محتويات العدد 1 يناير (كانون الثاني) 2003
المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي

والتطور الفكري في الصين

دكتور / محمد نعمان جلال

في أول يوليو 2001 احتفل الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى الثمانين على إنشائه وقدم الزعيم الصيني جيانغ تسه مين خطابا مشهورا في ذلك المؤتمر تضمن عدة فقرات بالغة الأهمية والدلالة إحداها تقول: "علينا، لأجل تحقيق متطلبات التمثيلات الثلاثة أن نتمسك بالخط الأيديولوجي للحزب المتمثل في تحرير عقولنا والبحث عن الحقيقة من الواقع ويجب أن ننفذ وندفع بالروح العملية والبحث عن الحقيقة والإقدام في الإبداع، وعلينا أن ننفذ جميع أعمال الحزب والدولة تنفيذا خلاقا ونداوم على إثراء وتطوير الماركسية في الممارسة العملية."

وفي فقرة أخرى يقول: "علينا أن نتمسك بنظام المركزية الديمقراطية وننشئ ونحسن أسلوب القيادة العلمي وآلية العمل العلمية وأن نفسح المجال واسعا للديمقراطية داخل الحزب ونحمي بكل الحزم مركزية ووحدة الحزب ونحافظ ونستمر في تعزيز حيويته."

وفي فقرة ثالثة يقول: "ولكن الظروف التي تواجهها مختلفة تماما عن تلك التي واجهها مؤسسو الماركسية ودرسوها، وعلى ضوء الظروف الجديدة علينا أن نقوم بدراسة شاملة لنظرية العمل وقيمة العمل في مجتمع اشتراكي بهدف تحقيق فهم أفضل لهذه النظرية."

وفي فقرة رابعة يقول: "علينا أن ننفذ بشكل كامل مبدأ تنشئة فصيل  أكثر ثورية وأكثر شبابا وأفضل تعليما، وكوادر أكثر كفاءة مهنية وأن نولي أهمية متساوية لكل من الكفاءة المهنية والسلامة السياسية، وعلينا أن نعمق إصلاح نظام شؤون العاملين بتشكيل فصيل من المسئولين ذوي المستوى الرفيع القادرين على تولي المسؤوليات المهمة والصمود في اختبارات التجارب والمحن." ويضيف "ويجب أن تكون مؤسسات الحزب على كافة المستويات صارمة مع أعضاء الحزب في احترام المتطلبات والتعليم والإدارة والرقابة وأن تكون حازمة في اجتثاث الظواهر السلبية والفساد الكائن في الحزب."

ولكن الفقرة الأكثر خطورة في ذلك الخطاب تقول "منذ أن انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح تغيرت تركيبة الطبقات الاجتماعية الصينية إلى حد ما، فهناك من ضمن آخرين رجال أعمال وفنيون يعملون في المؤسسات العلمية والفنية من غير القطاع العام، ومدراء وفنيون يعملون في المؤسسات الأجنبية التمويل، وعاملون بأنفسهم، ورجال أعمال من القطاع الخاص، وعاملون في هيئات الوساطة ومتخصصون يعملون مستقلين، علاوة على كثير من الناس ينتقلون باستمرار من ملكية أو قطاع إلى مكان آخر يغيرون مهنهم أو وظائفهم من حين لآخر، واتجاه التطورات هذا سوف يستمر وتحت إرشاد خط ومبادئ وسياسات الحزب قدم أغلب هؤلاء الأشخاص من الطبقة الاجتماعية الجديدة مساهمات لتطور القوي المنتجة في مجتمع اشتراكي ومهمات أخرى من خلال العمل الأمين أو العمل التجاري والقانوني وهم يعملون مع العمال والمزارعون والمثقفين والكوادر وضباط وجنود جيش التحرير الشعبي لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية."

ما هي دلالات هذه الاقتباسات ومغزاها؟

الدلالة الأولى: إن المحك الأساسي بالنسبة لأية نظرية أو فكرة هو التنفيذ العملي وهذا يقتضي تحرير العقل للبحث عن الحقائق في الوقائع الملموسة. فإذا قلنا إن الماركسية تستهدف رفع مستوى الشعوب وزيادة الإنتاج فلا بد أن تثبت الحقائق ذلك ولا يكفي الشعارات والفلسفات. وإذا قلنا إن الإسلام مثلا هو دين التسامح وعدم العنف فلا بد أن يثبت المسلمون ذلك بسلوكهم. وإذا قلنا إن الثورة هي تغيير جذري في بناء المجتمع فلا بد أن يكون حدث ذلك بالفعل وليس مجرد إحلال مجموعة حاكمة بمجموعة أخرى. وهكذا.

