محتويات العدد 12 ديسمبر (كنون الأول) 2002

لدينا آلاف الأسباب لنتصادق ونتعاون. لدينا آلاف

القرن الحادي والعشرون لن يكون " القرن الأمريكي".لدينا آلافآلاف

مستحيل معرفة حقيقة العالم العربي أو الصين من الإعلام الغربي لدينا آلافآلافآلاف

 

آفاق العلاقات الصينية العربية في القرن الجديد

آن هوي هو

أولا، تاريخ طويل من التبادلات الصينية العربية.

في عام 120 ق.م بعث الإمبراطور هان وو دي مبعوثا إلى الإسكندرية والمناطق الأخرى، وربط طريق الحرير الحضارتين الصينية والعربية برباط وثيق ووصلت سفينة صحار والسفن التجارية العربية الأخرى قوانغتشو وتشيوانتشو (مدينة الزيتون) بالصين مما فتح طريق الحرير البحري (البخور) المشهور. فقد استفادت الحضارتان من بعضهما وتألقتا معا في العالم.

بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، دخلت العلاقات الودية بين الصين والدول العربية مرحلة تطور جديدة. في عام 1956 كانت مصر أول دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين وفي عام 1990 كانت الصين قد أقامت العلاقات الدبلوماسية بين الصين مع كل البلدان العربية وحافظت الصين والبلدان العربية على التعاون الودي الواسع المجالات.

ثانيا، القرن الحادي والعشرون، وضرورة توسيع وتطوير علاقات التعاون الودي بين الصين والدول العربية.

علينا أن ننظر بإمعان في أسس التعاون الودي الصيني العربي وتوجهاته ومضمونه على ضوء المستجدات التي شهدها الوضع الدولي في القرن الجديد، ومنها:

1. انتهاء وضع القطبية الثنائية والتنافس الأمريكي  السوفيتي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور وضع جديد لم تتحدد معالمه بعد. ولكن العالم سيشهد، لفترة طويلة، وضعا تتواجد فيه قوة عظمى واحدة مع أنماط أخرى من القوى. والقوة العظمى الوحيدة ستمارس مذهب الطرف الواحد، وتؤكد على القوة سعيا وراء التفوق الكلي والأمن المطلق، وهو ما يثير اشمئزاز مختلف الأطراف الدولية ويخل باستقرار العلاقات بين الدول الكبرى. بعد أحداث 11 سبتمبر، ومن أجل إقامة تحالف دولي لمقاومة الإرهاب وتنسيق السياسة الخارجية سرعان ما حاولت القوة العظمى الاستفادة من مقاومة الإرهابية لتتوسع وتثبت مكانتها كقوة مهيمنة بصورة ملحوظة. في الشرق الأوسط تنحاز حكومة بوش إلى إسرائيل كثيرا، وعبرت عن "تفهمها ودعمها" لعدوان الجيش الإسرائيلي على المناطق الفلسطينية ومحاصرة الرئيس ياسر عرفات أياما طويلة والقذف الجنوني وقتل الأبرياء، بل أعلنت أنها ستوسع حرب مقاومة الإرهاب بتوجيه ضربة عسكرية ضد العراق وإسقاط نظام صدام حسين. وتتهم وفقا لحاجاتها ورغباتها بعض الدول بأنها "دول مارقة"، وتصنف بعض الدول على أنها "محور الشر" . لكن الحقائق أثبتت مرة بعد مرة أن سياسة القوة ومذهب الطرف الواحد وعبادة القوة لم تحقق السلم والاستقرار للعالم، بل تسبب التوتر والاضطراب فقط.

