![]() |
![]() |
||||||||||||||||||||||||||||
المحتويات
|
|||||||||||||||||||||||||||||
العدد 11
نوفمبر (تشرين الثاني) 2001
|
|
||||||||||||||||||||||||||||
الإمبراطور الديمقراطي هو جيان ينغ
أسرة تانغ (618-907) هي أعظم أسرة إمبراطورية في تاريخ الصين، وقد امتدت الفترة الذهبية لها من عام 618 إلى عام 765، حيث شهدت الصين في تلك الفترة تنمية وازدهارا غير مسبوقين، وقدمت إسهاما لتنمية وتقدم البشرية. وقد باتت أسرتا هان وتانغ رمزا للأمة الصينية، كونهما أعظم أسرتين عرفتهما الصين ولذا يسمي أجانب كثيرون الصينيين "إنسان هان" أو "إنسان تانغ"، كما تسمى المناطق والشوارع التي يجتمع فيها المغتربون الصينيون في بعض الدول الأوروبية والأمريكية تشينا تاون (مدينة أبناء تانغ أو حارة أبناء تانغ) لي شي مين - الإمبراطور الغائب الحاضر
ولد لي شي مين عام 598 في عائلة موظف كبير لأسرة سوي الإمبراطورية، عندما كان عمره 7 سنوات، تعرضت أسرة سوي لانتفاضات فلاحية واضطرابات اجتماعية. في عام 615 رأى كيان أسرة سوي ينهار فسعى إلى إقناع والده بمعارضتها والسير مع تيار التاريخ. بعد ثلاث سنوات، أسس والده لي يوان أسرة تانغ، وكان عمر لي شي مين 20 عاما فقط. في بداية تأسيس أسرة تانغ، سجل لي شي مين مآثر عظيمة في توحيد البلاد. بعد تحقيق الاستقرار الاجتماعي، لم يمتلك فقط قوة عسكرية عظيمة، بل سعى إلى إحاطة نفسه بالأكفاء حتى باتوا "كتلة من الحكمة" لديه. في عام 626، اعتلى لي شي من العرش وأصبح إمبراطورا وعمره 28 عاما وسمي الإمبراطور تانغ تاي تسونغ وسميت فترة حكمه "تشن قوان" التي كانت صفحة جديدة في تاريخ الصين وضعت أسسا راسخة لازدهار وتقدم أسرة تانغ، وهذا ما جعل الناس يعتبرونها نموذجا لحكم الأباطرة، وفترة سعادة لأبناء الشعب. السفينة العائمة
في بداية فترة حكمه، انتهج سياسة مقاومة الإسراف والترف والدعوة إلى الاقتصاد، وتقليل أعمال السخرة وتخفيض الضرائب، وبناء مشروعات الري وتشجيع الزراعة، وتشجيع الإنجاب وغيرها من الإجراءات التي تحقق الاستقرار في حياة أبناء الشعب والمجتمع وتطور الإنتاج. ولكن في العام الثاني من فترة تشن قوان، تعرضت البلاد لقحط شديد وانتشر الجراد في كثير من المناطق، فأمر الإمبراطور تانغ تاي تسونغ بتوزيع الذهب والقماش المملوك للبلاط الإمبراطوري على المنكوبين، وذهب إلى المناطق المنكوبة بالجراد وأخذ جرادة من الأرض وابتلعها قائلا: افضل أن تأكل أحشائي بدلا من المزروعات. في الشهر التاسع من ذلك العام، ضرب للعامة مثلا في الاقتصاد وتوفير التكاليف، حيث حرر ثلاثة آلاف وصيفة في البلاط الإمبراطوري. في العام الثالث من فترة تشن قوان، عندما وقع فيضان خطير، كان الإمبراطور تانغ تاي تسونغ مع أبناء الشعب في مواجهة الكارثة والصعوبات فلم يشهد المجتمع اضطرابا، وكما جاء في السجلات التاريخية: بفضل مواساة الإمبراطور، لم يتذمر أبناء الشعب المشردين الجوعى، في العام التالي، شهدت البلاد حصادا وافرا، فعاد المشردون إلى مواطنهم، وعم الخير البلاد. وشهدت المناطق الواقعة بين الساحل الشرقي وجبال تشينلينغ غربا استقرارا وسلاما وأمنا حتى قيل أن "الرجل يخرج من بيته ولا يغلقه وأن المسافر لا يحتاج أن يحمل زادا في رحلته". لم يكن تانغ تاي تسنغ يهتم بأحوال العامة بنفسه فقط بل كان يحث رجاله من المسئولين المحليين أن يكونوا صورة له وكان يبعث بمن يراقب تصرفاتهم ويبعد منهم من يسئ إلى الشعب. أهل الخبرة وليس الثقة كان الإمبراطور تانغ تاي تسونغ يختار المسؤولين الحكوميين من الأكفاء الفاضلين المنحدرين من أسر عريقة ومن عامة الشعب، من الموظفين القدامى والجدد، من أبناء قومية هان والقوميات الأخرى، وكان يستمع إلى مختلف الآراء حتى المعارضة له، يقرب الكرماء ويقصي الحقراء. استعان شقيقه بشخص يدعى "وي تشنغ" لقتل الإمبراطور طمعا في العرش، بيد أن الشقيق فشل وقتل وأسر وي تشنغ. سأله الإمبراطور تانغ تاي تسونغ: "ماذا علي أن أعمل وأنت تبذر بذور الشقاق بيني وبين شقيقي؟" أجاب وي تشنغ: "إذا سمع شقيقك كلامي، لم يقتل." فتعجب الإمبراطور من صراحته وجرأته وعرف علمه وقدرته، فعينه في منصب مهم، وكان يتشاور معه حول شؤون الدولة في حجرة النوم الإمبراطورية.
