الشعور بالتبعية
يؤثر في القلوب

كان البرتغاليون يحكمون ماكاو قبل عودتها إلى الوطن الأم،
وهؤلاء البرتغاليون الذين احتلوا 3% من تعداد سكان ماكاو قد احتكروا لأنفسهم
كافة المناصب الحكومية العالية، واستخدموا اللغة البرتغالية لغة رسمية،
معنى ذلك أن جميع الوثائق الرسمية و القانونية الأخرى لابد أن تستخدم فيها
اللغة البرتغالية. كان البرتغاليون المحليون الذين تزوجوا من صينيات يتولون
المناصب ذات الراتب العالي في الأجهزة الحكومية، بينما لم يتمتع الصينيون
الذين يحتلون 95% من تعداد سكان ماكاو بمكانتهم السياسية، فلجأوا إلى الأعمال
الاقتصادية، وكونوا منظمات اجتماعية. وبعد عودة ماكاو إلى الوطن، بدأ الصينيون
يتولون كافة مناصب الموظفين الحكوميين ومناصب العدل، وأصبحت اللغة الصينية
واللغة البرتغالية لغتين رسميتين، وتستخدم اللغة الصينية الفصحى في الأعمال،
وقد ترجمت سائر القوانين إلى اللغة الصينية ليعرفها أبناء ماكاو
ويستخدموها.
ي
وجد
في ماكاو حاليا مائة محام، منهم 15 محاميا صينيا. قبل عودة ماكاو إلى الوطن،
كان أبناء ماكاو يفضلون المحامين البرتغاليين، لوجود علاقات بين تجارتهم
وبين البرتغاليين. وبعد عودة ماكاو إلى الوطن، اصبح سوق المحامين الصينيين
أكبر مما كان، بل احتل مكانة مستقرة. قال المحامي وانغ شيان هوي إن مزيدا
ومزيدا من أبناء ماكاو يفهمون القانون الآن، ويعرفون ما هي المشاكل التي
يمكنهم حلها بمساعدة المحاسبين أو المدققين أو مقييمي الممتلكات بدلا من
المحامين الذين يطلبون أجورا عالية. لكن عدد وكلاء المحامين الصينيين لم
يقل لازدياد عدد الناس الذين يفهمون القانون ، فمن الطبيعي أن تزداد أعمال
الحماية الذاتية القانونية.
إضافة إلى المحامين المستقلين،
توظف الأوساط القانونية بماكاو المتخصصين القانونيين الذين يعرفون اللغتين
الصينية والبرتغالية، وهؤلاء لم يتحلوا بالمسؤولية القوية والتبعية الشديدة
فقط، بل ترعرعوا مع وضع مشروع "القانون الأساسي" لمنطقة ماكاو
الإدارية الخاصة والبحوث التي تجري حوله فتلقوا تعليما قانونيا غير عادي،
مما أفادهم في فهم العلاقات القانونية الجديدة التي ظهرت في عملية تعديل
قوانين ماكاو، ليحكموا في القضايا بشكل عادل.
كما
أن أبناء ماكاو يسعدهم أن يتحدثوا حول التغيرات التي شهدتها خدمات الموظفين
الحكوميين قبل عودة ماكاو إلى الوطن وبعدها. فإن تشن لي بينغ رئيسة إدارة
الشؤون الإدارية والقانونية المسؤولة عن شؤون الموظفين الحكوميين ترى أن
نفسية الموظفين الحكوميين قد شهدت تغيرات كبيرة بعد عودة ماكاو إلى الوطن،
حيث أظهروا "وعي السادة القوي"، ويرغبون في تقديم الخدمة لأبناء
ماكاو كخادمين لهم. وأحد الدلائل الناطقة على ذلك هو التغيرات التي حدثت
في إدارة البطاقات الشخصية. فعندما كان الناس العاديون يستفسرون
عن كيفية استخراج البطاقة الشخصية قبل عودة ماكاو إلى الوطن، ما كانوا
يحصلون على جواب شاف بسبب إهمال الموظفين . أما اليوم فهم يتمون بعض الإجراءات
المسبقة في غضون3 دقائق لأنهم تلقوا تدريبا فنيا في هذا المجال بعد عودة
ماكاو إلى الوطن. وبرغم ازدياد عدد الناس الذين يطلبون هذه البطاقات وازدياد
كمية العمل تبعا لذلك ، إلا أن أداء الموظفين لأعمالهم بات افضل مما كان
بكثير.
