الرجوع إلى الصفحة الرئيسية
المحتويات
      
العدد 10  أكتوبر (تشرين الأول) 2001
مقالات خاصة

ابيك وانفتاح الصين على الخارج

ابيك والصين: حاجة مشتركة
قضايا اجتماعية
المتاجر المركزية الأجنبية .. ماذا فعلت في الصين؟!
جيا لان بوه وإنسان بكين
الثقافة والآثار

موسيقى البوب من كوريا الجنوبية إلى الصين

ا

التراث الثقافي والطبيعي للصين والعالم
تحليلات اقتصادية
نينغبوه: الماضي والحاضر
اردوسي: المدينة الفتية
دينغتشو .. مدينة الصناعات النظيفة
إنجازات بناء المدن بمقاطعة جيانغسو
السياحة في الصين
شانغهاي وما حولها
دينغتشو - مدينة جذورها في أعماق التاريخ
المسلمون الصينيون:
مسابقة العلوم الإسلامية
هذه حضارتنا:
الفن المعمارى (2)
ف
الطب:
مدخل لفهم الطب التقليدي الصيني (20)
الووشو:
القتال باليد في ملاكمة وودانغ (4)
من القراء واليهم

التراث الثقافي والطبيعي للصين وللعالم

هوه جيان ينغ

بينما كان العالم يحتفل بالومضات الأولى للقرن الحادي والعشرين أملا في مستقبل مشرق، بقيت بعض الأماكن في الظلام. إن العالم لا يتعرض فقط للكوارث الطبيعية بل لنكبات من صنع الإنسان، مع ورود الأخبار السيئة من كل اتجاه. بل إن تمثالا حجريا لبوذا، رمز الهدوء، لم ينجو من التدمير بتضليل من صنع الإنسان. إن مأساة تمثال بوذا باميان العملاق في أفغانستان قد صدمت العالم.

بوذا باميان وفيروكانا 

بوذا باميان، الذي يرتفع 53 مترا، والذي بقي 1500 عام قبل أن تصدر حكومة طالبان أمرها بتدميره، كان أطول تمثال بوذي واقف في العالم. وقد تم أيضا تدمير تمثال بوذي آخر يرتفع 37 مترا على مقربة منه، لم تنته المأساة بعد. وحسب وسائل الإعلام، كل التماثيل البوذية في أفغانستان مهددة بالتدمير الكامل.

بوذا باميان العملاق معروف عند الصينيين. في عام 632 زاره الراهب شيوان تسانغ من أسرة تانغ (618-907) عندما مر بباميان في طريقه إلى الهند سعيا للحصول على الأسفار البوذية. وقد وصف هذه الزيارة في كتابه "دا تانغ شي يوي جي" (مذكرات حول المناطق الغربية لأسرة تانغ العظيمة)،قائلا: في الجبال شمال شرقي المدينة الملكية يوجد تمثال واقف لبوذا، ارتفاعه 145 تشي (تشي واحد=ثلث متر).

لحسن الحظ التماثيل البوذية في الصين من وزن تمثال باميان باقية في حالة جيدة، ومنها نموذجان، وكلاهما مسجل في التراث العالمي. خلال القرون الماضية واجها، مثل بوذا باميان، كوارث وأزمات طبيعية ومن صنع الإنسان، بيد أنهما بقيان على أية حال ويتمتعان الآن بحماية الشعب الصيني والعالم.

ثم إدراج بوذا لهشان العملاق في التراث العالمي عام 1996. بدأ إنشاؤه عام 713، عام كاييوان الأول لعهد الإمبراطور شيوان تسونغ من أسرة تانغ، وانتهى عام 803، عام تشنيوان التاسع عشر لعهد الإمبراطور ده تسونغ، في مقاطعة سيتشوان. ارتفاعه 71 مترا، فهو أعلى تمثال قديم لبوذا في العالم. وقد تم مؤخرا الانتهاء من المرحلة الأولى لتجديد التمثال.

بوذا فايروكانا، وموقعه في كهوف لونغمن حظي بشرف التسجيل في قائمة التراث العالمي في 18 ديسمبر 2000، وقد احتفل أبناء لويانغ بهذه المناسبة. الفضاء المفتوح أمام الكهوف امتلأ بالناس ومدت سجادة حمراء من تحت أقدام بوذا فيروكانا إلى خشبة مسرح أقيمت مؤقتا بقلب نهر ييشوي. وقد زينت الكهوف بالفوانيس الحمراء والأعلام الملونة.