2. التيار الرئيسي للوضع الدولي العام هو السلم والانفراج والاستقرار، ولن تنشب حرب عالمية جديدة، لكن بعض المناطق والأقاليم تعيش في حروب لا تنتهي وتوتر واضطراب، ولن تشهد السلم والاستقرار. وسوف تتوسع الفجوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة باستمرار، ويزداد التناقض بين الجنوب والشمال؛  وسيستمر بشدة توجه تسييس  وتدويل وتعنيف بعض المشاكل بين مختلف القوميات والمشاكل الدينية؛ وستظل الدول المتقدمة تحمي النظام السياسي والاقتصادي الدولي غير العادل وغير المعقول؛ وسيكون من الصعب حل مشكلة أفغانستان في فترة قصيرة؛ ولن يهدأ يخفف الصراع الدموي الفلسطيني الإسرائيلي، وخطوات استئناف عملية السلام من جديد صعبة ومتعثرة، فحل قضية فلسطين حلا شاملا وعادلا يواجه صعوبات كثيرة؛ لا تزال عناصر عدم الاستقرار  موجودة في منطقة البلقان؛ والصراع في جنوب آسيا مازال قائما؛ والصراع في كشمير يتوتر حينا وينفرج حينا آخر؛ ثم  انعدام الثقة بين كوريا الديمقراطية والولايات المتحدة الأمريكية، ولن يكون سهلا تحسين العلاقات بين كوريا الديمقراطية وكوريا الجنوبية. في يوم 11 سبتمبر من العام الماضي، تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية لهجوم إرهابي غير مسبوق. مما يدل على أن الإرهاب قد أصبح ضررا دوليا عاما. الإرهاب، كظاهرة اجتماعية وتاريخية معقدة لها أسباب عميقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتاريخيا واجتماعيا. فعلينا أن نفكر فيها بعمق ونوليها اهتماما بالغا.

3. لن يكون ممكنا تغيير توجه تعدد الأقطاب في العالم، وسيتطور توجه العولمة الاقتصادية تطورا متقلبا. ولن يكون القرن الحادي والعشرون "القرن الأمريكي" الذي تحلم به القوة العظمى. ومن المؤكد ظهور دول أو مجموعات من الدول متشابهة نسبيا من حيث القوة ومن دوروها في الشؤون الدولية. وستتعمق درجات الاستفادة المتبادلة والكبح المتبادل والتعاون والمنافسة والاعتماد والتسرب المتبادل اقتصاديا باستمرار. وسيكون من الصعب على القوة العظمى أن تتصرف كيفما شاءت. وتشكيل وضع تعدد الأقطاب يقرره نمو وضعف القوة الشاملة لمختلف الدول أو مجموعات الدول وتغيراتها، وهو عملية تدريجية مشحونة بالتناقضات والصراعات خاصة الصراع بين القطب الواحد والأقطاب المتعددة.

العولمة الاقتصادية ليست لعبة تحقق "المصلحة المزدوجة" أو "المصلحة العامة"  بصورة متساوية لكل الحكومات والدول، بل هي منافسة غير متكافئة تحقق فرصا أكثر من التحديات للدول المتقدمة وتفرض تحديات أكثر من الفرص على كثير من الدول النامية. إنها عملية إعادة تركيب لعناصر الإنتاج العالمية من جديد تمثل الدول القوية اقتصاديا قوامها الرئيسي  وفي ظل نظام سياسي واقتصادي غير عادل وغير معقول. القوى المختلفة التي تدفع توجه العولمة الاقتصادية قوية، بل ستواصل دورها؛ وفي نفس الوقت لن يضعف التوجه المعارض للعولمة الاقتصادية، فمن المحتمل أن يتباطأ توجه العولمة في بعض المجالات. لابد أن تعزز الدول النامية تعاون الجنوب الجنوب، لتغيير النظام السياسي والاقتصادي الدولي غير العادل، لتستفيد بقدر المستطاع من العولمة وتتجنب أضرارها وتحقق التنمية في تيار العولمة.

4. تبرز التناقضات بين الجنوب والشمال يوميا، وتنهض بعض الدول النامية حاليا. لقد أشار زعيم الصين دنغ شياو بينغ مبكرا إلى أن المسألتين الإستراتيجيتين الحقيقيتين في العالم إحداهما قضية السلام والثانية التنمية. وقضية التنمية هي مشكلة الجنوب والشمال، وهي المشكلة المحورية. حاليا لم تحل مشكلة السلم، وتتأزم مشكلة التنمية.وتؤثر التناقضات بين الجنوب والشمال في الوضع الدولي أكثر فأكثر، وستبقى وقتا طويلا وستكون معقدة وعنيفة أحيانا. ولأن النظام السياسي والاقتصادي الدولي غير المعقول القديم يصعب أن يتغير جذريا في فترة قصيرة، ستواجه الدول النامية صعوبات إقليمية كثيرة، وظروفا خارجية قاسية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، تنهض مجموعة من الدول النامية ومجموعات من الدول متغلبة على الصعوبات وتكافح بكل جهودها. حيث تشتد رغبة الدول النامية في الاتحاد وتعزيز القوة الذاتية بواسطة التعاون الإقليمي، وستصبح أعمالها أكثر وعيا ونشاطا، ومن ذلك رابطة دول شرقي آسيا والسوق المشترك الجنوبي واتحاد الأنديز وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول والاتحاد الأفريقي والاتحاد المشترك لتنمية جنوبي أفريقيا(ساداك) الخ. تلعب هذه التنظيمات دورا هاما في الشؤون الإقليمية بل في الشؤون الدولية.