ومن
أجل تقديم الخدمات العالية النوعية لأبناء ماكاو طلبت حكومة ماكاو
من الموظفين الحكوميين، بعد عودتها إلى الوطن، أن يتكلموا باللغة الصينية
الفصحى، فأصبح تعلم اللغة الصينية الفصحى أول مشكلة على الموظفين الحكوميين
أن يحلوها. وها قد مضت سنتان على عودة ماكاو إلى الوطن، وما يزال الموظفون
الحكوميون في مواقعهم يستغلون كل فرصة ليتدربوا على الحوار باللغة
الصينية الفصحى، بينما يجري التدريب الرسمي للغة الصينية الفصحى في كلية
التكنولوجيا بماكاو، التي قد دربت عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين
على اللغة الصينية الفصحى. وقد اشترك كل الموظفين البرتغاليين المحليين
تقريبا في التدريب على التكلم باللغة الصينية الفصحى وتعلم اللغة الصينية
في هذه الكلية. فهناك مثلا السيد لين تشي تاو رئيس المجلس
التشريعي لماكاو متحمس في تعلم اللغة الصينية، لكنه لم يستطع الاشتراك
في التدريب الرسمي بسبب كثرة أعماله، فطلب من المدرس أن يعلمه في
بيته. وفي أثناء تعلمه كان يرفض الرد على جميع الاتصالات الهاتفية. وإضافة
إلى التدريب اللغوي، على الموظفين الحكوميين أن يشتركوا في دراسة القانون
الأساسي لمنطقة ماكاو الإدارية الخاصة وفي التدريب العملي، كما ينبغي للموظفين
الحكوميين على المستويين العالي والمتوسط أن يشتركوا في التدريبات المعنية
في سنغافورة، لأن سنغافورة وماكاو كلاهما مجتمع ذو ثقافات متعددة.
لدى إحساس أبناء ماكاو باحترام المجتمع لهم اهتموا اهتماما
غير عادي بشؤون المنطقة وباشتراكهم النشيط فيها. حيث أصبح برنامج
"الخط التلفزيوني الساخن لمراقبة الحكومة" أحد البرامج
التلفزيونية التي تحظى بأعظم إقبال في ماكاو بسبب تقديم المواطنين اقتراحاتهم
للحكومة بصورة نشيطة. قبل فترة وجيزة اشترك أكثر من 80 ألف شخص في التصويت
لاختيار 10 أشخاص من بين 97 مرشحا للمناصب بمجلس التشريع. قال البرلماني
تشو جين هوي: "أنا تاجر، كنت لا أهتم بالسياسة. لكن ماكاو أصبحت لأبناء
ماكاو أنفسهم بعد عودتها إلى الوطن، أعتقد أنني أمتلك قدرة على الاشتراك
في الشؤون السياسية، فاشترك في الانتخاب بمجلس التشريع. بعد أن أنتخب برلمانيا،
فمن الطبيعي أن أهتم بمصالح أبناء ماكاو ومصالح تجار ماكاو."
إن
سبب التغيرات التي شهدتها ماكاو يعود إلى سياسة "دولة واحدة"،
فبمجيء جيش التحرير الشعبي الصيني إلى ماكاو خشية ظهور المخالفين للقانون،
تحسن وضع الأمن في مجتمع ماكاو الذي كان يشهد في الماضي أعمال قتل وعنف
دون انقطاع ، وأصبحت ماكاو إحدى المناطق الأكثر أمنا في العالم، مما سبب
زيادة عدد السائحين من المناطق والدول المجاورة ودول العالم إليها،
كما نشط السياحة وصناعة القمار في هونغ كونغ، بل نشط اقتصاد هونغ كونغ
عموما. تفيد المعلومات أن 32 حادثة قتل قد وقعت خلال
سنة واحدة قبل عودة ماكاو إلى الصين، أما في العام الجاري فمن يناير إلى
أكتوبر لم تقع إلا 3 حوادث قتل فقط. وأنواعها الرئيسية أولا، الخطف
المتعلق بالقمار، حيث استهدف أصحاب صناعة القمار أو وسطاء
القمار الذين يأخذون العمولة؛ ثانيا، السلب المالي بالاحتيال؛ ثالثا، تبييض
الأموال السوداء، أي تشريع الدخول غير الشرعي عن طريق نادي القمار أو الاستثمار؛
رابعا، المخدرات. وبفضل التعاون بين جيش التحرير الشعبي وأجهزة العدل،
فهناك أمل كبير أن تخنق هذه الأنواع الجديدة من الجرائم في مهدها.
