محتويات العدد 9 سبتمبر (أيلول)  2003   

الإخلاص سعادة.. سيرة حياة مسلم صيني

أنوار محمد

 

في يوم زفافي، كانت عروسي تذرف الدمع وهي في الطريق من بيت أسرتها إلى بيتي، حتى بعد أن قطعت السيارة مسافة طويلة من الطريق. كان يعز عليها فراق والديها وشقيقاتها وهي مقبلة على رحلة حياة جديدة. المسافة بين بيتي الواقع في آكسو وبين بيت أهل زوجتي الذي يقع في منطقة خوتان أكثر من ألف كيلومتر؛ يفصل بينهما صحراء تاكلاماكان الكبيرة. في الطريق المحيط بالصحراء لم تتحدث معي زوجتي إلا قليلا بينما كانت تتحدث إلى زوجة أخيها وشقيقتها. في بلدة صغيرة بمنطقة خوتان توقفت السيارة للتزود بالوقود، ونزل الركاب للاستراحة وتناول الغداء، ولكن لم نغادر أنا وزوجتي السيارة وإذا بزوجتي تقول لي: وأساسا متينا للسعادة

-      يا أنوار، لقد أصبحت اليوم زوجي، أرجو منك أداء الصلاة من اليوم فصاعدا! وأساسا متينا للسعادة

بعد أن سمعت نصحها شعرت بحيرة شديدة، ولكن لم يكن يرضيني أن أجعلها تيأس مني، فرددت: وأساسا متينا للسعادة

-      ممكن، سأفكر.. وأساسا متينا للسعادة

-        تفكر في ماذا؟ إن الصلاة فريضة على كل مسلم ومسلمة! وأساسا متينا للسعادة

-   نعم، أنا أعرف هذا، وسأبذل أقصى جهودي لأداء الخمس صلوات يوميا. أنا كنت أصلي الجمعة، وسأعاود أداء صلاة الجمعة أولا ثم.. وأساسا متينا للسعادة

-   ليست الجمعة فقط، بل الخمس صلوات يوميا، وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخاشعين، وأرجو منك أن تجعل الصلاة جزءا لا يتجزأ من حياتك اليومية، عليك أن تشحذ عزيمتك لمعرفة الإسلام بفهم جيد، وهذا هام جدا بالنسبة لك ولأسرتنا في المستقبل، وسأدعمك وأساعدك، ولكن المهم هو أن تبدأ.

خجلت من نصيحة زوجتي كثيرا، فقد عملت منذ خمس سنوات محررا بمجلة "المسلم الصيني" التي تصدرها الجمعية الإسلامية الصينية ولكني لم أواظب على أداء الصلاة يوميا، ولم أفهم الإسلام جيدا. وأساسا متينا للسعادة

في عام 1996 تخرجت في الجامعة المركزية للقوميات، ثم عملت محررا بمجلة "المسلم الصيني" وخلال هذه الأعوام لم أدرس اللغة العربية ولم أقرأ كتبا إسلامية إلا قليلا، وفي أوائل عام 2001، وبسبب معرفتي بجميلة، التي أصبحت  زوجتي، طرأت تغيرات كبيرة على حياتي. جميلة لم تأسرني بجمالها فقط، بل بإخلاصها في الإسلام وتهذيبها الذاتي، ولم أنس أول مرة رأيتها في بيت صديقي ببكين. كانت تلبس الحجاب والملابس الملائمة لجمالها، وتبدو فتاة عربية الملامح جميلة مؤمنة. ترك كلامها وتصرفاتها انطباعا عميقا في ذهني، وقرأت في حديثها ثقافتها وأخلاقها المهذبة، ووجدت أن هذه الفتاة الجميلة أكثر ثراء مني في العلوم الإسلامية، والإيمان القوي. وأساسا متينا للسعادة

تخرجت جميلة في كلية المعلمين بخوتان في شينجيانغ، وعملت بعد التخرج معلمة في مدرسة إعدادية بإحدى القرى، ولكنها منذ كانت طالبة في كلية المعلمين عقدت العزم  على دراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية كي تكون مسلمة حقيقية، ومنذ هذا الوقت بدأت رحلتها في طلب العلم. بعد سنة من عملها في المدرسة التحقت بجامعة في مدينة أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، حيث درست فيها علوم الفيزياء واللغة الإنجليزية لمدة أربعة أعوام، وحصلت على شهادة الليسانس، وفي سبتمبر عام 2000 أتت إلى بكين لدراسة اللغة الإنجليزية في جامعة اللغات الأجنبية ببكين، وعندما عرفتها كانت قد أمضت ثلاثة شهور دراسية في العاصمة الصينية. تأثرت كثيرا بروحها الصامدة في طلب العلم وشخصيتها الجذابة، فبدأت بيننا علاقات أخوية. في يناير عام 2001 التحقت جميلة بجامعة اللغات والثقافة ببكين لاستكمال دراسة اللغة الإنجليزية، وخلال تعاملاتنا نبتت بيننا بذور الحب، وطلبت خطبتها رسميا، وتركت لها الوقت لتفكر وتقرر، وبعد حوالي شهر أجابتني جميلة بأن والديها يوافقان على الخطبة فامتلأ قلبي بالسعادة والفرحة، وبعد مشاورة أهلنا أقيم حفل الزفاف في اليوم الثامن من شهر سبتمبر عام 2001. وأساسا متينا للسعادة

