محتويات العدد 3 مارس (آذار) 2003

معهد إسلامي ببكين يرفع شعار حب الوطن

استطلاع: حسين إسماعيل

عدسة : تشانغ جينغ ده

في دقائق قليلة عبر الهاتف تم ترتيب زيارة "الصين اليوم" لمعهد بكين للعلوم الإسلامية. في اليوم التالي كان ""وانغ" سائقنا البكيني المحترف، يقودنا إلى حي شيوانوو الذي يقع فيه المعهد. لم يكن صعبا أن نلمح بناية المعهد ونحددها عن بعد. فالقبة الخضراء والطراز المعماري العربي الإسلامي المميز واللون الأبيض، لا بد وأن يكون مختلفا عن تلك البنايات المنخفضة القديمة الكالحة التي تحيط بالمعهد. بعد أن أثبت "وانغ" مهارته في اجتياز الأزقة حول المعهد دخلنا إلى بوابته، وهو دخول استلزم قدرات قيادية خاصة للانعطاف يمينا وبسرعة يسارا مرة أخرى للوصول إلى الفناء الضيق للمعهد.إلى الفناء الضيق للمعهد.

داخل المعهد كنا في عالم آخر يختلف جد الاختلاف عن كل شيء يحيط به الملبس، الحرف المكتوب والمنطوق، كلمات التحية وعبارات الترحيب. ما أن صعدنا بضع درجات سلم للوصول إلى الرواق الرابط بين المسجد الملحق بالمعهد وبناية المعهد حتى انعطفنا يمينا لدخول قاعة الاستقبال. كان الذي استقبلنا حقا هو تلك اللوحة المكتوبة باللغتين العربية والصينية بحروف نحاسية صفراء لامعة : حب الوطن من الإيمان. أثارت العبارة في خاطري سؤالا: هل من الممكن ألا يحب إنسان وطنه؟! وتذكرت ما جاءت به كتب التراث من أن الرسول الكريم (صلعم) عندما خرج من مكة، قاصدا المدينة، وقف خارجها ومد بصره إليها وقال: والله إنك لأحب البلاد إلي، والله لو لم يخرجوني منك ما خرجت. مكة، التي ذاق فيها عذابا ما بعده عذاب، ظلت أحب البلاد إليه،(صلعم). إن الأوطان تسكننا وليس نحن نسكنها. تلك كانت ملاحظة عابرة أردت تسجيلها بأن طلبت من زميلنا تشانغ أن يلتقط صورة للوحة.إلى الفناء الضيق للمعهد.

مثل أي مؤسسة تعليمية، المعهد يبث فيك روحا سامية، والسمو هنا له أبعاد أخرى، فكل طالبة وطالب في قاعات الدرس يحمل قصة كفاح وأملا وطموحا لفرد اختار طريقا خاصا، أن يدرس علوم الدين ولغة يعترف الجميع بأنها من أصعب اللغات.إلى الفناء الضيق للمعهد.

المعهد تأسس في عام 1985، وكان أصلا دورة لإعداد الأئمة  بمسجد دونغسي ثم انتقل إلى مقره الحالي عام 1994، وهو المقر الذي أقيم بتمويل من بنك التنمية الإسلامي وتبلغ مساحته الإنشائية 6500 متر مربع، ويتكون المعهد من عمارة التدريس والمسجد  والميضأة والسكن والمطعم وقاعة الاجتماعات وغيرها من البنايات المتعددة الأغراض، ويدرس فيه حاليا160 طالبا منهم 40 طالبة. والمعهد  واحد من عشرة معاهد بالصين تحمل نفس الاسم.. معهد العلوم الإسلامية .إلى الفناء الضيق للمعهد.

شروط الدراسة بالمعهد هي أن يكون الطالب مسلما حاصلا على من الشهادة الثانوية،  ولا يقل عمره عن 18 سنة، وتكاليف الدراسة والإقامة 5000 يوان للسنة الواحدة، وهناك فرعان للدراسة، قسم لإعداد الأئمة ومدة الدراسة به أربع سنوات  وقسم اللغة العربية ومدة الدراسة به سنتان.إلى الفناء الضيق للمعهد.

