محتويات العدد 12 ديسمبر (كنون الأول) 2002
اختارت صفية.. عبد مسلم خير من حر مشرك

حسن وانغ

 مسلمة عادية في مظهرها، لا تختلف كثيرا عن الصينيين من المسلمين وغير المسلمين، ولكن المضغة التي بين جوانحها تسمو بها إلى أعلى عليين. إنها صفية ما يونغ هوا، القادمة من منطقة مقاطعة قانسو،  وهي مناطق الوجود الإسلامي بالصين. تعشق مهنتها كمربية بمدرسة قوانغآن الإعدادية ببكين. لا تلقن طلابها علما فقط وإنما تغرس فيهم فكرة السعادة.

   بعد أن تخرجت صفية في جامعة المعلمين ببكين عام 1998، كانت جد منفعلة أن تقبل معلمة بمدرسة قوانغآن الإعدادية بعاصمة البلاد. كان ذلك منسجما مع فكرتها بأن المسلم يسعى إلى السعادة، سعادة الدنيا وسعادة الآخرة. في بداية عملها كرست كل جهودها للتعليم وسعت بكل وسيلة لتدرك مكنون نفوس طلابها ومن خلال التجربة والممارسة خلصت إلى أسلوب خاص في التربية يناسب هذه المرحلة من العمر لصبية حركتهم سريعة وأفكارهم أكثر سرعة. لا تنسى صفية شروط المعلم المسلم؛ فالتربية الأخلاقية في المقام الأول وتنشئة الفرد الصالح لمجتمعه هي غاية التعليم ثم يأتي بعد ذلك تدريس العلوم المختلفة. لم تذهب جهود صفية هباء فقد اختارها حي شيوانوي ببكين  نموذجا لشباب المعلمين. وباتت صفية موضع ثقة المدرسة وصديقة للطلاب فكان أن كلفت بعمل مستشارة نفسية للتلاميذ بجانب عملها.

 لاحظت صفية أن تلميذتها وانغ لين،المتفوقة، تتأخر عن دروسها ويشرد ذهنها في الفترة الأخيرة  وتراجع مستواها. قلقت صفية وتحدثت إلى الصغيرة وانغ بحثا عن السبب. في النهاية علمت صفية العلة. لقد أحيل والدا التلميذة إلى التقاعد المبكر عن العمل ولأن البنت العاقلة كانت تدرك الورطة التي تمر بها أسرتها. مدت صفية ما يونغ هوا يد المساعدة لأسرة وانغ لين ليس ماديا فحسب للتغلب على صعوبة مؤقتة، وإنما بشحذ همتهما سعيا لمستقبل الجديد، وبفضل مساعدة الحكومة ومشورة صفية عبرت الأسرة أزمتها وعاد إليها الوئام. تقول صفية : أشعر بالسعادة عندما أساعد الآخرين. السعادة ليست أن تأخذ وإنما أن تعطي.

تعلم ما يونغ هوا تلاميذها دائما كيف يعبرون أوقات المحن، وتضرب لهم دائما المثل بقصتها هي الحقيقية. لم تنس صفية أو تتناسى رحلة حياتها. تقول " قضيت ببكين سبع سنوات، في كل يوم منها أتذكر حياة الماضي". تتذكر شهر يونيو عام  1993 عندما فشلت في امتحان القبول بالجامعة. أصابها الكدر ولكن كان والدها  فرحا بهذه النتيجة؛ فهي كفتاة مسلمة يكفيها هذا القسط من التعليم الثانوي لتتزوج فقد بلغ عمرها 18 سنة. كان من عادة المسلمين الصينيين في بعض المناطق بناتهم تزويج الفتيات في سن مبكرة وعدم استكمال دراستهن. رفضت صفية أن تتزوج في هذه السن وأصرت على الالتحاق بالجامعة، وعملت بجانب مذاكرة دروسها وقررت معاودة المحاولة مع الامتحان.

