محتويات العدد4 إبريل (نيسان) 2004
م

حقوق الإنسان.. أي حقوق وأي إنسان؟

       يكتسب مفهوم حقوق الإنسان يوما بعد يوم مزيدا من القوة والعمق، وهو توجه سوف يستمر لأسباب كثيرة ربما أهمها أننا نعيش في عصر بات من الصعب فيه إخفاء شئ، فكل شئ وأي مكشوف؛ بالأقمار الصناعية وشبكات الإنترنت ووسائل الاتصال المتعددة، وربما لهذا السبب رأينا في الفترة الأخيرة كثيرا من الدول تحاول السير في الركب فكونت مجالس وهيئات ولجانا لحقوق الإنسان، لكن السؤال هو عن أي حقوق وأي إنسان نتحدث؟ وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد وضع تعريفات عامة لمفهوم حقوق الإنسان فإن قراءة هذه التعريفات تختلف من فرد إلى آخر ومن أمة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى ثم أن تسييس حقوق الإنسان واستخدامها كوسيلة للضغط لتحقيق أغراض سياسية أو اقتصادية جعل المفهوم، في أحيان كثيرة، حقا يراد به باطل ثم أن محاولة البعض فرض رؤيته لحقول الإنسان على الآخرين بل وتنصيب نفسه حكما ومراقبا على سلوكيات الآخرين ينال كثيرا من هذا المفهوم النبيل. إلا أن نشك في حقيقة

     ما يسمى "تقرير سجل حقوق الإنسان عام 2003" الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية قبل شهر تقريبا، وهو التقرير السنوي الذي تصدره الإدارة الأمريكية لتقييم حقوق الإنسان في كل أرجاء العالم نموذج صارخ للقراءات المختلفة بل والمتعارضة لمفهوم حقوق الإنسان والتقدم الذي يتحقق في هذا المجال أو التراجع الذي يطرأ عليه. إلا أن نشك في حقيقة

         التقرير يجعل من الولايات المتحدة الواعظ والمعلم لحقوق الإنسان الذي يضع علامات الصواب والخطأ "للتلاميذ"، دون حتى السماع إلى وجهة نظرهم. وقد يكون مقبولا أن يقوم العم سام بهذا الدور إذا قدم لنا من أوراق الاعتماد ما يثبت أهليته أو أن يعمل وفق حكمة "ابدأ بنفسك"، وأن يستمع لنصيحة الصين، على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية تشانغ تشي يوي التي قالت في 26 فبراير "إن الصين تأمل أن تكف الولايات المتحدة عن سياسة الكيل بمكيالين في هذه القضية وأن تتوقف عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى تحت ذريعة حقوق الإنسان". إلا أن نشك في حقيقة

         التقرير الذي يشيد بسقوط الحكم الاستبدادي في أفغانستان والعراق وبزوغ الديمقراطية في البلدين لم يقل شيئا عن الخراب والدمار الذي سببته الحرب لمدنيين أبرياء في البلدين، والتقرير الذي يتحدث عن خلع الرئيس العراقي صدام حسين لم يقل إن صدام حسين كان الرفيق العزيز لواشنطن في الشرق الأوسط، وإنه يحمل مفتاح مدينة ديترويت الأمريكية وأن الولايات المتحدة دعمته بالسلاح والسياسة في حرب إيران ولكن التقرير لا يقول شيئا عن المدينين الأبرياء الذين يتساقطون كل يوم في أرض العراق. إلا أن نشك في حقيقة

      والعم سام الذي يتبنى مشروع قرار شبه سنوي لإدانة سجل حقوق الإنسان في الصين في اجتماعات لجنة حقوق الإنسان بجنيف في مايو كل عام، وفشل في كل مرة ينوي، وفق تصريحات نائب وزير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان والعمل لورن كرانر، طرح المشروع مرة أخرى هذا العام، وسوف يفشل أيضا. والملاحظ أن واشنطن لم تطرح المشروع العام الماضي وهي في قمة ورطة العراق وفي حاجة إلى تليين مواقفها تجاه الدول ذات الصوت المسموع على الساحة الدولية. إلا أن نشك في حقيقة

        المثير للسخرية أن الولايات المتحدة تتخذ هذا الموقف من الصين وتتجاهل دولا وأنظمة يصرخ العالم أجمع وكافة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان لانتهاكها الصارخ لحقوق الإنسان وفي منطقة الشرق الأوسط  كثير من الأدلة على سياسة الكيل بمكيالين في هذه القضية، وكما يقال من لا يرى من الغربال أعمى. ومع ذلك لم تتجرأ القوة العظمى يوما لتقدم مشروع قرار لإدانة سجل حقوق الإنسان لحلفائها في الشرق الأوسط، ولكن عندما يتعلق الأمر بالصين فهي جحيم حقوق الإنسان وفقا للرؤية الأمريكية. إلا أن نشك في حقيقة