الدلالة الثانية: إن الظروف المتغيرة تقتضي نظريات وأفكارا متغيرة. وهذا التغير هو سنة الحياة وناموس الكون فلا يمكن التمسك بفكر أو فلسفة أو عقيدة دون أن يطرأ عليها التغيير ليتجاوب مع الظروف الجديدة. وإذا كان ذلك صحيحا في فلسفة القانون التي تأخذ في الحسبان المستجدات والظروف القاهرة، وإذا كان ذلك صحيحا في فقه الدين الذي يأخذ بمبدأ الظروف المتغيرة ودلالة ذلك أن الآيات المكية في القرآن الكريم مختلفة عن الآيات المدنية في خصائصها، وتعبيراتها، ومضامينها، فإن الأحرى الأخذ بذلك في مجال السياسة. فليس هناك ثبات في أي فكر بشري أو سلوك إنساني، فالتغير هو القاعدة الأساسية وهو القانون الأزلي وهذا التغير في الفكر يقتضي تغيرا في الأشخاص المعبرين عن الفكر والمنفذين له. واستمرار الأشخاص في مواقفهم يعني عدم التغير، وبعبارة أخرى يعني الجمود مهما حاول الشخص أن يطور من نفسه فهو أعجز من أن يتلاءم مع المتغيرات السريعة. وهذا هو المحك. لذلك تغيرت القيادات والكوادر في الحزب الشيوعي الصيني عدة مرات في مرحلة النضال من أجل الوصول للسلطة ومن أجل محاربة الاستعمار الياباني والافتئات الأجنبي على البلاد ومن أجل جمع الصفوف، كما تغيرت القيادات عدة مرات في مرحلة البناء الاشتراكي فلكل مرحلة رجالها ومفكروها ومديروها، وأحيانا يكون التغير طبيعي كموت شخص ما أو بلوغه سن التقاعد وأحيانا يأتي التغير عنيفا في شكل صراع على السلطة والمناصب ولم يخلو الحزب الشيوعي الصيني من حدوث الحالتين طوال ذلك التاريخ الطويل شأنه في ذلك شأن كثير من المؤسسات السياسية في العديد من الدول.

الدلالة الثالثة: الاعتراف الصيني على أعلى مستوى بالحاجة للتعليم ولبناء الكوادر ولوجود فساد وضرورة مقاومته ومحاربته والأهم الحاجة للربط بين الكفاءة المهنية والسلامة السياسية. ولعل ذلك كان إحدى النكبات التي حاقت بالعديد من تجارب البلاد النامية. إن السلامة السياسية بمعناها الصيني المتمثل في الولاء السياسي طغت على ما عداها. ومن اعتبروا موالين سياسيا عاثوا في الأرض فسادا وانحرافا، وعجزت كفاءتهم المهنية عن القيام بأعباء الوظائف والمناصب التي أسندت إليهم، ولذلك حدث التدهور وتخلف الإنتاج والانحراف والفساد والفوضى وتراجع وضع الدول النامية بما في ذلك الدول العربية عدا قلة وأصبح التهميش مصيرهم والضعف والهوان نصيبهم وعاشت القيادات والشعوب تأمل في أن يأتيها الخلاص من قوى خارجية حيناـ كما تتهم القوى الخارجية بالتآمر حينا آخر.

الدلالة الرابعة: والمتصلة بتغير التركيبية الاجتماعية ودور التركيبية الجديدة بعناصرها المختلفة. هذه التركيبية تضم رجال أعمال، ومدراء، وفنيون يعملون في المؤسسات الأجنبية التمويل ومتخصصون يعملون بأنفسهم وكل هذا تحت إطار سياسة وتوجيه ومبادئ الحزب. إذن المعنى واضح أنهم رجال أعمال و مدراء  حقيقيون و فنيون يعملون في مؤسسات التمويل الأجنبي للإنتاج الحقيقي. والحزب هو الموجه وهو المراقب أي أن هناك خطة شاملة ولا تسير الأمور عبثا أو بعشوائية.

قبل أن ننتقل لمغزى هذه الفلسفة الحزبية الجديدة التي عبرت عنها القيادة الصينية وقدمها جيانغ تسه مين للمؤتمر السادس للحزب في نوفمبر 2002من الضروري أن نشير إلى عدة ملاحظات بالغة الأهمية:

الأولى: إن جيانغ تسه مين هو الذي قدم هذه الوثيقة وتلك الفلسفة ولا شك أن له دور في طرح بعض أفكارها ولكن الفلسفة الكاملة هي تتمة عمل  حزبي حقيقي ومستمر ونقاشات طويلة على مدى جلسات مطولة بين القيادات وعلى مستوى الكوادر ومن ثم فعندما يتم الإعلان عنها يشعر كل كادر بأنه ساهم فيها بقدر وأنها عبرت عن فكره وواقعه.