حفرت كهوف لونغمن بجرف على طول النهر في لويانغ بخنان. بدأ العمل بها عام 494 واستمر على مدى الأربعمائة عام التالية. يوجد حاليا 1352 كهفا حجريا، 700 محراب بوذي، وحوالي 100 ألف تمثال بوذي. وملامح تمثال بوذا فيروكانا منها تعتبر بشكل عام رائعة في النحت الحجري وبدأ عمله عام 675. ويقال إنه من أجل إسعاد الإمبراطورة وو تسه تيان، زوجة الإمبراطور قاو تسونغ، والتي نصبت نفسها بعد موت زوجها، إمبراطورة، قام مراقب المشروع بنحت التمثال وفقا لملامحها. أبناء لويانغ، من أجل تسجيلها في التراث العالمي، كرسوا كثيرا من طاقاتهم وأموالهم لتجديد الكهوف الحجرية، وأنفقوا 60 مليون يوان لإزالة أماكن التسلية والملاهي التي كانت مقامة في المكان واستعادوا الغطاء الأخضر به.

تراث ثري

الحضارة الصينية واحدة من أبكر الحضارات في العالم، فقد تواصلت خمسة آلاف عام، وقد أبدع الصينيون القدماء بحكمتهم مخزونا ثمينا من الآثار الثقافية على هذه الأراضي الفسيحة.

شنشي واحدة من أكثر عشر مقاطعات الصين ثراء بالآثار الثقافية. ويحكى أن رئيس واحد من المتاحف المحلية تلقى طلبا من رئيسه الأعلى للمساهمة ببعض القطع لتعرض في متحف المقاطعة الحديث البناء. كان الرئيس المحلي مترددا بيد أنه لم يكن يجرؤ على الرفض. في صباح اليوم التالي شوهد في الحقول حاملا مجرفة صغيرة وسلة. وعندما سئل عن وجهته قال إن رئيسه الأعلى طلب منه بعض الآثار، لذا خرج إلى الحقول ليعثر على قليل منها. برغم أن هذه القصة فيها مبالغة، هناك بعض الحقيقة فيها. فلا أحد ينكر أن ثمة مخزونا كبيرا من الآثار تحت أرض شنشي. في الخمسينيات وأثناء الحفر لإنشاء محطة للطاقة في شنشي اكتشف موقع بانبو للعصر الحجري الحديث. في السبعينيات اكتشف فلاحون محليون تماثيل الجنود والخيول لتشين شي هوانغ وهم يحفرون بئرا.

كلا هذين الاكتشافين جاء بالمصادفة ولكن الأمور تختلف الآن، فهناك لوائح بأنه قبل إقامة إنشاءات في مواقع قد يكون بها آثار ثقافية مدفونة يجب إجراء التنقيب والاستكشاف أولا. قبل إنشاء مطار شيانيانغ الدولي في تسعينيات القرن العشرين انتقل الأثريون إلى الموقع لإجراء تحقيقات شاملة لمنطقة المقابر السابقة لأسرة هان وعثر على مكتشفات عظيمة في ضريح يانغلينغ للإمبراطور جينغ دي.

خنان وشانشي أيضا من المقاطعات الرئيسية فيما يتعلق بالآثار الثقافية. وبرغم أن التنقيب عن الآثار قليلا ما يحدث في خنان، ليس من النادر أن تظهر كسرات فخار تحت الأقدام بعد إزاحة كومة من التراب هناك. وهذه حقيقة على الأقل في محافظة يانشي، ذات المكانة المرموقة في الصين بالنظر إلى آثارها الثقافية.

الدلائل الأكثر أهمية للتمييز بين أبكر ثلاث فترات في الصين: شيا، شانغ، وتشو- هي أطلال آرليتو في محافظة يانشي. تحت الأرض الزراعية للمقاطعة يوجد كميات كبيرة من المشغولات اليدوية وأطلال حاضرة أسرة شيا والتي يعود تاريخها إلى ما بين عامي 2070 إلى 1600 ق.م.

