محتويات العدد 1 يناير (كانون الثاني) 2003

 

الطول والقصر وبعد النظر

حسين إسماعيل حسين

 

من أغرب القضايا التي  قرأت عنها والتي نظرتها محكمة بكين المتوسطة رقم 2 قبل فترة قضية محورها "مقاس الفرد". طرفا النزاع هما مسرح بولي بلازا بالعاصمة الصينية، المدعى عليه، والطفلة تشو يوان يوان، المدعية. أما سبب النزاع فهو أن إدارة المسرح المذكور، وهو واحد من أرقى مسارح بكين، لم يسمح في الثالث عشر من يناير العام الماضي بدخول تشو، البالغة من العمر سبع سنوات، لمشاهدة عرض موسيقي بالمسرح؛ ليس لأنها لم تدفع ثمن التذكرة أو أنها ارتكبت فعلا مخالفا من قبل في ذات المسرح، السبب أنها قصيرة، أو أن طولها أقل من المقاس المحدد الذي وضعته إدارة المسرح لمن يسمح لهم من المتفرجين بالدخول وهو ألا يقل عن 120 سم.

أم تشو، التي مثلت أمام هيئة المحكمة وكيلة عن المدعية، ابنتها، اتهمت المسرح بالتمييز ضد الأطفال. وقالت إن المسرح انتهك حق البنت في الاستمتاع بالفن وتلقي التربية الموسيقية، مستشهدة بالقانون الصيني لحماية الصغار والذي ينص على حق الأطفال في الدخول إلى المتاحف وحدائق الحيوان والحدائق العامة والقاعات التذكارية.

الحاصل أن المحكمة قضت بتبرئة المسرح استنادا إلى أنه لم ينتهك القانون ، حيث أن من مسئوليته ضمان بيئة هادئة للمتفرجين، وبمعنى آخر، وهذا ما لم يرد في حكم المحكمة، أن طول الطفلة أقل مما تضمن معه إدارة المسرح هادئة منصتة للعرض وألا تقوم بعمل طفولي يفسد على الآخرين متعتهم، ومرة أخرى المعيار هنا هو الطول.

هذه القضية أعادت إلى ذاكرتي مشاهد الطول والقصر في بلد التنين، وهو حيوان خرافي له جسم بالغ الطول،  وكيف تغيرت النظرة والتقدير لطويل القامة وللقصير أيضا. والغريب أن نظرة الناس تغيرت ولكن اللوائح التي تتحكم في الطول والقصر لم تتغير. ومازلت أذكر هذا المشهد لأم صعدت السيارة العامة ومعها طفلتان، بدا أنهما توأم، وأجلست طفلتيها، وعندما أشارت إليها المحصلة  لتقطع تذكرتين لهما لم تفعل الأم أكثر من أنها أهابت بالطفلتين فوقفتا، في رسالة واضحة للمحصلة بأنهما أقل من الطول المحدد للدفع، ولم تملك المحصلة إلا أن تبلع كلاما قالته لم أفهم منه كثيرا.

تذكرت أيضا مشهد ذلك الشاب الذي صعد السيارة ذاتها فإذا بالأنظار كلها تتحه نحوه بإعجاب لم تستطع بعض العجائز إخفاءه، وسبب الإعجاب  الظاهر أن الشاب لم يجد مكانا في الباص، الذي شُغلت كافة مقاعده، يستقيم فيه ظهره إلا تحت فتحة السقف.

