محتويات العدد 6 يونيو (حزيران) 2004
م

 

أبوعلى  جاء من عمان، وتزوج كورية ودفن في الصين

 

في زيارة قصيرة لمدينة نانجينغ، عاصمة مقاطعة جيانغتسو، جنوبي الصين، لم أر كثيرا من التغير بها، منذ زيارتي السابقة لها عام 1995؛ ولعل سرعة التغير الذي تشهده بكين، عاصمة البلاد، تُفقد المقيم بها القدرة على ملاحظة ما يتبدل، بمعدلات أقل، في أماكن أخرى. ومثل كل مدن جنوب الصين، نانجينغ الدافئة في منتصف إبريل، وقت الزيارة، بتضاريسها الساحرة جعلت إقامتي بها متعة بين الغابات التي يتوسطها فندق مركز المؤتمرات الدولية، ولكن متعة نانجينغ الكبرى هذه المرة كانت لقائي مع البروفيسور ليو ينغ شن، رئيس معهد الدراسات الآسيوية بجامعة نانجينغ، أمين عام ونائب رئيس الجمعية الوطنية الصينية لدراسات أسرة يوان- المغول. أبو على العماني  

عندما رأيته، لأول مرة، أمام بوابة جامعة نانجينغ أدركت مرة أخرى معنى تواضع العلماء، ولكن هذا التواضع لم يكن ليمنع البروفيسور ليو من التأكيد على أن جامعة نانجينغ التي يمتد عمرها أكثر من مائة عام تحتل المرتبة الثالثة في الأهمية بجامعات بر الصين الرئيسي بعد جامعتي بكين وتشينغهوا بالعاصمة الصينية. وعندما جلست أمام الرجل تأكدت أنني أمام بنك معلومات لمعارف تاريخ الإسلام والمسلمين في الصين، معارف موثقة ومحققة، ووجدت شهيتي للطعام الذي أمامي بأحد مطاعم الجامعة تتضاءل أمام نهمي لمعارف الرجل.  أبو على العماني  

حدثني البروفيسور ليو عن الوجود الإسلامي في نانجينغ قائلا إنها كانت ذات يوم أكبر تجمع إسلامي في الصين، وكان ذلك في منتصف فترة أسرة مينغ (1368 – 1644م) بعد انهيار أسرة يوان (1271 – 1368م) التي كانت للمسلمين خلالها مكانة خاصة. وقال إن نانجينغ كان بها عدد كبير من المساجد أضخمها المسجد الذي بناه خلال فترة أسرة مينغ البحار المستكشف العظيم تشنغ خه (1371 – 1425م) الذي قاد أسطولا ضخما أتم سبع رحلات استكشافية بحرية وصلت البلدان العربية، وقال إن هذا المسجد مازال موجودا ولكن بحجم أصغر كثيرا مما كان بسبب استيلاء السكان المجاورين على بناياته. كما تحدث عن تاريخ المسلمين في الصين وتاريخ الدراسات الإسلامية بها أيضا، مشيرا إلى أن اليهود عندما جاءوا الصين كانوا يقيمون في أحياء المسلمين لدرجة أن أطلق عليهم "هوي ذوي الطاقية الزرقاء" تمييزا لهم عن المسلمين الذين يسمونهم في الصين "هوي". هذا الحديث عن اليهود جعل حديثنا يتطرق إلى مركز الدراسات اليهودية في نانجينغ، وقد صحبني البروفيسور ليو في جولة داخل الحرم الجامعي ورأيت المركز اليهودي الذي يتولى رئاسته البروفيسور شو شين، وقد عاينته من الخارج فوجدته يحتل الطابق العلوي لبناية من طابقين مستقلة تختلف عن البنايات العالية المحيطة بها، وهو عبارة عن أربع غرف تقريبا، موقعه يتوسط الحرم الجامعي في مكان مميز مرئي لكل من يدخل الجامعة من بابها الرئيسي، ولما كان الوقت ليلا لم يتيسر لنا الدخول إلى المركز، للإطلاع على محتوياته من الداخل. أبو على العماني  

البروفيسور ليو له دراسة علمية محكمة حول العلاقات بين الصين وعمان يشير فيها إلى أن ما ورد في المؤلفات الصينية القديمة من أسماء مثل ونغ مان والتي تعني بلا شك عمان، ونو فا، والتي تعني ظفار و وو با والتي قد تعني مربط تؤكد أن التواصل بين الصين وبلاد عمان يرجع إلى تاريخ قديم، غير أن قليلا من العمانيين، مثل سندباد، المعروف باسم عبيدة عبد الله بن القاسم الذي زار الصين، تركت أسمائها في أدبيات التاريخ. أبو على العماني  

البروفيسور ليو قام بإعادة دراسة مخطوطة من فترة أسرة يوان المنغولية تتعلق بعماني آخر تسميه المراجع الصينية بو آ لي (أبو على)، ووجد أن هناك ثلاثة مصادر حول حياة هذا العماني؛ الأول فصل عن ما با آر (معبر/كولا في الهند) وجو لان (كويلون في الهند) وذلك بالمؤلف الصيني  يوان شي (تاريخ أسرة يوان). جاء في هذا الكتاب أنه في عام 1281 بدأ مبعوثو حكومة يوان رحلتهم إلى جو لان من تشيوانتشو (مدينة الزيتون)، ونظرا لحاجتهم إلى إمدادات من المؤن  أبحروا إلى معبر، وهناك أخبرهم وزير في معبر اسمه أبو على أنه نفسه يريد أن يخدم في بلاط قبلاي خان، وقد بعث برسول له اسمه تشا ما لا دينغ (جمال الدين) إلى الصين. غير أن كبير الأمناء الذي يسمى بالصينية دا بي تشه تشي نقل هذا إلى سلطان معبر الذي ثارت حفيظته فقرر مصادرة أملاك الوزير وخدمه بل وأراد قتله. أبو على العماني  

