محتويات العدد 12 ديسمبر (كنون الأول) 2002
زوجتني صينية، وحضرتك ؟!
حسين إسماعيل

     في صيف هذا العام عندما كنت بالقاهرة التقيت صديق طفولة ودراسة  يعمل حاليا مدير تسويق في مصر لواحدة من كبريات شركات المنظفات الصناعية في العالم. كان اللقاء فرصة لنسترجع أيام المدرسة والجامعة وأشياء كثيرة تثير حنين النفس إلى تلك الأيام. وفجأة إذا بالصديق، وعلامات التأثر بادية عليه، يحدثني عن زوجة زميله، الألماني، في الشركة، وهي صينية من البر الرئيسي، واصفا إياها بأنها رائعة. والحق أنه لم  يذكر شيئا عن جمالها أو لبسها أو غير ذلك مما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما حدثني عن عنايتها ورعايتها لزوجها، وبوعي أو دون وعي، أخذ يشرح لي أشياء كثيرة مجملها أنها تضع زوجها بين رموش عينيها كما يقولون. ولأن أي حديث عن الصين والصينيين يحك في جلدي فقد أنصت إليه جيدا، فهذه بالنسبة لي قراءة للصينيين من الخارج.

استرسل الصديق يحكي كيف تهتم الزوجة الصينية برجلها،؛ ترتب له مواعيده وتدبر له نزهات بمفردهما أو مع الأصدقاء، تساعده في اختيار ما يناسبه من اللباس وتتحفه بأنواع شتى من الطعام الصيني وغير ذلك. استوقفت صديقي وسألته، في مناورة ماكرة من جانبي، عن زوجته وأولاده الثلاث، فكانت إجابة مقتضبة .. بخير.  ولأنني أعرف أسرة صديقي ومتاعب رعاية ثلاثة من الأبناء يغيب عنهم الأب طوال اليوم وتتولى الأم ترتيب شئون دراستهم وطعامهم وشرابهم ومشاغباتهم إضافة إلى مسئوليتها الاجتماعية في زيارة أهل الزوج وأهلها والقيام بالواجبات الاجتماعية التي تفرضها التقاليد في الفرح والحزن وما بينهما، فهمت إلى حد ما السبب في إعجاب صديقي بنموذج الزوجة الصينية الذي رآه. ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد.

في طريقي من القاهرة إلى بكين عرجت على هونغ كونغ لأزورها بعد خمس سنوات  من زيارتي السابقة لها عام 1997 عندما حضرت الاحتفالات بعودتها إلى وطنها الأم. في هذه المنطقة التي تتنفس أموالا وتجارة وأسهم التقيت صديقي البروفيسور حسن زند، أستاذ اللغويات، الإيراني الجنسية الذي عمل وعاش في الولايات المتحدة 15 عاما، وترك بها بعضا من ذريته، ثم فتنه سحر الشرق فأتي قبل ست سنوات إلى بكين ومنها إلى هونغ كونغ.

في المساء وبينما نحن نتحدث في أمور شتى وجدت صديقي الذي تجاوز الخمسين عاما من العمر يأخذني مرة أخرى إلى حديث حول زوجته الصينية، التي تصغره بنحو عشرين عاما. ولأن الكلام هذه المرة من رجل خبر الغرب والشرق وما بينهما، ولأنه بجانب أستاذيته في علم اللغة تربوي مرموق وفوق هذا وذاك له خبرة في تجربتي زواج قبل زواجه الحالي، لكل هذا أصغيت إليه جيدا.

قال البروفيسور زند، مشيرا إلى الشارع الذي كان يم به بعض الأجانب ومعهم صينيات، يبدو أنهن زوجاتهم وإن كان فارق السن واضحا، قال إن ما يجعلني أشعر بعدم ظلم التي تزوجتها من ناحية فارق العمر هو أن الأمر مقبول بين الصينيات. ولم أعلق. وأضاف إن هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها أنني متزوج حقيقيا، وأنني أستطيع أن أبوح بمكنون قلبي دون مواربة أو تزويق .. إنني سعيد للغاية.  وكنت بالفعل أرى السعادة التي تكسو وجهه تكاد تلامس ما تبقى من شعر في خلف رأسه.

