محتويات العدد 5 مايو (آيار) 2004
م

 

قصة غرام

العالم الصيني والألمانية الشقراء

تشانغ قوانغ لين

مذكرات جي شيان لين "عشر سنوات في ألمانيا" تسجل حياة دراسته في ألمانيا بين عام 1935 و1945 العالم الكبير جي شيان لين (الرابع من اليسار) في الدورة الثالثة لندوة الأدب العربي لعموم الصين في عام 1991

جي شيان لين، عالم اللغة التربوي الكبير، كاتب مرموق له في بحوث الآداب الأجنبية باع طويل. ولد جي شيان لين عام 1911 وتخرج في كلية الأدب الغربي بجامعة تشينغهوا عام 1934. في العام التالي بدأ يدرس اللغة السنسكرتية واللغات الشرقية الأخرى بجامعة غوتنغن(Gottinggen)أعالألمانية، وقد حصل على درجة الدكتوراه عام 1941وعاد إلى الصين عام 1946. عمل عميدا لكلية اللغات الشرقية (كلية الدراسات الشرقية حاليا) بجامعة بكين ثم نائبا لرئيس الجامعة. بقي جي شيان لين في ألمانيا عشر سنوات، شهدت أحداث قصة غرام جميل ولكنه مأساوي مع شابة ألمانية.بعد وفاتي, أعتقد ت

وصل جي شيان لين مدينة غوتنغن  في آخر يوم من شهر أكتوبر عام 1935 عازما البقاء لمدة سنتين من أجل الحصول على درجة الدكتوراه، ولكن السنوات امتدت به عشرا  بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية. في تلك الأيام البائسة عانى جي شيان لين ويلات الحرب من قذائف تتساقط وجوع ووحشة وشوق لأهله ووطنه؛ فلا سبيل للعودة والاتصالات مع زوجته وأهله انقطعت، ولا يوجد في ألمانيا من يشكو له قلقه. كانت الدراسة وكتابة بحثه هي سلواه التي تنسيه مآسي الدنيا، ولكن عندما يعود إلى غرفته ويجلس وحيدا يتدفق حزنه وقلقه. في تلك الأثناء أشرقت زهرة في حياته، فجددت نشاطه ووهبته أملا في الحياة. ب

كان جي شيان لين وزميله الصيني تيان ده وانغ  يستأجران مسكنين في أحد شوارع غوتنغن. كان صاحب بيت تيان ده وانغ موظفا ألمانيا عاديا بسيطا، يتسم بالإخلاص والأمانة، وربما لهذا كان قليلا ما يتحدث مع الآخرين، وإذا جمعته الظروف مع غيره لا يكف وجهه عن الابتسام. وكانت زوجته، ماريا، سيدة نشيطة كريمة في بيتها. كان الزوجان الألمانيان لديهما ابنتان جميلتان، كبراهما ايرمغارد، الشقراء الرشيقة ذات العيون الزرقاء والشعر الذهبي. كانت تصغر جي شيان لين قليلا، ولم تكن مخطوبة. بعد وفاتي, أعتقد

تعرف جي شيان لين على أفراد أسرة ماريا، وأحبت الأسرة هذا الشاب القادم من الصين، لدماثة خلقه ووسامته واجتهاده، فقد كان يدرس الدكتوراه وعمره لم يصل الثلاثين بعد. كان جي شيان لين يكتب رسالة الدكتوراه باللغة الألمانية، وكان عليه أن يطبعها بالآلة الكاتبة قبل عرضها على أستاذه المشرف على رسالته، ولكنه ليس لديه آلة كاتبة ولا يعرف استخدامها. كانت ايرمغارد تجيد الكتابة على الآلة الكاتبة وقد أبدت استعدادها ورغبتها لتساعد جي شيان لين في هذا العمل. كانت الرسالة طويلة وتستخدم كلمات أخرى غير الألمانية، من الكلمات السنسكرتية واللغات الشرقية المعقدة وهذا اقتضى أن يمضي الشاب الصيني الواعد أوقاتا طويلة مع الفتاة الألمانية الشقراء  يفسر ما عن لها من أسئلة. كان الوقت يمتد بهما كثيرا إلى ما بعد منتصف الليل. بعد وفاتي, أعتقد

بعد أن نال جي شيان لين شهادة الدكتوراه بقي في ألمانيا خمس سنوات، كتب خلالها عددا من البحوث الهامة، وفي كل مرة كانت الألمانية الشقراء تساعده، وكان ذلك يتطلب أن يكون إلى جوارها. هكذا حتى غادر ألمانيا في العام الخامس والأربعين للألف التاسعة عشرة للميلاد. بعد وفاتي, أعتقد

