محتويات العدد 8 أغسطس (آب)  2003

السارس .. كوارث وفرص

لي وو تشو

كان لانتشار وباء الالتهاب الرئوي الحاد اللانمطي (السارس) أثار بالغة السوء على عدد من القطاعات الاقتصادية في الصين وبخاصة قطاع السياحة والطيران والسكك الحديدية والتجارة والأغذية والمشروبات؛ فقد تحول الأسبوع الذهبي للسياحة في عطلة أول مايو إلى أسبوع أسود لهذا القطاع الحيوي، غير أن السارس أيضا كانت له آثاره الإيجابية في بعض المجالات مثل قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والطب والأدوية الصينية التقليدية وصناعة السيارات. نعم كان السارس كارثة على الصين ولكنه أيقظ الاقتصاد الصيني أيضا بعد أن تمكنت الحكومة الصينية من السيطرة على انتشار الوباء القاتل. الحقيقة للاقتصاد 

صدمة الحقيقة للاقتصاد   

هوانغ آن، مواطن بكيني يهوى السفر والترحال وقد حقق حلمه بزيارة هاينان في نهاية يونيو هذا العام. زار هوانغ كل مقاطعات الصين باستثناء هاينان التي كان يأمل أن يزورها في فترة عطلة أول مايو، عندما عرضت شركات السياحة سعرا مغريا لرحلة خمس ليال مع السفر بالطائرة مقابل1280 يوانا، (150 دولارا أمريكيا تقريبا) وهو سعر يقل عن نصف تكاليف رحلة نهاية يونيو. هوانغ لم يتم رحلة مايو لأنه من البكينيين الذين لم يكن مرحبا بهم في المقاطعات الأخرى خلال فترة انتشار السارس في بكين، كما أن الحكومة أهابت في ذلك الوقت بالمواطنين عدم مغادرة العاصمة لمنع انتشار الوباء فما كان من هوانغ آن إلا أن قبع في بيته؛ نائما أو مشاهدا التلفاز خلال الأيام الخمسة للعطلة. الحقيقة للاقتصاد 

كثير من هواة السياحة في بكين كانوا يودون أن يسافروا خلال  فترة السارس؛ فالمواصلات غير مزدحمة كما كان الحال في نفس الفترة في السنوات الماضية. الحكومة الصينية نصحت المواطنين، أكثر من مرة بعدم السفر تفاديا لانتشار السارس بل إن الحكومة التي اعتادت على تشجيع المواطنين على السياحة قلصت عطلة أول مايو هذا العام من سبعة أيام إلى خمسة أيام كما أن مكاتب السفريات والسياحة أوقفت رحلاتها إلى بعض دول جنوب شرقي آسيا وزاد الأمر سوءا أن 13 دولة من بين أهم 15 دولة مصدرة للسائحين إلى الصين أصدرت نصائح  تحذير لمواطنيها من السفر والسياحة إلى الصين فانخفض عدد السائحين القادمين إلى بكين من خارج الصين بنسبة 80% تقريبا. الحقيقة للاقتصاد 

ووفقا للأرقام التي حصلنا عليها من وانغ شيانغ تساي، سكرتير عام جمعية السياحة في شانغهاي ألغى، أو أجل، حوالي 20 ألف فرد / مرة الحجز المسبق للإقامة في فنادق شانغهاي في نهاية مارس، وترك السارس أثرا بالغا على قطاع الفنادق في شانغهاي التي انخفضت نسبة الإشغالات بها إلى 30% . الحقيقة للاقتصاد 

الأرقام تؤيد ما قاله، فالأسبوع الذهبي لأول مايو والذي كان قطاع السياحة يحقق خلاله 40% من دخله السنوي لم يحقق شيئا هذا العام، وقد توقع وي شياو آن، رئيس إدارة التخطيط والتطوير في مصلحة الدولة للسياحة، أن تحتاج سوق السياحة الصينية عاما كاملا لكي تعود إلى مسارها الطبيعي. الحقيقة للاقتصاد 

