محتويات العدد 5 مايو (آيار) 2004
م

التنمية البشرية والنموذج الصيني

د. محمد نعمان جلال

مستشار الدراسات الاستراتيجية بمركز البحرين للدراسات والبحوث

لعل الدراسة العلمية الدقيقة لعناصر الإنتاج التقليدية الثلاثة وهي الأرض, أدوات الإنتاج والتنظيم, تظهر أن أهم هذه العناصر هو عنصر التنظيم الذي يتولاه المنظمون وهم الأفراد القادرون على إدارة  العملية الإنتاجية أو بعبارة أخرى الذين تتوافر فيهم ثلاث سمات: تتحقق لهم الرف

الأولى: القدرة على الابتكار والابتداع تتحقق لهم الرف

الثانية: القدرة على المبادرة تتحقق لهم الرف

الثالثة: القدرة على نقل الابتكار من خلال المبادرة إلى حيز العمل والتطبيق على الواقع. تتحقق لهم الرف

وهذه القدرات الثلاث هي التي تميز البشر في مجتمع عن مجتمع آخر. وهنا يثور التساؤل: لماذا التركيز على البشر في موضوع التنمية بل وإقرار بند خاص لها هو التنمية البشرية, كما ذهب البعض إلى وصفها بتنمية الموارد البشرية. تتحقق لهم الرف

 ولا شك أن هناك فارقا جوهريا بين المصطلحين. إذ أن تنمية الموارد البشرية تنظر للبشر كأداة من أدوات الإنتاج فحسب,  تهتم بهم طالما أن ذلك يساعد في تطوير الإنتاج شأنهم في ذلك شأن أي عنصر آخر, و من ثم فهي تعتبرهم وسيلة نحو غاية. بينما التنمية البشرية والتي يتجه بعض المفكرين العرب المتخصصين في هذا المجال إلى تفضيل وصفها بالتنمية الإنسانية تهتم بالبشر لكونهم بشرا وليس مجرد كونهم أداة من أدوات الإنتاج أي أنها تنظر للبشر كغاية وليس كوسيلة فقط. تتحقق لهم الرف

وبناء على ما سبق نقول إن أي مجتمع يمتلك ثروة  أو ثروات متعددة ولكن أهم عناصر تلك الثروة هم البشر, ومن هذا المنطلق تحرص الدول على تحقيق ثلاثة أمور في تعاملها مع أفراد شعبها. تتحقق لهم الرف

الأول: تحقيق أعلى درجة من الاحترام للأفراد من حيث الوفاء باحتياجاتهم الضرورية  في حدود الموارد المتاحة حتى يشعرون بآداميتهم وكيانهم ووجودهم. تتحقق لهم الرف

الثاني: تحقيق أعلى درجة ممكنة من إطلاق إبداعات الأفراد من خلال إتاحة الفرصة للفرد لكي يتدرب على المهارات الجديدة ويساهم في الفكر المتطور ويحصل على ثمرات التكنولوجيا المتقدمة بأسعار مناسبة, ومن ثم تتطور قدراته وتتفجر ينابيع مواهبه منذ الطفولة. تتحقق لهم الرف

الثالث: إتاحة الفرصة للمواطن للمشاركة في شؤون  مجتمعه, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وذلك من خلال الأطر القائمة والمستقرة وتبادل المواقع القيادية، كل بما تسمح له به إمكانياته, ومن ثم تتراكم الخبرات وتتعاقب الأجيال, وتستمر مسيرة التقدم  في إطار متصاعد وتراكمي. تتحقق لهم الرف

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة كيف يمكن النظر للنموذج الصيني في علمية التنمية البشرية. تتحقق لهم الرف

وهنا يمكن قياس الوضع الصيني بالنسبة لموضوع التنمية البشرية من إحدى زاويتين: تتحقق لهم الرف

