الرجوع إلى الصفحة الرئيسية
المحتويات
      
العدد 12 ديسمبر(كانون الأول) 2001
مقالات خاصة

سنتان بعد عودة إلى الوطن الأم .. انطلاق ماكاو بخطوات ثابتة


الثقافة والآثار
العالم كله يرحب باللغة الصينية
الثقافة والآثار

قصة مخرج سينمائي صيني وعائلات أمريكية تتبني يتامي صينيين

نساء أسرة تانغ
تحليلات اقتصادية
ولاية يانبيان الذاتية الحكم اليوم
إعادة الصفاء إلى سماء مدينة داتونغ
السياحة في الصين
مطلع قوس قزح لدى قومية تو
الووشو:
حيلة من ألعاب الووشو
الصين والعالم العربي:
جناح الآثار الإسلامية بمتحف تشيوانتشو للمواصلات البحرية
ف
هذه حضارتنا:
الفن العماري (4) الحدائق الكلاسيكية
الطب:

مدخل لفهم الطب التقليدي الصيني(22)


من القراء واليهم

نساء أسرة تانغ

هو جيان ينغ

خلال العهد الإقطاعي في الصين كان المجتمع يركز على عنصر الذكر. نتيجة لذلك ساد اعتقاد بتفوق الرجل على المرأة، وظل هذا الاعتقاد يمثل أيديولوجية الحكم طيلة الحكم الإقطاعي. وهكذا اعتبرت النساء ليس أفضل بكثير من خادمات مستعبدات.

في ذلك الوقت كانت هيمنة الرجل مضمونة ومصونة بقواعد سلوكية معينة. فالمرشدون الرئيسيون الثلاثة (الحاكم يرشد الرعية، والأب يرشد الابن، والزوج يرشد الزوجة) والفضائل الخمس الثابتة (الخيرية، الاستقامة الحشمة، الحكمة، الإخلاص) تحدد سلوك المجتمع. والطاعات الثلاث (في الصين القديمة كان مطلوبا من المرأة أن تطيع أباها قبل الزواج، وزوجها خلال الزواج، وأبناءها في حالة الترمل) والفضائل الأربع (إخلاص المرأة، جمال جسمها، وحشمتها في الكلام، براعتها في أعمال الإبرة) كانت تحدد نظام الأسرة.

في الصين الإقطاعية لم يكن للنساء حق على الإطلاق في إبداء أي رأي بخصوص شريك الحياة، فالمتوقع أن يذعن دون قيد أو شرط لترتيبات الوالدين أو الاخوة. كما لم يكن لهن الحق في تطليق أزواجهن ولا في الزواج. وحتى إذا عاشت أكثر من زوجها لم يكن مسموحا لها بالزواج إلا مرة واحدة في حياتها كلها. أما الزوج فكان بوسعه ذلك قانونيا إذا هي ارتكبت واحدا من الآثام السبعة التالية: أن تكون غير مطيعة، أن تكون عاقرا، أن تكون داعرة، أن تكون غيورة، أن تصاب بمرض عضال، أن تكون متطفلة أو تكون سارقة.

ففي ظل مجتمع متدن بهذا الشكل وفي وضع أسري لا يقل عنه رداءة لم تكن النساء تحلم مجرد حلم في أن يشغلن حيزا في الحياة السياسية أو الإقطاعية.

خلال تلك الفترة الطويلة المظلمة من تاريخ الصين الإقطاعية الذي استمر أكثر من ألفي سنة كان هناك برغم ذلك زمن قصير ومضيء للنساء الصينيات المدوسات منذ القدم. كان ذلك بين فترتي 618 و765 من أوج عهد أسرة تانغ. فمثقفو العهود اللاحقة وافقوا على أنه بالمقارنة مع أكثرية النساء الصينيات القديمات فإن نساء أسرة تانغ كن سعيدات حظ في أن وجدن في هذا الزمن المبشر بالخير.

