محتويات العدد 12 ديسمبر (كانون الأول)  2003   

  الصينية ((تاريخ العلاقات الصينية العربية)) الصينية

تأليف: قوه ينغ ده ترجمة: تشانغ جيا مين

انتقلت صناعة الخزف الصيني إلى بلاد العرب في القرن الحادي عشر، وعلى يد العرب انتقلت إلى البندقية عام 1470، ومنذ تلك الفترة بالذات بدأت أوربا إنتاج الخزف الصيني (1). وأخذت مصر في أيام الفاطميين تصنع أواني الخزف على غرار الخزف الصيني ابتداء من الخزف الصيني الأخضر، ثم الأزرق والأبيض، وقد فعلت ذلك من حيث الأشكال والتصاميم أولا، ثم شكلت المميزات الخاصة بها تدريجيا. وبلغت مستوى عاليا جدا في صناعة الخزف في غضون النصف الأول من القرن الحادي عشر، حيث كانت خزفياتها "تبدو في غاية الجمال والشفافية حتى إن المرء يستطيع أن يرى يده من ورائها" (2). منجزات الصين

الفنون

حدث لكثير من الفنون الصينية كالرسم الصيني والموسيقى الصينية وخيال الظل وغيرها أن انتقلت إلى الأقطار العربية عبر التاريخ، فتركت أثرها في العرب. وقد أثني الأديب والمؤرخ العربي الثعالبي (961- 1038) على براعة أهل الصين في صنع التماثيل والنحت والحفر والرسم، فقال إن صور الأشخاص تحت ريشة الرسام الصيني تنبض بالحيوية حتى لتكاد تنطق، برغم خلوها من الروح. كان الرسامون الصينيون يستطيعون أن يصوروا مختلف تعابير الوجه كالبسمة المصطنعة والبسمة الطبيعية والبسمة الصفراء والضحكة من أعماق القلب وضحكة التهكم (3). وقد علق ابن بطوطة على الرسم الصيني قائلا: "إن لهم فيه اقتدارا عظيما، فلا يجاريهم في أحكامه أحد من الروم ولا من سواهم." (4) وفي غضون القرن الثامن نقل الرسامان فان شو وليو تسي فن الرسم الصيني إلى بلاد العرب (5). وحينما بدأ الخليفة المعتصم إنشاء مدينة سامرّاء، استخدم عددا كبيرا من الفنانين الصينيين، فتركوا في الرسوم الجدارية في سامرّاء آثار الرسم الصيني إلى جانب آثار الرسم اليوناني والفارسي (6). منجزات الصين

وكانت في كوتشار في الزمن القديم آلة نفخية تسمى "بيلي". ولما نقلت هذه الآلة إلى بلاد العرب وفارس، سميت "بالامان" (Balaman)، فهجر الويغوريون اسمها الأصلي، وسموها هذه التسمية الجديدة تبعا للعرب. والسونة كانت هي الآلة الأخرى التي وجدت في كوتشار بدليل الرسوم الجدارية من القرن الثالث في جروبتويف في كيزيل (Kizil,Groptoif)، وقد سماها الفارابي "السورنة"، ولعل هذه اللفظة من لغات الترك. ولما نقلت السونة إلى بلاد العرب، نقلت منها إلى أوربا أيضا. وقد شهدت كوتشار في القرن الرابع البيبا الخماسية الأوتار. وكان العود العربي ذا أربعة أوتار فقط، وفي القرن العاشر أضاف الفارابي وترا إليه، فصار خماسي الأوتار. ولعل ذلك بتأثير من البيبا الخماسية الأوتار في كوتشار. وقد ترك لحن الجواب الويغوري أثرا إيجابيا في تطور الموسيقى العربية الإسلامية أيضا. منجزات الصين

أما خيال الظل فكان ظهوره الأولي في الصين في عهد تانغ، ثم ما لبث أن عم الصين كلها مع حلول عهد سونغ، وأصبح يعرض في المعسكرات في عهد أسرة يوان المنغولية بحيث صارت مشاهدات خيال الظل من أهم نشاطات التسلية لدى العساكر. ولما نقله المنغول إلى البلاد العربية لقي إقبالا عظيما لدي العرب. منجزات الصين