لم يكن قطاع الفندقة والسياحة هو الذي أصيب بصدمة سارس فقط، فقطاع الطيران كان المتضرر الأكبر من السارس؛ ففي أول مايو هذا العام كان إجمالي عدد المسافرين بالطائرات في الصين يوميا أقل من نصف عدد الركاب اليومي في مطار العاصمة الدولي ببكين في أول مايو العام الماضي، وحتى في بداية يونيو بعد أن تمت السيطرة بشكل فعال على السارس لم تتجاوز قيمة أعمال جميع شركات الطيران الصينية 50 مليون يوان يوميا، أي سدس الرقم في الفترة العادية. الحقيقة للاقتصاد 

السكك الحديدية هي المنافس التقليدي لقطاع الطيران في الصين، ولكنها هذه المرة لم تربح على حساب الطيران خلال فترة السارس بل إن الدخل اليومي من بيع التذاكر قل أكثر من 100 مليون يوان عن الدخل المتوقع. الحقيقة للاقتصاد 

تشانغ تشينغ هوانغ، التي تعمل في هيئة حكومية اضطرت أن تتوقف عن هوايتها المفضلة بالتجول في المتاجر خلال فترة السارس خشية من المرض القاتل. بالنسبة للتجار كان دائما الأسبوع الذهبي في أول مايو أول موسم للربح بعد فترة الركود التي تتبع عيد الربيع وعيد رأس السنة، ولكن هذا العام كان استثناء، فقد اختفى المتسوقون إلا من يشترون المستلزمات اليومية والأدوات الرياضية التي شهدت رواجا خلال هذه الفترة. الحقيقة للاقتصاد 

الأغذية والمشروبات من القطاعات التي أصيبت بصدمة السارس بصورة فادحة أيضا؛ فبسبب الخوف من فيروس السارس توقف الناس عن الذهاب إلى المطاعم وفضلوا تناول طعامهم داخل البيوت واستعاد عدد غير قليل منهم الدفء والرعاية الأسرية مرة أخرى. انخفضت قيمة مبيعات قطاع الأغذية والمشروبات في بكين لأول مرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ووصلت نسبة المطاعم المغلقة إلى 70%، فخلال مايو كان حجم أعمال هذا القطاع يساوي ثلث حجم أعماله في نفس الفترة من العام الماضي. الحقيقة للاقتصاد 

و فرصة الحقيقة للاقتصاد 

خلال فترة السارس في بكين نقلت التلفونات المحمولة ما لا يحصى من الرسائل القصيرة لمعلومات حول الوقاية من السارس وعلاجه والتمنيات الطيبة، فالسارس حقق انتعاشا لقطاع  الاتصالات في الصين. فبعد أن قلت أو توقفت زيارات الأصدقاء والأقرباء والسياحة والتسوق كان التليفون هو البديل للتواصل وزاد استخدام التليفون التلفزيوني والفيديو كونفرانس حتى على مستوى العائلات.. الحقيقة للاقتصاد 

وعاد للطب والأدوية الصينية التقليدية، التي كانت تُعامل بفتور في الماضي، إشراقها، وأصبحت العقاقير الصينية التقليدية الأكثر رواجا في سوق الأدوية، وازداد سعرها بصورة كبيرة بعد أن ثبت أنها ذات فعالية في الوقاية من السارس وعلاجه، وأتاح انتقال الوصفة السرية الصينية إلى عدد غير قليل من الدول الأخرى فرصة تجارية عالمية للطب والأدوية الصينية التقليدية. الحقيقة للاقتصاد 

نفدت الأنواع المختلفة من منتجات الفيتامينات التي ترفع مناعة الجسم، واستفاد عدد كبير من شركات الدواء، وظهر التهافت على شراء المنتجات الأحيائية التي تزيد المناعة ومنتجات الوقاية مثل الملابس العازلة وغيرها، وقل المعروض من هذه المنتجات وكان لابد أن تتدخل الحكومة لتوفيرها للوحدات الطبية لعلاج المرضى المصابين بالسارس. الحقيقة للاقتصاد 