ليوي بو وي، الذي ساعد تشن شي هوانغ في اعتلاء العرش وتوحيد الصين عام 211 ق.م، دفن في يانشي. الراهب شيوان تسانغ من أسرة تانغ، الذي سافر إلى الهند بحثا عن الأسفار البوذية كان من يانشي، وقد تمت استعادة مسكنه السابق. أطلال المرصد القديم الذي بناه العالم تشانغ هنغ، من أسرة هان قبل 1800 عام موجود أيضا في يانشي. هذه القائمة يمكن أن تغطي صفحات عديدة ولكن يانشي ليست ذات شهرة، خاصة، في خنان برغم كنوزها الكثيرة من الآثار الثقافية لسبب بسيط هو أن خنان بها بضع عشرة محافظات أخرى مثل يانشي، بها آثار كثيرة.

تحتضن مقاطعة شانشي 35 ألف موقع أثري تحوي آثارا ثقافية قيمة، إضافة إلى 500 ألف  قطعة من المشغولات اليدوية ضمن مقتنيات متحفها. وهذا يشمل 56 أثرا خاضعا لحماية الدولة وخمس مدن تاريخية وثقافية على مستوى الدولة. وشانشي بها أبنية قديمة أكثر من أي مقاطعة أخرى، ومن بينها 18 ألف معبد طاوي وبوذي ولعقائد أخرى، قاعات للأسلاف، وجواسق، سجون، أبراج، باغودات وجسور، يرجع تاريخها إلى الفترة من أسرة تانغ إلى أسرة تشينغ. والعديد منها روائع لعصرها ومنها المعبد المعلق المبني فوق واجهة جرف، معبد  قوان دي (أكبر معبد لتخليد البطل العسكري قوان يوي) وباغودا ينغشيان الخشبية التي ترتفع 67 مترا والمبنية قبل ألف عام. شانشي بها أيضا عدد من الأبنية السكنية التي لا تزال بحالة جيدة، أشهرها قصر عائلة تشياو في تشيشيان وإن كان قصر عائلة وانغ قد تجاوز شهرته مؤخرا بالنظر إلى الحجم الإنشائي والروعة المعمارية. بعض الخبراء يعتبرونه كنزا لا يقدر بثمن للدولة وللبشرية.

في عام 1997 سجلت بينغياو في قائمة التراث الثقافي العالمي وقد أجمعت لجنة التقييم الدولية التي ذهبت إلى هناك على أن المدينة القديمة تجسد كل مدن هان خلال أسرتي مينغ وتشينغ. فهي تقدم صورة جلية ورائعة وشاملة لتنمية الصين ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا.

كهوف يونقانغ الحجرية، وهي واحدة من أشهر ثلاثة كهوف بالصين، تقع في ضواحي داتونغ في شانشي. بدأ العمل فيها عام 460 وقد اكتمل الجزء الرئيسي في عام 494، يوجد بها 51 ألف تمثال بوذي. من أجل حماية هذه الأعمال الفنية القديمة أنفقت الحكومة 200  مليون يوان لتحويل الطريق العام على مستوى الدولة الذي كان يمر أمام الكهوف ولبناء طريق سياحي خاص يتجه مباشرة إليها. وقد تم تقديم طلب إدراج الكهوف في قائمة التراث العالمي إلى مصلحة الدولة للآثار الثقافية.

حماية وفوائد

يوجد حاليا بالعالم 600 موقع مدرج في قائمة التراث العالمي، 27 منها في الصين، وهذه المواقع حسب الترتيب الزمني لإدراجها هي: السور العظيم، متحف القصر الإمبراطوري ببكين، تماثيل الجنود والخيول الصلصالية لأسرة تشين في شنشي، كهوف موقاو الحجرية في قانسو، موقع إنسان بكين في تشوكوديان، جبل تايشان في شاندونغ، جبل هوانغشان في آنهوي، منطقة وولينغيوان الوطنية للمناظر في هونان، منتجعا جيوتشايقو وهوانغلونغ الوطنيان في سيتشوان ، قصر بوتالا بالتبت، المنتجع الصيفي الإمبراطوري والمعابد المحيطة به في تشنغده بخبي، معبد كونفوشيوس وقصر عائلة كونغ والمقبرة في تشيوفو بشاندونغ، جبل وودانغشان وأبنيته القديمة في هوبي، منطقة المناظر لجبل لوشان في جيانغشي، منطقة المناظر لجبل إيمي-لهشان في سيتشوان، مدينة ليجيانغ القديمة في يوننان، مدينة بينغياو القديمة في شانشي، الحدائق الكلاسيكية في جيانغسو، القصر الصيفي ومعبد السماء في بكين، منحوتات داتسو الحجرية في تشونغتشينغ، جبل ووييشان في فوجيان، جبل تشينغتشنغ وسد دوجيانغيان في سيتشوان، كهوف لونغمن الحجرية في خنان، ضريح شيانلينغ من أسرة مينغ في هوبي، الضريحان الشرقي والغربي من أسرة تشينغ في خبي وقريتا شيدي وهونغسون القديمتان في آنهوي.