الطب والصيدلة منجزات الصين 

ورد في كتاب ((رحلات بحرية على امتداد شواطئ البحر الأحمر)) أن القرفة الصينية قد نقلت إلى بلاد العرب في غضون القرن الأول (7)، فسماها العرب "دار صيني" أي شجرة الصين" تبعا للفرس للتأكد من أنها واردة من الصين. ولم تكن القرفة تستخدم في الطب فحسب، بل ظلت أهم مادة خام في صناعة كريم الوجه والعطور. وكان تجار الترانزيت يبيعون القرفة للتجار اليونان والرومان دون أن يفوهوا بحرف عن موطنها، فظن اليونان والرومان لفترة طويلة من التاريخ أن جزيرة العرب هي موطن القرفة. وكان الكافور الصيني يصدر إلى بلاد العرب، ويستخدم فيها كمادة طبية أو شرابا مرطبا. وكان المسك وعود الند وزنجبيل قاوليانغ مدرجة هي الأخرى في العقاقير الطبية الصادرة إلى البلاد العرب (8). منجزات الصين

والطب الصيني التقليدي هو التراث الآخر الذي نقل إلى بلاد العرب، والطريقة الصينية التقليدية في جس النبض واضحة الأثر في كتاب ((القانون في الطب)) لعلامة الطب العربي ابن سينا (9). منجزات الصين

الورق والطباعة والبوصلة والبارود منجزات الصين

إن الورق والطباعة والبوصلة والبارود هي المخترعات الصينية الأربعة التي ملأت شهرتها أصقاع المعمورة، وتعتبر أعمظم إسهامات قدمتها العلوم والتقنية الصينية للحضارة العالمية. منجزات الصين

والورق من اختراع تساي لون الصيني عام 105 الذي يصادف العام الأول من فترة شينغ يوان من عهد أسرة هان الشرقية في الصين. وقد نقل إلى آسيا الوسطى من سينكيانغ في أواسط القرن السابع (10). ولعل مطلع القرن الخامس هو بدء تاريخ صناعة الورق في سينكيانغ التي كانت أول محطة في نقل الورق إلى الغرب، ووصل الورق إلى بلاد العرب في أيام بني أمية. منجزات الصين

وفي عام 751 أسر العرب في حملة طرّاز بعض الجنود الصينيين الماهرين في صناعة الورق، فنقلوا هذه الصناعة إليهم. وقد ذكر هذا الحدث في كل من كتاب ((رحلة إلى الويغور)) الذي ألفه الكاتب العربي تميم بن بحر (Tamim Ibn Bahr) في النصف الأول من القرن التاسع، وكتاب ((لطائف المعارف)) للثعالبي، وكتاب ((تاريخ الهند)) للبيروني (973- 1050). منجزات الصين

أنشأ العرب مصنع الورق في سمرقند قبل أي مكان آخر (11). وفي عامي 793 و794 أنشأ هارون الرشيد أول مصنع ورق في بغداد، ثم تتابع إنشاء مصانع الورق واحدا بعد الآخر في تهامة ودمشق وطرابلس وحماة وغيرها من الأماكن. وكان الورق المصنوع في سمرقند يتمتع بشهرة عظيمة لجماله وخفة وزنه، لذلك ظل من أهم صادراتها إلى أوربا طيلة عدة قرون. وكان الورق الدمشقي جيد النوعية، وسمي في أوربا "Charta damascena" (12). منجزات الصين

لقد هيأ العرب بإنشائهم مصانع الورق الظروف الملائمة لتعميم استعماله. وقد أصدر جعفر بن يحيي البرمكي وزير هارون الرشيد أمرا لجميع الدواوين الحكومية باستعمال الورق بدل القراطيس البردية والرقوق. ومع انتهاء القرن العاشر، كان الورق قد تعمم، وحل محل القراطيس البردية والرقوق في العالم الإسلامي كله بسبب ثقل وزنها وتعذر الكتابة عليها أولا وحفظها ثانيا. وأقدم المخطوطات العربية المكتوبة على الأوراق والتي لا تزال محفوظة إلى اليوم هي ((غريب الحديث)) الذي ألفه أبو عبيد الهروي، القاسم بن سلام في القرن التاسع، وهي محفوطة الآن في مكتبة جامعة ليدن (13). منجزات الصين