النساء المحظوظات في أسرة تانغ

كانت نساء أسرة تانغ محظوظات في أن عشن في زمن تميز بالتفتح العقلي والأفكار المتحررة.

فبعد أن ارتقى الإمبراطور تانغ تاي تسونغ (لي شي مين) العرش، خضعت السياسات الصينية والشؤون الاقتصادية والثقافة والعلاقات الداخلية والخارجية لتطور كبير. إن الالتحام الوطني والروحانية الأجنبية والحضارة المادية قد أثرت تأثيرا كبيرا في أسرة تانغ، مما عجل من تقدمها إلى حد كبير، لقد تبنى لي شي مين وغيره من الأباطرة الأقوياء الخطوط الإرشادية والسياسات التي من شأنها أن تغني البلاد وتفيد الشعب، وبذلك أرسوا أسسا ثابتة للرخاء الذي عم أسرة تانغ فيما بعد، حيث جسدته حكومة تشن قوان وعظمة كاي يوان.

في أوج أسرة تانغ انعكست الإنتاجية المتقدمة والقاعدة الاقتصادية القوية في مجال الفلسفة والسياسة والثقافة والفن والأخلاق الاجتماعية، وأصبحت المنزلة الاجتماعية للمرأة عظيمة الشأن.

بعد تأسيس أسرة تانغ مباشرة أصدرت الحكومة الإمبراطورية نظام حصة وضريبة أكثر ملاءمة من أجل تطوير الإنتاج الزراعي الذي كان له الدور الريادي في الاقتصاد الوطني. ووفقا لهذا النظام الجديد وزعت الحكومة حصصا من الأراضي على ربات البيوت والأرامل، وفيما بعد تم إعطاء حصة أكبر لمن لديها من تعيله.

ووفقا لقوانين أسرة تانغ فإن الزوجين الراغبين في الطلاق على أساس الرضى المتبادل وإنهاء الأمر بسلام لن يعاقبا. وهذا يعني أن القانون قد حمى حقوق المواطنين في الطلاق المبني على التشاور. وقد أظهرت التسجيلات التاريخية أنه لم يكن أمرا غير عادي بالنسبة للنساء في تلك الفترة أن يتطلقن أو يكررن الزواج ثانية. وخلافا للوضع السائد للأسر الإقطاعية الأخرى لم تكن الأرملة تعتبر غير عفيفة إذا هي تزوجت مرة أخرى. إن موافقة أسرة تانغ على الطلاق قد وردت في كتابات أكتشفت في كهوف دونهوانغ: "ما دمنا لا نستطيع العيش سويا بوئام، فمن الأفضل لنا أن ننفصل. وآمل أن تزين نيانغتسي (تسمية الزوج لزوجته) بعد الطلاق نفسها لتغدو  جميلة كالسابق، وأنت يمكن أن تجدي زوجا أكثر إرضاء، وآمل ألا يولد الطلاق الضغينة فيما بيننا." وهذه الاتفاقية لا تعكس مجرد مساواة نساء أسرة تانغ في موضوع الزواج فحسب، بل تعكس أيضا التفتح العقلي العام لدى الناس في عهد تلك الأسرة.

ونساء الأسرة الملكية لم يكن خاضعات للقيود العرفية ولا للقيود الإجبارية أيضا. فمن عهد الإمبراطور تانغ قاو تسو إلى عهد الإمبراطور سو تسونغ، في أوائل وأواسط عهد أسرة تانغ، كانت هناك 98 أميرة، 61 أميرة منهن متزوجات ومن بينهن 24 أميرة قد تزوجن ثانية. وهذا المنحى قد هز الأسس الأخلاقية التقليدية الإقطاعية.