هذا التواصل والاقتراب الطويل بين الشاب الصيني والفتاة الألمانية أنبت زهرة الحب بينهما وأشعل جذوته، حتى لاحظت ذلك الأم الفطينة السيدة ماريا، فكانت تدعو جي شيان لين دائما في المناسبات العائلية، وتحرص على أن يكون مقعده مجاورا لمقعد ابنتها. كان ضيفا رئيسيا دائما في حفلات الكريسماس وكانت ايرمغارد في كل مناسبة ترتدي أفخر الثياب وتضع أفضل زينة، وتبدي حفاوة ظاهرة عندما يزور جي شيان لين بيتها. بعد وفاتي, أعتقد

رافق جي ايرمغارد إلى الحديقة القريبة من الشارع وإلى دار السينما والمتجر، وتركا وقع  أقدامهم  في شوارع وطرق المدينة. اغترف كل منهما سعادة من نبع الآخر. لقد سحرت  ايرمغارد جي بجمالها الهادئ وصوتها الرقيق وابتسامتها الحلوة. إنها المرة الأولى التي يشعر فيها جي شيان لين بأنه قلبه يدق وأنه يحب، برغم أنه متزوج قبل عدة سنوات. كان عندما يعود إلى غرفته تتنازعه المشاعر المتناقضة,  بين زوجة ارتبط بها قسرا وطفلين في الصين وحبيبة يعشقها في ألمانيا. تمنى لو أنه قابل ايرمغارد قبل أن يتزوج، ولكنه إن فعل الآن فتلك خيانة للزوجة والأهل، وهدم لكل القيم التي تربى عليها منذ صغره، وذلك ما لا يستطيعه. على الجانب الآخر إذا كبح عواطفه وأخمد نار حبه فإن البنت التي تحبه حبا لا حدود له سوف تصدم صدمة قاسية. كان أمامه طريقان، النار والماء ولا خيار ثالث. عاش جي شيان لين بين للألم والسعادة، بين الفرح وتأنيب الضمير، وفي النهاية قرر أن يلعق هذا الثمر  المر بنفسه وأن يحاول قدر الإمكان أن تكون جروح حبيبته ايرمغارد محدودة، فهي مازالت شابة ستجد خطيبا يسعدها وتكون لها أسرة هانئة في المستقبل، وظن أنها سوف تنساه مع مرور الأيام. بعد وفاتي, أعتقد

في عام 1991 نشر جي شيان لين مذكراته بعنوان "عشر سنوات في ألمانيا" التي كشف فيها لأول مرة عن هذه القصة المريرة، بل خصص فصلا في الكتاب بعنوان "أسرة ماريا"، جاء فيه: بعد وفاتي, أعتقد

"الآن أغادر أسرة ماريا وأترك ايرمغارد. كتبت في يومياتي بتاريخ 24 سبتمبر عام 1945: وصلت إلى بيت ماريا في السابعة والنصف مساء. بعد تناول العشاء جلست مع ايرمغارد وهي تكتب على الآلة الكاتبة. اقترحت علي ألا أغادر ألمانيا. أراها اليوم أكثر نشاطا وملاحة، يصعب علي أن أتركها. ولكن أين المفر؟ إنني إنسان لا يستحق حب فتاة جميلة مثل ايرمغارد. بعد وفاتي, أعتقد

في الثاني من أكتوبر نفس العام،  قبل أربعة أيام من مغادرة غوتنغن، كتبت في يومياتي: رجعت إلى غرفتي وتناولت الغداء،  ثم راجعت محتويات الرسالة. زرت بيت ماريا في الساعة الثالثة بعد الظهر وأتممت كتابة الرسالة بمساعدة الآنسة ايرمغارد. كان باديا أن فراقنا صعب عليها  فلا أدري ماذا أفعل. هذه اليوميات تسجيل حقيقي لتلك الأيام وليست ذكرياتي اليوم وهي عواطفي في ذلك الوقت وليست عواطفي الآن. غادرت أسرة ماريا وتركت الآنسة ايرمغارد. عندما وصلت إلى سويسرا تواصلنا  مرات عبر الرسائل البريدية. ولكن بعد عودتي إلى الصين قطعت الاتصالات بيننا. ليس صحيحا إذا قلت إني لم أكن أشتاق إليها، فقد سألت عنها  عندما زرت غوتنغن عام 1980، بعد ثلاثين عاما من الفراق ولكن لم أجد أي أثر لها. لا شك أنها، إذا مازالت على قيد الحياة، أصبحت عجوزا، بينما أنا صرت شيخا أيضا. أعتقد أن قليلا من الناس في هذه الدنيا يتذكرونها الآن وعندما لا أستطيع أن أتذكرها بعد وفاتي, أعتقد أن أحدا في هذه الدنيا لن يتذكرها".

ولكن القصة لم تنته. بعد وفاتي, أعتقد

بعض من الذين قرءوا مذكرات جي شيان لين تأثروا بها وذهبوا إلى غوتنغن بحثا عن ايرمغارد. المدهش أنهم وجدوها, عجوزا شعرها فضي مازالت على جمالها وحيويتها، والمدهش أكثر أنها لم تتزوج طوال عمرها المديد، ولكنها مازالت محتفظة بالآلة الكاتبة القديمة. بعد وفاتي, أعتقد

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

موضوع تسجلي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.