كان الإمبراطور تانغ تاي تسونغ مغرما بالقنص كنوع من الترفيه، لكن وي تشنغ نصح الإمبراطور بأن هذه الهواية يجب ألا تتجاوز حدها. وفقا للسجلات التاريخية، في الشهر العاشر من العام الثاني من فترة تشن قوان، أراد الإمبراطور أن يذهب إلى الجبل الجنوبي للقنص، لكنه ترك هذه الفكرة بعد التفكير الجيد خوفا من معارضة وي تشنغ. مرة أخرى كان الإمبراطور مستعدا للقنص فعلق باشقا على ذراعه، وعندما رأى وي تشنغ يتجه إليه فجأة أخفى الباشق في صدره، وقد تحدث وي تشنغ معه حول بعض شؤون الدولة وقتا طويلا فمات الباشق.
في عام 643 توفي وي تشنغ مريضا، فحزن الإمبراطور تانغ تاي تسونغ كثيرا، وقال لوزرائه: " يمكن للمرء أن يرتب ملابسه وقبعته أمام المرآة النحاسية، يمكنه أن يعرف أسباب نهوض الأسر السابقة وتدهورها من دروس وتجارب القدماء؛ يمكنه فهم أسباب نجاحه وفشله من تجارب الآخرين. كنت أهتم بهذه النواحي الثلاث، لتجنب ارتكاب الأخطاء. اليوم توفي وي تشنغ، ففقدت واحدة منها!" الانفتاح على العالم
منذ يوم صعوده العرش أولى الإمبراطور تانغ تاي تسونغ اهتماما بالغا بطريق الحرير الذي يربط الشرق بالغرب. في بداية أسرة تانغ وبينما الحكومة تعمل على استعادة القوة الإنتاجية وتنميتها، ومن أجل استقرار المناطق الحدودية وتأمين طريق الحرير، لم يجد الإمبراطور تانغ تاي تسونغ بدا من خوض المعارك مرات فاستطاع إخماد مختلف الاضطراب وهيأ بيئة سلمية لأبناء مختلف القوميات في المناطق الحدودية، وأصبح طريق الحرير الذي يربط آسيا وأوروبا سهلا سالكا.
الاقتصاد المزدهر، الوفرة المادية، السياسة المستنيرة، البيئة الاجتماعية المستقرة، العلوم والتكنولوجيا المتقدمة، الحضارة المبهرة، كل ذلك جعل أسرة تانغ مركزا عالميا مرموقا فجاء أبناء مختلف الشعوب إلى الصين. وفقا لإحصاء العام الثالث من فترة تشن قوان، كان عدد سكان، عاصمة أسرة تانغ، مدينة تشانغآن (شيآن حاليا) أكثر من مليون نسمة منهم أكثر من 100 ألف من أبناء الأقليات القومية والأجانب. في العام الرابع من فترة تشن قوان، عندما تفرقت قبائل توجو انتمي أكثر من 100 ألف منهم إلى أسرة تانغ، رتب لهم الإمبراطور تانغ تاي تسونغ حياة طيبة وعين شيوخهم في المناصب الحكومية في عاصمة ملكه. ومن بين مائتي مسؤول حكومي من الدرجة الخامسة فما فوق كان أكثر من نصفهم من الأقليات القومية والأجانب. كانت نتيجة ذلك دمج الثقافات والفنون والعادات والتقاليد الدخيلة في كل مجالات حياة أبناء الشعب في أسرة تانغ. في أسرة تانغ، كان الناس يسمون كل ما يأتي من الخارج "هو"، فظهرت في الصين موجة هو. وأصبح "هو" موضة لفترة طويلة من أسرة تانغ. كان عامة الشعب من أبناء تانغ مثل إمبراطورهم، يقبلون الأجانب والأشياء الأجنبية ويستفيدون منها ويدمجون الحضارة الروحية والمادية المتقدمة الصينية والأجنبية، الأمر الذي دفع تقدم المجتمع وتطوره. كانت عاصمة تانغ، مدينة عالمية حقيقية، وكان الـ "هو" يرون في البلاط الإمبراطوري وفي الشوارع، بل منهم من حمل السيوف في جيش الحرس الإمبراطوري، يدافعون عن إمبراطور أسرة تانغ الذي أسماه ملوك الدول المجاورة "خان السماوي"، بينما