المصدر الثاني لحكاية أبو على فصل في كتاب  قاو لي شي (تاريخ كوريا) للمؤرخ الكوري تشه لين شي عام 1451، يقول فيه إن أميرا من معبر اسمه بو ها لي اختلف مع ملكه وهرب إلى إمبراطورية يوان المنغولية، وقد زوجه الإمبراطور يوان تشنغ تسونغ  فتاة كورية. ويقول البروفيسور ليو إن العالم الياباني جيتسوزو كوابارا هو الذي ربط بين المرجعين وحدد أن بو آ لي في "تاريخ أسرة يوان" هو نفسه بو ها لي في "تاريخ كوريا". المصدر الثالث هو مخطوطة من مذكرات "سيد بن أبو على". المخطوطة نفسها غير موجودة ولكن كاتبها ليو مين تشونغ سجلها في أعماله الكاملة التي تحمل عنوان "تشونغ آن جي." أبو على العماني  

ويقول البروفيسور ليو إن الاسم الحقيقي لأبي على في الصينية كان سا يي دي (سيد) وأن مسقط رأسه مدينة تسمى بالصينية ها لا ها دي. أجداده هاجروا إلى مدينة تسمى بالصينية  شييانغ، أي المحيط الغربي، حيث استقروا بها كتجار. والد سيد، واسمه أبو على، حظي بثقة ملك البلاد، الذي اتخذه شقيقا له وولاه منصبا رفيعا فصار ثريا لديه المئات من الخدم والمحظيات، وكان فراشه من العاج! وعندما مات أبو علي خلفه ابنه سيد الذي كان يناديه الملك باسم والده. أبو على العماني  

ويقول البروفيسور ليو إن العالم الصيني تشن قاو هوا هو الذي صحح اسم مدينة شييانغ، التي استوطنها أجداد أبي على، بأنها معبر بالهند. ويخلص من دراسته لهذه المصادر الثلاثة  إلى أن سيد وُلد في معبر (كولا) على الشاطئ الشرقي للهند عام 1251، عمل أسلافه بالتجارة مع الخليج ومع الصين ولهذا كانوا على علم بالتطورات السياسية في الصين وفي غربي آسيا، وقد أعطت غزوات المغول في الشرق والغرب أسرته وغيرهم من التجار المسلمين بالهند فرصة لتوسيع تجارتهم، وقد وصلت سفنهم إلى مدينة تشيوانتشو (الزيتون). وعلى الرغم من أن رحلة سيد إلى الصين قبل عام 1281 أغضبت ملك معبر واصل الرجل إرسال مبعوثيه إلى قبلاي خان كل عام وإلى أمراء يوان مثل أباكا وقازان في بلاد الفرس مما جعله يفقد ثقة الملك. وقد أدرك قبلاي خان أن سيد في وضع خطير فأرسل له وزيرا اسمه آ لي بيه (على ب ك) على رأس مجموعة من المبعوثين إلى معبر عام 1291 حاملين دعوة له بالقدوم إلى الصين. ترك سيد زوجاته وأملاكه وأطفاله في معبر وهرب بصحبة مائة من الخدم ومبعوثي بلاط يوان إلى الصين حيث استقبله قبلاي خان بترحاب ومنحه ملابس من القماش المقصب وسمح له بالزواج من شابة كورية وأعطاه بيتا. وهكذا كان أيضا قادرا على الاحتفاظ باتصالاته مع الأسرة الملكية في كوريا.  أبو على العماني  

وعندما اعتلي تيمور خان العرش عام 1294 حصل  سيد على  لقب "تسي ده داي فو"، أي الوزير المؤهل لإمبراطورية يوان، ولقب "تشونغ شو يو تشنغ"، أي وزير الحكومة المركزية، ولقب "شنغ إي فو جيان دنغ تشو شينغ تشونغ شو شنغ شي"، أي مستشار حكومة مقاطعة فوجيان. وعندما ماتت زوجته الكورية عام 1298 زوجه تيمور خان فتاة أخرى. أبو على العماني  

في شتاء عام 1299 توفي سيد في بكين عن تسع وأربعين سنة، وله ولد وبنتان في الصين. عندما علم تيمور بخبر وفاته أمر الحكومة بأن تتكفل نفقات وترتيبات جنازته، وقد تم نقل جثمانه إلى مدينة تشيوانتشو حيث دفن بها. وأصدر تيمور خان مرسوما إمبراطوريا بحماية ممتلكات أسرة سيد. وقد كتب شاهدة قبره أشهر علماء ذلك الزمان، ليو مين تشونغ، وقد كتب النص وفقا لمرسوم إمبراطوري من تيمور خان. هذا هو أبو على العماني العربي الذي لا نشك في أن أحفاده ينتشرون في كافة أرجاء الصين حاليا..    أبو على العماني  

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

موضوع تسجلي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.