العدد 2 فبراير(شباط) 2002
 

صورة كونفوشيوس- النقش على الحجر

الكنفوشيوسية في المقام الأول (1)ل

ة

المذاهب المختلفة

شهدت فترة الربيع والخريف والدويلات المتحاربة اضطرابات سياسية وحروبا مستمرة، وازدهارا أكاديميا وكثرة في المذاهب الفكرية. كانت المذاهب الفكرية الرئيسية الأربعة هي الكنفوشوسية وموه والطاوية والقانونية، وجميعها تتفق في السعي إلى إقامة مجتمع منتظم وسعيد.

يسمى مذهب موه والكونفوشيوسة بـ"علم شيانشيويه"، والمقصود أن عدد تابعيهما كبير وتأثيرهما عظيم. موه تسي(468 ق.م-376ق.م) هو مؤسس مذهب موه، وحسب هذا المذهب، فإن سبب الاضطرابات الاجتماعية المستمرة  هو الافتقار إلى الحب بين الناس، لذلك دعا إلى الحب بين البشر وعدم الاعتداء على الغير ومعارضة الحروب ومعارضة ضم الدويلات؛ كما دعا إلى الاقتصاد ونبذ الإسراف والمراسم المعقدة؛ وإلى تعيين المؤهلين ومعارضة الملكية الوراثية؛ وإلى نشر الدين والاهتمام بتحقيق الوقائع والبحوث. لم يهتم مذهب موه بالأسرة بل دعا إلى تحطيم الحدود الأسرية فلم يكن متوافقا مع فكرة أن الأسرة هي القاعدة الأساسية في المجتمع الصيني، ولهذا أعرض الحكام اللاحقون عن مذهب موه.

لاو تسي (قبل كونفوشيوس بقليل) وهو مؤسس الطاوية، ثم طورها تشوانغ تسي (369ق.م-286 ق.م).  وتعارض الطاوية الأحكام الصارمة وتدعو إلى أن يساير كل شيء الطبيعة. غايتها السياسية هي أن تكون أفكار الإنسان بسيطة ويعيش حياة بسيطة، تدعو إلى العودة إلى الطبيعة وتؤكد على الحرية الشخصية المطلقة. في التاريخ، كانت أفكار الطاوية جزءا مكملا للكونفوشيوسية واستمرت. تأثر المثقفون الصينيون بدعوتها إلى العودة إلى الطبيعة كثيرا، فكانوا دائما يلوذون بالأنهار والجبال إذا لم تتحقق طموحاتهم السياسية.

هان في (280-233 ق.م) هو ممثل مذهب القانونية. يدعو هذا المذهب إلى حكم البلاد بالقانون الاستبدادي معتقدا أنه لا حاجة أن يكون حاكم البلاد ذا قدرات وأخلاق، لأن عمله هو إعلان القوانين والأوامر لأبناء الشعب؛ الفقراء والأثرياء متساوون أمام القانون الذي لابد من تنفيذه بشكل صارم؛ ولابد من تعزيز قوة الأوامر؛ لابد من توفر الوسائل السياسية لتنفيذ الأعمال واختيار الموظفين. ترك مذهب القانونية أثرا كبيرا في سياسة الصين في الأوقات اللاحقة، واستفاد منه الإمبراطور تشن شي هوانغ في إقامة أول أسرة مركزية في تاريخ الصين.

كونفشيوس

اسم عائلة كونفوشيوس (551-479 ق.م) كونغ، اسمه تشيو، كنيته تشونغ ني، انتمى إلى دويلة لو في فترة الربيع والخريف، من مواليد تشيفو بمقاطعة شاندونغ الحالية، وهو مؤسس الكونفوشيوسية، ومفكر وعالم ومعلم عظيم.

توفي والده وهو طفل، ثم توفيت أمه وهو صبى. كان يتعلم من كل الناس وقال: إذا مشي ثلاثة أفراد معا فمن بينهم أستاذ لي". تولى منصبا حكوميا في دويلة لو وعمره واحد وخمسون سنة. بعد عدة سنوات ترك منصبه بسبب اختلاف الآراء السياسية وبدأ يتجول بين الدويلات لنشر دعوته السياسية. عاد إلى دويلة لو وتفرغ لترتيب المؤلفات الكلاسيكية والتعليم.

محور نظام المعايير الخلقية التي طرحها كونفوشيوس هو الرحمة وحب الناس لبعضهم بعضا. كيف يتحقق ذلك؟ قال: "لا تفرض على غيرك ما لا تحبه لنفسك".  احترم كونفوشيوس الآداب الاجتماعية ودعا إلى تهذيب أبناء الشعب بالآداب الاجتماعية لتغرس في قلوبهم الرحمة وليهتموا بالمراتب الاجتماعية، من الكبير إلى الصغير في سبيل الحفاظ على انضباط ووئام الأسرة والمجتمع. كما اهتم كونفوشيوس  بالأخلاق بدلا من المصلحة الخاصة مؤكدا على دور الأخلاق في حكم البلاد. كما دعا إلى الحكم الرحيم وتحقيق الخير الاقتصادي لأبناء الشعب والعقاب الخفيف والتعليم السياسي لأبناء الشعب.