نقلت صناعة الورق إلى أوربا عبر الشمال الإفريقي والقسطنطينية. وكان مصنع الورق في مصر قد أنشئ عام 900 تقريبا، ثم أنشئ في المغرب عام 1100، وفي الأندلس عام 1150. وبعدها أنشئت مصانع الورق في مختلف الدول الأوربية. وأول مصنع ورق شهده العالم المسيحي هو ما أنشأه جان مونغولفير الفرنسي في فيدالون عام 1157، وقد سبق لهذا الرجل أن وقع أسيرا في يد العرب، وتعلم صناعة الورق في دمشق (14). منجزات الصين

والطباعة الوثيقة الارتباط بصناعة الورق هي من الاختراعات الصينية العظيمة أيضا. وقد انتقلت إلى أوربا عبر غربي آسيا، وربما انتقلت إلى مصر في غضون القرن العاشر. منجزات الصين

إن نقل صناعة الورق والطباعة من الصين إلى الغرب قد مهد الطريق لنشر العلوم والحضارات وتبادلها، ودفع تطور الحضارات العربية إلى الأمام بقوة عظيمة، وأسهم إسهاما عظيما في نشوء نهضة أوربا في الفنون والأدب. منجزات الصين

لقد ابتكرت الصين "جهاز عباد الجنوب" من الحديد المغناطيسي في القرن الثالث قبل الميلاد. وفي عهد أسرة سونغ الشمالية الموافق للقرن الحادي عشر للميلاد استطاعت أن تصنع بوصلة على صورة سمكة (صفيحة حديدية ممغنطة على صورة سمكة) أو على صورة إبرة، واستخدمتها في الملاحة. وقد ورد ذكر استخدام البوصلة في الملاحة في كل من ((أحاديث بينغتشو)) بقلم تشو يو، و((رحلتي إلى كوريا عند بعثي رسولا إليها في فترة شيوان خه)) بقلم شيوي جينغ. وما بين أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر نقلت البوصلة إلى بلاد العرب، فسموها "حلقة الإبرة" أو "بيت الإبرة"، حيث كانوا يضعون الإبرة المغناطيسية فوق شريحة خشب عائمة على وجه الماء، للاستدلال بها على الاتجاهات. منجزات الصين

وفي عام 1180 نقلت البوصلة من بلاد العرب إلى أوربا (15). منجزات الصين

وقد فتحت البوصلة صفحة جديدة كل الجدة في تاريخ ملاحة العالم، فقد يسّرت ملاحة العرب إلى حد بعيد، كما ساعدت على ظهور عصر الملاحة. وقد حدث في التاريخ أن بحث الأوربيون عن خط بحري جديد، واكتشف كريستوف كولومبس أرض أمريكا عام 1492، ونجح فرديناند ماجلان في رحلته حول العالم في القرن السادس عشر، وجميع هذه الأحداث كانت متوقفة على استعمال البوصلة. منجزات الصين

والبارود من اختراع الصين في عهد أسرة تانغ. وقد استخدمته الصين في صناعة السلاح الناري في عهد أسرة سونغ، وحققت مزيدا من التقدم في صناعته في عهد أسرة يوان. أما العرب فكان لهم نوع آخر من السلاح الناري على شكل وعاء محشو بوقود غير البارود يدعى "النار اليونانية". وفي النصف الأول من القرن الثالث عشر نقلت صناعة البارود إلى بلاد العرب عبر الهند. وكان العرب يسمون الملح الصخري – المادة الأساسية في البارود – "الثلج الصيني" للدلالة على أنه وارد من الصين. وقد استفادت القوات المنغولية من السلاح الناري استفادة عظيمة في الحملة الغربية التي شنها هولاكو، إذ كانت تفتح به المدن وتستولى على الأراضي إلى أن أسقطت بغداد عام 1258. ونقل المنغوليون السلاح البارودي وفن صناعته إلى بلاد العرب، فتعلم الأوربيون وفي مقدمتهم الأسبان صناعة البارود والسلاح البارودي وطريقة استعماله من العرب (16). منجزات الصين