كانت الفكرة السائدة، وربما كانت صحيحة، أن أهل الصين يتسمون بقصر القامة بشكل عام، وأذكر أن صديقا قال لي قبل ما يزيد على اثنتي عشرة سنة .. أظنك أطول رجل في الصين! ولكن مقاس الفرد في هذا البلد يتغير كما هو الحال مع كل شيء، فمع التنمية الاقتصادية المدهشة التي تحققها الصين تتحسن مستويات المعيشة للناس بخطوات متسارعة وهذا التحسن يعبر عن نفسه في نواحي كثيرة ومنها ذلك التغير الملحوظ الذي طرأ على تضاريس وبنية الجسم الصيني طولا وقصرا، نحافة وسمنة. وقد وجدت دراسة قام بها أحد مراكز البحوث المتخصصة في الصين أن متوسط طول قامة الصبية الصينيين حاليا أعلى من المتوسط لأترابهم قبل خمسة عشر عاما، وهذه ملاحظة ربما لا تحتاج إلى دراسة وإحصاءات؛ فالأمر جلي  بشكل لافت.

وبشكل عام يتميز أهل جنوب الصين بقصر القامة ودقة الملامح بينما يتسم أهل شمال البلاد بطول القامة وعظم البنية. ولكن حتى هذا التقسيم "التاريخي" آخذ في التلاشي بفعل السيولة الحاصلة في المجتمع؛ فالشماليون يتجهون إلى الجنوب، والجنوبيون بات الطريق مفتوح أمامهم إلى الشمال والوسط.

كان الرجل الصيني قديما يفضل المرأة القصيرة القامة، الدقيقة الملامح والجسم، وربما لهذا كان "سوق" الزواج لفتيات الجنوب أكثر رواجا، وكانت المرأة الصينية فيما مضى تلف قدميها طفلة بأشرطة من القماش لتحافظ على "دقتها" فلا تجد عائقا في الزواج عندما تكبر. كانت المرأة القصيرة محسودة بين الأخريات، ومما يؤكد هذا القصر أن السرير الصيني التقليدي المسمى "كانغ" وهو عبارة عن مصطبة مجوفة تشعل النار داخلها أيام الشتاء من أجل الدفء، كان سريرا ضئيل الحجم لدرجة أثارت تساؤل ودهشة امرأة صينية معاصرة عن الوضع الذي كانت تنام عليه أنثى ذلك الزمان. تقول الكاتبة تشن لي مي البالغة من العمر تسعا وثلاثين عاما.. بدا أنني المرأة النحيلة البالغة من الطول 170 سم كان يمكن أن أبقى عانسا في ذلك الزمن برغم أنني محسودة من كثيرات من المعاصرات. جدتي البالغة من العمر 92 عاما كانت امرأة جميلة ذات طول  وجسم رشيق في شبابها ولكن طولها كان عبئا عليها في زمن كانت المرأة  الصغيرة الحجم ذات الأقدام الضئيلة هي المرغوبة. هن وليس جدتي كن الحسناوات، وعليه اعتبر نفسي محظوظة أنني ولدت في الوقت الحاضر حيث بوسعي أن أطول كما شئت. 

تشن مي لي تعبر عن حقيقة الوضع الحالي، فصيني القرن الحادي والعشرين له رأي آخر في مسألة الطول والقصر. الفتاة  الطويلة هي الأكثر تفضيلا، والرجل كذلك.

 لا تعجب عندما يصف لك الصينيون، رجالا ونساء، الفتاة الطويلة بأنها لها قامة عارضة أزياء، فطول قامة الأنثى شهادة جمال تعفيها حتى من خلل واضح في مواضع أخرى، فالطول يجب ما قبله وما بعده. وربما كان هذا هو السبب الذي دفع بشابة صينية عمرها 17 عاما أن تجري عملية جراحية لتطيل قامتها. فالآنسة التي لم تشر إلى اسمها الصحف التي نقلت خبرها، دخلت مستشفى جيانغقونغ بمقاطعة تشجيانغ، شرقي الصين في العاشر من يوليو العام الماضي في محاولة لإضافة خمسة سنتيمترات إلى طولها وهو 147,5 سم!  

الأمر كلك بالنسبة للرجل، ففي دارسة حول "فارس الأحلام" أجريت في الصين جاءت المواصفات شاملة المستوى التعليمي  والثراء والوضع الاجتماعي والأخلاق والمشاعر، إلى غير ذلك، ولكن قبل كل هذا أن يكون طويل القامة!