منذ زمن بعيد و أبناء ماكاو الذين انحدر معظمهم من مقاطعة
قوانغدونغ يتطلعون بشوق إلى المناطق الداخلية، ولكن الحكم الأجنبي بعث
اليأس في نفوسهم ، وفي الوقت نفسه زاد من احترامهم لثقافة الوطن.
لقد شكل عدم رفضهم للثقافة الغربية وتمسكهم بالثقافة الصينية التقليدية
عادات ماكاوية متميزة بالمزج بين الثقافيتين الصينية والغربية، فهم مثلا
يرقصون رقصة التنين بين المباني الغربية، وبنوا المعابد بجانب الكنائس،
وألبسوا تماثيل الأم المقدسة جبة الإلهة قوان ين البوذية.. الشوارع بماكاو
مثل شوارع شانغهاي القديمة، تضاء بمصابيح نيون، وتدوى فيها الموسيقى
القديمة وتضم محلات تجارية صغيرة وطرقا حجرية. أما الحياة الحديثة
المرفهة فتظهر في كل مكان: السيارات الفاخرة، الملاهي والنوادي،
سباق الخيل وملاعب الغولف، الاهتمام بالتعليم، الشغف بالسياحة، الارتياح
وعدم وجود القلق..ذلك أن ماكاو كانت من الزمان القديم ولا تزال وسيطا للتعاملات
بين الشرق والغرب، وعليه فإن صدور أبنائها واسعة ومنفتحة، مما جعلهم
يربطون أنفسهم بالوطن بصورة أوثق بعد عودة ماكاو إلى الوطن الأم.
فخلال تحضيرهم مثلا لألعاب شرقي آسيا لعام 2005، فكروا أولا في تقديم تجربة
للألعاب الأولمبية التي ستقام في بكين عام 2008 من حيث التنظيم؛
وسهروا طيلة الليل مهللين مبتهجين.
بعد
تطبيق نظام العمل مدة 24 ساعة يوميا في جمارك قونغبي أصبحت
التعاملات بين أبناء ماكاو وأبناء المناطق الداخلية أكثر حرية، و نشطت
السياحة والاستهلاك الثنائي بين ماكاو ومقاطعة قوانغدونغ ، فعدد
سائحي المناطق الداخلية في ماكاو احتل المركز الثاني بعد هونغ كونغ، والتعاون
الاقتصادي بين ماكاو ودلتا نهر اللؤلؤ بات كثيفا، وأصبحت دلتا نهر
اللؤلؤ مكانا لمختلف الصناعات في ماكاو. إن عدد أبناء ماكاو الراغبين
في الدراسة في جامعات المناطق الداخلية يزداد باستمرار، وقد بلغ أوجه بعد
عودة ماكاو إلى الوطن.
إن عودة ماكاو هي عودة قلوبهم إلى الوطن. فإحصاء إدارة
البطاقات الشخصية بماكاو يبين أن اكثر من نصف الطلبات الخاصة بالجنسية
تطلب الجنسية الصينية. كان عدد الطلبات للجنسية البرتغالية يعادل
عدد الطلبات للجنسية الصينية في العام الماضي، بينما تجاوز عدد طلبات الجنسية
الصينية عدد طلبات الجنسية البرتغالية بكثير في العام الجاري، ولم تحصل
الإدارة حتى اليوم على طلب تنازل عن الجنسية الصينية أو تحويل الجنسية
الصينية إلى جنسية برتغالية .