محتويات العدد4 إبريل (نيسان) 2004
م

الفلاحون في مدن الصين!

لي وو تشو   مراسل الصين اليوم

        تقول أحدث الأرقام إن 130 مليون فلاحا انتقلوا من قراهم إلى مدن  الصين الكبيرة سعيا وراء العمل. هذا الرقم يساوي نصف عدد سكان الولايات المتحدة  ويتجاوز عدد الأيدي العاملة المقيمة في مدن الصين. هؤلاء الفلاحون الذين يسمونهم بالعمال الفلاحين جزء رئيسي من العمالة الصناعية والتجارية في الصين. هذه الحالة مؤشر هام للتغيرات التي يشهدها المجتمع الصيني، ذلك أن ثمة فارقا كبيرا بين مفهوم الفلاح في الصين والفلاح الغربي. هذا الأخير يسمى "عامل الصناعة الزراعية" ويتمتع بمكانة متساوية مع العامل في المدينة، ويتخذ الزراعة مهنة  وينتج باستخدام الماكينات الكبيرة المتقدمة. الفلاح الصيني له معنى آخر، يفلح  قطعة صغيرة من الأرض معتمدا على قواه البدنية، ويفتقر إلى فرص التعليم المتاحة لأبناء المدن. لكل كلمة فلاح في القاموس الاجتماعي الصيني تعني مهنة بسيطة وصفة لفرد. القادم من الريف في الصين لا يتمتع بنفس الحقوق السياسية والضمانات الاجتماعية التي يتمتع بها ابن المدينة. مثل رسوم

       هؤلاء الفلاحون الذين يقدمون للمدينة الصينية موارد رخيصة من الأيدي العاملة ويسهمون في تنمية اقتصاد الصين، تحدوا الأنظمة القديمة المنفذة منذ نصف قرن بعد تأسيس الصين الجديدة وخاصة في مجالات "سجل الإقامة" والضمان القانوني والاجتماعي. مثل رسوم

ثروة للمدينة وله مثل رسوم

         لي تشنغ، البالغ من العمر 22 سنة،  قدم من قرية خهبي بمقاطعة خنان ليعمل فرد أمن في شارع تشونغقوانتسون المشهورة بإنتاج وبيع المنتجات الإلكترونية في بكين. بعد أربع سنوات من العمل في عاصمة البلاد أضحى الشاب يتكلم اللغة الصينية الفصحى وبفضل بشرته البيضاء يصعب تميزه عن سكان البندر. لي تشنغ قانع بحياته في بكين ولا يريد أن يعود إلى مسقط رأسه. يقول: "راتبي الشهري خمسمائة يوان، وأحصل على طعامي ومنامي مجانا، وعليه أدخر أربعمائة يوان شهريا" ويضيف "علم أن هذا الدخل قليل جدا بالمقارنة مع دخل أهل بكين، ولكن دخلي في السنة أكثر من دخل كل أسرتي في الريف من الزراعة ولهذا أعتقد أنه لا فكاك أمام فلاحي مقاطعة خنان إلا الخروج إلى المدن". تكثر الكوارث الطبيعية، من فيضانات وجفاف في مقاطعة خنان، الكثيفة الأيدي العاملة مع قليل من الأرض الزراعية. هذا إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة الكيماوية والمبيدات الزراعية وانخفاض أسعار  الحبوب الغذائية يوما بعد يوم. وبعد استخدام الماكينات الزراعية يزيد عدد العمالة الزراعية الفائضة  ويخرج الناس من القرية للعمل في أماكن بعيدة، بكين شمالا أو منطقة دلتا نهر اليانغتسي شرقا أو منطقة دلتا نهر اللؤلؤ جنوبا، والبعض يفضل البقاء قريبا من أسرهم فيختار عاصمة المقاطعة أو مركز المحافظة وجهة لهم. مثل رسوم

        مقاطعة خنان هي أكبر مصدر للأيدي العاملة إلى مدن الصين، حيث يبلغ عدد فلاحيها الذين يعملون خارج المقاطعة لمدة أكثر من نصف سنة حوالي13 مليون نسمة أي ثلث من  إجمالي الأيدي العاملة الريفية في المقاطعة. مقاطعة آنهوي تأتي في المرتبة الثانية، فمن بين  27 مليون فلاح في ريفها يعمل سبعة ملايين خارج المقاطعة. مثل رسوم

        عدد سكان الصين اليوم مليار وثلاثمائة مليون نسمة، منهم تسعمائة مليون فلاح بينهم خمسمائة مليون في سن العمل ولكن المؤسسات الريفية توفر بضعة عشر مليون فرصة عمل فقط والإنتاج الزراعي لا يحتاج أكثر من مائة مليون فلاح، وهذا يعني أن هناك من ثلاثمائة مليون  إلى أربعمائة مليون يد عاملة ريفية متعطلة. الواضح أن حالة المائة وثلاثين مليون فلاح الذين يعملون في مدن الصين نقطة بداية فقط. مثل رسوم