وقال البروفيسور زند، إن المرأة الصينية تعتبر الرجل سقفا لها وتبث فيه روحا جديدة وأنها قوة دافعة للزوج للنجاح في العمل والحياة، وكلما عمل الزوج أكثر وحقق دخلا أكبر كلما زاد تقديرها له وفخرها به بين الأهل والأصدقاء. وحدثني الرجل عن رعاية زوجته لابنتهما ذات العامين، بيفرلي، مؤكدا أنه إذا اختاره الخالق العظيم إلى جواره فإنه سيرقد في قبره قرير العين مطمئنا على هذه الطفلة بين يدي زوجته. وشرع الدكتور زند يشرح لي مزايا الزواج بين ثقافات مختلفة أو ما يسمى Intercultural Marriage فكل طرف يضيف إلى الآخر وكل طرف يحاول تعلم الجانب الإيجابي من ثقافة الآخر مما يولد في النهاية مزيجا ثقافيا ثريا يجعل حياة الزوجين والأسرة أكثر حيوية وأقل تقليدية من الزواج داخل الثقافة الواحدة. وبالطبع كانت لي مداخلة في هذا الأمر بأن الاختلاف الثقافي قد يكون أيضا فجوة كبيرة يصعب ردمها أو تجاوزها، وهناك حالات كانت الاختلافات الثقافية عامل تفريق أكثر من كونها عامل تجميع. ولكنه أكد أن الأمر في حالة المرأة الصينية يختلف؛ فهي أكثر قدرة على التكيف وأكثر تسامحا وأكثر قدرة على إظهار مشاعرها الجميلة، ومرة أخرى أشار إلى الشارع حيث يقف شاب وفتاة (صينيان) وقال انظر ماذا تفعل المرأة الصينية .. كانت الفتاة تجفف عرق الشاب بمنديل في  حنان ورقة لا تخطئهما العين.

تركت هونغ كونغ إلى بكين مسترجعا ما قرأته قبل سنوات عن المرأة الآسيوية بصفة عامة، والصينية خاصة، وكان السؤال  الذي يفرض نفسه. هل مازال نموذج المرأة الصينية كما هو مثلما كان قبل ربع قرن؟ هل مازالت امرأة مطيعة، كما قالوا عنها، خادمة لزوجها، تغفر له إذا أخطأ وتأخذ بيده إذا تعثر وتعامله كأنه شبه إله، لا تناقشه إذا قرر وتنفذ إذا أمر؟

بعد أسبوع في بكين كنت بمطار العاصمة استقبل أسرة صديق قادمة من مصر. كان بينهم شخص لا أعرفه، ظننته قريبا أو صديقا جاء معهم يزور الصين ولكنه كان معرفة طريق جاء معهم على نفس رحلة الطائرة. تبادلت معه عبارات الترحيب التقليدية، ثم سألته.. زيارة أم دراسة أم تجارة؟ وكانت الإجابة التي لم أتوقعها .. لا، زواج. مبروك ، قلت له، والعروس أين، سألت. في ..  ونطق اسما لم استطع استبيانه، ولما استوضحته قال إنها بلد على البحر. لم أقل له إن نصف الصين مناطق تطل على بحار.

إذن هي صينية؟!

نعم صينية.

هل زرت الصين من قبل؟

لا، هذه أول مرة.

وكيف ستصل إليها، أظن أنك لا تعرف مكانها جيدا؟

معي رقم هاتفها. وأخرج سيد القادم من القاهرة للزواج  في الصين جواز سفره فقرأت رقم الهاتف مدونا في صفحته الأخيرة.

إذن أنت درست اللغة الصينية؟

لا، ولكن تعلمت بعضها.

بعد الاتصال برقم الهاتف تبين أن وجهة سيد هي مقاطعة شاندونغ، وهي ساحلية فعلا. وتعذر الحجز له في نفس اليوم على طائرة أو قطار للوصول إلى المرأة التي قطع من أجلها آلاف الأميال فكان ذلك فرصة لحديث أطول.

كان نموذج سيد/ سون (اسم التي ستكون زوجته) مختلفا عن الأنماط التقليدية التي أعرفها في حالات الزواج الصيني/ الأجنبي. سيد لم يدرس اللغة الصينية وسون لم تدرس العربية في مدارس. سيد شاب على مشارف الأربعين لم يسبق له الزواج وسون، التي لم أرها، امرأة مطلقة ولديها صبية عمرها 15 عاما. الاثنان التقيا في القاهرة، جمعت بينهما التجارة. سون ذهبت إلى مصر مثل عدد ليس قليلا من الصينيين لاستكشاف فرص تجارة في مصر وغيرها من الدول وهناك تعاونت مع الشاب وتطور التعاون إلى عواطف. وقال الشاب المصري، إنه وجد سون تبث فيه روحا جديدة وتستكشف فيه، أو تجعله يكتشف في نفسه، قدرات لم يكن يعلمها أو يتوقعها، ووجد فيها، حسب قوله، حنانا وقوة، وعطفا ورقة، وسكينة وحركة، وطموحا وذكاء وتسامحا، ولهذا لم يتردد أن يقطع هذه المسافات البعيدة ليأتي إليها.