خلال عهد أسرة تانغ كان شائعا أن يتزوج الهانيون من فئات دينية أخرى أو من الأجانب، وكان هناك قانون يحمي هذا التزاوج الصيني-الأجنبي. وقد جاء في التسجيلات التاريخية: "كثير من الهورن (أناس ليسوا من أصل هاني) الذين عاشوا في عاصمة أسرة تانغ، مدينة تشانغآن، ظلوا زمنا طويلا يتزوجون من نساء هانيات، وقد أنجبوا أولادا." "هذا التزاوج بين الهورن والهانيين، وكذلك كثير من الناشئة اليوم في تشانغآن يتميزون بدم مختلط." إن إناث الأسرة الملكية قد تزوجن أيضا من قوميات أخرى. فسبع من بنات الإمبراطور تانغ قاو تسو التسع عشرة قد تزوجن من قوميات أخرى، وثماني من بنات الإمبراطور تانغ تاي تسونغ الإحدى والعشرين اقترن بأزواج أجانب. وفي السنة الخامسة عشرة (641) من عهد تشنقوان زوجت الأميرة ون تشنغ إلى ملك توبوه. وقد جلبت إلى توبوه كثيرا من التقنيات المتقدمة الإنتاج، مسهمة بذلك إسهاما عظيما في تعزيز الصداقة والتبادل الثقافي بين الهانيين والتبتيين.

لقد علقت أسرة تانغ أهمية كبيرة على التعليم، وقد منحت نساء أسرة تانغ الحقوق والفرص نفسها بالنسبة للتعليم مثل الرجال. إن هذه الأسرة الرائعة قد تكون الأكثر حفاوة بثروتها من الشعراء الكبار. والأعمال الشعرية الكاملة لأسرة تانغ تحتوي على أكثر من 50 ألف قصيدة كتبها أكثر من ألفى شاعر، من بينهم عشرون على الأقل كانوا من المؤثرين في تاريخ الأدب الصيني. وكانت هناك أيضا كثير من الشاعرات المشهورات من أمثال شانغقوان وان أر. وكانت قصائد شانغ قوان من أسلوبها المحض-أسلوب شانغقوان الذي قدم إلهاما كبيرا للشاعر لي باي اشهر شاعر بين جميع الشعراء الصينيين القدامى. في عهد أسرة تانغ لم يكن الشعر المكتوب هو الحرفة الخاصة بالنبلاء، بل كان يخوض غمارها الناس العاديون.

وأتيحت لنساء أسرة تانغ أيضا فرصة تعلم التاريخ والسياسة والمهارات العسكرية، فلدى تأسيس هذه الأسرة اشتركت الأميرة بينغ يانغ شخصيا في المعارك، فقادت فصيلة من النساء لمساعدة أبيها الإمبراطور تانغ قاو تسو. والأميرة تاي بينغ، ابنة الإمبراطور تانغ قاو سونغ، قمعت مرتين تمردات داخل البلاط الملكي في أوقات عصيبة.

إن عيش نساء أسرة تانغ في بيئة اجتماعية مريحة وحصولهن على منزلة اجتماعية مستقلة جعل سلوك المتعلمات منهن مختلفا كل الاختلاف عن سلوك نساء الأسر السابقة، فكان بوسعهن أن يشربن الخمر بقدر استطاعتهن، وان يغنين بصوت عال في الحانات، وأن يمتطين الخيل إلى الضواحي بكل حيوية ومرح، أو حتى ينافسن الرجال في حقل البولو. في عهد أسرة تانغ تزعم النسوة نشاطات اجتماعية، ومارسن العمل على نحو مستقل، بل أقحمن أنفسهن في ميدان السياسة، والمثال الأولى على ذلك الإمبراطورة تشانغ سون، أنزه أمبراطورة في الصين.

