محتويات العدد 5 مايو (آيار) 2003  

الرجال يستغيثون.. ارفعوا عنا أيدي الزوجات! عوا

 

كنا لفترة طويلة، وربما مازال كثيرون، نتعامل مع تعبير "العنف الأسري" على أنه المعادل الفعلي لاعتداء الزوج "المتوحش" على زوجته المسكينة "المهيضة" الجناح. وربما كان هذا صحيحا حتى وقت قريب وبخاصة في المجتمعات الشرقية، ومنها الصين، والتي درجت على أن تكون مجتمعات ذكورية يسيطر الرجل فيها على كل شيء. غير أن ما تقوله أحدث الدراسات، وما نراه على أرض الواقع، يتطلب أن نعيد قراءة "العنف الأسري" على ضوء المعطيات الجديدة التي تشير ليس فقط إلى أن عدد الأزواج الذين يتعرضون إلى إيذاء بدني ونفسي من جانب حبيبات القلب؛ الزوجات، وأحيانا الخليلات، يتزايد بشكل مثير، وإنما أيضا لأن نموذج المرأة التي تتعرض للعنف المنزلي، والذي كان يربط بين مستوى تعليم المرأة، وبشكل عام الزوجين، وتعرضها للعنف، تغير هذا النموذج هو الآخر، فلم يعد صحيحا أن المرأة الأقل تعليما هي الأكثر تعرضا للعنف من جانب بعلها، كما أن العنف الأسري بات يأخذ أشكالا متنوعة تجاوزت الشكل التقليدي لاستخدام أدوات المطبخ والمنافض والأحذية القديمة. أيضا لأن نموذج

أحدث الدراسات عن العنف الأسري (البعض يسميه المنزلي باعتبار أنه يقع دائما داخل عش الزوجية) في الصين، تشير إلى أن المزيد من الأزواج يتعرضون للإيذاء بدنيا ونفسيا، وبدنيا يعني استخدام الأطراف الأربعة، ركلا وصفعا، وما وصل إلى الأيدي من جانب الزوجة لإلحاق أضرار بالزوج، وصلت في بعض الأحيان إلى الاعتداء على أجزاء حساسة للغاية من جسم الزوج  استلزمت جراحات لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه وانتهت بإقامة الزوجة في زنزانة بالسجن. ونفسيا يعني  الكلام الجارح الذي يسمم الأبدان ويحرق الأعصاب إضافة إلى تصرفات تؤذي الزوج، نفسيا، في رجولته. أيضا لأن نموذج

الأمور وصلت إلى مرحلة يطالب معها بعض الرجال بإقامة "اتحاد الرجال لعموم الصين" على غرار "اتحاد النساء لعموم الصين"، وهو تنظيم قوي له أنياب ومخالب يدافع عن حقوق ومصالح المرأة الصينية. كما أن الضحايا من الرجال يريدون توفير السبل لهم للحصول على المساعدة القانونية ليتحقق لهم في قاعات المحاكم العدل الذي لم يتوفر لهم في غرف بيوتهم. أيضا لأن نموذج

الأرقام الرسمية الصينية تقول إن 400 ألف حالة طلاق تحدث في الصين سنويا، ربعها، أي 100 ألف حالة بسبب العنف الأسري. أيضا لأن نموذج

ما هي الأسباب التي تدفع الزوجة إلى اللجوء إلى العنف مع الرجل الذي يفترض أنها ارتضته زوجا أو حبيبا. يقول أحد المحامين المتخصصين في قضايا الزواج والأسرة إن كثيرا من الأزواج ضحايا لزوجاتهم اللاتي تأتي شكواهن غالبا بسبب الفلوس أو الأعمال المنزلية، من تنظيف وطبخ ورعاية الطفل الخ أو أن الزوجة  تحاول إرغام الزوج على  قبول علاقاتها خارج إطار الزوجية! أيضا لأن نموذج