حملت كل ما سمعت عن المرأة الصينية خلال شهر كامل وذهبت إلى صديقنا عزت شحرور ، مراسل قناة الجزيرة في بكين، الذي درس الطب بالصين وعمل وعاش بها ويتحدث الصينية بطلاقة أهلها وله خبرة في كافة جوانب الثقافة والمجتمع والحياة في الصين.

سألته..  لماذا لم تتزوج من صينية؟‍‍!

الدكتور شحرور ، في نظري،  هو النموذج الأمثل للزواج من صينية، لكل ما سبق ولأنه جاء إلى الصين في سنوات العمر التي تتفتح فيها زهور القلب وعاش ودرس وتعامل في المجتمع الصيني، ثم إنه يكن إعجابا خاصا للثقافة الصينية، والأكثر أنه فاهم جيد لهذه الثقافة وقادر على التعاطي معها وعدد من رفاقه الذين جاءوا معه في نفس الفترة إلى الصين ارتبطوا بصينيات وكان ارتباط نفر منهم مثمرا؛ أولادا وتجارة وعلاقات ونجاحا وفلوسا. وقد اختار د. شحرور امرأة عربية لتكون رفيقة عمره، وربما لم يكن بينهما سابق معرفة ولكنهما أسسا أسرة نموذجية في الحياة وفي العمل.

د. شحرور .. ربما فكر في الزواج من صينية وربما كان هناك إعجاب وعلاقات، ولكن على ما يبدو كان هناك خوف من الفشل، فشل زواج لا تتوفر له عناصر النجاح.

قال..  في ذلك الوقت، بداية الثمانينات من القرن الماضي، كان غرض معظم الصينيات اللاتي  يتزوجن من أجانب هو الارتقاء بمستواهن المعيشي، بحثا عن حياة أفضل. كانت الفتاة الصينية تريد الخروج من الصين إلى عالم تظنه أكثر رفاه. وكان العالم بالنسبة لكثير من الصينيات هو الصين والخارج؛ الصين بمستوى المعيشة المتواضع، آنذاك، والخارج كان يعني أوروبا الغربية  وأمريكا، وربما استراليا، ويستثني أفريقيا وأمريكا اللاتينية وبقية آسيا. ولم أكن، يقول عزت شحرور، ضامنا أن أوفر حياة أفضل لمن سأتزوجها، ومن ثم فإن مقومات النجاح لم تكن متوفرة إضافة إلى الفروق الثقافية  التي لاشك لها، مع جانبها الإيجابي، جانبها السلبي الذي يتضح ويستفحل مع افتقار عناصر التثبيت الأخرى. وقال إنه رأى نماذج فاشلة كثيرة قبل أن يتخذ قرار العمر فاختار الأحوط.

غير أنه أضاف بأن الوضع اختلف حاليا؛ فمع تحسن مستويات المعيشة في الصين باتت الأنثى الصينية تنظر بشكل مختلف إلى نفسها وإلى مجتمعها وإلى الخارج، وإذا كان النموذج الأمريكي/الأوروبي مازال آسرا لبعض الفتيات، حيث تقرا في صحيفة تشينا ديلي مثلا إعلانا لفتاة.. مثقفة، رائعة الجمال ممشوقة القوام تريد صديقا أو زوجا بشرط أن يكون أمريكيا أو بريطانيا وتضع رقم هاتفها. إلا أن الخروج من الصين لم يعد في كثير من الحالات هو هدف المرأة الصينية من الزواج وإنما غلبت أسباب أخرى قد تكون العاطفة أو علاقات العمل وقد تكون المغامرة إلخ.

وأضاف هذا الخبير بالشئون الصينية قائلا إن المرأة الصينية التي تختار الزواج من غير صيني هي ، بشكل أو بآخر، مختلفة أو اختارت أن تكون مختلفة عن مجتمعها وأسرتها ومحيطها وأنها لكي تثبت أن اختيارها كان صائبا تحرص على إنجاحه وهذا يفسر دفعها لزوجها للعمل والنجاح وكسب مزيد من المال ، لأن كل ذلك قرائن وبراهين أو إجابات لمن حاول إثنائها عن خوض تجربة غير مألوفة. ولم ينكر شحرور أن المرأة الصينية لها مزايا كثيرة، ولكنه أيضا وضع هذه المزايا في إطارها المجتمعي ومحيطها البيئي، وقال إن غير الصينية لها أيضا مزاياها ولكن ذلك أيضا وليد البيئة والمحيط الاجتماعي، وما قد يعتبره البعض ميزة قد يراه الآخر نقصا.

