الرجوع إلى الصفحة الرئيسية
المحتويات
      
العدد 10  أكتوبر (تشرين الأول) 2001
مقالات خاصة

ابيك وانفتاح الصين على الخارج

ابيك والصين: حاجة مشتركة
قضايا اجتماعية
المتاجر المركزية الأجنبية .. ماذا فعلت في الصين؟!
جيا لان بوه وإنسان بكين
الثقافة والآثار

موسيقى البوب من كوريا الجنوبية إلى الصين

ا

التراث الثقافي والطبيعي للصين والعالم
تحليلات اقتصادية
نينغبوه: الماضي والحاضر
اردوسي: المدينة الفتية
دينغتشو .. مدينة الصناعات النظيفة
إنجازات بناء المدن بمقاطعة جيانغسو
السياحة في الصين
شانغهاي وما حولها
دينغتشو - مدينة جذورها في أعماق التاريخ
المسلمون الصينيون:
مسابقة العلوم الإسلامية
هذه حضارتنا:
الفن المعمارى (2)
ف
الطب:
مدخل لفهم الطب التقليدي الصيني (20)
الووشو:
القتال باليد في ملاكمة وودانغ (4)
من القراء واليهم

                            

جيا لان بوه وإنسان بكين

  

تشانغ تشونغ- مراسل مجلة الصين اليوم

 

 

 

الزمن- صباح 15/10/1935

المكان- تشوكوديان، على مسافة خمسين كيلومترا من جنوب غربي بكين

بطل القصة- جيا لان بوه (28 سنة) مدير معهد الدراسات الجيولوجية بالصين

 بينما يمسح بعينيه كل شبر من تراب منطقة الاستطلاع، جذبت انتباهه قطعة من عظم الفك السفلي بارزة  بين بضع متحجرات متكسرة. اقترب منها والتقطها بحرص، فكان ذلك أول اكتشاف لمتحجرة الإنسان القديم!

بعد شهر، في صباح الخامس من نوفمبر ذلك العام، عثر تشنغ هاى تشيوان، زميل جيا، على قطعة صغيرة من العظم المتكسر في نفس المكان. فحصها جيا بنظراته الثاقبة وصاح مندهشا  " إنها قطعة من جمجمة الإنسان القديم!".. تواصلت عمليات الحفر، وعثر على عظم أذن، وعظم جمجمة، ثم عظم جمجمة آخر في مكان مجاور..

في صباح الخامس والعشرين من نوفمبر، عثر جيا على جمجمة سليمة أخرى.

هكذا، عثر خلال 11 يوما على ثلاث جماجم وفك واحد للإنسان القديم. وطار الخبر بسرعة البرق إلى العالم.

كان من بين العلماء الأجانب الذين جاءوا الصين للإشراف على أعمال البحوث في تشوكوديان بروفيسور ألماني مشهور في علم البشرية. عندما رأى تلك الجمجمة، ارتعشت يداه تأثرا، فهو يدرك أن اكتشاف عظام إنسان بكين يرسى حجر أساس آخر لإثبات نظرية أن الإنسان تطور من مخلوقات شبيهة بالإنسان.

قال هذا العالم الألماني في محاضرته الأكاديمية خلال الاجتماع الفرعي لمؤتمر الجيولوجيا الذي عقد في مدينة بيبينغ( بكين حاليا) في 19/12/1936: ".. إن اكتشاف عظام إنسان بكين، هو اكتشاف عظيم، وقد نجح جيا في ترميم تلك العظام المتكسرة، وعلى هذا الأساس، بدأت العمل البحثي بالتعاون مع الدكتور بيان مي نيان.. فالفضل في ذلك كله يعود إلى جهود السيد جيا..".

منذ ذاك الوقت، أصبح جيا لان بوه شخصية مشهورة باكتشاف إنسان بكين. ويمكن القول بأن جيا قد سجل أعظم صفحة في علم البشرية، ثم حصل على الميدالية الذهبية.

الجهود  لا بد أن تثمر

ولد جيا في " شينجياوو" بمحافظة يويتيان، مقاطعة خبى في 25/11/1908. جاء إلى  بكين هربا من الفوضى الحربية، ليستكمل دراسته الثانوية. وبسبب فقر أسرته، انقطعت مسيرته  الدراسية فضاق ذرعا بحالته المحيرة. في هذا الوقت، وبترشيح من السيد بى، مدير معهد البحوث الجيولوجية بالصين، وأول مكتشف لجمجمة إنسان بكين بالصين، عمل جيا متدربا في المعهد، وقد سأله المدير:".. إن عملنا هذا يحتاج لجهد شاق، فلماذا اخترته؟ رد جيا بدون تفكير قائلا: " من أجل لقمة العيش!". وانفجر المدير ضحكا: "..  أنت شاب صادق، أتمنى أن تعمل بجد..".