ثالثا، الوضع في القرن الجديد يستلزم مزيدا من تعزيز التعاون الصيني العربي، وسيكون هذا التعاون ذا أساس أكثر رسوخا وأغنى مضمونا وأروع مستقبلا.

2. السلم والتعاون ودفع التنمية هي الرغبة المشتركة للدول النامية والصين والدول العربية، لذلك لابد نعارض سياسة القوة ومذهب الطرف الواحد؛ ونعارض اللجوء إلى القوة عشوائيا و "مذهب التدخل الجديد" وخلق نقاط ساخنة إقليمية جديدة؛ ونعارض فرض النظام السياسي والأسلوب الاقتصادي والأيديولوجي الذاتي على الآخرين؛ ونعارض التدخل في شؤون الدول الأخرى باستخدام مسائل القومية والدين وحقوق الإنسان الخ؛ ونعارض "الهيمنة الثقافية" واختلاق "صدام الحضارات".

2. على الصين والدول العربية العمل من أجل تعزيز تطور توجه تعدد الأقطاب في العالم. لأن التعددية القطبية ستنهي عدم تكافؤ القوى الدولية وتحجم التصرفات المتغطرسة للقوة العظمي. لا يعني تعدد الأقطاب احتكار عدد قليل من الدول الكبرى أو مجموعة الدول الكبرى شؤون العالم، بل على الدول النامية أن تلعب دورا هاما في الشؤون الإقليمية والدولية. الدول العربية كبيرة المساحة والسكان، تحتل مكانة استراتيجية هامة، وتمتلك موارد طبيعية وافرة. ومن المؤكد أن عالما عربيا متضامنا سياسيا ومتطورا اقتصاديا ومتقدما ثقافيا سيقدم إسهاما عظيما في السلم العالمي والتعاون الدولي والتنمية المشتركة للدول النامية.

3. الصين والدول العربية كلاهما من الدول المتضررة بالنظام السياسي والاقتصادي الدولي غير العادل وغير المعقول، ولذا علينا أن نعزز التنسيق والتعاون بيننا في سبيل تغيير النظام القديم وحماية الحقوق والمصالح الشرعية المشتركة للدول النامية.

4.  الصين والدول العربية كلاهما من الدول المتضررة من العمال الإرهابية. فقد اغتيل الرئيس أنور السادات، والعنف والقتل يربك الجزائر منذ فترة طويلة، وتواجه الصين أيضا الأعمال الإرهابية التي تقوم بها القوى الانفصالية في شينجيانغ والتي تحرضها بعض القوى الأجنبية. تعارض الصين والدول العربية الأعمال الإرهابية بكل أشكالها، وتدعو معا إلى ضرورة تعزيز التعاون الدولي وإظهار دور مجلس الأمن الرئيسي في قمع الإرهاب؛ ولمكافحة الإرهاب لابد أن يكون هناك دلائل ناطقة وأهداف واضحة، ولا يمكن إلحاق الضرر بالأبرياء؛ ومعارضة ربط الإرهابي بأي أمة أودين؛ ومعارضة المعايير المزدوجة والتوسع عمدا في مكافحة الإرهابية.

5. تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والسعي من أجل التنمية المشتركة. تحقق الصين معدلات تنمية اقتصادية عالية منذ تطبيقها سياسة الإصلاح والانفتاح قبل أكثر من عشرين عاما، وتحتل المركز السابع العالمي من حيث إجمالي الناتج القومي. ويرتفع مستواها في العلوم والتكنولوجيا، حيث استوعبت الصين مبكرا تكنولوجيا الطاقة النووية، وأدرجت إطلاق مركبة فضاء برائد في خططها. لكنها مستواها لا يزال منخفضا من حيث متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي. ولذا فإننا سنكافح عشرات السنين الأخرى لتحقيق التحديث في أواسط هذا القرن، ونلحق بمستوى الدول المتوسطة التقدم، ونحقق نهوض الأمة الصينية. تحتاج التنمية الصينية إلى استقرار الدول المجاورة لها والسلم العالمي والتعاون الدولي. تهتم الصين بتعاون الجنوب الجنوب، وتطوير التعاون الصيني العربي في مجالات الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا من سياسات الصين الثابتة. في عام 2000 تجاوز إجمالي التجارة الخارجية للدول العربية 340 مليار دولار أمريكي، وفي عام 2001 تجاوز إجمالي قيمة التجارة الخارجية للصين 500 مليار دولار، لكن حجم التجارة بين الصين والدول العربية كان  أقل من 15 مليار دولار في عام 2001، برغم الزيادة كانت كبيرة مقارنة مع السنوات الماضية، لكن الحجم لكلا الطرفين مازال متواضعا، مما يدل على وجود إمكانيات كبيرة لتطوير التجارة الثنائية. بلغ إجمالي استثمار الدول العربية في الدول الأخرى نحو[[ 1200 مليار دولار، ]]وبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي في الصين 8ر46 مليار دولار عام 2001، بينما كان إجمالي الاستثمار العربي في الصين 200 مليون دولار فقط، مما يدل على أن رجال الأعمال العرب يفتقرون إلى معرفة السوق الصيني الذي تفضله الشركات المتعددة الجنسيات والشركات بأنواعها المختلفة في العالم. في عام 2000 استوردت الصين أكثر من 70 مليون طن من البترول، 60% منها من الشرق الأوسط، وستحافظ الصين على توجه زيادة استيراد البترول في المستقبل. وقد بدأت الشركات الصينية استثمارها في الدول العربية، ومع تعاظمها سيزداد استثمارها في العالم العربي بالتأكيد. وقد حقق تعاون العلوم والتكنولوجيا الصيني العربي ثمارا كثيرة، بينما لا تزال هناك قوة كامنة كبيرة تنتظر استثمار الطرفين فيها.

6. تعزيز التبادل والتعاون الثقافي لدفع النهضة الثقافية لكل من الطرفين. لقد قدمت الثقافة الصينية القديمة والثقافة العربية القديمة إسهاما جليلا لتنمية وتقدم البشرية، لكنهما توقفتا وتأخرتا  فترة لأسباب تاريخية. لذلك علينا أن نستفيد من روائع الثقافات الأجنبية رافضين حثالة الثقافة الغربية؛ نرحب بالتبادل والتعاون الثقافي، بينما نعارض قيام الدول الكبرى بالتسرب الإيديولوجي والانقلاب مستفيدة من قوتها؛ لن نستخف بأنفسنا وننسى تراثنا بينما نعمل على الإصلاح والابتكار. في القرن الحادي والعشرين، على الثقافة الصينية والثقافة العربية العريقتين أن تتقدما مع العصر وتنضما إلى عملية التحديث، وتعملا على التعديل والتجديد والتقدم والرقي باستمرار، لتحققا نهضة تدريجيا. القرن الحادي والعشرون يجب أن يكون قرنا ملونا تتبارى فيه حضارات مختلفة في جمالها.

7. تعزيز التبادل والتشاور على المستويات والمجالات المتعددة، وتعميق التفاهم وتعزيز الصداقة. الأخبار حول الدول النامية التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية،  بعضها مشوهة عمدا لتحقيق أهداف سياسية، بعضها منطلقة من الرغبة الطيبة في النشر الموضوعي، لكنها لا تعكس الحقائق بسبب الأفكار المسبقة. لقد عملت في بعض الدول العربية فترات طويلة، وعرفت حق المعرفة أنه من المستحيل معرفة العالم العربي الحقيقي والصين الحقيقية من خلال وسائل الإعلام الغربية. لذلك على الصين والعالم العربي أن يعززا الزيارات المتبادلة على المستوى الرفيع، ويزيدا تعامل أفراد كل المستويات والمجالات للقيام بالتشاور أو السياحة، لمعرفة الحقائق مباشرة، وتحقيق التواصل في الفكر والمشاعر. وعلينا أن نولي اهتماما خاصا لتعريف الشعب الصيني والشعوب العربية العالم العربي الحقيقي والصين الحقيقية عبر وسائل إعلامنا.

8. استعراض التاريخ، ومشاهدة الحاضر واستشراف المستقبل يكشف عن أن هناك تباين بين الصين والدول العربية من حيث الأنظمة الاجتماعية والأيديولوجية والمضمون الثقافي، لكن لا يوجد صراع بيننا من حيث المصالح الأساسية، ولدينا مئات الآلاف من الأسباب لنتصادق ونتعاون جيلا بعد جيل، ولا يوجد سبب واحد يجعلنا نقصى بعضنا بعضا أو نتباعد.

آن هوي هو: سفير الصين السابق في مصر، خبير بالمعهد الصيني للشؤون الدولية.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.