الثانية: إن الفلسفة عندما تعلن لا تتحول إلى وثيقة ميتة وإنما إلى وثيقة حية معاشة Living Document  يتم إعادة دراستها وإعادة نشرها وتثقيف المسئولين بها على مستوى الوزراء ووكلاء الوزارة والمديرين في شتى المواقع ومن هنا يؤمن الجميع بالفلسفة ويحدث اتحادا ووحدة في المنهج وفي القول وفي التصرف والسلوك.

الثالثة: إن فلسفة الحزب ركزت على مبدأ حكم القانون وجعل القانون الصيني المناصب العليا على مستوى الأقاليم والدولة المركزية مناصب دورية متجددة لفترتين فقط فعمدة المدينة أو رئيس المقاطعة أو الوزير أو نحوه من المناصب العليا يتم اختيارهم من البرلمان بترشيح من الحزب ويتم التجديد بعد الفترة الأولى ومدتها 5 سنوات لفترة أخرى بمدة مماثلة ثم عليه أن يقوم بمهمة أخرى فيصعد إلى منصب أعلى إذا ثبتت كفاءته أو ينحى جانبا إذا لم يحقق المطلوب، أو يعاقب إذا انحرف واستغل نفوذه، وكثير من القيادات السياسية والحزبية ومن قيادات القضاء والشرطة والقوات المسلحة واجهوا عقوبات صارمة بعضها وصل حد عقوبة الإعدام، وهذا النمط من الثواب والعقاب هو الذي يضمن بأسلوب عملي مقاومة الفساد وتشجيع المتميزين وحث الخاملين على تغيير وضعهم.   

والآن نتنقل إلى مغزى التطورات في المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني. لا مراء أن هذا الاجتماع للحزب قدم نموذجا فريدا في العمل السياسي والحزبي. جدير بالدراسة المتعمقة ليس فقط من قبل الدول النامية وبخاصة الدول العربية بل وأيضا الدول المتقدمة.

الدرس الأول: هو أن الدولة والشعب فوق الحكومة والأفراد. فمهما بلغت قيمة الإنسان الفرد أو المدير أو الوزير أو القيادي فهو زائل يوما ما، ومهما كانت مساهماته السياسية والفكرية فإن المحك هو التنفيذ العملي وليس الدعاية والهالة التي يحيط بها نفسه من الأعوان والسدنة، لأن الحقائق يتم اكتشافها بسرعة في عصر الإعلام الدولي  القائم على السماوات المفتوحة والإنترنت، والإحصاءات المفبركة التي تبرز الإنجازات الوهمية سرعان ما تنكشف. من هنا حققت الصين منجزاتها الحقيقية وعاقبت الفاسدين والمنحرفين دون رحمة ودون هوادة لأن مصلحة الشعب والسلامة السياسية للقيادة والكفاءة المهنية للكوادر هي المبدأ الاسمي الذي يحكم السلوك والعمل.

الدرس الثاني: أسلوب المداولات الديمقراطية وهو أسلوب يختلف عن نظيره في الدول الغربية وعن نظيره في الدول النامية. إنه يقوم على رفع الفكرة من القاعدة حتى القمة وإنزال الفكرة من القمة للقاعدة فهو طريق مزدوج يتم من خلاله التأثير المتبادل والتلقيح المتبادل للأفكار والتجارب، ولذلك فأن عملية الإعداد للمؤتمر السادس عشر استغرقت عدة شهور، والأفكار والنتائج التي تخص عنها كانت متداولة منذ فترة طويلة واحتاجت فقط إلى الخاتم النهائي على كل هذه القرارات والأفكار والسياسات، ولهذا لم يندهش أحد من تلك النتائج المتوقعة لأنها لم تكن وليدة ثلة من المفكرين أو السياسيين يجلسون في غرفة منعزلة ليقدموا صياغة وفلسفة وإنما كانت نتيجة مداولات كثيرة بين كافة الكوادر والقيادات حتى انتهت إلى ما انتهت إليه في صياغتها النهائية.

