شي فا ليانغ.. رائد بناء الطرق في خنان

مو يوي مراسل "الصين اليوم"

بعد تصوير الفيلم التسجيلي "مقاطعة خنان من الجو" قال أحد المصورين الذين شاركوا في العمل إن الطرق السريعة في خنان منظر رائع جميل يبهر الأبصار؛ فهي تخترق الجبال وتعبر النهر الأصفر وتمتد من الشمال إلى الجنوب وتربط بين الشرق والغرب. عظمتها وروعتها شئ يستحق الاعتزاز.

مقاطعة خنان الواقعة في وسط الصين هي همزة الوصل التي تربط بين جنوب الصين وشمالها وبين شرقها وغربها، وموقع استراتيجي لتطوير المواصلات في الصين. في هذه المقاطعة تتشابك خطوط السكك الحديدية؛ وتخترقها سكة حديد آسيا- أوروبا التي تبدأ من ليانيونقانغ بمقاطعة جيانغسو وتنتهي في روتردام بهولندا؛ وتمر بها 7 طرق سريعة من إجمالي 12 طريقا على مستوى الدولة، وتتقاطع على أرضها  تسع طرق للدولة، وهكذا نسجت في خنان شبكة طرق متكاملة.

في الفترة من بدء إنشاء الطرق السريعة عام 1990 حتى نهاية عام 2000 بلغ إجمالي طول الطرق المفتوحة للمرور في خنان 463ر64 ألف كيلومتر، تحتل المرتبة السادسة على مستوى الصين، وبلغ إجمالي طول الطرق من الدرجة الثانية 9028 كيلومترا، تحتل المرتبة الثالثة في الدولة، وكثافة الطرق تساوي أكثر من 86ر3 أضعاف معدل كثافة الطرق بأنحاء البلاد. في فترة الخطة الخمسية التاسعة مولت حكومة مقاطعة خنان 3ر34 مليار يوان لبناء الطرق، أي 5ر2 ضعف قيمة استثمارات بناء الطرق في فترة الخطة الخمسية الثامنة. التطور السريع لشبكات طرق خنان لعب دورا هاما في إبراز أهمية خنان على خريطة استراتيجية تطوير المواصلات الصينية، ولهذا يعتز أبناء خنان بالرجل الذي قاد مسيرة بناء الطرق في مقاطعتهم؛ شي فا ليانغ.

روح الاستماتة

ولد شي فا ليانغ عام 1948، وانضم إلى الحزب الشيوعي الصيني في عام 1969، وتولى منصب نائب رئيس مديرية المواصلات لمقاطعة خنان عام 1994 ، وفي عام 1999 رقي إلى منصب الرئيس. شي فا ليانغ معتدل القامة، شعر رأسه قليل، يرتدي نظارة طبية. ملامحه تنم عن إنسان لطيف مهذب نقي السريرة، يحمل فكر مثقف ويعمل بانضباط العسكريين.

من أجل تفعيل استراتيجية  "استقدام رؤوس الأموال والتقنيات المتقدمة من شرق الصين، والمشاركة في التنمية الكبرى لمنطقة غرب الصين" التي وضعتها حكومة مقاطعة خنان، أصبح بناء الطرق محورا رئيسيا من محاور أعمالها، وعليه طلبت الحكومة من مديرية المواصلات زيادة قيمة المخصصات المالية لإنشاء الطرق عام 2000 من 7 مليارات يوان إلى 9 مليارات يوان. كان ذلك تحديا كبيرا للمسئول الأول عن المواصلات بالمقاطعة؛ شي فا ليانغ الذي يواجه بالفعل صعوبات جمة في عملية إعادة هيكلة قطاع المواصلات، بيد أن الرجل قبل التحدي بجرأة، ولم يرفع قيمة المخصصات المالية إلى 9 مليارات يوان، بل إلى 5ر10 مليارات يوان.