وفي البورصة حصلت الأوراق المالية للمنتجات الطبية والدوائية على اهتمام المستثمرين. وتشير دراسة ميدانية إلى أن الطلب في السوق الصينية حاليا على مستحضرات التجميل الحاوية للعقاقير الصينية التقليدية والأدوية الصينية التقليدية الجاهزة والعلاجية يزداد تدريجيا، ويتوقع بعض المتخصصين أن تحقق صادرات الأدوية الصينية التقليدية زيادة قدرها 10% في عام 2003. الحقيقة للاقتصاد 

سينما فنغهوايوان في بكين هي سينما السيارات الوحيدة في الصين. في الفترة الأخيرة ازداد عدد المشاهدين بها 30% عن الفترة العادية. مطعم كنتاكي في يايونتسون ببكين أول مطعم يقدم خدمة السيارات في الصين، وقد حققت أعماله ازدهارا خلال الفترة بين إبريل ويونيو التي انتشر فيها السارس، وفي ذروة البيع عند الظهر وفي المساء كان هناك سيارة تشتري كل دقيقة بالمتوسط، حتى ظهر اختناق الطريق بسبب كثرة عدد السيارات التي تصطف للشراء. الحقيقة للاقتصاد 

صناعة السيارات الصينية التي بدأت خطواتها على الطريق حققت أرباحا هي الأخرى لأن الناس اعتقدوا أن السيارات الخاصة أكثر أمانا من وسائل النقل العامة، وتشير الأرقام إلى أن  نسبة مبيعات السيارات المختلفة في بكين تضاعفت أربع مرات خلال فترة انتشار السارس مقارنة مع الفترة العادية، وتجاوز عدد السيارات التي بيعت في العشر الأواخر من  إبريل ألف سيارة أي ضعف الأيام العادية. الحقيقة للاقتصاد 

في الفترة بين يناير وإبريل أنتجت الصين 560 ألف سيارة، وازدادت نسبة البيع 88% عن نفس الفترة من العام الماضي. ويرى المتخصصون أن الزيادة الكبيرة في إنتاج ومبيعات السيارات هو تواصل لتوجه العام الماضي كما أن انتشار السارس في بعض المناطق المتطورة اقتصاديا مثل بكين وقوانغدونغ وغيرهما شجع بيع السيارات.الحقيقة للاقتصاد 

السارس أسرع بقدوم الأساليب الجديدة في التجارة، فقد أدركت الشركات الأهمية الواقعية للتجارة الإلكترونية، فشرعت تقيم مواقع لها على الإنترنت وتدير الأعمال التجارية على الشبكات. ومؤخرا أصدرت وزارة التجارة تعميما تطلب فيه من المناطق المختلفة أن تدفع أساليب التجارة الجديدة بقوة، وتطلق العنان للتجارة الإلكترونية، وتدعم الشركات في أعمالها على الإنترنت مثل التسويق وعقد الصفقات. 0 الحقيقة للاقتصاد 

إيقاظ الاقتصاد الحقيقة للاقتصاد 

في الفترة السابقة ألغى بعض كبار مسئولي الشركات العالمية زياراتهم إلى الصين بسبب السارس، فقد ألغى كريس غالفين chris Galvin، المسئول التنفيذي الأول لشركة موتورولا وفيل كونديت phil Condit، المسئول التنفيذي الأول لشركة بوينغ زيارتهما إلى الصين. وفي هذا الوقت تباطأت سرعة العمل في بعض مشروعات الاستثمار الأجنبي وتوقفت المفاوضات ونشاطات التقييم والتقدير لمشروعات استخدام القروض التي تقدمها الأجهزة المالية الدولية والحكومات الأجنبية.الحقيقة للاقتصاد 

في معرض قوانغتشو (كانتون) التجاري الذي تتم فيه صفقا تعادل 10% من إجمالي قيمة الصادرات السنوية كان حجم صفقاته هذا العام 20% من حجم صفقاته العام الماضي بسبب إحجام عدد كبير من التجار الأجانب عن المشاركة في المعرض.