بالنسبة لبلد شاسع المساحة عريق مثل الصين، 27 موقعا تعتبر رقما ضئيلا في مواقع التراث العالمي وهناك أسباب عديدة لذلك. وحقيقة فإن ترميم وحماية المواقع الثقافية القديمة وإنشاء المرافق الداعمة لها يتطلب أموالا ضخمة وهذا عبء مالي ثقيل على دولة نامية مثل الصين. هناك  شروط صارمة لموقع التراث العالمي والصين بحاجة إلى وقت وتنمية اقتصادية أكثر لكي تكون قادرة على مطابقة هذه الشروط. العامل الآخر الهام أنه عندما أقرت اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي بباريس في عام 1972، كانت الصين لا تزال في اضطرابات الثورة الثقافية (1966-1976) وكان  العديد من المواقع الثقافية القديمة يتعرض للهجوم باعتبارها فلولا إقطاعية. في نهاية الثورة الثقافية انتهجت الصين طريق التنمية السريعة، وفي نوفمبر 1985 قررت الحكومة الصينية الانضمام للاتفاقية، وفي ديسمبر 1987 تم إدراج ستة مواقع على رأسها السور العظيم.

الشعب الصيني يعي حاليا أن واجبه أمام البشرية هو حماية التراث الذي تركه الأسلاف والطبيعة. هذا التراث ليس فقط فخرا لهم وإنما أيضا أحد مصادر معيشتهم.

وقد أثمرت الرعاية التي بذلها أبناء بينغياو لمدينتهم القديمة. منذ إدراجها كموقع تراث عالمي عام 1997، ارتفع دخل بينغياو السياحي من 180 ألف يوان إلى أكثر من مليون يوان. قديما كانت بينغياو معروفة فقط بفضل لحم بينغياو البقري، وكان كثيرون يعتبرون بينغياو اسما لمنتج. الآن يمكن رؤية عبارة "تراث ثقافي عالمي" في أنحاء المدينة. الآن أبناء بينغياو، كونها حاضنة لتراث عالمي، يقدمون تحياتهم لزوارهم القادمين من أنحاء العالم.

واليوم يتواصل ارتفاع قيمة المواقع ذات العلاقة بالصين القديمة، لدرجة أن العديد من المحليات تتنازع حول ضمها لحيازتها. قبل سنوات قليلة تنازعت شيانفان في هوبي مع نانيانغ في خنان حول لونغتشونغ، وهو المكان عاش به تشوقه ليانغ الحكيم، من فترة الممالك الثلاث قبل 1700 عام، قبل النبوغ في سلكه السياسي. وزعمت كل من كايفنغ ومحافظة قونغشيان في خنان وخفي في أنهوي أن باو تشنغ، وهو قاضي رفيع في أسرة سونغ (960-1279) مدفون بداخل زمامها.

الحماية العامة هي صلب اتفاقية التراث العالمي. وهذا المفهوم يحظى بتعاطف متزايد من الصينيين. وقد ذكرت تقارير صحفية أن 30 موقعا صينيا مدرجة على قائمة المرشحين للتراث العالمي والكثير لا يزال في مرحلة التقدم بطلبات الإدراج.

لقد بذلت الصين أقصى جهودها لإنقاذ تمثال بوذا باميان، ولكن في النهاية كان عليها أن تواجه الحقيقة الصعبة بتدميره. ستواصل الصين حماية التراث العالمي معتبرة ذلك واجبا للبشرية. وقد جاءت الأخبار من سيتشوان مؤخرا بأن تمثالا مقلدا لتمثال بوذا باميان سيقام مجاورا لموقع بوذا العملاق في لهشان.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn           
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.