الدرس الثالث: أن مبدأ تداول السلطة بين القيادات عبر الأجيال أصبح أكثر رسوخا فتولى هو جين تاو الرئاسة بعد انتهاء مدة جيانغ تسه مين ، وكذلك حلول رئيس وزراء جديد ورئيس برلمان جديد هو كله من الأمور التي كانت معروفة سلفا ومقررة لأن كل منهم انتهت مدة توليه السلطة.

الدرس الرابع: أن جيل الشيوخ في الصين وهم من يمكن أن نطلق عليهم "الحكماء"، فالصين معروفة بأنها بلد الحكمة القديمة مثل الهند مع بعض الاختلاف في المضامين. هذا الجيل لم يتم التفريط فيه بل على العكس ابتكرت له مناصب ومواقع استشارية ومراكز أبحاث وغير ذلك من المواقع غير التنفيذية يتم الاستفادة منهم - وهؤلاء لهم معاشاتهم وامتيازاتهم بما يحفظ لهم كرامتهم. وهذه هي إحدى مشاكل دول العالم النامي أن كبار المسئولين  يخشون من التقاعد ويتمسكون بالمناصب لما تمنحها لهم من امتيازات يفقدونها لو أحيلوا إلى التقاعد.

الدرس الخامس: أن استمرارية الثورة والمحافظة على إنجازاتها تتم بطريقة عملية عبر وسيلتين رئيسيتين؛ أولاهما أن يكون الإنجاز حقيقيا وتلمسه الجماهير، وثانيتهما أن يتم إعداد الكوادر إعدادا جيدا وأن تتسلم مواقعها في اللحظة المناسبة، ومن ثم تكون مؤمنة بالمبادئ ومتمرسة على تنفيذها وتضيف لها حصيلة خبرتها وممارساتها بما يتمشى مع المبدأ السليم وهو تحرير العقول والمواءمة مع الظروف المتغيرة.

لا شك أن فشل الثورة وعجز الحضارات على الاستمرار يرجع إلى انعدام أو ضعف مبدأ تحرير العقول ومن ثم سيطرة الجمود على الفكر الذي يقاوم التغيير ومن ثم تحدث الثورة أو يتم الانحلال، وكلتا الحالتين كفيلة بالعودة للوراء ووضع حد ونهاية لاستمرارية الحضارية والفكر، ومن هنا نجد هذه الخاصية الصينية وهي البراجماتية و التلاؤم مع المستجدات ليس فقط في الماركسية الصينية وإنما ترجع للفكر الصيني التقليدي الذي استوعب الأديان والعقائد والفلسفات دون أن يتخلى عن أي منها بل سعي للمواءمة بينها، ولذلك حافظت الحضارة الصينية العظيمة على استمراريتها،  واللغة الصينية على طبيعتها مع تغيرات اقتضتها الظروف الجديدة، بينما انتدثرت حضارات وتوارت وانهارت قوى عظيمة عديدة، وتراجعت دول كانت كبرى عالميا أو إقليميا بينما استمرت مسيرة الصين.

ماذا تقدم لنا تجربة النظام السياسي الصيني والمؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني؟

لا شك أن هناك العديد من الدروس المستفادة من هذه التجربة بالنسبة للعالم العربي بوجه خاص. وفي مقدمة ذلك نصيحة جيانغ تسه مين للكوادر في افتتاح الحزب بأن يحافظوا على التقدم مع العصر؛ بأن يطوروا فكرهم وعملهم. ولا مراء في أن عدم التطور والسير بمقتضى مستلزمات العصر تؤدي إلى مشاكل عديدة لأي نظام سياسي، وهذا هو لب مشاكل العالم العربي في الوقت الراهن، ومن ثم انطلقت الدعوات للتغيير السياسي وانتقدت عدة أنظمة بأنها أخفقت وجلبت كوارث، بل الأكثر إيلاما هو أن الدعوة للتغيير جاءت من قوى أجنبية، بعد أن عجزت القوى المحلية في فرض التغيير نتيجة رفض النظم التمشي مع مقتضيات الزمن المتغير. ثم أن هناك عملية التسليم والتسلم بين القيادات ولعل أكثر النظم استقرارا في ذلك هو النظام الأمريكي الذي يتم انتخاب قياداته في نوفمبر وتتسلم السلطة في يناير من العام التالي أي بعد حوالي شهرين ونصف حتى يتم هذا الانتقال بسلامة، فإن حققت الصين نفس الشيء وتم انتقال السلطة في مارس القادم أي بعد حوالي 4 شهور فإن هذا يمثل إضافة جديدة في الفكر والممارسة ليس فقط في الصين بل في الدول الأخرى في العالم. طبعا شهدت الصين في الماضي مفاجآت غيرت الموازين، وقلبت القرارات المتخذة، ولكن حدوث ذلك في هذه الحالة ربما أقل احتمالا لأن الظروف ذاتها تغيرت، ولكن تظل علامة الاستفهام قائمة حتى اللحظة الأخيرة فالسياسة والمناصب لها بريقها والبشر هم بشر وليسوا ملائكة، ولكن يقظة الشعوب والقيادات والكوادر هي التي تعطي القرارات مصداقيتها وتحافظ عليها وتصونها.

