محتويات العدد 12 ديسمبر (كانون الأول)  2003   

 

وليمة على لحم كلب! لحم

 

عندما تقرأ شيئا عن الطعام في الصين تجد، غالبا، عبارة أن الصينيين يأكلون كل ما يقف على أربع إلا طاولة الطعام، ومن عندي أقول وطاولة الكمبيوتر والتلفاز والهاي فاي، وكل ما يطير في السماء إلا الطائرة، ومن عندي أقول والصواريخ ومركبات الفضاء وما شابه، وكل ما في البحر إلا السفينة، ومن عندي أضيف الغواصات الحربية وحاملات الطائرات. والحق أن الطعام في الصين متنوع بشكل لا مثيل له في أي مجتمع آخر، وفي أسواق الخضار واللحوم والدواجن الصينية ترى أشكالا غريبة، عليك طبعا وليس على الصينيين، حتى وإن وضعت جانبا عامل الأطعمة المعدلة وراثيا التي حققت الصين فيها شأوا عظيما، فترى النوع من الخضار ضعف حجمه الذي كنت تراه قبل عشرين عاما! قال أمامك 

والكتب التي تتحدث عن الثقافة الصينية تحدد لك أربعة مطابخ، أنماط طعام يعني، كبيرة معترف بها  في الصين هي مطبخ سيتشوان ومطبخ قوانغدونغ ومطبخ هواييانغ ومطبخ شاندونغ. في مطبخ سيتشوان يستخدمون المواد العادية لإعداد أنواع شتى من الأطباق تتغير هذه الأنواع  في الوجبات الثلاث  يوميا  طوال السنة، ولهذا يقولون "الأطعمة في الصين، والأذواق  في سيتشوان". الطعم الحار هو أكثر ما يميز أطباق سيتشوان، وتفسير ذلك أن حوض سيتشوان  ضبابه كثيف وأيام مطره طوال، والمطر في الصيف طبعا، والجو رطب معظم الأوقات، والطعم الحار يخفف الرطوبة بجسم الإنسان. مطبخ قوانغدونغ، وانتبه إلى اسم المكان جيدا، تكثر فيه الغرائب التي تستخدم في الطهي ولا يكون  الطعام مالحا؛ فحرارة الجو هناك لا تُحتمل، والناس في قوانغدونغ يحبون البحريات والحيوانات الحية والطازجة. وقوانغدونغ هذه هي التي ظهرت فيها أول حالة إصابة بالالتهاب الرئوي الحاد اللانمطي (سارس) والذي قيل إن الفيروس المسبب له انتقل إلى الإنسان من الحيوان.   قال أمامك    

 المطبخ الصيني الثالث هو هواييانغ  المتميز بالعمل الدقيق والطعم الخفيف واللذيذ والمظهر الجميل والألوان المنسقة، ويشتهر بالكابوريا والأسماك النهرية والخضار. أما أطباق مطبخ شاندونغ، وهو الرابع في قائمة المطابخ الصينية، فمالحة، وتستخدم لها المواد العالية البروتين وذات القدرة العالية على تحمل الحرارة، وذلك لطول فترة البرد وقلة أنواع الخضار في شمال الصين، وهو مطبخ إمبراطوري بحق، وأشهر أطباقه بط بكين المشوي، وما أدراك ما هو، وإن كان أصحاب الأوزان الثقيلة يمتنعون منه. والكتب لا تتحدث عن أنواع أخرى من أنظمة الطعام في الصين ومن أشهرها مطاعم شينجيانغ، تلك المنطقة الإسلامية الواقعة شمال غربي الصين، ومن أبرز معالم طعامها الكباب  والمشويات الأخرى الشبيهة بأطعمة آسيا الوسطى والمنطقة العربية، وهناك القدر المنغولي، نسبة إلى منغوليا، وهي منطقة ذاتية الحكم في الصين، وهو عبارة عن قدر يوضع على موقد يشعل بالكحول ويوضع في القدر حساء تضاف إليه رقائق اللحوم، التي تكون في رقة ورق الكتابة، والخضار وكل ما شئت لتنضج المحتويات أمامك وتلتهمها ساخنة مع إضافة بعض المشهيات إليها، وهو بالطبع إلى الشتاء، ببرده الشديد، أقرب. قال أمامك 