        الخبراء يرون أن ظاهرة تحول عدد كبير من الأيدي العاملة في الريف إلى مجالات غير زراعية نتيجة ضرورية في حركة اقتصاد الصين السريع تجاه التصنيع والتحول الحضري. مثل رسوم

    في نفس الوقت، يلعب الفلاح في المدن دورا تنمويا متزايدا للاقتصاد الريفي. في عام 2003، بلغت تحويلات العاملين الفلاحين خارج خنان إلى المقاطعة 52,8 مليار يوان. وكان إجمالي الناتج المحلي لسبعة ملايين فلاح من مقاطعة آنهوي في كل أنحاء البلاد مساويا لإجمالي الناتج المحلي للمقاطعة  نفسها، وتبلغ تحويلات هؤلاء العمال الفلاحين إلى مواطنهم 30 مليار يوان كل سنة، وهو مبلغ يزيد عن  الإيرادات  المالية المحلية لآنهوي. بفضل هذه الأموال تحسنت حياة الفلاحين وتطورت الأرياف، فتبنى بيوت جديدة وتقام مدارس وتجدد طرق والخ. بعض العمال الفلاحين الذين يعودون من المدن الكبيرة والحديثة إلى الأرياف لإنشاء شركات وأعمال لهم  يحملون معهم فكر تنمية جديدا للريف. مثل رسوم

        إن انتقال الفلاحين إلى المدن للعمل ليس حاجة للفلاحين فقط، بل ضرورة لتنمية المدن أيضا وليس قناة هامة لزيادة دخل الفلاحين فحسب بل عامل هام للحفاظ على القدرة التنافسية في مجالي الصناعة وصناعة الخدمة. مثل رسوم

العمال الفلاحون على هامش المدن مثل رسوم

         تقول دراسة ميدانية إن أكثر من 50% من الفلاحين العمال المتنقلين يرغبون في الاستقرار بالمدن التي يعيشون ويعملون فيها الآن. أقل من 10% منهم اختاروا العودة إلى مسقط رأسهم. ولكن هل يمكن لهم أن يقيموا إقامة دائمة أو يعملوا دائما في هذه المدن؟ إن استخفاف وسخرية  بعض أبناء المدن تجعل لي تشنغ يشعر بالحزن، ويذكر نفسه دائما أنه ينتمي إلى الريف، وليس إلى هذه المدينة. يقول: "لا نستطيع أن نتساوى مع أبناء المدن مائة بالمائة، فكلمة فلاح هي المصطلح الذي يستخدمه أبناء المدن للسخرية من الشخص المتواضع الثقافة غير النظيف المتخلف فكريا. مع أن الفلاحين يؤدون نفس العمل الذي يؤديه أبناء المدن، بل يمارسون أعمالا أكثر صعوبة ومشقة ولا يرغب فيها أبناء المدن، مازالوا يسمونهم العمال الفلاحين، ولا يحصلون على نفس الراتب ولا يتمتعون بنفس الضمان والتأمين والمساعدة، لدرجة أنهم يدفعون لأولادهم  نفقات دراسية أعلى من أبناء المدن في مدارس المدن. لا بد أن يقبل العامل الفلاح كافة المشاكل، ومنها القيام بعمل إضافي بدون أجر إضافي والمغامرة بصحته وحياته للعمل بدون أي وقاية وفقدان العمل بعد الإصابة. مثل رسوم

        وتشير نتيجة دراسة إلى أن 40% من العمال الفلاحين يشعرون بضغوط جنسية ويمضي 50% منهم وقت فراغهم في مشاهدة أفلام إباحية وبعضهم يتحرش جنسيا بالنساء في المواصلات العامة. مثل رسوم

       القانونيون يقولون إنه من الصعوبة بمكان أن يحصل العامل الفلاح عل حقوقه الشرعية في المدن في ظل الأنظمة التقليدية لأن هذه الأنظمة الاجتماعية لا تضع في اعتبارها العمال الفلاحين، بل العكس  تقيدهم بعض الأنظمة المحلية غير العادلة. مثل رسوم

         يان، الشابة القادمة من قرية بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ وعمرها 26سنة. تقول"أحب ناطحات السحاب والمتاجر الكبيرة وزحام المرور والمواصلات في هذه المدينة".  يان تعمل في مدينة شنتشن منذ ثماني سنوات ولا تريد العودة إلى مسقط رأسها، حيث لا عمل لها. ولكن البقاء في شنتشن ألم وكآبة، فهي تعي أن وجودها في هذه المدينة مرهون بالعمل الثابت. من سوء حظها أنها شرعت تبحث عن عمل وهي في سن متقدمة قليلا، فمعظم الأعمال في هذه المدينة تريد فتيات بين 18 و24 سنة. يان لم توفق في العثور على شريك حياة أيضا، فالشاب الذي يحمل سجل إقامة في المدينة لا يرغب في الزواج منها ومن أمثالها، وهي لا تريد الزواج من عامل فلاح فقير في المدينة ولا من الرجال الذين مازالت أرجلهم مغروسة في طين قريتها. يان واحدة من مجموعة العمالة الريفية التي لا تريد مواصلة العمل في الزراعة ولا تستطيع الحصول على عمل جيد في المدينة لافتقارها إلى المهارة. مثل رسوم

