العدد 5 مايو (آيار) 2002

  المسرحية

من بين المسرحيات العالمية القديمة، نضجت المسرحية الصينية التقليدية قبل يزيد على ثمانمائة عام متأخرة عن المسرحية اليونانية والمسرحية السنسكرتية الهندية.

المصدر الأول للمسرحية الصينية هو الرقص مع الموسيقي. والمصدر الثاني لها هو التمثيليات الفكاهية في البلاط الإمبراطوري منذ فترة الربيع والخريف. والمصدر الثالث هو فن الأهازيج الشعبية. في فترة أسرة تانغ، انتشر ما سمى "الوعظ الشعبي"، أي نشر وشرح الرهبان الكتب البوذية المقدسة بأسلوب الأهازيج مستفيدين من القصص الدنيوية. في فترة أسرة سونغ الشمالية، وبسبب ازدهار الحرف اليدوية والتجارة، ظهر في المدن ما سمي "واسي" وهو الشكل البدائي للمسرح. كان "واسي" يعرض أنواعا من الفنون بشكل تجاري طول السنة مثل الموسيقى والأهازيج الشعبية والرقص والأكروبات والسحر والتمثيليات الفكاهية. في أوائل القرن الثاني عشر، وبفضل التبادل بين الفنون المختلفة والجمع بينها، ظهر فن تمثيلي شامل يجمع الغناء والحوار والرقص وألعاب الووشو للتعبير عن الحياة المتنوعة والقصص الكاملة، وكان ذلك هو المسرحية.

كانت فترتا أسرتي يوان ومينغ عصرا ذهبيا للمسرحية الصينية. حيث نشطت الفرق المسرحية الشعبية في المدن والأرياف، بينما كان لبعض أسرات المسؤولين الكبار والأغنياء فرق مسرحية خاصة. وظهرت مجموعة من كتاب المسرحيات المشاهير الذين تركوا أعمالا لها تأثير عظيم في التاريخ، مثل مسرحية " السيدة دوه أو المظلومة" التي كتبها قوان هان تشينغ، و"قصة في المقصورة الغربية" التي كتبها وانغ شي فو، و"جوسق الفوانيا" التي كتبها تانغ شيان تسو. بعد فترة أسرة مينغ، تراجعت النشاطات المسرحية التي تتخذ إبداع سيناريو المسرحيات محورا لها عن مكانها للنشاطات المسرحية التي تتخذ التمثيل محورا لها تدريجيا.

منذ أواخر القرن السابع عشر، نهضت المسرحيات والأوبرات المحلية مثل أوبرا خبي وأوبرا آنهوي وأوبرا هوانغمي بهوبي وأوبرا تشينتشيانغ في شنشي وأوبرا يويه بتشجيانغ. تختلف هذه الأوبرات في لهجة وأسلوب الغناء والآلات الموسيقية وأسلوب العزف عليها. اليوم يوجد في الصين أكثر من 300 أوبرا محلية. بعد دخولها بكين عام 1790، استفادت أوبرا آنهوي من ميزات الأوبرات الأخري، فتشكلت تدريجيا أوبرا بكين. وشهدت أوبرا بكين تطورا كبيرا وتركت أثرا عظيما، ومتعت بلقب "الأوبرا الوطنية للصين " في فترة من الفترات.

إضافة إلى ما ذكر آنفا، تتميز المسرحيات الصينية بالاختراق والحركات المحددة.

في البداية، كانت المسرحية الصينية تعرض علي خشبة مسرح يمكن للمشاهدين أن يروها من الجوانب الثلاثة بدون ستار للمسرح أو خلفية. قبل عرض الممثلين، لا يعرف المشاهدون مكان وزمان القصة، ثم يعرفون ذلك من خلال الغناء والحوار والحركات العسكرية التي يؤديها الممثلون. كان الممثلون يؤدون بعض الحركات الخارقة للتعبير عن فتح الباب و إغلاقه أو صعود الجبل؛ واستعانوا من بعض الأدوات الصغيرة ليعبرا عن الركوض ركوبا على صهوة الجواد بسوط أو عبور النهر بمجداف.. لذلك ، معالجة المسرحية الصينية لخشبة المسرح والزمان وترتيب أجزاء المسرحية تتميز بالحرية الشديدة، حيث يمكن التعبير عن قطع الجبال والأنهار مشيا بدورة واحدة، ويمكن أن يمثل عديد من الأشخاص جحافل من العسكريين، ويمكن التعبير عن يوم كامل بعدة دقائق.

