محتويات العدد 8 أغسطس (آب)  2003   

قراءة في وثائق زيارة رئيس وزراء الهند للصين

د. محمد نعمان جلال، مستشار الدراسات الاستراتيجية بالبحرين

في عالم السياسة تعتبر دراسة الوثائق أحد أهم المصادر لفهم سياسات الدول ومواقفها الحقيقية ومصالحها الفعلية. ومن ثم فإن للوثائق قدسية كما أن للكلمات دلالاتها الصحيحة، فلكل كلمة وزن ومقياس، ولا تلقى الكلمات على عواهنها أو تصدر الوثائق دون أن يعني أصحابها ما يقولون كما هو الشأن في بعض دول الشرق الأوسط على سبيل المثال ولهذا كله عرف العالم المبدأ القانوني المسمى اختصارا "قدسية العهود والمواثيق"، كما عرفت مناهج البحث السياسي المنهج القائم على دراسة معاني الكلمات. وإذا استخدمنا هذين المنهجين في قراءة أهم أربع وثائق صدرت عن زيارة آتال بهاري فاجباي، رئيس وزراء الهند إلى الصين في الفترة من 21-27 يونيو 2003، والوثائق التي نود الاستناد إليها في هذا التحليل هي: خطاب رئيس وزراء الهند في ندوة حول التعاون بين الهند والصين في المجال الاقتصادي والتنموي، خطاب رئيس الوزراء الهندي في جامعة بكين وخطاب الزعيم الهندي في ندوة الفرص والتحديات بين الصين والهند في تكنولوجيا المعلومات، والأخيرة هي البيان المشترك والمسمى "إعلان المبادئ للعلاقات والتعاون الشامل بين الصين والهند". فماذا تقدم لنا هذه الوثائق الأربع من معاني ومفاهيم لعلاقات أكبر دولتين في آسيا من حيث السكان وأكثرها في العالم ديناميكية اقتصادية. التعاون وتنحية

يقول رئيس وزراء الهند في خطابه يوم 23/7/2003 بجامعة بكين أعرق جامعات الصين: التعاون وتنحية

1- إنه منذ عقود مضت قام الأكاديمي الصيني تان يون شان من جامعة بكين ببناء مركز دراسي في مدينة شانتي نيكيتن وأن هذا العمل كان من عوامل الإلهام لشاعر الهند العظيم طاغور لبناء جامعة فيشوا بهاراتي التي أصبح رئيس الوزراء الهندي مديرها في الماضي. وإن الهند قررت إنشاء مركز للدراسات الهندية في جامعة بكين للتعبير عن التقدير ورد الجميل للصين. التعاون وتنحية

2- إن طريق الحرير البري وطرق الاتصالات البحرية مثلت عنصر الربط بين الدولتين منذ قرون عدة  ومن خلالها انتقلت البوذية من الهند للصين، كما انتقلت الموسيقى وفنون الكتابة والآداب. التعاون وتنحية

3- إن الدولتين كانت لهما حضارة عظيمة ولكنها انكفأت على نفسها وفقد الاتصال بينهما لعقود، وانهارت الحضارة وتعرض البلدان للاستعمار والحرمان، وجاءت الحرب الباردة لتلقى بظلالها على علاقات الدولتين فتحولت من العزلة النسبية إلى الغربة والتباعد وسادت حالة من انعدام الثقة. التعاون وتنحية

4- لقد آن الأوان لإعادة الثقة وبناء أسس علمية وثقافية لذلك من خلال مراكز الدراسات للاستفادة من خبرات البلدين والتخلص من الصور النمطية السلبية عن كل منهما. ويقتبس الزعيم الهندي عدة فقرات من فلسفة المحبة والمعرفة والتفاهم التي عبر عنها أحد فلاسفة الصين القدامى  وهو لاو تسي. التعاون وتنحية

5- عدد رئيس وزراء الهند عناصر الاتفاق والتشابه بين البلدين كما يلي: التعاون وتنحية

