العدد 7 يوليو(تموز) 2002
االصين"دارنجي" .. أولياء الله في الصين أيضا

عبد الله محمد وانغ ون جيه في جمعية قوانغتشو الإسلامية

لعل ما يعرفه الناس عن قوانغتشو أنها مجاورة لهونغ كونغ وماكاو، وأنها بوابة الصين الجنوبية، وواحدة من المدن الطليعية في الإصلاح والانفتاح وإحدى المدن الأكثر تطورا في الصين، ويقام فيها أكبر معرض تجاري صيني دولي مرتين سنويا الأمر الذي يلعب دورا كبيرا في التبادل التجاري بين الصين والبلدان الأخرى. أما أحوال المسلمين في قوانغتشو فلا يعرفها إلا قليلون حتى المسلمين الصينيين. وإذا قلنا إن أحد نشاطات مسلمي قوانغتشو يسمى "دارنجي" فلابد أنه سيبدو أمرا غريبا.

المسلمون الصينيون يحتفلون بثلاثة أعياد إسلامية سنويا هي عيد الأضحى وعيد الفطر وعيد المولد النبوي فما هو "دارنجي"هذا؟ وكيف أصبح نشاطا إسلاميا خاصا لمسلمي قوانغتشو؟

كلمة "دارنجي" باللغة الصينية " تعني يوم وفاة صاحب السيادة المحترم"، ويقصد بصاحب السيادة المحترم هنا الصحابي سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) الذي جاء إلى الصين للدعوة إلى الإسلام بأمر من رسول الله محمد (ص) في أوائل عهد أسرة تانغ الصينية بين 722 و628، ووصل إلى مدينة قوانغتشو أولا. وقد حظي هذا الصحابي الجليل بتقدير الإمبراطور الصيني تانغ تاي تسونغ في ذلك الحين لمواهبه المتعددة، وحصل على دعم أبناء الشعب بشخصيته النبيلة، فسمح له بأن يشرف على بناء مسجد هوايشنغ (الشوق إلى النبي) الذي يعتقد أنه أقدم مسجد في الصين. انتقل سعد إلى رحمة ربه في مدينة قوانغتشو عام 629 ميلادية فدفنه مسلمو المدينة في منطقة دابي منواي، أي داخل روضة أبي وقاص الحالية الواقعة في طريق جيانغبي بقوانغتشو. يمكن القول إن سعدا بن أبي وقاص كان واحدا من مؤسسي الدعوة الإسلامية وفاتيحيها بالصين، وقد قدم إسهاما كبيرا في تثبيت وتطوير دعائم الإسلام بالصين. لإحياء ذكرى مآثره السامية ومنجزاته العظيمة وتشجيع كل المسلمين على سلك طريق الإسلام المستقيم بعد وفاته يأتي المسلمون بقوانغتشو إلى مقبرته كل سنة بل كل يوم للدعاء له بأن ترتفع مرتبته في الجنة، ولا سيما في هذه السنوات، يأتي كثير من المسلمين رجالا ونساء كبارا وصغارا من مناطق شمال غربي الصين خصوصا إلى قوانغتشو لزيارة مقبرته والدعاء له كل سنة، وبعضهم يبكون بكاء شديدا مادحين أخلاقه السامية الأمر الذي يؤثر في من يراهم. تجري كل هذه النشطات تلقائية بدون تنظيم، شأنها شأن إحياء ذكرى السلف بأية أسرة للمسلمين الصينيين.

في أوائل القرن العشرين ومن أجل تحسين نشاط إحياء ذكرى الصحابي أبي وقاص بشكل أفضل اتفقت إدارة المسلمين في كل مسجد بقوانغتشو على أن يكون اليوم السابع والعشرين من ذي العقدة كل سنة يوم إحياء ذكرى وفاة الصحابي أبي وقاص. في هذا اليوم ينظم كل مسجد المسلمين حوله لزيارة روضة أبي وقاص لقراءة القرآن الكريم والتضرع إلى الله سبحانه وتعالي لرفع مرتبته في الجنة، ونطاق هذا النشاط الإسلامي واسع وكبير ومؤثر.

 انقطع هذا النشاط في فترة الثورة الثقافية التي استمرت من عام 1966 إلى عام 1976، ثم عاد مرة أخرى بعد تبني الصين سياسة الإصلاح والانفتاح حتى الآن، واصبح عادة إسلامية جديدة، ويسمي هذا النشاط "دارنجي".

