ملف العدد < الرئيسية

الحزام والطريق بين الغموض المزعوم ووضوح الهدف

: مشاركة
2018-10-15 16:17:00 الصين اليوم:Source أشرف السيد:Author

في الثاني عشر من مايو سنة 2017، وقبل يومين من انعقاد "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي" في بكين، كتب توم فيليبس في جريدة ((الغارديان)) البريطانية: "لا يزال هناك الكثير من الالتباس حول ما هي مبادرة الحزام والطريق وما تنطوي عليه بالفعل." وزعم فيليبس، وهو مراسل الصحيفة البريطانية في بكين، أن المسؤولين الصينيين فشلوا في شرح هذه الخطة التي تحمل اسما أخرق، حسب وصفه. وفي موضع آخر من مقالته التي حملت عنوان "سؤال الـ900 مليار دولار: ما هي مبادرة الحزام والطريق؟" يقول فيليبس: "بعد ما يقرب من أربع سنوات من بدء المبادرة، تظل معظم المشروعات مجرد مخططات على لوحة الرسم." وينقل عن بيتر تساي، وهو زميل بمعهد لوي الأسترالي قوله: "إننا بالفعل في مرحلة مبكرة جدا من التنفيذ. لا يزال من المبكر إصدار حكم على نجاح أو فشل الحزام والطريق." وبعد ذلك، يذهب السيد فيليبس إلى منحى آخر، فيقرر أن "الكثيرين يعتقدون أن مبادرة الحزام والطريق هي أيضا مناورة جيوسياسية لتعزيز النفوذ الإقليمي للصين في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب تتراجع عن آسيا. وينقل عن توم ميلر، مؤلف كتاب "الحلم الآسيوي للصين"، قوله: "إنها تتعلق بجعل الصين الدولة المهيمنة في المنطقة."

قد يبدو حديثا كهذا، وهو غير قليل في الصحافة الغربية، فيه شيء من الجاذبية والإثارة للقادمين الجدد إلى ملف الشؤون الصينية، أو أصحاب الرؤى المسبقة المغلفة بمواقف إيديولوجية ومصالح أنانية. ولكن بالنسبة لمتابعي الكتابات الغربية عن الصين، وتحديدا منذ تبنيها سياسة الإصلاح والانفتاح في أواخر سبعينات القرن العشرين، هو يقينا حديث ديماغوغي ممل لا جديد فيه. يتذكر المتخصصون التشكيك والسخرية التي أبدتها مراكز بحثية غربية وكتاب غربيون تجاه ما طرحته الصين من سياسات وأفكار، ومنها "اقتصاد السوق الاشتراكي" و"الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" و"النمط الجديد للعلاقات بين القوى الكبرى"، إلخ.

الحقيقة هي أن مبادرة "الحزام والطريق" التي تعني تحديدا "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، ليست إعادة اختراع للعجلة ولا مفهوما يوتوبيا أو فكرة خيالية، وإنما إستراتيجية تستند إلى حقائق تاريخية وجغرافية تعج بها الكتب الغربية ذاتها. إن طريق الحرير البري الذي كان في فترات زمنية طويلة أهم شريان للتبادل التجاري والثقافي بين الشرق والغرب حقيقة تاريخية، بل نموذج تغنت به الكتابات وامتدحه المؤرخون وألهم الشعراء والفنانين. أما طريق الحرير البحري، الذي يحمل أيضا اسم "طريق البخور"، فقد كان شبكة من الطرق التجارية القديمة الرئيسية التي ربطت بلدان البحر الأبيض المتوسط بالبلدان المنتجة للبخور والتوابل في شرقي وجنوبي العالم، وكان يمتد من موانئ البحر الأبيض المتوسط عبر بلاد الشام ومصر وشمال شرقي أفريقيا والجزيرة العربية إلى الهند ووصولا إلى الصين. وقد ذكر المؤرخ العربي أبو الحسن علي بن الحسين بن علي عبد الله المسعودي الهذلي، أن السفن التجارية الصينية كانت تصل، في القرن السادس الميلادي، إلى نهر الفرات عبر الخليج العربي قادمة من المحيط الهندي، وذكر أيضا أنها كانت ترسو بالقرب من الموانئ اليونانية التي تبعد عن حصن بابليون حوالي ثلاثة كيلومترات، وأن الصينيين أقاموا علاقات تجارية مع العرب المقيمين في تلك المناطق.