شي فا ليانغ يقول دائما إن المهمة الشاقة مثل ثمرة على قمة شجرة، إذا أردتها عليك أن تثب لأعلى، وإلا فلا أمل لك فيها. لتحقيق معدلات إنجاز سريعة في العمل دعا شي فا ليانغ بناة الطرق إلى إظهار روح الاستماتة ونظم سباقات تقييم "أفضل مشروع"، "مشروع الجودة الممتازة" في كل مواقع للعمل بأنحاء المقاطعة، فجاءت كل حلقة من المشروع مطابقة للمواصفات القياسية، ووصل 87 % من المشروعات مقاييس الجودة الممتازة؛ كما بذل جهودا مضنية في إصلاح نظام بناء المواصلات، وحقق نتائج ملحوظة. وكان من أبرز إنجازات تلك المرحلة تأسيس ثلاث شركات للطرق السريعة على التوالي، مما حل مشكلة استقدام رؤوس الأموال الخارجية. كما أقيمت شركة مقاطعة خنان المحدودة لتطوير الطرق السريعة وهي أكبر شركة في المقاطعة تبلغ قيمة أصولها4ر12 مليار يوان، وهذا وضع نظام إدارة الطرق السريعة في خنان على طريق التشغيل العلمي فهناك وضوح في حقوق الملكية وشفافية في السلطة والمسئولية، وتطبق أساليب الإدارة المتقدمة وتتحقق فوائد ملحوظة؛ كما نفذ شي فا ليانغ إصلاحا كبيرا لنظام الاستثمار والتمويل لهيئات المواصلات، فأقام مكتبا لرؤوس الأموال الخارجية ومركزا لاستخدام الأموال ومراقبته تابعين لمديرية المواصلات، مما رفع قدرة استقدام رؤوس الأموال الخارجية واستخدامها. ففي عام 2000 تم توقيع اتفاق قرض قيمته 4ر8 مليارات يوان مع بنك التنمية الصيني، كما تم الاتفاق مع بنك الصين على قرض قيمته 200 مليون دولار أمريكي و3ر1 مليار يوان؛ وفي عام 2001 تم الاتفاق  مع البنك الدولي للحصول على قرض لبناء طريق تشوماديان- شينيان السريع، وباتت خنان أكثر مقاطعة تحصل على قروض من البنك الدولي تستخدم في قطاع المواصلات.

الحقيقة أن روح الاستماتة هي أسلوب العمل لشي فا ليانغ. ففي عام 1994 كان نائب رئيس مديرية المواصلات واجه أول مهمة شاقة- مشروع بناء جسر تسيجينغشان العلوي وهو جزء هام من مشروع الأربعة جسور والطريق الواحد في مدينة تشنغتشو. وهذا المشروع عبارة عن جسر دائري علوي من ثلاثة طوابق، يبلغ إجمالي طوله 1976 مترا، ومساحته الإنشائية 580 ألف متر مربع، ومدة إنجاز بنائه سنتان. ولأنه يقع في همزة الوصل بالمدينة كان من المطلوب ألا يعرقل  إنشاؤه حركة المرور بالمدينة وهذا ما دفع حكومة المقاطعة إلى اختصار فترة الإنشاء إلى نصف سنة. وتعهد شي فا ليانغ بأنه إن لم ينجز المهمة في الموعد المحدد وبجودة عالية، سيستقيل من منصبه!

بعد ثلاثة أشهر من تنفيذ المشروع كان من المقرر أن يزور لي كوان يوي، المستشار السياسي لحكومة سنغافورة  تشنغتشو، وسأل مسئولو المقاطعة شي فا ليانغ عن إمكانية مرور موكب سيارات الضيوف على الجسر العلوي، فقال الرجل  إذا لم يفتتح الجسر للمرور في ذلك الوقت لتمر السيارات فوق جسمي! ولتنفيذ وعده بذل شي فا ليانغ جهودا لا تقدر. ونتيجة الإعياء عاوده مرض الأوعية الدموية المخية، ولكنه رفض أن يستريح، وبينما كانت الحقنة الوريدية معلقة بجواره كان يستقبل في مكتبه مسئول كل موقع عمل لاستعراض تقارير تنفيذ المشروع، وعندما تظهر مشكلة في أي موقع ينزع الحقنة من ساعده ويتجه إلى الموقع في الحال. وتحت قيادته وجهود  بناة الطرق أنجز الجزء الرئيسي للجسر في 175 يوما، قبل الموعد المحدد بخمسة أيام.

نكران الذات

من عام 1998 حتى عام 2000 ظهر في خنان المد الثاني لبناء الطرق السريعة. وخلال هذه الفترة تم إنشاء عشرة طرق سريعة  إجمالي طولها أكثر من 900 كيلومتر، وهو رقم أعلى من إجمالي طول الطرق السريعة التي أنشئت خلال سبع سنوات قبل عام 1998.