التنوع في المطبخ الصيني يثير الانتباه، وقد سألت صديقي ما جينغ تشون لماذا يأكل الصينيون كل شئ تقريبا؟ وكان رده سؤال آخر، ولما لا؟ وأوضح أنه طالما أن هذا الخضار أو ذاك أو تلك اللحوم لا تضر الصحة فلماذا لا نأكلها؟ ووجدت الرد مقنعا. وقال أيضا إن قوائم الطعام الصيني الذي تقدمه المطاعم معظمها من قوائم أطعمة البلاط الإمبراطوري، عندما كانت الصين إمبراطورية. وسبب التنوع هو أن الطباخين في البلاط الذين يعدون الطعام لجلالة الإمبراطور وآل قصره كانوا يتفننون في إبداع الطعام وقد استنفدوا كل المواد والطرق المألوفة في الطهي، ولكن الإمبراطور يريد التنويع، فما كان منهم إلا أن بدأوا الزحف على غير المألوف من النباتات والحيوانات، والحشرات أيضا، في محاولة من جانبهم لإشباع رغبات الإمبراطور. وبمرور الوقت انتقلت قوائم الطعام من البلاط إلى العامة، ولما كنت أنا من العامة فقد وُضع أمامي في مأدبة، ذات مرة، طبق به تل مرتفع من شئ هش مقلي إذا غرست فيع عصي الأكل أصدر قعقعة، ولما استوضحت ما أمامي قال مضيفنا إنه دود القز مقليا في الزيت ويعد من المشهيات، وإلى جوار هذا المُشهي كان شئ آخر لا أعرفه وقد سألت فقيل إنها صراصير الشجر وتُقلى أيضا كنوع من المشهيات! وفي مرة ثالثة كان الطبق الذي أمامي شديد الشبه بلحم السمان، وقد وجدت أنه لا حاجة بي للاستبيان وبدأت من نفسي نقل القطع البيضاء من الطبق إلى معدتي وتلذذت منها وكدت أطلب المزيد. وبعد انتهاء الوجبة قلت لزميلي قو دي إن لحم السمان هذا طيب حقا، فقال إنه ليس سمانا بل ضفادع من الحجم الكبير! قال أمامك 

في قوانغدونغ، التي نبهت قبل قليل إلى أهمية الانتباه لاسمها، يأكل الناس أنواعا شتى من الحيوانات، ومن بينها ذلك الحيوان المسكين الذي أنحى العلماء عليه باللائمة لانتشار سارس. الحيوان من فصيلة القطط ويسمى بالإنجليزية civet  وترجمته إلى العربية سنور الزباد، وفقا لقاموس المورد، وهو يشبه ابن عرس ذلك الحيوان المعروف في الخرائب، والذي جاء ذكره في كتاب كليلة ودمنة، والمسئول عن المصائب التي تلحق بدجاج وبط جدتي عندما يهاجم في الليل حظائرها فتغتم الجدة في الصباح وتتوعد "العرسة" كما كانت تسميه.  الأعزاء في قوانغدونغ أتوا، فيما يبدو، على كل ما طالت شباكهم وبنادق صيدهم، من سنور الزباد الموجود في البرية، فكان أن فكر الساعون إلى الربح في تربيته في مزارع، تماما مثل مزارع البط والدجاج. وتقول الأرقام إن بر الصين الرئيسي به حوالي 600 مزرعة لسنور الزباد المستأنس بها 40 ألف رأس، سيتم التهامها جميعا، إضافة إلى العديد من أنواع الحيوانات البرية التي تتم تربيتها في حظائر لتلبية الطلب المتزايد عليها في الأسواق. أهل بكين يؤكدون أن سنور الزباد لا يعيش منه في مدينتهم إلا تسعة في  حديقة الحيوانات الموجودة بها ويقولون إن عادة تقديم  أطعمة من لحوم سنور الزباد لا توجد في العاصمة. قال أمامك 