الإمبراطورة النزيهة

كانت الإمبراطورة تشانغ سون زوجة الإمبراطور تانغ تاي تسونغ (لي شي مين). وكانت من اصل شيانبي (جماعة وثنية قديمة في الصين). نشأت تشانغ سون في السهول الوسطى، وتلقت تعليما جيدا هناك، وأحرزت تضلعا خاصا في الأدب والتاريخ. وعندما تنافس لي شي مين مع اخوته الملكيين على العرش قامت تشانغ سون على نحو متكرر بتبرئة لي شي مين أمام الإمبراطور تانغ قاو تسو من الأعمال الخاطئة التي لفقت ضده. وخلال تمرد شوان وو من (فيه اقتتل أبناء الإمبراطور تانغ قاو تسو على العرش) ظهرت تشانغ سون شخصيا لترفع من معنويات الجيش، وهكذا ساعدت لي شي مين على التخلص من أعدائه السياسيين.

بعد أن توجت تسانغ سون إمبراطورة ظلت تعيش حياة بسيطة ومنعت أقرباءها من الحصول على مراتب وظيفية اعتمادا على نفوذها. وكانت دائما ما تنصح لي شي مين بأن يطلب الاقتراحات المفيدة والنصائح من رجال الحاشية. وحاولت أكثر من مرة حل التناقضات التي حدثت بين الإمبراطور وبين وي تشنغ، رئيس الوزراء في عهد الإمبراطور تانغ تاي تسونغ، المتشدد عند إبداء آرائه المعارضة لآراء الإمبراطور، فحمت بذلك كثيرا من الوزراء المستقيمين.

بصفتها سيدة المحظيات الملكيات، كانت تعامل أولادهن كأنهم أولادها. فعند سماعها بمرض أي من المحظيات تبادر إلى إعطائها جرعات من دوائها الخاص. لذلك عاملتها جميع المحظيات بمنتهي الاحترام، وعشن سويا في وئام معطيات الإمبراطور الوقت الكافي لمعالجة شؤون الدولة.

وماتت الإمبراطورة تشانغ سون مرضا في السنة العاشرة من فترة تشنقوان، وعمرها إذ ذاك ست وثلاثون سنة. وقبل موتها كانت قد أوصت بأن يكون دفنها متواضعا، ونصحت الإمبراطور تانغ تاي تسونغ بأن يهتم بالنصيحة الجادة ليكون طيبا مع العامة كشأنه مع الخاصة. لقد حزن تانغ تاي تسونغ على موت تشانغ سون حزنا عميقا، وبنى منصة عالية داخل القصر الإمبراطوري يمكنه أن يرى منها مدفن تشاو حيث سجيت إمبراطورته المحبوبة لتستريح.

الإمبراطورة وو تسه تيان

إن المرأة التي تعد ذروة نساء أسرة تانغ هي دون شك وو تسه تيان. لقد تعاقب 243 إمبراطورا خلال الألفي عام، من بداية أسرة تشين سنة 221 ق.م إلى نهاية أسرة تشينغ عام 1911. وكانت وو تسه تيان الإمبراطورة الأنثى الوحيدة بينهم. وو تسه تيان أكثر شخصية خيالية وجدلية في التاريخ الصيني. فقد عاشت 82 سنة، حكمت خلالها 50 سنة.