  - أنهما أكبر بلاد العالم كثافة في السكان. التعاون وتنحية

- أنهما أسرع اقتصاديات العالم نموا. التعاون وتنحية

- أنهما يمتلكان سوقا قارية بما تمثله من اتساع وتحديات. التعاون وتنحية

- أنهما يعيشان مشاكل ضخمة منها الفوارق في الدخول وفي المعرفة بين السكان مما يستلزم جهودا جبارة لمواجهة ذلك. التعاون وتنحية

- أنهما حققا تقدما في مجال التكنولوجيا فالهند في السوفت وير والصين في الهارد وير. التعاون وتنحية

- أن العالم اعترف بثقل الدولتين فكانتا شريكا حوار مع مجموعة الثماني للدول المتقدمة في ايفيان، فرنسا في أوائل يونيو 2003، ولذا فإنه إذا أمكنهما توحيد جهودهما لن يستطع أحد تجاهلهما. التعاون وتنحية

- أنهما أكدا مرارا التزامهما بالعمل من أجل نظام دولي متعدد الأطراف وإعادة وتقوية شرعية المنظمات الدولية. التعاون وتنحية

6- أن التبادل التجاري بين الدولتين في أوائل التسعينيات لم يتعد 200 مليون دولار فأصبح خمسة مليارات عام 2002 بزيادة سنوية حوالي 30%، ويتوقع أن يصل إلى عشرة مليارات دولار في غضون سنوات قلائل. التعاون وتنحية

7- أن الحوار بين الدولتين مستمر لتطوير مواقفهما المشتركة تجاه العديد من القضايا الدولية مثل الإرهاب-الأمن- البيئة- التنمية المستدامة-العولمة الخ. التعاون وتنحية

8- أن البعض يتحدث عن التنافس بين الهند والصين في الإنتاج والتسويق وفي تشابه السلع والمنتجات ومن الضروري فهم التنافس الحميد والصحي والابتعاد عن التنافس الذي يؤدي للانقسام. التعاون وتنحية

9- أن الدولتين تستفيدان من تطوير الوفاق بينهما لا الاختلاف وأن أيا منهما لا تهدد الأخرى، ومن الضروري  بناء العلاقات على أسس التعايش السلمي ومراعاة حساسيات كل طرف وشواغله، ومن المهم وضع  الخلافات جانبا والتقدم بخطى ثابتة للاستفادة من الفرص  والإمكانيات المتاحة لتطوير العلاقات. واختتم فاجباي خطابه مقتبسا من شاعر وفيلسوف الهند العظيم رابندرنات طاغور "عندما ينبلج نور الصباح، نصبح أحرارا من عزلتنا، وعندئذ نرى النور الذي هو من أجلنا جميعا في جميع العصور، ونبدأ رحلة التعاون في الحياة". وعقب فاجباي قائلا "إن الهند والصين يمكنهما خلق مثل هذا المصير". التعاون وتنحية

وفي خطابه في افتتاح ندوة "التنمية والتعاون الاقتصادي بين الصين والهند" يوم 24/7 أوضح رئيس الوزراء الهندي ما يلي: التعاون وتنحية

- أن إمكانيات التجارة والصناعة بين البلدين كبيرة بحكم التطور الاقتصادي والتنموي السريع في كل منهما. التعاون وتنحية

أنه زار الصين ثلاث مرات الأولى عام 1979 عند بدء التحديثات الأربعة والثانية عام 1993 عندما بدء دنغ شياو بينغ  إطلاق المرحلة الثانية في الانفتاح الاقتصادي والثالثة عام 2003 عندما وضعت الصين خطتها لمضاعفة الدخل القومي أربع مرات بحلول عام 2020، وأنه تمشيا واستنادا للسوابق في إنجازات الصين فلا يخامره أدنى شك في قدرتها على تحقيق أهدافها. التعاون وتنحية