الأولى: زاوية المعايير الدولية التي وضعتها الأمم المتحدة أو بالأخرى خبراء المنظمة الدولية, ونشرت في تقارير الأمم المتحدة السنوية "التنمية البشرية" والتي تصدرها المنظمة الدولية سنويا منذ عام 1991. ولقد تطورت تلك المعايير واتسعت لتشمل العديد من العناصر مثل التعليم والصحة والخدمات المتعددة ومدى توافر البيئة الصحية والمشاركة السياسية ووضع المرأة, ونحو ذلك من العناصر. وبناء على هذا وضعت قاسما متوسطا أعظم تقيس به وضع كل دولة وتضعها في ترتيب تصاعدي فالأولى هي أحسن تلك الدول في التنمية البشرية والدولة التي تحتل المكانة المائة والتسعة والثمانين تعد الأخيرة وهكذا. وتحتل الصين في هذا المعيار مكانة متوسطة فهي تقع ضمن طائفة الدول ذات المستوى المتوسط, فهي بين الدول النامية وليست  بين الدول المتقدمة, ولا تجد الصين غضاضة في ذلك فهي دائما تعلن أنها تسعي لكي تكون دولة متوسطة الدخل. وبعبارة أخرى، الصين لا تجادل في حقيقة كونها دولة نامية ومن ثم يشوب أوضاعها العديد من مظاهر القصور التي نلمسها في الدول النامية. تتحقق لهم الرف

الثانية: زاوية معدل التقدم والتطور وهنا يمكن النظر للصين بصورة مختلفة تماما لأن معدل النمو هو أكبر معدل نمو يتحقق في العالم على مدى العشرين سنة الماضية, كذلك معدل الانفتاح الاقتصادي يتزايد, كما أن مساحة هامش الحريات الاجتماعية والسياسية في اتساع مستمر, وإن لم تصل إلى مستوى ما وصلت إليه دول أخرى انتهجت منهج النظام السياسي الغربي القائم على تعدد الأحزاب وحرية إنشاءات النقابات والاتحادات وكذلك إتاحة الفرصة كاملة لمؤسسات المجتمع المدني. ولكن المؤكد في هذا الصدد أن الصين  حققت خمسة أمور في مجلة التنمية الإنسانية: تتحقق لهم الرف

الأمر الأول: هو أن نسبة التعليم مرتفعة للغاية فهي تصل إلى حدود 90% وهذه نسبة تجعل الصين رغم تعداد سكانها الضخم في مصاف الدول التي بها أعلى نسبة من المتعلمين ولعل ذلك هو بداية الطريق نحو تنمية بشرية مستدامة. تتحقق لهم الرف

الأمر الثاني: هو تزايد الاهتمام بالرعاية الصحية, ولا شك أن المثل القائل العقل السليم في الجسم السليم. يعد مدار الاهتمام  في هذا الموضوع, كما أن الصحة والتعليم هما الركيزتان اللتان تقوم عليها عملية التنمية البشرية, وانتشار المستشفيات والوحدات الصحية في مختلف ربوع الصين توحي بأن الاهتمام بصحة المواطن تأتي في مقدمة أولويات المجتمع. كما أن الأسلوب الذي أدارت به الصين موضوع سارس كان أسلوبا متميزا فهو جمع بين الدقة والنظام والانضباط والالتزام, ولهذا استطاعت الصين على الفور اتخاذ كافة الإجراءات والاحتياطات ونفس الشيء بالنسبة لمرض إنفلونزا الطيور وغيرها من الأمراض المعدية. تتحقق لهم الرف

الأمر الثالث: ارتفاع عشرات الملايين من الصينيين من مستوى خط الفقر إلى المستوى الأعلى فالصين البالغ عددها 3ر1 مليار نسمة لا يتجاوز منهم دون خط الفقر سوى 40 مليون نسمة بمعدل قليل, وهؤلاء في تناقص في حين أن هذا العدد نجده وربما بنسبة كبيرة في دول أخرى أكثر تقدما وأكثر ثراء. وهذا في حد ذاته إنجاز لا سابقة له. تتحقق لهم الرف

الأمر الرابع: تزايد الاهتمام بالوفاء بالحاجات الأساسية للمواطن وهذه الحاجات الأساسية تتمثل في ثلاثة أمور: الغذاء والكساء والمسكن. وإلقاء نظرة على وضع المواطن الصيني بالنسبة لهذه الأساسيات نحوه في تحسن مستمر فزيادة  الإنتاج  ووفرته جعلت هذه الضروريات الرئيسية متوافرة بأسعار مناسبة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سنوات الانفتاح الاقتصادي. تتحقق لهم الرف

الأمر الخامس: اتساع نطاق الاهتمام ببناء الموارد والكوادر المتعلمة على أحسن أنماط التعليم والتدريب في المصانع والمعامل. هذه الكوادر أصبحت كما كانت في الماضي ركيزة عملية التنمية لأنها تجمع ما بين البحث العلمي والتدريب المهني والتطبيق العملي. وهذا الارتباط بين مناهج التطوير والبحث هو أساس رئيسي وهام  من أسس النهضة الصينية الراهنة, بل يمكن القول إنه أساس الحضارة الصينية العريقة ولعل استرجاع  اهتمام كونفوشيوس بدور الطبقة المثقفة ودور التعليم في بناء الكادر البيروقراطي لأجهزة الدولة هو خير ما يوضح ذلك. تتحقق لهم الرف