الحركات المحددة تمثل الأسلوب القومي للمسرحية الصينية. مثلا هناك حركات محددة لدفع النافذة وامتطاء الخيل وركوب السفينة. هذه الحركات هي نظام التمثيل. هذا النظام ليس للحركات التي تعبر عن الحياة، بل هناك أنظمة محددة للأدوار المختلفة ولأسلوب الغناء والماكياج والأزياء. مثلا ماكياج وجوه أدوار أوبرا بكين، لكل لون منه معنى خاص: الأحمر رمز للوفاء والشجاعة، الأسود رمز للصراحة، الأبيض رمز للخبث والخيانة.

الموسيقى والرقص والأكروبات

 كانت الموسيقى مع الرقص والشعر تنتمي إلى نوع واحد من الفنون الصينية، ثم انفصل الشعر عنهما بينما لم تنفصل الموسيقى والرقص عن بعضهما.

كان الرقص الذي ترافقه الموسيقى ويستخدم في المناسبات العظيمة مثل تقديم القرابين للأسلاف أو للسماء عظيما ومهيبا، فسمي بـ"الموسيقى المهذبة". عندما يتم الجمع بين الموسيقى المهذبة والمراسم التي يحترمها الصينيون، تصبح ذات وظيفة تهذيب الناس، فتستخدم لمدح فضائل الإمبراطور وللتعبير عن التراتب الاجتماعي، لذلك حدد أباطرة أسرة تشو وأمراؤها موضوع الرقص المقترن بالموسيقى وحجم فرقها وأنواع آلاتها الموسيقية بشكل صارم. ثم ومع تدهور أسرة تشو،  دخلت الموسيقى والرقص الشعبي البلاط الإمبراطوري تدريجيا.

ظلت الموسيقى والرقص في البلاط الإمبراطوري تيارا رئيسيا للموسيقى والرقص الصيني القديم لمدة طويلة. في فترتي أسرتي هان وتانغ كان هناك جهاز حكومي لإدارة الموسيقى والرقص مسؤولا عن جمع الموسيقى والرقص وتدريب الفنانين وتنظيم وترتيب أنظمة الموسيقى والرقص، مما دفع تطور وازدهار هذا الفن. كان الإمبراطور تانغ شيوان تسونغ (712-756 على العرش) متقنا للموسيقى والتلحين، ودرب بنفسه مئات الموسيقيين في حديقة "لييوان"، فأصبحت هذه الحديقة أول معهد إمبراطوري للموسيقى والرقص في الصين. تركت موسيقي أسرة تانغ أثرا كبيرا في الأجيال اللاحقة، وكان الأثر الأهم هو الأغاني التي تشمل الكلمات والألحان والتي أصبحت أسلوبا أدبيا هاما في فترة أسرة سونغ.

بعد القرن الثالث عشر، احتلت المسرحية الموسيقية والراقصة مكانة مركزية في حياة المدنيين الثقافية والترفيهية، ولم يعد فن الموسيقى والرقص، كأسلوب فني مستقل، نشيطا كما كان.

ظهرت أنواع مختلفة من الآلات الموسيقية في الصين منذ زمان مبكر. حسب التسجيلات، كان هناك أكثر من 70 نوعا من الآلات الموسيقية في فترة تشو الغربية، تنقسم إلى ثمانية أنواع حسب مواد صناعتها، لذلك تسمى "الآلات الموسيقية الثماني" في التاريخ. ظهرت في تلك الفترة الأجراس الموسيقية. اكتشفت مقبرة قديمة يعود تاريخها إلى 2300 سنة في محافظة سويشيان بهوبي، وحملت لقب "قصر الموسيقى تحت الأرض بالصين". اكتشف فيها مجموعة من الأجراس الموسيقية عددها 65 آلة، تنقسم إلى ثماني مجموعات وفقا لحجمها وصوتها، تعلق على حاملة للأجراس من ثلاثة طوابق. يمكن عرض الألحان المختلفة بها. اكتشفت فيها 27 آلة موسيقية أخرى.