ورغم إنجازات الصين في المجال الاقتصادي التي جعلت الكثيرين يتحدثون عنها بأنها معجزة فإن الانفتاح والإصلاح مازال يواجه تحديات:

التحدي الأول هو تفشى الفساد في قطاعات عديدة وهو ناتج من الانتقال من اقتصاد مخطط إلى اقتصاد السوق ومن القيم الاشتراكية إلى القيم الرأسمالية التي تعلى من شأن مبدأ البدع، ومبدأ النفعية ونحو ذلك.

التحدي الثاني هو البطالة التي انتشرت وارتبطت بعملية الإصلاح الاقتصادي وإغلاق المصانع الخاسرة وزاد من حدة البطالة وآثارها الاجتماعية بروز حالة من عدم المساواة في الدخول حيث زادت الهوة بين الرأسماليين والمديرين الجدد وبين أقرانها من المديرين التقليديين بل وبين الطبقات التي عاد بعضها للظهور رغم أن الجميع استفاد من الانفتاح ولكن البعض استفاد بدرجة أكبر من البعض الأخير وهذا له آثار اجتماعية بالغة الخطورة ومن الضروري تدارك ذلك قبل قوات الأوان.

التحدي الثالث يتصل بالتطور السياسي ذلك لأن التقدم الاقتصادي والانفتاح الاقتصادي كان على حساب التطور السياسي الذي أخذ المكانة المتأخرة. وأعلت السلطة في الصين مبدأ الاستقرار السياسي على مبدأ التغير والانفتاح السياسي، وفي تقديري أنها كانت محقة تماما في ذلك، ولكنها لا يمكن أن تستمر في هذا إلى ما لا نهاية. لأن ضرورات التغير السياسي ستفرض ذاتها على صانع القرار وعلى مختلف قطاعات المجتمع. ولقد جرى التلميح بالاستعداد لانفتاح سياسي، ولكن يظل الأمر مطروحا حول مدى هذا الانفتاح وأسلوب التعامل معه ورد فعل القوى الاجتماعية المحلية والدولية تجاه ذلك. ومن المعروف أن الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة تتطلع لأن يحدث في الصين تغير مماثل لما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق ويتم التخلي بصورة كاملة عن الفلسفة الشيوعية والاعتناق الكامل للرأسمالية الاقتصادية، ولمنهجها الديمقراطي، وهنا يكمن الخطر على التجربة الصينية ويمثل ذلك امتحانا عسيرا أمامها فهل سوف تجتازه أم لا؟ هذا متروك للمستقبل.

التحدي الرابع: يتعلق باستكمال الوحدة الوطنية للصين باستعادة تايوان وهذا يرتبط بالصراع على الساحة الدولية وتطور ذلك وأبعاده ولكنه يظل من أهم وأخطر التحديات أمام القيادة الصينية الجديدة، ولهذا فإن المؤتمر السادس عشر للحزب، ركز ضمن ما ركز عليه، على ضرورة تحديث القوات المسلحة لتواجه التحديات المتصلة بالأمن القومي الصيني. وهنا نلاحظ أن الصين مع تركيزها على العلوم والتكنولوجيا والمعلومات الخاصة بالقوات المسلحة وبناء الصناعات العسكرية فإنها أيضا تركز على الفرد وضرورة استيعابه للعلوم العسكرية الحديثة. وفي نفس الوقت تتعامل بمرونة وبراجماتية مع الموقف الخاص بتايوان وتقدم طروحات عملية بإعادة الاتصالات الثلاثة البحرية والجوية والبريدية  وذلك مما يساعد على جذب الاستثمارات التايوانية ومن ثم بناء مصالح مشتركة تحول دون بروز القوى الانفصالية في تايوان.

تلك هي بعض تأملات من وحي متابعة أحداث ووقائع المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني وقراراته ولا شك أن دروسه المستفادة للبلاد النامية واضحة الدلالة وتقدم علامات للاسترشاد والعمل. تتخذ من نجاحات

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

ساحة الحوار

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.