رتب  ستة مؤلفات كلاسيكية هي "الشعر" (شي)، و"الوثائق" (شو)، و"الطقوس" (لي)، و"التنجيم" (يي)، و"الموسيقى" (يويه)، و"الربيع والخريف" (تشون تشيو). كتاب "الشعر" ديوان شعر صيني للشعر. وكتاب "التنجيم" تسجيل لتنجيم أبناء أسرة تشو، يحتوي الحكم السياسية وفلسفة حياة الإنسان. كتاب "الوثائق" يجمع وثائق أسر شيا وشانغ وتشو. كتاب "المراسم" تسجيل لأنظمة المراسم. كتاب "الموسيقى" اندثر، وهو تسجيل للنظريات الموسيقية. وكتاب "الربيع والخريف" هو تسجيل للحوادث الرئيسية لدويلة لو. بعد ترتيب كونفوشيوس، اصبحت هذه المؤلفات الستة المؤلفات المتوارثة للكونفوشيوسية وتسمى "الكتب الستة الكلاسيكية". أما أفكار كونفوشيوس وأقواله فقد سجلها تلاميذه في كتاب "الحوارات" الذي يعتبر واحدا من المؤلفات الرئيسية للكونفوشيوسية.

قبل كونفوشيوس، كان الارستقراطيون يحتكرون التعليم،لا يتعلم إلا أبناؤهم. فحطم كونفوشيوس هذا الاحتكار، وبدأ التعليم الخاص، فكان أول معلم يفتح مدرسة خاصة في تاريخ الصين. لم يهمه الأصل العائلي لتلاميذه، وأعد أكثر من ثلاثة آلاف تلميذ، وزاد عدد المتفوقين منهم على السبعين.

توارث واستمرار الكونفوشيوسية

بعد كونفوشيوس، ظهرت مذاهب مختلفة للكونفوشيوسية، كان مذهب منغ تسي ومذهب شيون تسي أكثرها تأثيرا. دعا منغ تسي (372-289ق.م) إلى أن الإنسان خير منذ ولادته؛ وإلى الحكم الرشيد على أساس الرحمة والحكم الرحيم. حظي مذهب منغ تسي باحترام عظيم كمذهب أصيل للكونفوشيوسية في فترة أسرة هان. أدرج كتاب "منغ تسي" الذي يسجل أعمال وأقوال منغ تسي مع كتاب "الحوارات" في المؤلفات الكلاسيكية الكونفوشيوسية في فترة أسرة سونغ. اعتقد شيون تسي (313-230 ق.م) أن طبيعة الإنسان شريرة منذ ولادته. طور فكرة الحكم بالأخلاق للكونفوشيوسية إلى تحديد الدرجات الاجتماعية بالأخلاق؛ ودعا إلى الحكم الرحيم والحكم القانوني الاستبدادي، لذلك انضم هذا المذهب إلى مذهب القانونية في وقت لاحق. كان هان في، أعظم المشرعين، ووزير الإمبراطور تشن شي هوانغ، لي سي، وكلاهما من تلاميذ شيون تسي.

قبل أسرة هان لم يهتم حكام الدويلات بكونفوشيوس وأفكاره. ولكن منذ فترة أسرة هان شهدت مكانة كونفوشيوس والكونفوشيوسية تغيرا تاريخيا. حيث أعلن الإمبراطور هان وو دي لأسرة هان أن الكونفوشيوسية هي المذهب الفكري الرسمي. علينا أن نشير إلى أن الكونفوشيوسية في تلك الفترة  اختلفت عما كانت عليه في فترة ما قبل أسرة تشين حيث جمعت ما بين الرحمة والأخلاق للكونفوشيوسية والحكم القانوني لمذهب القانونية واستوعبت رحيق المذاهب الفكرية الأخرى.

تسمى الفلسفة المثالية الكونفوشيوسية في فترة أسرة سونغ الكونفوشيوسية الجديدة، لأنها استفادت من بعض الأفكار البوذية والطاوية، وكان اهتمامها هو العلاقة بين التهذيب الذاتي والسياسة الاجتماعية. تؤكد هذه الفلسفة على الوعي الأخلاقي والالتزام بمعيار الأخلاق الإقطاعية والبعد عن الرغبة الذاتية.

على مدى ألفي عام، من أسرة هان إلى نهاية أسرة تشينغ، كانت الكونفوشيوسية الفكر الرسمي للنظام الإمبراطوري الصيني. بعد وفاة كونفوشيوس، تنافس حكام الأسرات المختلفة في تقديم احترامهم له وأقاموا معابد لتقديسه في أرجاء البلاد. وبعد انتهاء النظام الإمبراطوري في الصين عام 1911 تعرضت الأفكار الكونفوشيوسية لنقد غير مسبوق من قبل المثقفين الصينيين، فانتهت مكانتها الحاكمة في الصين.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.