ولدت وو تسه تيان في أسرة موظف في ونشوي بمقاطعة شانشي. ولم تكن جميلة فحسب، بل كانت ذكية إلى جانب ذلك. وبرغم ما منحت من رشاقة وسحر أنثوي ظلت ثابتة في جميع مواقفها، لا تعرف الخضوع والاستسلام. دخلت القصر في الرابعة عشرة من عمرها، وتعين أن تقوم على خدمة الإمبراطور تانغ تاي تسونغ الذي أعطاها اسم مي، أي السحر والفتنة، اعترافا منه بجمالها. لكنها لم تحب هذا الاسم. فبعد تسلمها السلطة غيرته إلى تشاو (أي ضوء الشمس والقمر ينير كل بقعة في البلاد). كانت وو تسه تيان امرأة عنيدة. وقد خلف الإمبراطور تانغ تاي تسونغ حصانا بريا جموحا لم يستطع أحد داخل القصر ترويضه. وقد قالت وو تسه تيان إن طريقة التعامل مع هذا الحصان هي ضربه أولا بسوط حديدي، وإذا لم يستجب فلابد من قتله. منحت وو تسه تيان في البداية لقب محظية المرتبة الوسطى، لكنها لم تستطع أن تكسب المزيد من عطف الإمبراطور تانغ تاي تسونغ. عملت سكرتيرة له مدة 12 سنة، فلم ترتق خلال ذلك، ولم توفق في أن تنجب ولدا للإمبراطور، لكن لي تشي ابن الإمبراطور تانغ تاي تسونغ كان شديد الافتتان بها متيما بحبها؛ فبعد أن توج على العرش أصبحت وو تسه تيان إمبراطورة، وحكما البلاد سويا، وحيث أن صحة الإمبراطور كانت ضعيفة، فإن وو تسه تيان هي التي كانت الحاكم الفعلي للبلاد. وعندما مات لي تشي، انبرت لتثبيت الوضع السياسي معتمدة على خبرتها الوافرة في الخداع السياسي. في عام 690 اعتلت وو تسه تيان العرش وغيرت لقب الأسرة إلى تشو. وتخلصت من جميع خصومها السياسيين، وأسست بلاط أسرة تشو. وبوصفها ملكة فقد كانت نشيطة حصيفة الرأي وحاكمة شديدة الحذر. وخلال عهدها حققت البلاد الرخاء، وعاش الشعب في أمان واطمئنان. وحرصت جميع القبائل التي عاشت في زمن أسرة تشو الحديثة الاسم على الولاء للإمبراطورة.

خلال عمل وو تسه تيان سكرتيرة للإمبراطور تانغ تاي تسونغ مدة 12 سنة أصبحت واسعة الدراية في اولوياته التي انتهجها في إدارة شؤون الدولة، وقد اتبعت معظمها فيما بعد. من ذلك تركيزها على الزراعة، وتخفيضها للضريبة وأعمال السخرة، وتطبيقها سياسة خارجية آمنة، مصغية بشكل واسع ودقيق للنصائح والمقترحات.

أبدت الإمبراطورة عناية كبيرة في اختيار أناس موهوبين ووضعهم في أماكن هامة. كما شجعت وأيدت اشتراك النساء في السياسة. وتعتبر شانغقوان وان أر خير مثال على ذلك. كل من جدها وأبيها قتلا بسبب معارضتهما اقتراب وو تسه تيان من السلطة، وجلبت البنت الصغيرة وان أر وأمها للعمل خادمتين في القصر، حيث تلقت وان أر تعليما جيدا جدا. فلم تقتصر على كتابة الشعر الجميل، بل أحرزت أيضا معرفة أساسية في شؤون الدولة. وقد أثنت وو تسه تيان على مقدرتها ثناء عظيما، وعينتها معاونتها الشخصية. فأثبتت وان أر جدارتها للإمبراطورة ليس من خلال مقدرتها على الإسهام في صنع القرار المستخدم في المذكرات الموجهة إلى العرش، بل أيضا في وضع مسودات الأوامر الإمبراطورية للإمبراطورة. وقد عملت شانغقوان وان أر ذات مرة فاحصة في الامتحان الإمبراطوري النهائي. وبعد وفاة وو تسه تيان ظلت وان ار داخل البلاط لتساعد الإمبراطور تانغ تسونغ سونغ في حكم البلاد.

كانت وو تسه تيان شديدة التسامح بخصوص الآراء المغايرة الصادرة عن أعوانها. فقد كان شيوي يو قونغ، الموظف المسؤول عن القضاء، غالبا ما يجابه الإمبراطورة بعدم رضاه عن بعض أحكام البلاط. وفي إحدى المناسبات استاءت وو تسه تيان أشد الاستياء، بحيث أصدرت أمرا بقطع رأسه، ولكن لحظة أوشك هذا الأمر على التنفيذ عفت عنه، واكتفت بإنزال مرتبته إلى واحد من العامة. وعندما خمدت سورة غضبها واصلت أخذها برأيه، وبعدها أعادت تعيينه رئيسا للقضاء. لقد كانت وو تسه تيان إمبراطورة ذات مكانة وسلطة عظيمتين وذات إنجازات بارزة.