         قليل من العمال الفلاحين ينجح في المدن. سون يونغ تشيانغ، نجح في بكين بعد سبع سنوات ويعمل الآن مدير مطعم متوسط الحجم. راتبه السنوي 40 ألف يوان، وهو رقم يقترب من متوسط الدخل لأبناء بكين. ولكن لأن صفته فلاح لا يمكنه التمتع بصندوق الإسكان مثل أهل بكين ولا يمكنه الاقتراض من البنك لشراء مسكن, وصاحب المطعم لا يقدم له أي تأمين أيضا. رغم أنه مدير مطعم ما زال يسكن مع زوجته وابنه البالغ من العمر سنتين في غرفة صغيرة مساحتها عشرة أمتار مربعة. سون يعي جيدا أن حلم امتلاك شقة في بكين بعيد المنال. يقول سون يونغ تشيانغ:" المفر الوحيد لنا أن نكون أصحاب أعمالنا". ولكنه لا يدري متى يمكنه أن يحقق هذا الهدف. مثل رسوم

        المدن لا تقبل العمال الفلاحين قبولا شاملا والعمال الفلاحون لا يعتبرون المدينة التي يعملون فيها بيتهم، ومن هنا ردم الفجوة بين المدينة والريف أمر صعب.  مثل رسوم

اللوائح الجديدة هل تحمي حقوق العمال الفلاحين؟ مثل رسوم

         شيونغ ده مينغ، الفلاحة العادية في قرية لونغتشيوان ببلدية رنخه بمدينة تشونغتشينغ اختارها التلفزيون الصيني المركزي "الشخصية الاقتصادية لعام 2003 في الصين". لأنها عندما كان رئيس مجلس الدولة ون جيا باو يقوم بجولة تفقدية في تشونغتشينغ العام الماضي امتلكت الشجاعة وشكت له أن جهة عمل زوجها  متأخرة في دفع 2300 يوان من راتبه. مثل رسوم

        العمال الفلاحون على هامش المدن يواجهون متاعب أخرى، فهم يؤدون أعمالا شاقة ولكن لا يمكنهم الحصول على رواتبهم المستحقة. والأرقام تقول إنه في عام 2002 لم يحصل ربع  العمال الفلاحين في بكين  على رواتبهم أو حصلوا عليها متأخرة و إن أكثر من ثلثهم كانوا فقراء فقرا مدقعا لأسباب مختلفة. ليس هناك قانون  يضمن حقوق هؤلاء العمال الفلاحين، كفئة اجتماعية ضعيفة وناشئة، ولهذا تنتشر ظاهرة تأخير رواتبهم في كافة أنحاء الصين. مثل رسوم

        شكوى شيونغ ده مينغ أمام رئيس مجلس الدولة هزت المجتمع الصيني، وكانت البداية لحملة دفع الرواتب المتأخرة للعمال الفلاحين. أصدرت الحكومات على مختلف المستويات أوامرها بمساعدة العمال الفلاحين وعاقبت بعض الشركات المتأخرة في دفع الرواتب. وأعلنت حكومة بكين أنه إذا تأخرت أي شركة مقاولات في دفع رواتب العمال الفلاحين فإن مصيرها الخروج من السوق في بكين. مثل رسوم

       العمال الفلاحون لا يمكنهم حماية حقوقهم الشرعية مثل أبناء المدن، ولهذا كانت الصين في فترة الاقتصاد المخطط  تنتهج سياسة تمنع دخولهم المدن ولكن بعد تبني سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج وخاصة في عصر اقتصاد السوق، بزغت ظاهرة هجرة الفلاحين إلى المدن بشكل تلقائي ولكن أيضا لم تتغير السياسات لتواكب هذا التطور. مثل رسوم

       ويعتبر إلغاء اللوائح التمييزية القديمة التي تمنع الفلاحين من دخول المدن خطوة أساسية لمعالجة مسألة العمال الفلاحين. وقد ألغت بعض المقاطعات المتطورة اقتصاديا مثل جيانغسو نظام تمييز "سجل الإقامة في الأرياف" و"سجل الإقامة في المدن" بحيث تكون معاملة كافة مواطني المقاطعة على قدم المساواة. وأقامت بعض المدن الكبرى، مثل بكين وشانغهاي وشنتشن عددا كبيرا من المدارس لأولاد العمال الفلاحين. ويمكن للعمال الفلاحين في  بعض المناطق أن يتمتعوا بتأمين الرعاية بعد التقاعد وتأمين الإصابات الطارئة في العمل حسب القانون أيضا. وأعلنت أخيرا لجنة الدولة للتخطيط  والتنمية ووزارة المالية عن إلغاء  جزء كبير من التكاليف المتعلقة بالعمال الفلاحين مثل رسوم "الإقامة المؤقتة" ورسوم"زيادة حجم الإقامة في المدن" وغيرها. مثل رسوم

      البعض يتوقع  أنه مع تطور المجتمع ستختفي عبارة العامل الفلاح شأنها شأن مصطلحات أخرى اندثرت في الصين. مثل رسوم

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

موضوع تسجلي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.