- أنه إذا كانت الصين هي الثانية في العالم من حيث القوة الشرائية فإن الهند هي الرابعة، وإذا كانت الصين تحقق نموا بمعدل 8% سنويا فإن الهند تحقق 6% سنويا طوال العقدين الماضيين. التعاون وتنحية

-أن الشركات الهندية لديها تقدما عالميا في مجالات تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية والمنتجات الدوائية وأنه من بين أكبر 200 شركة ممتازة في الصناعات الصغيرة منها 13 شركة هندية. التعاون وتنحية

- أن التركيز في الماضي كان على عناصر الاختلاف بين الهند والصين وقد آن الأوان للتركيز على عناصر التشابه والتكامل والتوافق والتفاهم في إطار من التفاهم والمصالح المتبادلة وتضييق هوة الخلافات والإسراع في التعاون. التعاون وتنحية

-    إن تضييق فجوة نقص معلومات رجال أعمال البلدين عن البلد لآخر يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري والاستثمارات. التعاون وتنحية

أما الوثيقة الثالثة فهي خطاب فاجباي في ندوة تكنولوجيا المعلومات بين البلدين يوم 26 يونيو في مدينة شانغهاي وأبرز ما ذكره هو الآتي: التعاون وتنحية

-    أن صناعة تكنولوجيا المعلومات هي قصة نجاح في التنمية في الهند فقد زادت حجم صناعة السوفيت وير من 4 مليار دولار عام 1999 إلى 50 مليار دولار عام 2003 وبلغت الصادرات 10 مليار دولار من هذه المنتجات. وأنه من بين أكبر 70 شركة في هذه الصناعة في العالم توجد 48 شركة هندية. التعاون وتنحية

-    أن الصين إحدى الدول الكبرى في صناعة "الحاسبات" وأن هذه الصناعة بلغ حجمها 25 مليار دولار من المعدات عام 2002 كما أن صناعة السوفيت وير بازغة في الصين التي هي ثالث أكبر سوق للكمبيوتر، وربما تصبح الثانية على مستوى العالم عام 2005، وكذلك بتطور استخدام الإنترنت بسرعة كبيرة وأن النهد تتطلع للتعلم من الصين في مجال تفوقها وتقدم خبرتها للصين فيما تتفوق فيه من منتجات التكنولوجيا. التعاون وتنحية

-     يمكن للدولتين تعزيز تعاونهما في مجال الأبحاث التكنولوجية في مجالات استراتيجية عديدة. التعاون وتنحية

-     يمكن للشركات الهندية أن تشارك في الاستعداد للدورة الأولمبية في الصين عام 2008 بالتعاون المباشر لأن كثيرا من شركات الدول المتقدمة التي تحصل على تعاقدات من الصين تستخدم تعاقدات فرعية مع الشركات الهندية. وأخيرا الوثيقة الرابعة وهي إعلان مبادئ للعلاقات والتعاون الشامل بين الصين والهند والموقع من رئيسي وزراء البلدين في 24 يونيو عام 2003. وقد أكد هذا الإعلان على النقاط التالية: التعاون وتنحية

1-  أن الدولتين اتفقتا على مبادئ أربعة تحكم علاقاتهما وهي: التعهد ببناء علاقات بعيدة المدى على أساس المشاركة البناءة والتعاون وفقا لمبادئ التعايش السلمي للخمسة – أن كلا الدولتين لهما مصلحة في حفظ السلام والأمن والاستقرار والازدهار في العالم – أن المصالح المشتركة بين الدولتين تفوق الاختلافات بينهما وأن الدولتين تتعهدان بعدم استخدام القوة أو التهديد بها ضد الأخرى. والمبدأ الرابع هو السعي لتطوير علاقات ثنائية ذات محتوى كيفي في جميع المجالات ومعالجة الخلافات بأسلوب سلمي وبطريقة عادلة ورشيدة تحقق الاحترام المتبادل وإنه لا ينبغي أن تترك الخلافات لتؤثر أو تعوق تطوير علاقات البلدين. التعاون وتنحية