      إن أحدا لم يقل إن الصين هي جنة حقوق الإنسان، والذي يدعي أن الصين كذلك يخدعك، فالصين مازال بها ثلاثون مليونا لا يتوفر لها الطعام ولا الملبس ولا المأوي المناسب والكافي، وفي الصين تقرأ عن قسوة بعض أفراد الأجهزة الأمنية وغيرها من انتهاكات ترتكبها الأجهزة الإدارية وغير ذلك من الممارسات التي تمثل فعلا انتهاكا لحقوق الإنسان. ولكن السؤال هنا، هل هذه سياسة دولة وتوجها عامة أم أنها تصرفات فردية؟ هل هناك تقدم أم أن الأحوال تسوء. إن قراءة سجل حقوق الإنسان في الصين دون وعي بالواقع الصيني وتاريخ الصين ومسيرة تطورها تنتهي إلى مغالطات فادحة واستنتاجات تفتقر إلى الدقة. ثم أن رؤية الصين بنظارة من تسميهم واشنطن، المنشقين الصينيين، أو الدالاي لاما رؤية ضيقة للغاية لأمة من مليار وثلاثين مليون، أي ما يزيد على خمسة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة. إلا أن نشك في حقيقة

         لقد وصف التقرير الأمريكي سجل حقوق الإنسان في الصين بعبارة مفزعة عندما قال "إن الصين تتراجع في قضايا حقوق إنسان أساسية" وهو ما يمثل تشويها خطيرا للحقيقية في هذا البلد الذي يكتسب احتراما دوليا متزايدا، خاصة أن التقرير  يأتي تقويما لعام 2003 والذي يمثل في العقل الجمعي للصينيين تقدما لا مثيل له في سجل حقوق الإنسان الصيني. وللمفارقة يمثل العام 2003 أيضا صورة صارخة لمحاولة الولايات المتحدة النيل من حقوق الإنسان الصيني، فعندما تضغط واشنطن، من رئيسها إلى برلمانها وخبرائها، من أجل إعادة تقويم سعر صرف العملة الصينية، رنمينبي، وهو ما من شأنه، إذا حدث، أن  يؤدي إلى خفض القدرة التنافسية للمنتج الصيني ومن ثم تعطيل الملايين من الصينيين أو على الأقل تقليل دخولهم فإن ذلك أسوأ انتهاك لحقوق الإنسان! إلا أن نشك في حقيقة

       وعام 2003 هو الذي شهد اقتراح الحزب الشيوعي الصيني تعديل دستور الصين من أجل حماية الملكيات الخاصة وضمان حقوق الإنسان، وهما الأمران اللذان كانا يمثلان تابو أيديولوجيا في القاموس السياسي للصين، وفي هذا العام أيضا قلل قانون حرية العمل كثيرا من حجم التدخل الحكومي في الحريات الفردية، وعلى إثر  تفشي وباء الالتهاب الرئوي، سارس حدث تقدم كبير في حق الجماهير في الحصول على أحدث المعلومات والبيانات، والآن يوجد تقريبا في كل هيئة حكومية نظاما للإعلام وفي حالات كثيرة تعقد الهيئات الحكومية جلسات للاستماع العام لاستطلاع رأي الجماهير قبل اتخاذ قرارات تمس الحياة اليومية للشعب. وفي 2003 شرعت الصين تغير نظاما عمره نصف قرن يقضي بجمع غير أبناء المدن وإعادتهم إلى قراهم (اقرأ مقالة "الفلاحون في مدن الصين" في هذا العدد). إلا أن نشك في حقيقة

       وفي وقت تضيق فيه الولايات المتحدة على القادمين إليها تضع الصين تيسيرات أكثر لزيارتها والإقامة فيها، وكان عام 2003 أيضا هو الذي شهد أول دفعة من البطاقات الخضراء لأجانب يقيمون في الصين. وفيه أيضا ألغي شرط الحصول على موافقة جهة العمل لاستخراج جواز السفر أو وثيقة الزواج، وفيه أيضا تقدم عدد من المرشحين المستقلين لشغل عضوية المجالس الشعبية المحلية في بكين وشنتشن وهوبي، وبالفعل نجح بعضهم. إلا أن نشك في حقيقة

      وفي عام 2003 شنت الحكومة حملات مكثفة لمنع اعتقال المشتبه بهم لوقت أطول من المحدد قانونا ووقف نزع الملكية لصالح إنشاء العقارات في المناطق الحضرية وتأخير دفع رواتب العمال المهاجرين. إلا أن نشك في حقيقة

      ثم والأهم أن كل مؤشرات المعيشة للمواطن الصيني تواصل ارتفاعها مع الإنجازات الكبيرة التي تحققها التنمية الاقتصادية في الصين ويزداد الوعي البيئي للمواطن الصيني يوما بعد يوم وغير ذلك كثير. إلا أن نشك في حقيقة

      هذه الحقائق كلها يغفلها التقرير الأمريكي فيما يجعل المرء يظن أن القائمين على إعداده يجلسون في غرف مغلقة مظلمة، ولا نملك إلا أن نشك في حقيقة نوايا هذا التقرير الذي تآكلت مصداقيته كثيرا. إلا أن نشك في حقيقة

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

موضوع تسجلي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.