قبل إطلاق "مبادرة الحزام والطريق"، كان هناك حديث كثير عن إعادة إحياء طريق الحرير، لكن ذلك لم يخرج عن نطاق التمنيات والأحلام، وظل طريق الحرير حبيس لوحات الرسامين وقصائد الشعراء، إلى أن زار الرئيس الصيني شي جين بينغ، في سبتمبر عام 2013، أربع دول في آسيا الوسطى. في كلمة بعنوان "تعزيز الصداقة الشعبية وخلق مستقبل أفضل"، ألقاها الرئيس الصيني أمام طلاب جامعة نزاربييف في كازاخستان في السابع من سبتمبر 2013، أعلن أن بلاده ترغب في بناء حزام اقتصادي على طريق الحرير مع دول آسيا الوسطى، قائلا: "من أجل بناء علاقات اقتصادية أكثر تقاربا، وتعاون متبادل أعمق، وفضاء تنمية أرحب بين الدول الأوراسية، فإن بإمكاننا ابتكار نمط تعاون وبناء مشترك لـ"الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، لأن من شأن ذلك أن يكون سببا عظيما لمنفعة الشعوب في الدول الواقعة على طول الطريق".

وفي الثالث من أكتوبر 2013، وفي كلمة ألقاها أمام البرلمان الإندونيسي، اقترح الرئيس شي بناء "طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، قائلا إن دول جنوب شرقي آسيا ظلت منذ العصور القديمة مركزا رئيسيا هاما على طول طريق الحرير البحري القديم. ستواصل الصين تعزيز التعاون مع دول رابطة دول جنوب شرقي آسيا "آسيان" لتحقيق استخدام أفضل لصندوق التعاون البحري بين الصين وآسيان الذي أسسته الحكومة الصينية، وتطوير الشراكة البحرية بشكل أكثر نشاطا في الجهود المشتركة لبناء طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.

لم يكن حديث الرئيس الصيني مجرد كلمات تدغدغ مشاعر الحالمين باستعادة أمجاد أشهر طريقين للتجارة عرفهما العالم قديما، وإنما إستراتيجية واقعية مدعومة بآليات وخطط قابلة للتنفيذ. في الثاني من أكتوبر 2013، وخلال مباحثاته في العاصمة الإندونيسية جاكرتا مع الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانغ يودهويونو، أطلق الرئيس شي مقترحا بتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، قائلا: "الصين مستعدة لتقديم دعم مالي لبناء البنية التحتية في الدول النامية في المنطقة، بما فيها أعضاء رابطة دول جنوب شرقي آسيا. وسيقوم البنك الجديد بالتعاون مع بنوك التنمية متعددة الأطراف الموجودة لتحقيق الاستخدام الأكمل لمزايا كل منها، والتعزيز المشترك للنمو المستدام والمستقر للاقتصاد الآسيوي." وفي الرابع من نوفمبر 2014، اقترح الرئيس شي تأسيس صندوق طريق الحرير، وذلك خلال ترؤسه اللقاء الثامن للمجموعة القيادية المركزية حول الشؤون المالية والاقتصادية في الصين، قائلا: "لقد أسسنا صندوق طريق الحرير باستخدام رأس مال من الصين لتمويل مشروعات الحزام والطريق." وفي التاسع والعشرين من أكتوبر 2014، وخلال لقائه مع أعضاء مجلس إدارة منتدى بوآو الآسيوي في العاصمة الصينية بكين، قال الرئيس شي: "الهدف من اقتراحي ببناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين هو التحقيق المشترك لنمط جديد من التكامل الاقتصادي الإقليمي على طول طرق المبادرة."