أقيم احتفال "دارنجي" في هذه السنة يوم الأحد 10 فبراير. كان الجو صباح ذلك اليوم ملبدا بالغيوم مع نزول مطر خفيف، كأن السماء كانت ترثي هذا الصحابي العظيم . في حوالي الساعة الثامنة والنصف أتي المسلمون المحليون إلى روضة أبي وقاص من كل حدب وصوب. فكسر الجماهير المفعمون بالنشاط الهدوء الذي يخيم هنا عادة، وكان بينهم كثير من المسلمين الذين أتوا من مناطق شمال غربي وشمال ووسط الصين. وفي هذه الأعوام وبسبب النمو الاقتصادي السريع في قواندونغ جذبت المدينة كثيرا من الشماليين إليها للاستثمار والتجارة والعمل فيها، ومنهم بعض المسلمين. الأمر الذي  يساعد في ازدهار اقتصاد قوانغتشو، ويفيد أيضا في ازدهار الإسلام في قوانغتشو بصورة مباشرة وغير مباشرة. في الأعوام الماضية لم ير مثل هذا الازدهار إلا في فترة إقامة معرض قوانغتشو التجاري الذي يقام مرة في الربيع من 15-26 إبريل والمرة الأخرى في الخريف من 15-26 أكتوبر، حيث يأتي نحو 500 تاجر أجنبي من مختلف البلدان إلى روضة أبي وقاص كل يوم لزيادة مقبرته والدعاء له والصلاة والتحدث عن التجارة وشرب الشاي أو المناقشة مع شركائهم حول الشؤون التجارية، وقد قالت صحيفة يانغتشنغ المسائية "إن روضة أبي وقاص باتت فرعا للمعرض"، مما يدل على قيمة الروضة بصفتها أحد معالم الثقافة الإسلامية المشهورة، ومكانا ممتازا للحركة التجارية، وشاهدا على العلاقة التاريخية بين الشعب الصيني والشعب العربي، ونافذة للصين لا يمكن أن نقلل أهميتها.

مع اقتراب عقارب الساعة من  التاسعة صباحا ووفقا  للترتيب المسبق بدأ الاحتفال لإحياء ذكرى الصحابي أبي وقاص رسميا. حيث خطب الإمام حسن تشانغ جيان تشون في مسلمي قوانغتشو مشجعا إياهم على تعلم روح جهاد الصحابي في سبيل الله لتطوير التقاليد الإسلامية المجيدة ، والاقتداء به في تقديم إسهام للقضية الإسلامية. قد تأثر كثير من المسلمين من  خطبة الإمام حسن المفعمة بالحيوية والحماسة، ثم قام المسلمون والأئمة معا بقراءة القرآن الكريم وذكر الله والرسول (ص) وإلى آخره. كان المشهد الكبير مؤثرا في كل القلوب، بل عاد بالجماهير المسلمين الذين لا يحصى عددهم والذين يستمعون إلى دعاء الإمام إلى فترة وجود الصحابي أبي وقاص في الصين، مفكرين في أن أسباب تحقيق المسلمين الصينيين نجاحهم في مختلف المجالات الاجتماعية تعود إلى سياسة الإصلاح والانفتاح الصائبة ومواصلتهم سلك الطريق المستقيم الذي أشار إليه أسلافهم من أمثال الصحابي أبي وقاص! إذا كنا لا نهتم بهذه الثمرة الثمينة التي لم تأت بسهولة، فإننا لا نخيب أمل أجدادنا فقط، بل سنكون "مجرمين في حق التاريخ الإسلامي".

لقد استمر هذا النشاط ساعتين لم يشعر أحد بهما. واشترك حوالي 600 مسلم فيه. على الرغم من أن "دارنجي" نشاط إسلامي محلي لا يمكننا أن نهمله لأن دوره لا يقل عن النشاطات الإسلامية الكبيرة، بل يتجاوز بعضها من حيث مضمونه وازدهاره. لذلك يمكننا أن نقول فخورين إن احتفال "دارنجي" في مدينة قوانغتشو من النشاطات الإسلامية الصينية المتميزة، ليس لأنه يقدم إسهاما في حماية وتنمية الأعمال الإسلامية المحلية فحسب، بل يمثل إضافة جديدة ذات أهمية، وفي نفس الوقت يلعب هذا النشاط دورا أكبر لمستقبل الإسلام في قوانغتشو.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

المسلمون الصينيون

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.