2-   أن كلتا الدولتين حريصة على مبدأ حسن الجوار من أجل المصالح المشتركة والعمل من أجل الاستفادة من ذلك باستغلال كافة الفرص والإمكانيات. التعاون وتنحية

3-   تبادل الزيارات بين البلدين بطريقة منتظمة لدفع التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثمارات. التعاون وتنحية

4-   إنشاء مجموعة مشتركة للدراسة من المسئولين والاقتصاديين لبحث أوجه التشابه والتكامل واقتراح وسائل وآليات تطوير العلاقات. التعاون وتنحية

تلك هي أهم وثائق زيارة رئيس وزراء الهند للصين وهي الزيارة الأولي لمسئول هندي على هذا المستوى منذ عشر سنوات، وكان سبقها زيارة للرئيس الهندي السابق للصين وزيارات من الصين للهند على مستوى رئيس الوزراء الصيني السابق ورئيس البرلمان الصيني السابق، فضلا عن زيارات وزارية عديدة متبادلة بين الدولتين. التعاون وتنحية

والآن نتساءل ما هي دلالات الوثائق السابقة في ضوء المنهج الذي تحدثتا عنه:التعاون وتنحية

الأولى: أن الوثائق لم تشتمل على العبارات الإنشائية المطاطة التي لا معنى لها وإنما على حقائق ومعلومات محددة وواضحة. التعاون وتنحية

الثانية: أن الوثائق لم تلوك العبارات وتراوغ عن المعاني بل تحدثت عن الخلافات وعن أوجه التشابه ووضعت استراتيجية للتغلب على الخلاف وتطوير التعاون كما حددت آليات تحقيق ذلك. التعاون وتنحية

الثالثة: أن الوثائق أيرزن نقاط القوة ونقاط التحدي التي تواجه كل من الدولتين بل ونقاط ضعفهما اقتصاديا وتكنولوجيا وسكانيا. الأمر إذن لا يتعلق بقوتين هامشيتين في السياسة الدولية أو بقوة ضعيفة أو تم إضعافها والاستهزاء بتراثها وتاريخها والافتئات على اقتصادها ومواردها الطبيعية. إن الأمر يتعلق بقوتين يحسب لهما حساب في اقتصاد المعرفة وفي تكنولوجيا المعلومات في الطاقة والتسلح النووي في لصواريخ عابرة القارات وفي أبحاث الفضاء. التعاون وتنحية

الرابعة: رغم كل عناصر القوة فما زالت الدولتان تتحدثان عن أنهما دولتان ناميتان وأمامهما طريق طويل للتقدم. أي حكمة هي التي يتحدث من خلالها قادة الصين وقادة الهند، إنها الحكمة العريقة الممتدة عبر  قرون والتي ورثها هؤلاء القادة الذين في استنادهم للتاريخ والحضارة العتيدة عملوا على استكمال عناصر القوة بمفهوم القرن الحادي والعشرين بمنطق براجماتي وواقعي. التعاون وتنحية

الخامسة: إن تتبع العلاقات الهندية الصينية في السنوات العشر الماضية يشير إلى نمو متصاعد لتلك العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتكنولوجية وفقا لقرار سياسي من القيادتين ورغم كل العقبات والنكسات التي منيت بها العلاقات في هذا العقد نتيجة تفجير الهند للقنبلة الذرية عام 1998 وانتقاد الصين لذلك وكذلك اتهام وزير الدفاع الهندي للصين بأنها تمثل التهديد والخطر على أمن الهند، نقول رغم كل ذلك فإن كلتا الدولتين التزمتا بقرار القيادتين في تطوير علاقاتهما والسعي لحل خلافاتهما سلميا وتنمية التعاون وتنحية الخلافات مؤقتا وهذا ما قصدناه باحترام العقود والمواثيق في بداية هذا المقال. التعاون وتنحية

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.