قبل الزواج كانت جميلة تنصحني بأداء الصلاة، أما الآن فتطلب مني أداء واجباتنا الإسلامية، ولم يكن يرضيني أن تتأثر عواطفنا بهذا الأمر، فقلت لها: وأساسا متينا للسعادة

-      سأعمل بنصحك، ومن أجل سعادتنا.. وأساسا متينا للسعادة

فتبتسم جميلة قائلة: وأساسا متينا للسعادة

-   أداء الصلاة لا يكون رياء، بل هو واجب علينا، والآخرة خير وأبقى، وعلينا أن نسعى لسعادة الدنيا والآخرة معا. وأساسا متينا للسعادة

-    أنا أعرف كل هذا، وسأبذل أقصى جهود لأداء وجباتنا. أنا لم أتعود أداء الفروض الإسلامية بسبب تأثري بحياة الجامعة، وسأغير نفسي وأتغلب على كل الصعوبات والكسل، وأثق بأن إخلاصك قوة دافعة لي، وأتمنى أن أكون مؤمنا مخلصا في الدنيا وأن ندخل الجنة بنعمة الله يدا بيد في الآخرة. وأساسا متينا للسعادة

    ابتسمت جميلة سعيدة بعد أن سمعت كلماتي الصارمة، وشعرت أنا بسعادة غير مسبوقة من أعماق القلب بعد أن رأيت صورتها المطمئنة. وأساسا متينا للسعادة

بعد قضاء شهر العسل في مسقط رأسي عدنا إلى بكين، واشترينا بعض الأثاث ومستلزمات المعيشة، وبدأنا الحياة الجديدة. برغم أن ظروف السكن كانت سيئة حيث نسكن في غرفة واحدة بسيطة لم تظهر جميلة تذمرا أو سخطا  نصلي ونطبخ ونشاهد التلفزيون ونتمشى ونتذوق لذة الحياة معا. تعودت أداء الصلوات الخمس يوميا، وبطبيعة الحال بدأت دراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وحفظ بعض السور القصيرة من القرآن الكريم، ومع تعمقي في دراسة الإسلام ترسخ اعتقادي بالإسلام وتزداد معرفتي حول الإسلام، وأصبح أداء الفروض الإسلامية والتمسك بالسنة النبوية جزءا لا تتجزأ من حياتي، وقد غيرت نفسي بحمد الله وأنا سعيد بهذه التغيرات. وأساسا متينا للسعادة

 ولكن الحياة حياة. بدأنا التفكير في حل المشكلات التي نواجهها في الحياة اليومية. راتبي صغير لا يحتمل ضغوط المعيشة في بكين- عاصمة الصين الكبيرة، ولا تستطيع جميلة مواصلة دراستها في الجامعة، فقد كان أهلها يتحملون نفقات الدراسة، أما بعد الزواج فأخجل أن أطلب منهم المساعدة، ورأتني جميلة في حيرة شديدة فقررت ترك الدراسة في الجامعة وتحملت عني بعض الشؤون المنزلية لأطمئن في العمل. وأساسا متينا للسعادة

وبعد بضع شهور طلبت جميلة العمل في سفارة المملكة السعودية لدي الصين، وهي سعيدة بهذا برغم أن الذهاب والعودة من العمل يستغرق منها حوالي أربع ساعات يوميا،  ويعز علي أن أرى جميلة مرهقة من العمل والمواصلات، فأتحمل عمل البيت كله.. وأساسا متينا للسعادة

لقد أسعدني الحظ بالزواج من جميلة. وبعد وقت غير طويل من زواجنا انتقلنا إلى بيت من غرفتين في نفس المسكن البسيط، وفي عام 2002 حججت بيت الله ضمن  وفد الحج للجمعية الإسلامية الصينية، وأشعر بسعادة الإيمان والإخلاص، وأعتقد أن كل هذا من نعم الله، وأيضا امتحان لي في الحياة الدنيا، وقد فهمت اليوم أن الزوجة المخلصة الطيبة، والبيت الواسع، ونعمة الصحة سعادة المرء. لقد أصبح الإيمان والإخلاص والأمانة عماد الروحي، وأساسا متينا للسعادة في حياتنا. أسأل الله العظيم أن يجعل ذريتنا في المستقبل مسلمين مخلصين. وأساسا متينا للسعادة

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.