مزايا أم نقائص، التاريخ هو الذي يحكم

من أجل أن تحقق وو تسه تيان استقرارا اجتماعيا فقد قررت قبيل وفاتها إعادة سلطة الدولة إلى أسرة تانغ، مع أن أمواج الصدمة الناتجة عن سلوكها لم تهدأ. وحتى اليوم ما تزال هناك آراء معارضة بخصوص سلوكها وشخصيتها. وبغض النظر عن كون لقبها "الإمبراطورة ذات اليد الحديدية" للمدح أو للانتقاص، فلا أحد يستطيع أن ينكر التاريخ الذي صنعته. ففي عهدها أخذت بمنجزات أسلافها، وعملت على تطويرها، ناهضة بأسرة تانغ إلى ذروة عظمة كاي يوان. فخلال ازدهار أسرة تانغ الممتدة قرنا، خمسون منها يمكن أن تنسب إلى وو تسه تيان. إن أسرة تانغ هي التي أوجدت وو تسه تيان. إن هذه المرأة التي لا تقهر كسبت التعاطف بتكريس حياتها وطاقاتها لشعبها.

أوصت وو تسه تيان بأن تنصب لوحة بعد موتها أمام الضريح الذي ستدفن فيه هي والإمبراطور تانغ قاو تسونغ، على أن تظل هذه اللوحة فارغة. ففي رأيها أن المزايا والعيوب التي ظهرت في حياتها تظل خاضعة لتقييم التاريخ وحده. لقد تمتعت من حيث كونها إمبراطورة بمنزلة الإمبراطور ودعم الشعب، أما من حيث كونها امرأة فقد ضحت بكل شيء تقريبا.. ضحت بالأقرباء والأصدقاء والحب، والأهم أنها ضحت بحياتها. فكيف يرجى من كلمات قليلة تنقش على اللوحة أن تعكس مسرات ومحن حياتها وتقلبات العالم الذي عاشت فيه.

وكانت يانغ يوي هوان هي الأخرى امرأة من نساء أسرة تانغ يتعذر نسيانها. كانت فائقة الجمال وبارعة كذلك في الرقص والموسيقى. وقد غرقت في حب الإمبراطور تانغ شوان تسونغ، واصبح الاثنان متلازمين لا ينفصلان. لكن سلوكهما هذا تعرض لاستنكار شديد من أعوان الإمبراطور. وفي النهاية هربا معا من الجيش الثائر.

خلافا لما كانت عليه وو تسه تيان لم تتدخل يانغ يو يهوان في الشؤون السياسية، برغم أنها أعلى المحظيات الملكية مرتبة. ولكن سواء من تدخلت منهما في الشؤون السياسية آنذاك أم لم تتدخل، جرى التمييز ضدهما بكل قوة لمجرد أنهما من الجنس الآخر. وبرغم أنهما عاشتا في عهد أسرة تانغ المتفتحة الذهن، إلا أنهما لم تستطيعا أن تستبعدا عن نفسيهما كلية الأذى والتعصب الذميم اللذين حاربتهما بهما التقاليد الأخلاقية الإقطاعية آنذاك، وخصوصا خلال الصراع السياسي.

ولدى استعادة الماضي يتبين لنا أن نساء أسرة تانغ اللاتي يظن أنهن محظوظات، ربما لم يكن من الحظ بما يكفي لجعلهن مثار حسد من نساء اليوم؛ غير أن إسهامهن في دفع تقدم التاريخ أمر يثير الإعجاب، ولا يمكن إنكاره.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn           
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.