قلت لرجل الأعمال العربي فريد فاخوري صاحب أول سلسلة مطاعم عربية في الصين، حدثني عن تجربة زواجك من صينية.

قال: كان الحب هو الدافع الأول والأخير في زواجنا ومازال هذا الحب النسمة التي تلطف عواصف اختلافات كثيرة تواجهها كل أسرة ينتمي طرفاها إلى ثقافتين مختلفتين. وقال إن زوجته كانت، ومازالت، دافعا له للنجاح. وقال إن المرأة الصينية تتميز بجلدها وعزيمتها القوية التي تنعكس لا شك على حياة أسرتها. وأضاف بأن هناك اختلافات في العادات وفي التقاليد وفي الثقافة قد تبدو بسيطة ولكن عندما نواجهها نكتشف أنها ليست بهذه البساطة وإن لم يكن الطرفان قادرين على إبداء مرونة وتسامحا قد تتعرض الحياة الأسرية لهزات.

وقبل أن انهي هذه الرحلة مع الزوجة الصينية كان لابد أن أسأل زميلنا الأسباني أوريول فويتني في هذا الموضوع.

التقيت أورلو أول مرة في مكاتب الصين اليوم، وفي المرة الثانية في المجمع السكني ومعه فتاة شقراء هيفاء متوسطية الملامح. قدمها لي .. فلانة، صديقتي جاءت من أسبانيا لتمضي ثلاثة أشهر معي في بكين. مرت فترة، ربما نصف سنة ثم التقيت أورلو مرة أخرى وبجواره شابة صينية، ومرة أخرى قدمها لي .. زوجتي.

سألته ماذا حدث؟! وفهم هو ما أقصد.

قال إن الفتاة الأسبانية هي التي ترعرع معها طفلا وصبيا وشابا، فقد كانت جارته ولم ينكر أنه أحبها ولهذا جمعهما في أسبانيا بيت واحد كرفيقين بدون عقد رسمي، وهو مسموح هناك، ولكنه، حسب قوله وجد في المرأة الصينية ما يتمناه؛ وجد عواطف بدون حدود تعبر عنها المرأة الصينية دون مواربة وحكي لي ماذا تفعل زوجته الصينية عندما يعود الزوج إلى بيته،؛ تنزع حذائه وترتب أشياءه وتتولى رعايته برغم أنها قد تكون دخلت البيت قبله بقليل عائدة من عملها؛ تراقبه بعينيها وبمشاعرها ولا تلح عليه بكثير من الاستفسارات، لا تعامله ندا لند؛ إنها صفات لا تجدها في المرأة الأوروبية. وأضاف إنه تزوج من صينية برغم انه لا يؤمن كثيرا بمؤسسة الزواج ويفضل الإقامة معا برباط الحب فقط، ولكن الزواج في الصين، حسب قوله، يجعل الحياة أيسر من حيث المعاملات مثل الحصول على تأشيرة لها لتزور بلاده وكذلك تسيير الأمور الأخرى في المجتمع الصيني الذي مازال يؤكد على رباط الزواج والأسرة، وباختصار بالنسبة له العلاقة في إطار الزواج أكثر استقرارا في الصين.

ومن أغرب حالات الزواج من صينية التي صادفتها ذلك الشاب العربي الذي جاء بكين للعمل في الخدمات المعاونة بسفارة بلاده فكان أن تزوج من شابة صينية وعندما عاد إلى وطنه اصطحبها معه ليصر أهله على أن يتزوج من قريبته التي خطبها قبل سفره إلى الصين، وليرجع من إجازته إلى بكين وعن يمينه وعن شماله زوجتان، عربية وصينية، أقاما معا تحت سقف واحد في بيت واحد، برغم أن القانون الصيني يمنع الجمع بين زوجتين.

لكل هذا كلما صادفت أجنبيا يسير إلى جوار امرأة صينية أتوجس بأنه يقترب مني ولسان حاله يقول .. زوجتي صينية، وحضرتك؟‍

الهواء الالهواء الجديدالهواء الجديدجديدالهو اء الجديد

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.