العدد 5 مايو (آيار) 2002

الخيل في الحضارة  الصينية

لين ينغ

ما تسو- كلمة قديمة تشير إلى أربعة أفراس سماوية تحولت عبر الأيام في الذاكرة الصينية إلى حيوان أسطوري  له رأس حصان وجسم تنين.

تشانغ تشيان( ؟- 114 ق. م) سياسي عظيم ومغامر مشهور في أسرة هان الغربية بالصين زار مختلف دول وسط آسيا، وهناك وجد في بلد يدعي داوان (في كازاخستان حاليا) جيادا تعتبر أفضل صنوف الخيل بالعالم. عندما وصل خبر جياد داوان إلي الإمبراطور وودي في أسرة هان، أرسل قواته الجرارة إلى داوان لتعود بالخيول منها. ولذلك كتب الإمبراطور قصيدة << جياد داوان السماوية>> تعبيرا عن فرحه بعد الحصول على تلك الجياد. في عهد أسرة هان كان الناس يعتقدون أن السماء تمثل كل شىء موجود في الدنيا، ويمكنها أن تحقق كل ما تشاء، وتجمع بين المشاعر والروح الإنسانية. فمن الطبيعي أن تحولت جياد داوان السماوية إلى حيوان أسطوري له مكانه في عالم الفنون.

يمكن القول إن الكتابة والرسم وجدا في آن واحد. لماذا؟ لأن نشوء الكتابة الصينية البدائية يعود إلى الرسوم الهيروغليفية التي تعبر عن الطبيعة. ومن بين مكتشفات الكتابات المنقوشة على الدروع والعظام في أسرة شانغ ( بين قرني 16 و11 ق. م تقريبا) كلمة- الحصان، وكلمة- العربة. ثمة وعاء برونزي يعود إلى الفترة ما بين القرن 1 و3 ق. م تقريبا عليه لوحة تصف إنسانا يجر بيديه حصانا وبجانبه خنزير.

يقال إن قبيلة هواشيا التي تستخدم الثعبان رمزا لها كانت الأقوى في الصين القديمة، وبعد أن ضمت إليها قبائل تتخذ الأيل والنمر والسمك رموزا لها كل على حدة، صممت قبيلة هواشيا رمزا جديدا لها يجمع بين خصائص الثعبان والأيل والنمر والسمك، وكان ذلك هو التنين!

هناك نقش يشمي اسمه " مالونغ " عثر عليه في حوض المجرى الأعلى لنهر لياوخه الغربي الذي عاش فيه أبناء البدو قبل أكثر من خمسة آلاف سنة. لأن رأس هذا التنين يبدو مثل رأس الحصان( ما )، فيمكننا أن نخمن: أولا- اسم النقش مأخوذ من الدمج بين ما(الحصان) ولونغ(التنين)؛ ثانيا- أتي هذا الاسم بعد أن ضمت قبيلة قوية تتخذ التنين رمزا لها عشيرة ضعيفة تستخدم الحصان رمزا لها.

كان قدماء شمال الصين يعتقدون أن الجواد مثل التنين هو حيوان أسطوري.

 تقع أطلال تشويوان التي تعود إلى ما قبل 2900 سنة شمال ملتقى محافظة فوفون ومحافظة تشيشان- على بعد 130 كيلومترا عن شمال غربي شيآن- وتضم مدينة عاصمة أسرة تشو، ومعابد ومقابر أسلاف أبنائها قبل أن تسقط أسرة شانغ.

هناك ثمانية مواقع تم حفرها، وأكبر حفرة في مركزها، طولها 3ر7 أمتار من الجنوب إلى الشمال؛ عرضها من 1ر5 إلى 3ر5 أمتار من الشرق إلى الغرب؛ عمقها6ر12 مترا. عثر في هذه الحفرة على 95 هيكلا عظميا للجياد. لأن انتشار هذه الهياكل العظمية كان غير منتظم فيمكن الاستنتاج أن هذه الجياد دفنت حية.

يعود اهتمام الصينيين بدور الحصان إلى العهد البرونزي ( بين عامي 2000 ق. م وعام 500 ق. م تقريبا)، حيث بدأ المجتمع الصيني المرحلة التي أنشئت فيها الممالك ووقعت الحروب بينها، وشهدت الحضارة تطورا متزايدا.

مما ورد في كتاب " السجلات التاريخية": في فترة الربيع والخريف والممالك المتحاربة، أصدرت مملكة تشين في عام شيانقون الأول ( عام 384 ق. م) مرسوما بحظر دفن العبيد أحياء أو الأفراس حية مع جثث أصحابهم ليحل محلهم التماثيل.