بعض الخبراء قالوا إن الاقتصاد الصيني يواجه كارثة بسبب السارس، بل ذهب نفر منهم إلى القول بأن الاقتصاد الصيني مبني على ورق اللعب، وأن انهياره يعني كارثة، وتوقع آخرون أن يرحل الاستثمار الأجنبي، الذي يلعب دور الدفع الحاسم للاقتصاد الصيني، إلى أماكن أخرى  لتجنب وضع البيض كله في سلة واحدة. ولكن أرقام جمرك بكين تقول كلاما آخر؛ ففي الفترة من يناير إلى إبريل بلغ حجم الاستيراد والتصدير عبر هذا المنفذ 6ر6 مليار دولار أمريكي بزيادة قدرها 38% عن نفس الفترة من العام الماضي، وازداد عدد الشركات الجديدة بالاستثمار الأجنبي المسجلة 31 شركة في إبريل الذي شهد أسوأ انتشار للسارس.الحقيقة للاقتصاد 

مع السيطرة على السارس بصورة فعالة في بر الصين الرئيسي بدأت المناظر الجميلة والمواقع التاريخية المشهورة السياحية في أنحاء الصين تستيقظ بعد غفوة غير قصيرة، وبدأ التجار الأجانب يشدون الرحال إلى الصين. وتشير نتيجة مسح أجراه أحد مراكز التجارة والمعلومات للسوق العالمية على الإنترنت في بداية يونيو إلى أن أكثر من نصف المشترين المتخصصين في 85 دولة ومنطقة يستعدون للسفر إلى آسيا من أجل التجارة خلال شهر. تجذب الصين التجار الأجانب بصورة كبيرة لأنها دولة ذات سوق كبيرة الإمكانيات ومجتمع مستقر ومرافق بنية أساسية جيدة وعمالة ماهرة ورخيصة، فالمهندس في الصين راتبه يعادل 10% من راتب المهندس الأمريكي في نفس المجال. الحقيقة للاقتصاد 

الاستثمار الأجنبي يمثل ثلث الاستثمار في الصين، وصادراته تساهم بنسبة بين 2% و3% من إجمالي الناتج المحلي. الاقتصاديون يرون أن السارس أزمة تؤثر في الاقتصاد الصيني، وأن الاقتصاد الصيني ليس في حد ذاته أزمة، ولا يمكن للسارس أن يغير اتجاه التطور للاقتصاد الصيني. الحقيقة للاقتصاد 

يرى تشانغ لي تشيون، الباحث بمركز بحوث التنمية الاقتصادية التابع لمجلس الدولة أن الطلب المحلي يلعب الدور الرئيسي في اقتصاد الصين التي تعتمد على العناصر الداخلية لدعم نمو الاقتصاد رئيسيا، وتؤثر التغيرات الخارجية في الاقتصاد، ولكنها ليست كافية لتشكل تأثيرا قياديا. الحقيقة للاقتصاد 

ولأن السياحة والخدمات والتجارة الخ لا تحتل مرتبة هامة نسبيا في اقتصاد بر الصين الرئيسي، كان أثر السارس في فرص العمل أكثر من سرعة نمو الاقتصاد. تحتل الصناعة الإنتاجية 54% من إجمالي الناتج المحلي الصيني، وقد كان تأثر السارس في هذا القطاع محدودا ففي الفترة بين يناير ومايو بلغت سرعة نمو الاقتصاد 4ر10%. الحقيقة للاقتصاد 

يقول الاقتصادي المشهور هو آن قانغ، إن الصين حاليا في أفضل فترة في تاريخها للتنمية الاقتصادية والاقتصاد الكلي الأكثر استقرارا بل ومقارنة مع الدول الأخرى. بلغت نسبة نمو الاقتصاد الصيني في الربع الأول من العام الحالي 9ر9%، وهي الأعلى منذ عام 1997، وبلغ الدخل المالي للصين في الربع الأول من العام الحالي 520 مليار يوان، أي ما يعادل الدخل المالي السنوي لكل عام 1994. الحقيقة للاقتصاد 

لقد أيقظت صدمة السارس أمن الاقتصاد الصيني إيقاظا مؤلما برغم أن الاقتصاد الصيني لم ينهار بفضل الطلب المحلي الكبير والقوة الحقيقة للاقتصاد التي ارتفعت والتي مكنت الصين من حل مشاكلها التي تكشفت في هذه الأزمة.  الحقيقة للاقتصاد 

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.