كارثة سارس دفعت الحكومة الصينية إلى إجراء  فحص على المستوى الوطني لسنور الزباد وتم الطلب إلى كافة المزارع أن تفصل الحيوانات عن بعضها البعض مع إجراء المزيد من الفحوص لها. ولكن بعد أن هدأت موجة الفزع من سارس والتعفف الذي أبداه محبو لحوم الحيوانات البرية خلال فترة الوباء، عادت لحوم الحيوانات تعرف طريقها إلى مطابخ المطاعم ويبدو أن تغيير عادة تناول الحيوانات غير المألوفة عملية صعبة. قال أمامك 

قائمة ما يعتبره كثيرون غرائب في الطعام الصيني طويلة، والصينيون يعرفون، أو هكذا يقولون، فائدة هذا وذاك، فينصحونك مثلا بأن تأكل ذلك الغشاء الرقيق الذي بين مخالب أرجل الدجاج، واحتساء حساء مصنوع من زعانف سمك القرش، وإذا قبلت، شُرب خمر منقوع فيه حنش لفترة طويلة. والمرجح أن الأباطرة الذين كانوا يبحثون عن الفحولة وسر الحياة آملين أن يخلدوا، كانوا يقبلون هذه الأشياء وقبولهم لها أعطاها قيمة بين العامة فأسعار هذه الأطباق فاحشة الغلاء وعندما يقدمها ضيف لضيوفه ترمز للكرم ومعزة الضيوف، وهذا بالضبط ما حدث قبل عشر سنوات معي وزملائي عندما كنا في زيارة لمقاطعة قويتشو، وهي مقاطعة جبلية ذات ظروف طبيعية شديدة القسوة والفقر أيضا تقع في غرب الصين. كنا في واحدة من محافظات المقاطعة حيث أمضينا يوما وليلة وفي صباح اليوم التالي نهضنا مبكرا وأخذتنا السيارة تتلوى بين الجبال في طرق وعرة لتسير نحو سبع ساعات متواصلة انتقلت خلالها أحشائي من مكانها وبلغ بي الجوع مبلغا، وكان الأمر كذلك لزملاء الرحلة الذين لا يملئون المعدة جيدا في الإفطار، مثلي. وقد وصلنا محافظة أخرى بعد الظهر وكان في استقبالنا السيد المحافظ وكبار القوم، وكعادة مثل هؤلاء الناس الريفيين الجبليين، أرادوا أن يكرموا ضيوفهم "القادمين من بعيد"، حسب التعبير الصيني، بأفخر طعام لديهم فأولموا لنا، فيما يبدو، بأعز ما لديهم.  والحق أنني ما إن جلست إلى طاولة الطعام حتى تمنيت أن أحمل الأطباق التي أمامنا، ألقي بها إلى جوفي. وكان من بين الأصناف التي عمرت بها المائدة قدر كبير ممتلئ بالحساء؛ بخاره يفعل فعله في وجوهنا التي لفحها البرد، وفي وسط القدر شئ أشبه بديك رومي أو ذكر بط يداعب أعيننا الشرهة. وقال زميلنا وقائد رحلتنا، قو آن دنغ، الذي كان جالسا إلى جواري شيئا فهمت منه أن هذا الذي أمامنا بطة. وهممت  أنقل بعض الحساء إلى سلطانية أمامي، ثم تقدمت نحو "البطة" أحاول نزع جزء منها، فكان أن همس زميل يجلس إلى جاني الآخر.. آه أنت تحب أكل لحم الكلاب؟  ماذا؟ رددت مستغربا. لماذا تقول هذا؟ رأيتك تُقبل بشوق عليه، أوضح الزميل. سألته، أين هو؟ فقال أمامك يا عزيزي! وكانت هذه أول، ولعلها آخر، مرة أكون حاضرا في.. وليمة على لحم كلب! قال أمامك 

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.