كانت أياما مرهقة، فهي تدرس منزليا وتقف في منتصف الطريق. تصف صفية ما يونغ هوا تلك الأيام : كنت أحمل ضغطا كبيرا، كنت كمن يسير فوق  سلك فولاذي عابر فوق بحر، صبرت في هذه الظروف الشاقة فربحت الجلد وقوة الخلق وكنت واثقة بأنني سأجتاز الامتحان، وقد فعلت وفي يونيو عام 1995 جاء ني خطاب الترشيح جامعة المعلمين ببكين، وتحقق حلمي في طلب العلم.

كان نجاح بنت من بين هؤلاء المسلمين الفقراء في امتحان القبول بالجامعات  فرحة غامرة فدخول شابة مسلمة أبواب الجامعة شئ نادر بينهم. احتفلوا بالنجاح ولكن القلق على بنت مسلمة ستعيش في الجامعة مع غير المسلمين ساور بعضهم. قبل أن تغادر مسقط رأسها أوصاها الوالدان  وبعض المسلمين ..لا تنسين أنك مسلمة، تمسك بإيمانك يا صفية.

عن حياتها في الجامعة تقول صفية ما يونغ هوا "نشأت في منطقة إسلامية، ولم أتعود البيئة غير الإسلامية في البداية. كنت أقيم مع زميلاتي الخمس غير المسلمات في غرفة واحدة بالجامعة.  لم تكن زميلاتي لا يفهمن عادات حياتي اليومية ولم أتعود أنا أسلوبهن في الحياة. أشار على البعض من الصديقات أن اترك عاداتي الإسلامية لأندمج  في مواكب العصر الصينية، ولكن عقيدتي راسخة رسوخ الجبال. لم أغير شيئا من عاداتي التزاما بقواعد ديني لدرجة أن الزميلات تأثرن بهذه الإرادة الإيمانية الصلبة، واحترمن عاداتي؛ فلا تناول للطعام بالغرفة في شهر رمضان. المدهش أن بعضهن عبر عن الرغبة في الدخول في الإسلام وهذا أمر سرني كثيرا".

في السنة الثالثة بالجامعة بلغت صفية ما يونغ هوا ربيعها الرابع والعشرين. ومرة أخرى أشارت عليها بعض زميلاتها أن تقبل الزواج من  شاب غير مسلم، كفء لها، طالما أنه لا يتوفر الشاب المسلم المناسب، وهو أمر فعلته وتفعله فتيات من أسر مسلمة. صكت صفية أذنيها وردد قلبها أن عبدا مسلما خير من حر مشرك. وصبرت على اختبار الدنيا حتى تخرجها في الجامعة دون أن تخطب.

بعد أن عملت في المدرسة تطلب  سعادتها في العمل عوضا عن وحشة حياتها وهي الفتاة التي تعيش غريبة عن أسرتها. أرشدت طلابها إلى الطريق المستقيم، لم يتزعزع إيمانها بل زادت من  أداء واجباتها الدينية. وبعد الصلاة تدعو دائما بأن ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. واستجاب الله لدعواها.

قبل ثلاث سنوات تعرفت صفية، مصادفة، إلى شاب مسلم مخلص قادم من منطقة إسلامية، ويعمل في قسم البحوث للجمعية الإسلامية الصينية. وتزوجت صفية من الرجل الذي تقول عنه: إنه رجل لطيف عاقل، وهو صديقي في الحياة وأستاذي في العمل. حياة أسرة صفية عادية ولكنها مفعمة بالسعادة والحب، وخلال عامين لعمر زواجهما يساعدان بعضهما البعض في الحياة اليومية والعمل كأنهما زوج من الطيور يحلق في فضاء السعادة.

وعن أمالها للمستقبل تقول صفية …سنواصل الجهود في العمل وأكبر أمنية لنا أن نشتري شقة أوسع في ضواحي بكين، لأن والدي ووالدي زوجي يعيشون بعيدا عنا فيصعب علينا أن نبرهما مثل الآخرين فاتصالات الهاتف لا تكفي. نتمنى أن نعيش جميعا في أسرة واحدة بعد شراء البيت بإذن الله. سعادة الآخرين هي عادتنا الحقيقية. بارك الله في صفية.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.