ويقول المحامي قه شان نان، إن الرجل عادة لا يتحدث علانية بما يتعرض له من إهانات وركلات وأشياء أخرى خشية أن يفقد صورته الرجولية أو أن يكون موضوعا لسخرية الكثيرين من الرجال والنساء في مجتمع كان، ومازال إلى حد ما، مجتمعا يحتفظ للرجل بصورة تقليدية تجمع بين السلطة والمهابة والسيطرة والقوة. ويستشهد المحامي بحالة، من حالات عديدة، هي حالة السيد دينغ، وهو زوج من مدينة سوتشو، التي يقول الصينيون عنها " إن الجنة في السماء وسوتشو على الأرض". غير أن جنة الأرض تحولت بالنسبة للعزيز دنغ  جحيما؛ فالرجل  يعمل من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل لكي يستطيع تأمين حياة كريمة لأسرته الصغيرة، ولكن السيدة الفاضلة حرمه بدأت تتهمه بأنه أصبح "شخصا مزعجا" وراحت ترتاب في أنه على علاقة بأخرى، وتطور الأمر من الكلمات اللاذعة مما يمكن اعتباره قانونيا "قذفا علنيا" إلى مد اليد باللكز الخفيف إلى الصفع على الوجه والقفا وصولا إلى التهديد بالطعن بسكين المطبخ! أيضا لأن نموذج

الدراسات أيضا تؤكد أن الاعتقاد الذي كان سائدا بأن ارتفاع المستوى التعليمي للزوجين يعني عنفا أسريا أقل اعتقاد خاطئ؛ ففي دراسة أجراها اتحاد النساء لبلدية بكين في شهر سبتمبر العام الماضي  وُجد أن 77% من النساء اللاتي يتعرضن للعنف المنزلي من النساء العاملات المتعلمات تعليما جيدا. وفي تيانجين، وهي مدينة ساحلية في شمال الصين تبعد 120 كم عن العاصمة بكين، وجدت دراسة أجراها اتحاد المرأة بها أيضا أن 70% من ضحايا العنف المنزلي نساء متعلمات يشغلن  وظائف جيدة. أيضا لأن نموذج

البعض يرى أن هذا الوضع طبيعي، أي أنه من الطبيعي أن تكون السيدة المحترمة التي تلقت تعليما عاليا وتشغل وظيفة مرموقة معرضة للضرب والإهانات الشفوية. أيضا لأن نموذج

الباحث يوان شين، من جامعة نانكاي في تيانجين، يقول إن المرأة العاملة في الصين تتعرض للعنف الأسري في المدن الكبيرة. لماذا؟ أيضا لأن نموذج

يقول إن التنمية السريعة والتغيرات الهائلة التي طرأت على المجتمع دفعت بالمزيد والمزيد من النساء إلى دوائر البيزنس والعمل الحكومي غير أن كثيرا من الرجال، والنساء أيضا، لم يكيفوا أنفسهم، على الأقل نفسيا، مع أدوارهم الجديدة. المرأة الصينية كانت قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 لا تخرج من البيت، ابنة وزوجة وأما، بل تبقى لأداء مهمة محددة هي رعاية الأسرة، وعليه فإن كثيرين، على ضوء هذه الخلفية التاريخية، لا يعرفون كيفية التعامل مع الآخر في ظل ضغوط العمل ومشاكله والتي يحملها الزوجان عادة إلى البيت مثل عبوة بنزين تنتظر شرارة للاشتعال. أيضا لأن نموذج

غير أنه من الملاحظ أيضا أن شكل العنف المنزلي الأكثر شيوعا  في أسر المتعلمين ليس العنف البدني كما في المناطق الريفية، وإنما يتخذ شكل الإيذاء العقلي والنفسي من شاكلة الكلمات الجارحة والإهمال المتعمد لفترة طويلة فيما يسمى "العنف البارد". هذا النوع من العنف يلجأ إليه الزوجان المتعلمان المثقفان لاعتقادهما أن "العنف الساخن" أي البدني خارج عن قواعد الذوق واللياقة ولا يتناسب مع وضعهما الاجتماعي "والبرستيج" غير مدركين أن أثر العنف البارد على المدى الطويل قد يكون أكثر ضررا من العنف الساخن حتى وإن أسفر عن عاهات مستديمة في البدن. أيضا لأن نموذج