لقد دك البارود والسلاح البارودي حصون الأرياف الأوربية، كما دقا جرس نعى الإقطاعية الأوربية، وعجلا مسيرة التقدم الاجتماعي الأوربي. وإن اختراع البارود ونقله إلى الغرب قد أحدث صدى بعيد المدى في عالم البشرية. منجزات الصين

وقد قال الفيلسوف الإنجليزي ومؤسس نظرية العلوم التجريبية الحديثة فرنسيس بكون (1561- 1626) أن الطباعة والبارود والبوصلة اختراعات ثلاثة غيرت ملامح العالم في جميع الميادين. فالطباعة لها أهميتها في الدراسة، والبارود له أهميته في الحروب، والبوصلة لها أهميتها في الملاحة، وقد أدى التطور في هذه الميادين الثلاثة إلى تغيرات كثيرة في شتى الميادين. لقد دك البارود طبقة الفرسان، وفتحت البوصلة الأسواق العالمية وأقامت المستعمرات، وباتت الطباعة أداة في يد البروتستانتيين. وجملة القول إنها وسيلة لنهضة العلوم وقوة فعالة لتوفير الشروط اللازمة لتطور القيم المعنوية. منجزات الصين

وباختصار إن الاختراعات الصينية العظيمة بانتقالها إلى بلاد العرب، ومن بلاد العرب إلى أوربا، قد تركت أثرها الواسع العميق في سائر المجتمع البشري.   منجزات الصين             

ملاحظات: منجزات الصين

(1)  هونغ قوانغ تشو: ((أواني الخزف الصيني المشهور في أرجاء العالم))، راجع ((إنجازات الصين في العصور القديمة في مجالات العلوم والتقنية)). منجزات الصين

(2)     ((تاريخ العرب))، ص 631. منجزات الصين

(3)  راجع زكي محمد حسن: ((ثناء العلماء المسلمين على الفنون الصينية))، ترجمة ما جي قاو، في مجلة ((المسلمون في الصين)) عام 1983، عدد 2. منجزات الصين

(4)     ((رحلة ابن بطوطة))، جـ 2، ص 249. منجزات الصين

(5)     ((Tongdian))، جـ 193، مادة داشي، اقتباسا من ((مذكرات في ديار الغربة)). منجزات الصين

(6)  خالد الجادري: ((لمحة عن الفن العراقي))، ترجمة ناجون، دار النشر لفنون الشعب، عام 1962، ص 18- 19. منجزات الصين

(7)     نقلا عن ((طريق الحرير))، ص 51. منجزات الصين

(8)     ((الممالك والمسالك)) ص 69- 70. منجزات الصين

(9)  راجع ما تشان ون: ((جسّ النبض ومراقبة الخفقان – أحد المنجزات البارزة للطب الصيني التقليدي في العصور القديمة)) المنشورة في ((منجزات الصين في مجالات العلوم والتقنية في العصور القديمة)). منجزات الصين

(10)  لوفير: ((الصين وإيران)) – -B.Laufer: ((Sino-Iranica)) Chicago,1919 ترجمة لين جيون ين، دار الشؤون التجارية للنشر عام 1964، الطبعة الصينية ص 393. منجزات الصين

(11)  راجع ((الفهرست)) ص 32، وراجع أيضا W.Barthold: ((Turkestan Down to the Mongol Invention)),Oxford,1928,P236-237. منجزات الصين

(12)    T.F.Carter: ((The Invention of  Printing in China and Its spread Westward)),New York,1955.P.135. منجزات الصين

(13)    ((تاريخ العرب)) ص 347. منجزات الصين

(14)    ((اختراع الطباعة في الصين ونقلها إلى الغرب))، ص 136. منجزات الصين

(15)  أنجلز: ((ديالكتيك الطبيعة))، ((المجموعة الكاملة لأعمال ماركس وأنجلز))، الطبعة الصينية، جـ 20، دار الشعب للنشر عام 1971، ص 532. منجزات الصين

(16)  تشو جيا هو: ((البارود والسلاح البارودي))، راجع ((منجزات الصين في مجالات العلوم والتقنية في العصور القديمة)). منجزات الصين

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.