وعندما سألت شابة صينية: هب أن أمامك اختيارين؛ شاب طويل  وآخر قصير ولكن هذا القصير يفضل الأول في العلم والخلق والثراء، من تختارين؟ صمتت الآنسة وانغ برهة وقالت.. اتخذ القصير زوجا والطويل صديقا!

ويبدو أن حظ طوال القامة ليس في الصين فقط، ففي دراسة أجريت في بريطانيا على 10 آلاف رجل من مواليد عام 1958 وجد أن طول الرجل يلعب دورا مهما في عثوره على شريكة العمر بل وإنجاب الأطفال، حيث قالت الدراسة إن الرجال البريطانيين متوسطي القامة لديهم أطفال أقل  عددا من طوال القامة. المثير أن الدراسة  قالت إن النساء قصار القامة ينجبن أطفالا أكثر من طويلات القامة وأوضحت الدراسة أن المرأة تجد  الرجل الطويل أكثر جاذبية بينما لا يهتم الرجل كثيرا بطول أو قصر قامة المرأة التي يختارها شريكة لحياته.

طول أو قصر القامة قد يكون له دور في حياة الفرد الخاصة، ولكن الغالب أن الأمر لا يكون كذلك في حياة الفرد العملية ونجاحه وتفوقه. فكم من قصار نبغوا نبوغا فاق الطوال، ولعلنا نشير هنا إلى واحد من أشهر قصار القامة في الصين، الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ، مهندس إصلاح الصين وانفتاحها على الخارج، الرجل صاحب القولة الشهيرة .. إنني لا أتوتر أبدا حتى وإن سقطت السماء على الأرض. لماذا؟ لأن الطُوال سيحملونها عني!

ومن نجوم  المجتمع الصيني الحالي  ذوي القامة القصيرة لاعبة تنس الطاولة المدهشة دنغ يا بينغ التي حققت في عالم البنغ بونغ ما لم يحققه قبلها أحد من الرجال أو النساء، وهناك مو هوي لان لاعبة الجمبار، التي ترتفع عن سطح الأرض 155 سم لا غير، والتي حصلت على الميداليات الذهبية لكافة بطولات العالم في الجمباز باستثناء  ذهبية الأولمبياد، والتي أدخلت معجم الجمباز مصطلحا جديدا يحمل اسمها هو "شقلبة مو هوي لان" بعد أن لفت بجسمها الضئيل لفة ونصف في الهواء في بطولة الألعاب الآسيوية  بمدينة هيروشيما عام 1994 وكان عمرها لا يتجاوز الخمسة عشر ربيعا.

ومن أشهر طوال القامة في الصين العملاق  ياو مينغ، الذي يبلغ طوله 226 سم،  لاعب كرة السلة الذي انتقل من شانغهاي إلى فريق روكتس بولاية هوستن الأمريكية، وهناك  الرائعة تشاو روي روي التي يفصل بينها وبين حاجز المترين سنتيمتران فقط وهي لا تزال في سن الثامنة عشرة، صاحبة اليد المطرقة في منتخب كرة الطائرة الصيني. وهناك أيضا  تشن نان البالغة من الطول 197سم، لاعبة المنتخب الصيني لكرة السلة، وآخرون كثيرون.

بينما أنا في هذه الرحلة مع الطول والقصر في الصين شرد ذهني إلى سنوات مضت عندما ذهبت إلى جدي أستشيره في فتاة يعرفها أردت خطبتها فكان أن قال لي.. ولكنها ليست طويلة. قلت له لا أريدها لاعبة سلة، وإذا به يقترب مني ناصحا.. تزوجوا طوال النساء تأتيكم بأعناق الرجال، وأعناق الرجال عن جدي تعني طول القامة. رحم الله جدي كان طويل القامة بعيد النظر. تتخذ من نجاحات

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.