انتشرت المحلات والخمارات التي أدارها الـ "هو" في الأسواق. في مدينة تشانغآن، كان كثير من أبناء قومية هان يلبسون أزياء "هو" بينما لبس أبناء "هو" ملابس هان، حتى أن بعض الشعراء الكبار ذكروا "خمارة "هو جي" (سيدة هو). يقصد بـ"هو جي" النساء اللاتي جئن من المناطق الواقعة بغرب الصين وأواسط آسيا والإمبراطورية الرومانية. كن جميلات منفتحات، ماهرات في الرقص والغناء، كانت مدينة تشانغآن المزدهرة ميدانا واسعا لإظهار مهاراتهن. كان معظمهن يعمل كمطربات وراقصات ومضيفات في الخمارات والمحلات التجارية، أضفن ألوانا إلى حياة أبناء تانغ الثقافية، وفي الرقص والموسيقى خاصة. كانت الموسيقى والرقص جزءا هاما من حياة تانغ الثقافية، وقد ظهر وقتها ما سمي بـ"الرقص الموسيقي". في بداية فترة أسرة تانغ، كان هناك 10 أعمال للرقص الموسيقي 7 منها جاءت من الموسيقى والرقص للمناطق الواقعة غرب الصين ، وكانت رقصة هوشيوان المنطلقة الحرة سريعة الإيقاعات أكثرها انتشارا، وكانت تعرض في الحفلات وفي الخمارات دائما. لم يقبل أبناء تانغ كل ما هو أجنبي بدون اختبار. فقد قدم الوزير تشانغ يويه طلبا للإمبراطور لتحريم لعبة "بو هان هو". بعد أن تفشت هذه اللعبة القادمة من الإمبراطورية الرومانية في أوقات الشتاء في ذلك الوقت، حيث يتبادل المشتركون في اللعبة رش الماء ورمي الطين عراة الأجسام حفاة. قال الوزير تشانغ في طلبه إن هذه اللعبة ليست متأدبة، وتسيئ إلى كرامة الإنسان، كيف يمكن لصاحب الأخلاق الحميدة أن يراها! يجب تحريمها بين أبناء قومية هان وبين الأجانب أيضا. ويبدو أن البلاط الإمبراطوري قبل هذا الاقتراح، فاختفت هذه اللعبة سريعا. كانت القوة الشاملة لأسرة تانغ كبيرة وكان هذا هو أساس انفتاحها. كانت مساحة أراضيها شاسعة، وزراعتها وصناعتها متطورتين، وحالتها المالية مستقرة. وحدت عملاتها عام 621 من فترة أسرة تانغ، وبدأ استخدام عملة "كاي يوان تونغ باو" التي استقر تداولها نحو ثلاثمائة عام. كانت تكنولوجيا سك العملة عالية، من بين العملات المكتشفة لمختلف الأسرات الملكية الصينية، هذه العملة محفوظة بصورة سليمة. كانت أسرة تانغ متطورة في التجارة الداخلية والخارجية، وكانت قيمة الاتفاقات التجارية ضخمة، وكان حمل التجار للعملات المعدنية عملا شاقا، فظهر "الورق الطائر" وهو يشبه الحوالة المصرفية الحالية. أولت أسرة تانغ اهتماما لشئونها الدفاعية، واحتفظت بقوة عسكرية جبارة . بلغ عدد الجنود المرابطين في المناطق الحدودية نحو نصف مليون، وعدد الخيول العسكرية 80 ألفا ، مما حقق الأمن للبلاد والتنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي. في بداية فترة أسرة تانغ، لم يتجاوز عدد العائلات في البلاد كلها 3 ملايين، وعدد سكانها نحو 18 مليون نسمة، بعد أكثر من مائة عام، في عام 755 بالتحديد، ازداد عدد العائلات إلى 91ر8 ملايين، ووصل عدد السكان 92ر52 مليون نسمة. في المجتمع الإقطاعي القديم، كان عدد السكان رمزا هاما لتنمية القوة الإنتاجية وتقدم المجتمع. لذلك ليس من الغريب أن سميت هذه المائة عام وأكثر "ذروة أسرة تانغ".
|
|||||||||||||||||||||||||||||
|