في صباح اليوم التالي، انطلق جيا على متن حمار، وبعد مسيرة استغرقت يوما كاملا وصل إلى موقع التنقيب في تشوكوديان.

البروفيسور جيا يستعيد ذكريات الماضي فيقول".. كنت أعمل خلال مرحلة التدريب مسؤولا عن شراء الأدوات اللازمة للحفر وأرافق العلماء الزائرين أثناء المسح الجيولوجي، وأحمل العينات المأخوذة من مواقع الاستطلاع، وأقوم بالحفر مع العمال.. مقابل 26 يوانا ( النقد الفضي المتداول حينذاك) شهريا، هذا الراتب كان مبلغا مرضيا لشاب مثلي في بداية العمل..".

عمل بيان مى نيان بعد التخرج في جامعة يانجين ( جامعة بكين سابقا) مع جيا في المعهد. تتلمذ جيا على يد بيان، لتعلم معارف كيمياء الحفريات البيولوجية، والتكوينات الطوبوغرافية، الطبقات الأرضية، كيفية تخطيط رسوم القطاع.. أثناء التجول الاستطلاعي في تشوكوديان.

عندما كان علم الإنسان القديم والحيوان الفقاري القديم بالصين في مرحلة البحوث الأولية لم يكن في الصين كلها كتاب واحد حول الثدييات، وقد ذهب السيد بى إلى أحد المكتبات ببكين، حيث وجد  كتابا بعنوان " المعارف الأساسية لهياكل الثدييات العظمية " بالإنجليزية، ثم ترجم جيا، بمساعدة بى وبيان، هذا الكتاب الذي يقع في 374 صفحة إلى اللغة الصينية.

بغية معرفة تكوينات الهيكل العظمي الحيواني بشكل أكثر دقة، صنع جيا نموذجا من الهيكل العظمي للكلب، وصبغ جميع أجزاء الهيكل بألوان مختلفة، وكتب علي كل منها اسمه.

ثم حصل جيا على كتاب بعنوان " البشرية في العصر الحجري القديم" ألفه أكاديمي أمريكي. قال جيا، إن هذين الكتابين تعمقا به في دراسة علم الانسان في عصر الحجر القديم.

ذات يوم في عام 1933، كلف المعهد جيا بإجراء تدقيق كمية من أسنان الحيوانات الثديية، وتسجيل الحروف اللاتينية عليها. بعد ثلاثة أيام، أنجز جيا المهمة بصورة رائعة. في الحقيقة، كان ذلك نجاحا له في امتحان غير تقليدي، وبعد أيام أصبح متدربا رسميا( وظيفة للخريج الجامعي).

بدأ جيا الإشراف على عمل الحفر في تشوكوديان منذ عام 1934، ثم درس علم التشريح في مستشفى شيخه (العاصمة) لمدة سنة كاملة.

وبفضل الجهود المتواصلة، ارتقى جيا إلى باحث مساعد. وخلال خمسين سنة، سجل جيا إنجازات بارزة في مجالات الاكتشافات الأثرية للعصر الحجري القديم، الإنسان القديم، علم الجيولولجيا في عصر الدهر الرابع.

واصل جيا العمل مسؤولا عن الحفر في تشوكوديان إلى ما بعد تأسيس الصين الشعبية عام 1949، ولذا يقال إن البروفيسور جيا صاحب " انسان بكين". في عام 1953، تحول المعهد بالبحث العلمي في دهر جينوزويك الذي كان يعمل به جيا إلى معهد بحث الحيوانات الفقارية القديمة، ثم إلى معهد بحوث الحيوانات الفقارية القديمة والإنسان القديم في عام 1957.

اختير جيا أكاديميا بالأكاديمية الصينية للعلوم عام 1980، ثم أكاديميا من غير حاملي الجنسية الأمريكية في الأكاديمية الأمريكية للعلوم عام 1994، ثم أكاديميا في أكاديمية العلوم للعالم الثالث عام 1996.

إضافة إلى إنسان بكين، اكتشف جيا إنسان دينغتسون، ثم إنسان لانتيان، مما قدم نشوء البشرية في بر الصين الرئيسي إلى ما قبل مليون سنة.

أين ذهبت جمجمة إنسان بكين؟

في عام 1941، اهتز العالم لخبر  يقول إن  جمجمة إنسان بكين اختفت من مكانها المحصن. فإلى أين ذهبت؟!