ويبدو أيضا أن العنف الأسري لا علاقة له بمستوى تقدم البلاد أو الحالة الاقتصادية للأسرة؛ ففي منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، التي عادت للسيادة الصينية عام 1977، وهي مجتمع سبق بر الصين الرئيسي بكثير في الانفتاح على العالم الخارجي والمستوى الاقتصادي والتعليمي بها يفوق كثيرا بر الصين الرئيسي، في هذا المجتمع الحال ليس أفضل عندما يتعلق الأمر بالعنف الأسري وبخاصة في حالات تعرض الرجال، أزواجا وخلانا، للإيذاء البدني والنفسي. أرقام وزارة الشئون الاجتماعية بالمنطقة تشير إلى أن عدد الرجال الذين يتعرضون للضرب من جانب الزوجات والحبيبات ارتفع بشدة خلال السنوات الأربع الماضية، فقد تضاعف العدد من عام 1998 إلى عام 2002 أربع مرات. أيضا لأن نموذج

هذا التحول في علاقة طرفي العنف الأسري يعزوه ستانسيلوس لاي، المحاضر بجامعة سيتي في هونغ كونغ إلى أن المرأة حاليا أصبحت مستقلة ماليا، ولم تعد ترى مبررا للسكوت عندما يقع الخلاف مع حبيب القلب. ويقول إن "الهجوم" من جانب المرأة يكون مخططا جيدا، بعكس الرجل. أيضا لأن نموذج

العنف الأسري يتزايد داخل البيت الصيني فقد كشفت دراسة قام بها اتحاد النساء لعموم الصين عن أن العنف العائلي يحدث في 30% من  الأسر الصينية البالغ عددها 270 مليون أسرة. ويتضمن الدستور الصيني وقانون الجنايات والتشريعات المدنية الأخرى، ومنها قانون الميراث، فقرات تتعامل مع العنف الذي يقع داخل جدران البيت. الصين لم يكن بها قوانين مخصصة للعنف الأسري حتى العام الماضي عندما تم تعديل قانون الزواج. التعديلات التي أُدخلت على قانون الزواج تنص على أن العنف الأسري ممنوع والذين يتعرضون للعنف المنزلي يحق لهم المطالبة قضائيا بالتعويض في حالة وقوع الطلاق. غير أن هذه التعديلات لم تتضمن تعريفا محددا للعنف الأسري، وهذا ما دفع البعض إلى طرح مشروع قانون حول العنف المنزلي خلال الدورة الأولى للمجلس الوطني لنواب الشعب التي اختتمت أعمالها في أواخر  شهر مارس هذا العام. المشروع الجديد يُعرف العنف المنزلي بأنه الانتهاك البدني أو العاطفي أو العقلي أو الجنسي، أو انتهاك حرمة ممتلكات أفراد الأسرة، ويشمل ذلك الزوج أو الزوجة، الزوج السابق أو الزوجة السابقة، الآباء، والأطفال. وقال المشروع إن العنف الأسري يجب أن يشتمل، ولكن لا يكون قاصرا، على ما يلي: أيضا لأن نموذج

·          الإهانة، الحرمان، أو أي ضرر بالسلامة الجنسية والسلوك الجنسي والذي يضر بالكرامة الإنسانية. أيضا لأن نم

·            العنف البدني أو تقييد الحرية الشخصية. أيضا لأن نم

·            القذف، التحرش والتصرفات التي تنتهك الخصوصية الفردية، كرامة الفرد أو السلامة الشخصية. أيضا لأن نم

·            إتلاف الممتلكات، التصرفات التي من شأنها حرمان أو إعاقة الضحية عن الحصول على مورد مالي. أيضا لأن نم

·     تحديد نوع الجنين والإجهاض الجبري (تفضل بعض الأسر الطفل الذكر ولهذا يتم تحديد نوع الجنين، وهو غير مسموح قانونيا، ويتم الإجهاض إذا كان الجنين أنثى). أيضا لأن نم

ولكن السؤال يبقى، هل القانون هو الذي يمنع، أو يحجم العنف الأسري أم أن الظروف الاجتماعية العامة والتغيرات التي طرأت على المجتمع هي التي تقرر مدى ونوع هذا النوع من العنف غير المرغوب الذي لا يقتصر أثره على طرفيه فحسب وإنما غالبا يكون الأبناء هم ضحاياه الحقيقيون؟! أيضا لأن نم

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.