حتى نهاية فترة الخطة الخمسية العاشرة سيبلغ إجمالي طول الطرق 75 ألف كيلومتر، وإجمالي طول الطرق السريعة ألفي كيلومتر، وستصل كثافة الطرق في كل مائة كيلومتر 45 كيلومترا في أنحاء المقاطعة. خلال هذه السنوات الخمس سترتبط الطرق السريعة داخل مقاطعة خنان بالطرق السريعة في المقاطعات المجاورة لها، وستمتد الطرق السريعة من عاصمة المقاطعة؛ تشنغتشو إلى 17 مدينة خاضعة لإدارة المقاطعة، مما يظهر الطرق من الدرجة الثانية في كل المحافظات، والطرق الممهدة بالأسفلت في كل النواحي والطرق العامة في القرى.

طريق بكين- تشوهاي، وطريق ليانيونقانغ- هورقوس، وهما طريقان على مستوى الدولة، يمتدان داخل مقاطعة خنان  1158 كيلومترا، كما تمتد سبعة طرق سريعة رئيسية للدولة طولها 2540 كيلومترا داخل المقاطعة..  وبعد إتمام بناء الطرق العامة والطرق السريعة هذه سيتشكل في وسط الصين شريان كبير للنقل والمواصلات يربط بين الشرق والغرب، وبين الجنوب والشمال؛ وستصبح خنان أكبر مقاطعة من حيث المواصلات.

بمجرد توزيع مهمات بناء الطرق على كل هيئات المواصلات للمدن الخاضعة لإدارة المقاطعة قاد شي فا ليانغ مسئولي كل أقسام مديرية المواصلات للمقاطعة إلى الوحدات الأساسية ومواقع العمل، حيث قاموا بفحص العمل وحل المشاكل على أرض الواقع. وترك الرجل  آثار قدميه في 18 مدينة خاضعة لإدارة المقاطعة، وقطع مسافة 6 آلاف كيلومتر. وكلما وصل إلى هيئة المواصلات في مدينة منها طرح ثلاثة أسئلة على  مسئوليها: كم كيلومترا تنجزون في هذا العام؟ ما هي الإجراءات الملموسة لإتمام مهمة البناء؟ وما هي المشاكل التي تريدون أن أساعدكم في حلها؟ . يقول مسئولو الوحدات الأساسية إن المسئول الأعلى في الماضي كان قليلا ما ينزل إلى الوحدات الأساسية  ويساعد في حل مشاكلها، أما شي فا ليانغ فيذهب إلى موقع العمل ويساعد وحدات تنفيذ المشروع في الحصول على الأموال وحل المشاكل أثناء عملية التنفيذ.

في تفقده لأعمال الوحدات الأساسية لا يهرب شئ من أمام عيني شي فا ليانغ، صغيرا كان أم كبيرا. في نهاية الأسبوع الثاني بعد العيد الوطني عام 2000 قاد شي فا ليانغ مسئولي أقسام الإدارة والمراقبة للطرق إلى طريق تشنغتشو- شيويتشانغ- بينغدينشان السريع لفحص أحوال تطبيق نظام إدارة الطرق، وكانت هذه هي المرة التاسعة. من الثامنة إلى الثانية عشرة والنصف مساء، وجد في محطة المراقبة للطرق بإحدى محاضرات المحافظات أن 6 سيارات شاحنة تحمل بضائع فوق طاقتها تمر بموافقة المحطة بعد أن يدفع السائقون رسوم الطرق، وعلى الفور طالب مسئول هذه المحطة بإصلاح مخالفة اللوائح.

من أجل حل مشاكل إدارة النقل وتحصيل رسوم الطرق وجودة مشروعات الطرق، والتصدي لتوسع نفوذ محطات الفحص على الطرق قاد شي فا ليانغ بنفسه سيارة الشحن في كل الطرق للاستطلاع. ذات مرة، استقل سيارة شحن تحمل فحما متجهة نحو مقاطعة خنان، وعندما مرت بمحطة فحص داخل خنان أوقفتها المحطة وطلبت دفع غرامة بدون مبرر، فكان أن نزل من السيارة وقال: أنا نائب رئيس مديرية المواصلات، وقد جئتكم اليوم خصيصا. أنتم تلوثون اسم المكان وصورة خنان. وفي الحال أصدر أوامره بإلغاء هذه المحطة.

 شي فا ليانغ يطالب دائما كوادر الوحدات الأساسية تطبيق الأنظمة واللوائح بصرامة ولكنه أكثر تشددا مع نفسه في تطبيقها وتنفيذها قبلهم. يظهر روح نكران الذات في العمل، ومرت ستة أعوام من رحلته مع المواصلات ولم يحصل على راحة ليوم واحد، وقلما يجلس في مكتبه، فهو دائما في مواقع العمل؛ في الحر والبرد، المطر والريح، يستمع إلى تقارير العمل ويفحص حالة العمل، حتى منتصف الليل أحيانا. وبنتيجة للإرهاق المفرط أصيب بأمراض عديدة ؛ الأوعية الدموية المخية و السكر والكبد وضغط الدم العالي. وفي بداية العام الماضي ارتفع ضغط دمه إلى 163 درجة، ومع ذلك لم يسترح، بل ذهب إلى موقع العمل ومعه الأدوية فقط.