تشمل الآلات الموسيقية التقليدية الآلات الوترية والخيزرانية والآلات الموسيقية النفخية والنقرية. الآلات الوترية والخيزرانية أقدم من الآلات الوترية والمزامير، استخدمت لمرافقة الغناء والرقص، ثم تطورت إلى أسلوب مستقل للعرض، تنتشر في الجنوب بصورة رئيسية. عدد أعضاء فرقها قليل، أصغرها تتكون من المزمار و"أرهو" فقط. عدد أفراد فرقة الآلات النفخية والنقرية كبير، تعرض في الهواء الطلق دائما لأنها تعبر عن الحماسة والفرح بأسلوب طليق وشجاع دائما. بصورة عامة الشمال يهتم بالآلات النفخية بينما يهتم الجنوب بالآلات النقرية. في قديم الزمان كان عرض الآلات الموسيقية التقليدية الصينية يصاحب دائما حفلات الزفاف أو مراسم الجنازة الشعبيين أو مناسبات استقبال الآلهة أو المسابقات أو الاحتفالات في البلاط الإمبراطوري أو الطقوس الدينية. قليلا ما كانت تعرض بدون مناسبة.

لم يتقيد الغناء والرقص الشعبي بقيود كثيرة، لذلك  تميزا منذ البداية بالحرية والنشاط فلقيا ترحيب الناس، وحققا انتشارا أوسع من الموسيقى والرقص في البلاط الإمبراطوري، وفي الريف خاصة. كلما حلت الأعياد كانت التنظيمات المهنية تقيم عروضا للغناء والرقص في المدينة. أعظم ميزة للرقص الصيني التقليدي هو الجمع بين المهارة الفنية ومهارة الحركات، مثل رقصة الأسد التي تجمع فن الرقص وفن الووشو البهلواني. يبدو أن أبناء قومية هان، اكبر قومية صينية، لم يتعودوا على التعبير عن مشاعرهم بالرقص، بينما كان معظم الأقليات القومية ماهرين في الغناء والرقص، وكانت نشاطات الغناء والرقص نشاطات للقومية أو القرية كلها. رقصهم يتميز بالخصائص القومية.

الطوب الذي اكتشف في مقابر أسرة هان للفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي وجدت عليه صورة للعروض المائة. والعروض المائة هي الموسيقى والغناء والرقص والأكروبات والسحر والتمثيليات الفكاهية الخ. السحر الصيني التقليدي يختلف عن السحر الغربي، لأن السحر الغربي يهتم بالموسيقى والضوء والأدوات التمثيلية، أما في السحر الصيني فيرتدي الممثل جلبابا طويلا أو يحمل قطعة من القماش، ثم يلعب بالسحر حتى يظهر للمشاهد أشياء كثيرة. يمكننا أن نجد من صور حمل العصي بالرأس وصعود  الساري والمشي على الحبل الخ المنقوشة على الطوب أن فن الأكروبات نضج في تلك الفترة وتطور إلى حركات صعبة. كما يمكننا أن نجد من صور الطوب المكتشف اهتمام لاعب الأكروبات الصيني بمهارة وسط الجسم والساقين والحمل بالرأس. في فترة الممالك الثلاث، اخترعت مجموعة "تدوير المائة لعبة بالماء"، فيها دولاب بارز وعمود التواء ومسننات، تحرك بالماء، من ثم تحرك تماثيل خشبية للراقصات والعازفين و رامي السيوف الخ. مما يعكس انتشار فن الأكروبات ومستوى صناعة الماكينات الخشبية. في عروض الأكروبات الصينية بعض الأدوات التمثيلية المتميزة. قيل إن العالم الفرنسي مخترع المظلة (1740-1810) استلهم من لاعبي الأكروبات  في شرق آسيا الذين يستخدمون المظلة كأداة تمثيلية إسعافية في عرض المشي على الحبل، في اختراعه مظلة الهبوط، وكان ذلك الأسلوب من اختراعات لاعبي الأكروبات الصينيين.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.