مدير المعهد تيه قوه شي؛ وهو واحد من ثلاثة مدراء للمعهد، ولعله الوحيد منهم الذي يعرف قليلا من الكلمات العربية، أكد أن معهدهم هو أفضل معهد من بين العشرة معاهد للعلوم الإسلامية في الصين، مشيرا إلى العلاقة القوية التي تربط بين أساتذة المعهد وطلابهم وطالباتهم، واجتهادهم في أداء رسالتهم التعليمية، ولكنه أشار إلى أن أساليب التدريس في المعهد متأخرة نسبيا مقارنة مع الجامعات الصينية، فالوسائل التعليمية قديمة والكتب الدراسية لم تجدد منذ فترة طويلة وبخاصة في مجال العلوم الدينية، وقال إن المعهد يأمل أن تتوفر لأساتذته فرص تدريب ودراسة متعمقة سواء في اللغة العربية أو العلوم الإسلامية بالدول العربية والإسلامية. ولعلنا هنا نفتح صفحة منسية لدي الدول العربية، ففي الوقت الذي يضع أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى الاهتمام بالجاليات العربية في الخارج على قمة أوليات الجامعة العربية ينبغي النظر إلى المسلمين في الصين باعتبارهم من هذه الجاليات، فتلك الأسماء الشائعة بين أبناء قومية هوي المسلمين مثل "ما" والذي هو اختصار محمود و"مو" والذي هو اختصار "محمد" دليل ناطق على أصولهم العربية كما أن تلهف هؤلاء الناس واعتزازهم بجذورهم العربية غير خاف. شاب من أساتذة المعهد قدم نفسه لي قائلا: أجدادي من العرب، وكانت ملامحه تنطق بأكثر من كلماته.إلى الفناء الضيق للمعهد.

سألت مدير المعهد عن مشاكل طلابه وقال الإجابة التي توقعتها.. العمل بعد التخرج. حقيقي أن المعهد يحاول بعلاقاته مع الجمعية الإسلامية ببكين ومساجد بلدية بكين، وهي بالمناسبة 69 مسجدا منها 20 بالمنطقة الحضرية، يحاول إيجاد فرص لخريجيه الذين يدرسون في قسم الأئمة ولكن هذا لا يكفي، وبخاصة لخريجي قسم اللغة العربية.إلى الفناء الضيق للمعهد.

كان الحوار مع الطلاب متعة لرحلة مع عقول شابة وقلوب بريئة آملة في مستقبل أفضل. معظم الطلاب قادمون من خارج بكين، من شينجيانغ ويوننان وجيلين وتيانجين، لقب أسرة أكثر من نصفهم هو "ما"، يحملون إضافة إلى أسمائهم الصينية أسماء عربية.. خديجة، نورا، زينب، محمد، حمزة، أحمد الخ..إلى الفناء الضيق للمعهد.

هؤلاء الطلاب تدفع أسرة كل واحد منهم خمسة آلاف يوان أي نحو ستمائة دولار أمريكي في السنة لتعليم ابنهم أو ابنتهم  اللغة العربية أو علوم الدين. وهذا المبلغ ليس قليلا بالنسبة لهؤلاء القادمين من مناطق فقيرة.. ولكنه الأمل في مستقبل أفضل.إلى الفناء الضيق للمعهد.

سألت المجموعة التي جلست بينها ما هي المشكلة التي تقلقكم بشأن المستقبل.. وكانت الإجابة واحدة.. العمل. معظم الدارسين في قسم اللغة العربية يريد العمل في الترجمة أو مواصلة الدراسة.. لخدمة المسلمين كما قال ما يي أو حمزة، الشاب المبتسم دائما. ومشكلة العمل تكون أكثر صعوبة لفئة خاصة من بينهم.. الطالبات المحجبات، فكما قالت خديجة أو ما تشن. إن ارتدائها الحجاب يشكل عائقا أمامها في الحصول على فرصة عمل، وعندما سألتها، لماذا تلبسين حجابا إذن؟ قالت: أمي أوصتني بذلك وأنا أثق في إيمان أمي. خديجة حاصلة علي المركز الثاني في المعهد في تجويد القرآن الكريم في مسابقة شهر رمضان.إلى الفناء الضيق للمعهد.

أكثر ما أدهشني هو تلك العلاقة الحميمة والروح المرحة التي تسود بين هؤلاء الطلاب، فعندما كانت زينب تتحدث عن أسباب ارتدائها الحجاب قاطعها حمزة مازحا بقوله.. لأن الجو بارد.إلى الفناء الضيق للمعهد.

وعندما طرحت عليهم فكرة أن نساعدهم في التواصل بالمراسلة مع أصدقاء المجلة في العالم العربي رحبوا وقالوا إنها فكرة جيدة ويتمنون أن يكون لهم أصدقاء وصديقات من العرب.إلى الفناء الضيق للمعهد.

انتهت زيارتنا القصيرة لمعهد بكين للعلوم الإسلامية ولكن مشاهد الأساتذة والطلاب والبناية ذاتها لم تذهب عن خاطري، ومنيت نفسي بزيارة أخرى لهم.إلى الفناء الضيق للمعهد.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.