جرأة على الاستكشاف

خلال السنوات الأخيرة شهدت مقاطعة خنان تطورا جياشا في بناء الطرق السريعة، مما دفع عجلة الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة في المناطق على امتداد الطرق السريعة  وقد تطورت صناعات مواد البناء والحديد والصلب والبتروكيماويات بشكل خاص. في عام 1998 ازداد إجمالي الناتج المحلي لخنان 39ر0%، وفي عام 2000 ازداد 24ر0%.  ومع تنفيذ مشروعات المواصلات لمساعدة الفقراء انخفض عدد الفقراء بالمقاطعة التي تضم أكبر عدد من الفقراء في الصين. ففي مدينة لويانغ انخفض عدد الفقراء من 190 ألف نسمة إلى 6ر155 ألفا  اعتمادا على مشروع المواصلات لمساعدة الفقراء فقط.

استنادا إلى واقع المقاطعة وتفوقها الجغرافي أدرج لي كه تشيانغ، رئيس المقاطعة، تطوير وإنشاء المواصلات  ضمن الثمانية محاور لتطوير اقتصاد خنان في تقريره عن أعمال حكومة مقاطعة خنان لعام 2001، كما أشار إلى أن قيمة الاستثمار في بناء الطرق ستبلغ 10 مليارات يوان في الثلاث سنوات القادمة، وأن تحقيق الأهداف المختلفة للخطة الخمسية العاشرة يحتاج إلى 70 مليار يوان.

مع الإسراع في بناء الطرق أصبح البحث عن الموارد المالية عملا ملحا لمديرية المواصلات. المديرية تستطيع تدبير 5ر8 مليارات يوان من تحصيل رسوم الطرق، ومن تمويل وزارة المواصلات، واستثمار شركة تنمية الطرق السريعة لمقاطعة خنان والمؤسسات الأخرى المحلية وطرح أسهم شركة تشونغيوان للطرق السريعة في البورصة الخ. وهذه نتيجة لروح الجرأة على الاستكشاف التي يتمتع بها شي فا ليانغ.

من أجل تغيير حالة اعتماد بناء الطرق السريعة على استثمارات الحكومة قام شي فا ليانغ باستكشاف بخطوة جريئة بالتنازل عن حق تحصيل رسوم الطرق، وطرح أسهم شركة تنمية الطرق السريعة المحدودة في البورصة، وحق تسمية المنشآت الأساسية، والمزاد العلني لحقوق الإعلانات واستثمار التجار الأجانب في بناء الطرق مباشرة.

في 28/6/ 2001 عقد مؤتمر صحفي لجذب التجار بمشروعات الطرق لمقاطعة خنان  في مركز ميديان ببكين، وهذه المشروعات تضم 3 مشروعات للتنازل عن حق تحصيل رسوم الطرق، و11 مشروعا جديدا لبناء الطرق، و5 مشروعات لبيع حق تسمية الطرق والجسور بالمزاد وبيع حق إقامة لوحات الإعلانات على جانبي الطرق. وهذا أول مؤتمر صفحي لجذب التجار واستقدام الرأسمال في قطاع المواصلات في أنحاء البلاد. وبعد ثلاثة أيام من ذلك، أكد قادة الدولة في مؤتمر أعمال استقدام رؤوس الأموال الأجنبية الذي عقده مجلس الدولة على تعزيز أعمال جذب التجار واستقدام الأموال الخارجية في قطاع البنية الأساسية. وهذا الأمر أسعد شي فا ليانغ.

مع تغير الهيكل الاستثماري يدخل بناء الطرق لمقاطعة خنان السوق تدريجيا، ويجري تصميم جميع المشروعات في فترة الخطة الخمسية العاشرة عن طريق المناقصات، بهدف استقدام التكنولوجيا المتقدمة والتجارب الناجحة ورفع جودة التصميم؛ أما في مجال نظام الإدارة فيعمم نظام مسؤولية الشخصية الاعتبارية في وحدة تنفيذ المشروع لكل طريق، وتقوم مديرية المواصلات بإدارة كل وحدات تنفيذ مشروعات الطرق بأسلوب الشركات.