كانت كل متحجرات الإنسان القديم التي تضم أحفورات إنسان بكين، إنسان الكهف العلوي، الحيوانات الثديية من المرتبة الأولى المكتشفة في تشوكوديان محفوظة في خزانة حديدية بقسم التشريح في مستشفى شيخه (العاصمة) ببكين التي كانت تحت سيطرة الأمريكيين. وبسبب اشتداد حرب العدوان الياباني ضد الصين، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان توترا متزايدا. من أجل سلامة جمجمة إنسان بكين، قرر جيا، بعد أن تشاور مع الآخرين، نقلها إلى الولايات المتحدة بواسطة سفارتها لدى بكين بحيث تعاد إلى الصين بعد انتهاء الحرب.

وقد نقلت الجمجمة عن طريق وحدة مشاة أمريكية إلى ميناء تشينغهواداو، وحملتها سفينة " الرئيس" التي جاءت لنقل العسكريين بالوحدة إلى الولايات المتحدة، ولكن في منتصف الطريق الى تشينغهوانغداو، غرقت السفينة خارج مصب نهر اليانغتسى بعد أن تعرضت للغارات اليابانية. وفي تشينغهواداو أسر  الطبيب الأمريكي المكلف بحمل الجمجمة. وهكذا اختفت جمجمة إنسان بكين قبل سفرها. أين ذهبت؟ لا أحد يعرف حتى هذه الساعة!

عن هذا يقول السيد جيا : ".. ما زلت أحتفظ حتى اليوم بنسخة من استمارة نقل البضائع التي بها جمجمة انسان بكين، ولدي بصيص من الأمل في العثور عليها، فأنا واثق بأنها لا تزال محفوظة في مكان ما بالعالم ..".

حياة لا تفارق إنسان بكين

 "..أنا جيا لان بوه، قد لا تعرفونني أيها الأصدقاء الشباب، ولكن بالتأكيد، أنتم تعرفون من خلال الكتب المدرسية أطلال تشوكوديان التى عثر فيها على متحجرات إنسان بكين، والتي أدرجتها منظمة اليونسكو في قائمة التراث العالمي، فأنا أعتز بذلك.." هذا ما قاله جيا لان بوه.

في عام 2000، أرسل السيد جيا و13 أكاديميا آخر، من خلال فليم تلفزيوني أنتجته محطة التلفزيون ببكين، دعوة عامة للمشاركة، من داخل الصين وخارجها في البحث عن جمجمة إنسان بكين.

في مكتبة السيد جيا، نقرأ تاريخ تشوكوديان من خلال معلومات إنسان بكين المسجلة حسب الترتيب الزمني.

عن حماية متحف أطلال تشوكوديان، قال جيا:".. يجب تشجير المكان  وزرع النباتات حول أطلال إنسان بكين، وصنع مناظر نموذجية لحياة إنسان بكين تمثل مشاهد إنتاج الأدوات الحجرية، والصيد، وقطف الثمار البرية.. قبل 500 ألف سنة.."، وقال:".. إن متحجرات الإنسان القديم والحيوانات الفقارية القديمة التي اكتشفت في أطلال الإنسان القديم في تشوكوديان هي الأكثر عددا ونوعا بين الأحفورات في العالم، فلا غنى عنها لدراسة علم البشرية..".

يعتقد السيد جيا أن علم الإنسان القديم وعلم الاكتشفات الأثرية في العصر الحجري القديم، علوم معقدة تحتاج صبرا طويلا للتوصل إلى نتائج . تجذب الاكتشافات المتواصلة من متحجرات الإنسان القديم، وأطلال العصر الحجري القديم عددا متزايدا من العلماء الأجانب إلى بكين، فعلى أبناء الأمة الصينية أن يساهموا بجهودهم أكثر في حث وازدهار هذه العلوم.

وقد اذيع ذات يوم خبر يقول إن جمجمة إنسان بكين وجدت في مكان بجيلين، شمال شرقي الصين، وبرغم أن هذا الخبر لا أساس له من الصحة، فإنه دليل على  أن فقدان جمجمة إنسان بكين أصبح موضوعا يسترعى اهتمام الجماهير.

في الساعة الحادية عشرة وأربع وأربعين دقيقة في الثامن من يوليو من عام 2001، رحل السيد جيا بعد حياة حافلة امتدت 93 عاما. قال السيد جيا قبل وفاته:".. إنسان بكين هو سلف البشرية، وأنا " ولى إنسان بكين"، لذا يجب أن تعود روحي بعد موتى إلى جانب إنسان بكين في توشكوديان.."، وقد وري بالفعل  نصف رماد جثته تراب جبل لونغقو في تشوكوديان.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn           
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.