وبعد أكثر من مائة سنة من ذلك، حيث شهدت الصين مدا في تاريخ النقش الفني. يدل على ذلك اكتشاف كميات هائلة من تماثيل المحاربين والخيول في مقبرة الإمبراطور شي هوانغ في أسرة تشين.

عثر في ثلاثة مواقع تم حفرها في مقبرة الإمبراطور شي هوانغ على أكثر من ألف تمثال خزفي للمحاربين والخيول، وكانت هذه التماثيل التي نحتت وفقا لحجم الإنسان والفرس الحقيقي مصطفة حسب طوابير القتال.

وبفضل تقوية نظام السلطة المركزية التي استمرت من بداية أسرة هان عام 202 ق. م حتى رحيل الإمبراطور وو دي في أسرة هان( عام 157 ق. م عام 87 ق. م) دخلت الصين عصرا مفعما بالازدهار والآمال.

وتحت شمس هذا العصر الساطعة، بدأ تشانغ تشيان رحلاته الدبلوماسية نحو الغرب على طريق الحرير. في بلد داوان ( كازاخستان حاليا) اكتشف تشانغ تشيان حصان دا وان- أفضل جواد بالعالم. وقد أرسل الإمبراطور وو دي في أسرة هان قواته الجرارة لتعود بخيول دا وان.

في مطلع أسرة هان، واجه سكان  شمال الصين اعتداءات متكررة من فرسان قومية شيونغنو( الهون)، الأمر الذي سبب اضطرابا كبيرا على الزراعة هناك. لذلك شنت أسرة هان "حملة إبادة " على شيونغنو في عام 104 ق. م، ولكن للأسف فشلت الحملة. عندما أدرك الإمبراطور وودي أهمية الفرسان أرسل قواته الجرارة إلى  دا وان لتعود بأعداد هائلة من جياد دا وان، وأطلق عليها " الجياد السماوية".

ثمة لوحة جدارية في الكهف رقم 249 في كهوف موهقاو بدونغهوان، تعبر عن مشهد الصيد نرى فيها: الخلفية البيضاء، وشخصيات وأفراس وحيوانات وجبال وأشجار بألوان زاهية.

تتفق الآراء على أن أسرة تانغ بالصين كانت العصر الأكثر غناء بالروح الإبداعية، حيث أصبح رسم الجواد بغية الفنانين حينذاك.

لي قونغ لين رسام مشهور في أسرة سونغ، وهو فريد من حيث رسم الجياد.

لنرى لوحة << خمسة جياد>> التي أبدعتها أنامل لي قونغ لين: خمسة أفراس في استرخاء وراحة ترفع رؤوسها نحو الأفق البعيد، وبجانب كل منها سائس من مختلف القوميات..

الإمبراطور كانغ شي( بين عامي 1661 و1722) في أسرة تشيغ كان ميالا إلى الرسم الزيتي الغربي والموسيقي الغربية، لذلك استقدم بعض المبشرين الغربيين ليعملوا رسامين في قصر البلاط الإمبراطوري. وأشهرهم الرسام الإيطالي، المبشر، المعماري غويسيب كاستيغلينو Giuseppe Castiglinoe (1688- 1722). أتي إلى الصين عام كانغ شي الرابع والخمسين- عام 1715، حيث دامت حياته في قصر البلاط الصيني 51 سنة حتى وافته المنية 1766عام  في بكين. 

وأشهر رسومه: لوحة<< مائة جياد>> الزيتية التي أبدعها عام 1728، وكان في عامه الأربعين. نشاهد في اللوحة مائة فرس في مرج فسيح تأكل الأعشاب أو ترقد على ظهورها أو تنظر نحو الأفق البعيد أو تتصارع مع بعضها أو تلهو أو تشرب..

خلال القرن العشرين الماضي، وفي الصين كان شيوى بيه هونغ أشهر رسام في أوساط رسم الجياد. ولع شيوى برسم الجياد منذ طفولته، ودرس الفنون الجميلة في اليابان ثم في فرنسا. وتعتبر لوحة" الجياد الراكضة" التي أبدعها شيوى عملا مثاليا من نوعها. يعتقد الصينيون أن الجياد الراكضة التي تظهر في لوحاته تجمع ما يتصف به الإنسان والتنين من الخصائص؛ وترمز للتحرير والقفزة الكبرى والأمة الصينيةّ الناهضة!

يمكن القول إن تاريخ رسم الجياد يعبر عن تاريخ الحضارة الصينية، وتاريخ تطور الطبيعة البشرية، وتاريخ التعايش بين الصينيين والطبيعة والمخلوقات بما فيها الجياد. ومنذ آلاف السنين تحولت الجياد السماوية إلى رمز يتعلق به الصينيون.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.