ولكن يبقى سؤالان رئيسيان أولهما، هل حققت الصين المعجزة بالنسبة للتنمية البشرية؟ وثانيها كيف يمكن الاستفادة من ذلك في تطوير علاقات الصين مع العالم العربي؟ تتحقق لهم الرف

بالنسبة للسؤال الأول نقول إن الصين مازال أمامها شوط كبير في مضمار التنمية البشرية حتى يمكنها أن تصعد إلى مصاف الدول العشر الأول مثل صعودها في مجال التنمية الاقتصادية أو في حجم تجارتها الخارجية أو في معدل نموها أو في مقدرتها على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية أو في ارتفاع وضعها في مجال السياحة الدولية. تتحقق لهم الرف

فالصين لكي ترقى في معراج التنمية البشرية في حاجة إلى انفتاح سياسي بدرجة أكبر مما لديها الآن, وهي في حاجة لتعميق وتحسين المجالات التي تفوقت فيها مثل نظام الخدمات التعليمية والصحة بعبارة أخرى هي في حاجة إلى نقلة نوعية بعد النقلة الكمية التي حققتها. ولعل النقطة الجديرة بالاهتمام وإن لم تتصل بالتنمية البشرية مباشرة ولكن لها اتصال غير مباشر تتعلق بجودة الصناعات الصينية وخاصة التي يتم تصديرها للخارج. فالملاحظ أن مستوى جودة السلع التي تصدر للدول العربية والدول النامية متدنية في معظمها مما جعل البعض يطلق عليها على سبيل التهكم هذه سلع صينية أي غير جيدة الصنع وغير قادرة على أن تعمر سنوات مناسبة. وأنا أدرك أن هذه الجودة في الصين متاحة وممكنة بدليل قدرة الصناعات الصينية على المنافسة في أسواق الولايات المتحدة وأوروبا, وإن أحد أسباب عدم جودة السلع الصينية في الأسواق العربية هي أن بعض التجار العرب يرغبون في سلعة رخيصة الثمن. ولكن أيا كانت المبررات فإن هناك حدا أدنى من الجودة لا ينبغي التنازل عنه لأن هذا ينعكس على سمعة الدولة ومن ثم سمعة المواطن, وهذا سر ارتباطه بموضوع التنمية البشرية وبناء على ذلك يصبح من الصعب تلافي الضرر عندما يحدث ويحتاج الأمر لسنوات عديدة وأموال طائلة لإصلاح نتائج السمعة السيئة للسلعة الصينية, ويتصل بذلك ضرورة انضباط وأمانة التاجر والعامل أو الفرد الصيني في تعامله مع الأجنبي فمن الضروري مراعاة قواعد الأمانة واحترام شروط التعاقد أو مبادئ الاتفاقات وليس مجرد عقد صفقة ثم الفوز بالقيمة والهروب بها. هنا نقول إن ثمة ضرورة ماسة لكي يتم إعادة تثقيف الصينيين الذين يتعاملون مع الخارج على مبادئ الأمانة والنزاهة والشفافية في التعامل الدولي. تتحقق لهم الرف

أما بالنسبة للسؤال الثاني حول مدى إمكانية الاستفادة من النموذج الصيني في التنمية البشرية من قبل الدول النامية؟  فإنني أعتقد أن هذا ممكن بشروط توافر العناصر والمقومات التي أدت إلى نجاح النموذج الصيني ومن ذلك الانضباط والالتزام الداخلي للعامل والموظف. ومنها الإحساس بالثواب والعقاب على عمله ومنها تعزيز الوعي وروح الانتماء للمواطن ودفعه إلى مواجهة الحقائق, وهي إما العمل ومن ثم الناتج ورفع مستواه وإما يواجه البطالة ومن ثم الفقر والعوز. وهكذا يتحول البشر من عالة وعبء على الدولة إلى مصدر قوة وإنتاج وأيضا تتحقق لهم الرفاهية باعتبارهم المحرك الرئيسي للتنمية وهدفها وغايتها والنهائية. تتحقق لهم الرف

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

موضوع تسجلي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.