات بالتهرب الضريبي، إلى المضايقات من قلة من الأوغاد، وأحيانا القتل، وهذه المجموعة من الناس ليست خالية من الهموم، فهم دائما هدف  لعقلية "الحقد على الأثرياء" التي أصبحت واضحة بشكل كبير في بعض قطاعات المجتمع. يغذي كل منهما

وفقا لأعضاء بالمجلس الوطني لنواب الشعب، الهيئة التشريعية العليا في الصين، وأعضاء باللجنة الوطنية للمجلس الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أعلى جهاز استشاري في الصين، هذه العقلية ليست سوية وغير عادلة تجاه معظم هؤلاء الناس. يغذي كل منهما

يقول تشانغ قوه شي، وهو صاحب شركة  خاصة ناجحة في مقاطعة جيانغتشي، شرقي الصين، وعضو اللجنة الوطنية العاشرة للمؤتمر الاستشاري السياسي، إن الأثرياء حققوا اليسر والثراء من خلال عمل أمين وحاذق بمساعدة من السياسات الداعمة للأعمال من جانب الحكومة الصينية. وأضاف تشانغ، المصنف في المرتبة الثانية والأربعين في قائمة مجلة فورشن الأمريكية العام الماضي لأثرياء  الصين، بأنهم يقدمون مساهمات مهولة للمجتمع من خلال توفير فرص العمل ودفع الضرائب للدولة التي تنص عليها القوانين المعنية ويقدمون تطوعيا التبرعات. وقال تشانغ إنه نفسه تبرع بما يزيد على 20 مليار يوان (2,41 مليار دولار أمريكي) لقضايا اجتماعية وعامة في السنوات الأخيرة. ويشجع تشانغ الرأي العام على تبني  توجه سليم تجاه مفهوم أصول الملكية وتجاه الذين حققوا الثراء أولا في البلاد. يغذي كل منهما

ويقول البروفيسور تشنغ مي، الأستاذ بكلية الصحافة في جامعة رنمين الصينية "المشاعر غير الودية تجاه الأثرياء والتعاطف مع الفقراء أحد العوامل الدافعة وراء هذا الجدل، فالناس تكره الأثرياء الجدد لأنهم يؤمنون بالقول القديم  بأن الغني ليس عطوفا، وقد ثبتت هذه الرؤية من قبل" يغذي كل منهما

ويرى كثيرون أن الفلوس التي دفعها قوان ليست تعبيرا عن اعتذاره أو مواساته وإنما وسيلة لتكميم أفواه الشهود، وإذا كان واحد من أسرة القتيلة قد نفى أن يكون قوان قد مارس ضغطا على أسرته فإن الضغط غير منظور، وقد حصل واحد من المصابين بإصابة طفيفة تعادل خدش ظفر على مبلغ 2700 يوان، أي 250 دولار أمريكي. وقال واحد من الذين كانوا بمسرح الحادثة إنه سمع السيد قوان يربت على كتف زوجته عندما جاء إلى المكان راكبا سيارته المرسيدس، ويقول لها لا تقلقي.. مليون يوان تنهي المشكلة. يغذي كل منهما

وبعيدا عن جدل فني آخر حول إدعاء السيدة سو بأنها لم تقصد الاندفاع إلى الأمام وأن يدها خانتها وهي على عصا النقل، وأن ذلك كما قال زوجها نتيجة قلة خبرتها في القيادة، برغم أنها حصلت على رخصة القيادة عام 1997، ولكنه أوضح أنها لم تجر الاختبار المطلوب بنفسها فقد قامت بهذا الدور فتاة أخرى‍!‍‍ هذا في حين أكد داي تشيوان أنه سمع من الحسناء ذات البي إم تقول له إنها ستطرحه أرضا قبل أن تركب سيارتها الفاخرة. يغذي كل منهما

الصحافة أجرت تحقيقات تؤكد كلها أن الهيئات القضائية تعاملت برفق بالغ مع السيدة سو، فقد أفرجت المحكمة مؤقتا عنها بحجة أنها تعاني من صداع، وهو مرض لا يخول الإفراج لأسباب طبية. وقال القاضي الذي أصدر الحكم، السيد قاو روي تشيانغ، إنني كنت عادلا وغير متحيز! يغذي كل منهما

قضية البي إم، مثل قضية سون تشي قانغ، الذي أُخذ ظلما إلى بيت للمتشردين في قوانغتشو، وضُرب حتى الموت، ما كانت لتحظى بهذا الاهتمام لولا الصحافة، ولكن هناك اختلافا كما تقول الخبيرة الإعلامية تشن مي، وهو أن قضية موت سون تشي قانغ حملتها صحيفة خاصة جدا هي أخبار المدينة الجنوبية، والنسخة التي تم بثها على الإنترنت وصلت كل مكان وأثارت اهتمام القانونيين. قضية سو ظهرت أولا على الإنترنت وليس في الصحافة الورقية، إلى أن تناولتها الصحف الرئيسية ووصلت الحكومة المركزية. وتضيف تشن بأن هناك دلائل كثيرة على أن القيادة الجديدة في الصين تولي اهتماما أكثر لمشاعر الناس، مؤكدة أن الشفافية في الحكم بجعل الناس يعرفون الحقيقة هي السبيل القويم على طريق التحول الديمقراطي. يغذي كل منهما

رائحة الفساد لم تكن بعيدة عن قضية البي إم، وليس صحيحا تماما أن الناس تكن مشاعر معادية للأثرياء، فكما يقول الصحفي تشيو فنغ، الناس في العادة تحترم السلطة والثروة، ولكن عندما يُساء استخدامهما يغير الناس رؤيتهم ويقود ذلك إلى دائرة مفرغة من انعدام الثقة لا يمكن الخروج منها إلا باتخاذ الحكومة والجهات المعنية إجراءات حقيقية لتغيير هذه المفاهيم. ويوضح يان ليه شان، المعلق المشهور، أن شكوك الرأي العام في قضية البي إم دبليو ليست باطلة تماما لأن الفساد له ظلال طويلة على الناس، فبمجرد أن يستشعروا أن هناك يدا خفية في الأمر يميلون إلى الاعتقاد بأن ثمة متلاعبين خلف الكواليس، فالمسؤولون وكبار رجال الأعمال درع لبعضهم البعض، ويقول إن الافتقار إلى الشفافية والانحراف توءم يغذي كل منهما الآخر. يغذي كل منهما

واحد من جمهور الإنترنت، لي شو قوه، كتب في تشينا نيوز دوت كوم يقول "إن الرأي العام مازال لديه الأمل في أن تصل الحكومة المحلية إلى الحقيقة، فإذا فقدوا الثقة ستكون أسوأ كارثة.   يغذي كل منهما    

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

موضوع تسجلي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.