في الثامن والعشرين من مارس عام 2015، أصدرت لجنة الدولة للتنمية والإصلاح، ووزارة الخارجية، ووزارة التجارة في الصين وثيقة بعنوان ((التطلع والعمل لدفع البناء المشترك للحزام الاقتصادي على طول طريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين)). وخلال منتدى بوآو الآسيوي السنوي، قال الرئيس شي في كلمته: "إن مبادرة الحزام والطريق ليست كلاما خطابيا، إنها تمثل عملا حقيقيا يمكن أن يتم تجسيده على أرض الواقع والشعور به لتحقيق منافع حقيقية للدول والمناطق". وفي التاسع والعشرين من مارس 2015، وفي كلمته أمام قمة منتدى بوآو الآسيوي السنوي، أكد الرئيس شي مجددا أن مبادرة الحزام والطريق ليست كلاما خطابيا، وإنما تمثل عملا حقيقيا يمكن أن يتم تجسيده على أرض الواقع والشعور به لتحقيق منافع حقيقية للدول والمناطق. وفي الثالث من سبتمبر 2016، وفي كلمته بافتتاح قمة هانغتشو لمجموعة العشرين، قال الرئيس الصيني: "مبادرة بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، تم اقتراحها لمشاركة فرص التنمية الصينية مع جميع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، وتحقيق الازدهار المشترك. إن محرك الانفتاح الصيني ليس استعراضا، بل على العكس، إنه دعوة مفتوحة للجميع. المبادرة لا تسعى لتحقيق نفوذ وتأثير سياسي للصين، ولكنها مبادرة تدعم التنمية المشتركة لجميع الدول. إنها مبادرة لا تهدف لبناء حديقة خلفية للصين، ولكن لبناء حديقة مشتركة لجميع دول العالم ".وفي كلمته أمام الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي في يونيو 2014، طرح الرئيس شي مبدأ "التشاور الواسع، والمساهمة المشتركة والمنافع المتبادلة"، قائلا: "في المساهمة المشتركة، سنبذل قصارى جهودنا لممارسة وإظهار جميع مزايانا، والاستفادة من إمكانياتنا، وعدم ادخار أي جهد ممكن لضمان المضي قدما، تماما مثل حبات الرمل التي تتجمع مع بعضها لتشكل الباغودا، وكما يمكن لقطرات المياه أن تتجمع لتشكل البحر العميق. ومن أجل مشاركة هذه المنافع، نؤكد بأن تنمية الحزام والطريق ستعود بمنافع عظيمة وعادلة للشعبين الصيني والعربي، وبناء مجتمع المصالح المشتركة والمصير المشترك لكلا الجانبين." وفي كلمته بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة، في الحادي والعشرين من يناير 2016، قال الرئيس الصيني: "يتعين علينا أن نتمسك بالمرحلة الحاسمة في السنوات الخمس القادمة للتشارك في بناء "الحزام والطريق." وأضاف: "يحرص الجانب الصيني على المشاركة مع الدول العربية لمباشرة التحركات لبناء الحزام والطريق وإيجاد نقاط التقاء ومشتركات أكثر للأمتين الصينية والعربية في مسيرتهما لتحقيق النهضة."

وفي يناير 2017، أعلن الرئيس شي أمام الجلسة الافتتاحية لمنتدى دافوس أن أكثر من مائة دولة ومنظمة دولية تجاوبت بشكل إيجابي ودعمت المبادرة، وأن أكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية وقعت على اتفاقيات تعاون مع الصين، في هذا الشأن، وأن الشركات الصينية تقوم باستثمار أكثر من خمسين مليار دولار أمريكي وأطلقت عددا من المشروعات الرئيسية في الدول الواقعة على طول طرق المبادرة، ما أدى إلى تحفيز التنمية الاقتصادية لتلك الدول، وخلق العديد من فرص العمل المحلية.

تلك هي مبادرة الحزام والطريق، فأين الغموض المزعوم؟

على أرض الواقع، لدينا أدلة دامغة على ثمار مبادرة الحزام والطريق، فهناك الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني الذي تبلغ تكلفته 62 مليار دولار أمريكي، وهو عبارة عن شبكة مترامية الأطراف من الطرق السريعة ومحطات الطاقة ومزارع توليد الطاقة بالرياح والمصانع والسكك الحديدية. وحسب تقرير صدر في الأول من مارس في إسلام آباد، فإن هذا الممر وفر ستين ألف فرصة عمل للباكستانيين منذ 2015، وسيوفر أيضا أكثر من ثمانمائة ألف وظيفة جديدة في قطاعات مختلفة حتى 2030. هناك أيضا مشروع إنشاء ميناء باستثمارات تصل إلى مليار ومائة مليون دولار أمريكي في سريلانكا، وخط للسكة الحديد فائق السرعة في إندونيسيا، ومجمع صناعي في كمبوديا، وغير ذلك. هذه كلها مشروعات يجري تنفيذها فعليا. بعد كل ذلك، هل لا يزال ثمة غموض؟

-

أشرف السيد، باحث مصري متخصص في الشؤون الآسيوية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4