العدد 3 مارس(آذار) 2002

 

الكنفوشوسية في المقام الأول (2)ل

التعليم في العصور القديمة

في عصور الصين القديمة، انقسمت المدارس إلى المدارس الحكومية والمدارس الخاصة. المدارس الحكومية شملت المدارس الحكومية المركزية التي يديرها البلاط الإمبراطوري، والمدارس الحكومية المحلية التي تديرها الحكومات المحلية. وكانت الجامعة الإمبراطورية والأكاديمية الإمبراطورية أعلى المدارس الحكومية المركزية. بدأ الإمبراطور هان وو دي إقامة الجامعة الإمبراطورية، بلغ عدد طلابها أكثر من ثلاثين ألف طالب في بداية القرن الثاني الميلادي. ثم أقيمت الأكاديمية الإمبراطورية عام 276. كانت مقرراتها الدراسية هي المؤلفات الكلاسيكية الكونفوشيوسية. في نفس الوقت أقيم في المدارس المركزية مدارس متخصصة للووشو  والحساب والطب والرسم لإعداد المؤهلين في العسكرية والرياضيات والطب والأدوية والرسم، من بين موضوعات التعليم بهذه المدارس العلوم الكونفوشيوسية أيضا.

بدأت المدارس الخاصة من فترة كونفوشيوس. لم تكن للمذاهب الفكرية مكانة اجتماعية جيدة باستثناء الكونفوشيوسية في تلك الفترة، فاعتمدت على المدارس الخاصة من أجل البقاء. من بين المدارس الخاصة، كانت هناك مدارس أقامها المعلمون، وكتاتيب عائلية أقامها ملاك الأراضي أو التجار، ومدارس خيرية أقيمت بإتاوات المعابد أو تبرعات الأشخاص. كان التعليم الابتدائي يتم معظمه في المدارس الخاصة، يبدأ من معرفة الكلمات المقروءة، ثم تعلم المؤلفات الكلاسيكية الكونفوشيوسة وبعض المقالات القديمة الأخرى والتدريب علي الإنشاء.

في العصور القديمة كان هناك منظمة تعليمية وأكاديمية تسمى دار الكتب، يقيمها أو يشرف عليها عالم مشهور. بدأت دار الكتب في فترة أسرة تانغ كمكان  حكومي لتأليف الكتب أو تخزينها. ثم نهضت دور الكتب في فترة أسرة سونغ، وأقيمت دائما في مواقع مشهورة بين الجبال والغابات، يلقي عدد كبير من العلماء محاضرات فيها ويدرسون الكتب الكونفوشيوسية ويناقشون الشؤون السياسية أحيانا، مما دفع تطور الأفكار الأكاديمية. عززت الحكومة سيطرتها على دار الكتب منذ فترة أسرة يوان. حتى أسرة تشينغ ظلت دار الكتب مزدهرة، لكنها أصبحت حكومية، وتحول معظمها إلى مواقع للامتحانات الإمبراطورية.

نظام الامتحان الإمبراطوري

دعا كونفوشيوس إلى "تحقيق الامتياز في الدراسة لتولي منصب حكومي" معتقدا أن هدف دراسة الإنسان هو تولى المناصب الحكومية. فكرته هذه أثرت في عدد لا يحصى من المثقفين الصينيين في الأجيال اللاحقة. ونظام الامتحان الإمبراطوري الذي استمر 1300 عام قدم ضمانا نظاميا لتولي المثقفين المناصب الحكومية.

في فترة أسرة هان، كان يتم اختيار طلاب الجامعة الإمبراطورية مباشرة من أرجاء البلاد أو بترشيح الحكومات المحلية. إذا أراد المثقفون أن يحصلوا على المناصب الحكومية فلابد أن يدرسوا الكتب الكونفوشيوسية  ويشاركوا في الامتحانات الإمبراطورية. منذ تلك الفترة ، أصبحت العلوم الكونفوشيوسية أساسا للتعليم الصيني، وظهر الشكل البدائي لنظام اختيار الموظفين بالامتحان. غير أن سلطة الاختيار والترشيح كانت في أيدي الأمراء والأرستقراطيين والمسؤولين الحكوميين المحليين، فكان من الصعب اختيار المؤهلين الحقيقيين. بعد ذلك وبسبب الانقسامات والاضطرابات الاجتماعية لمدة طويلة، اصبح نظام الامتحان في المدارس واختيار المؤهلين غير سليم، فكان يتم اختيار المؤهلين وفقا للمكانة الاجتماعية للأسرات، حتى بات كل الموظفين الحكوميين من عائلات الأغنياء والأرستقراطيين.

في فترة أسرة سوي، بدأ اختيار المسؤولين الحكوميين بإجراء امتحانات للمواد المختلفة، بذلك بدأ يتشكل نظام الامتحان الإمبراطوري. كل من يريد أن يحصل على منصب حكومي لابد أن يشترك في سلسلة من الامتحانات المحددة التي تشرف عليها الحكومة في مواعيد محددة وفي أرجاء البلاد. قدم نظام الامتحان الإمبراطوري أملا وفرصا للناس، وجعل عملية "الدراسة والامتحان والحصول على المنصب الحكومي" وأن "تكون ابن فلاح صباحا، تدخل البلاط مساء" ممكنا. لذلك فجر نظام الامتحان الإمبراطوري حماسة المثقفين من مختلف الطبقات الاجتماعية في الدراسة، بينما دعم الروح الاجتماعية المتمثلة في نظرية " المثقفين أعظم الناس في المجتمع".

كان نظام الامتحان الإمبراطوري آلية جيدة لاختيار المؤهلين في فترة من الفترات التاريخية. في بداية هذا النظام كان الامتحان شاملا يؤكد على الكتب الكونفوشيوسية الكلاسيكية ويشمل موادا أخرى مثل القانون والرياضيات والقضايا السياسية المعاصرة. ثم ركز هذا الامتحان على الأدب والنظرية الكونفوشيوسية. وتشكل أخيرا النظام التالي: المناصب الحكومية مفتوحة نظريا أمام كل المؤهلين، لكن عمليا هذا النظام يفيد فقط الطبقات التي لديها قدرة مالية كافية للدراسة والاستعداد لسنوات. هذا لا يعني أن حكام الصين كانوا من الطبقة الأرستقراطية التي تتوارث السلطة، بل كانت الكتلة الحاكمة متكونة من المثقفين والعلماء.

 من الطبيعي أن الكتب الكوفوشيوسية أصبحت المواد الرئيسية للتعليم الابتدائي في تلك الفترات. حيث حددت الحكومة التفسيرات الرسمية لهذه الكتب، لا يمكن الانحراف عنها في الامتحانات الإمبراطورية، خاصة في فترتي أسرتي مينغ وتشنيغ،  حددت الحكومتان أسلوبا خاصا يسمي مقالة "با قو ون" لكتابة المقالة في الامتحان، ولم تسمح للممتحنين أن يظهروا آراءهم الخاصة. فأصبح العلم عندهم جامدا، ولم يهتموا بالعلوم الطبيعية. في عام 1905 انتهي نظام الامتحان الإمبراطوري.

محيط الثقافة الكونفوشيوسية

انتشرت الأفكار الكونفوشيوسية إلى كوريا واليابان وفيتنام مبكرا، وأثرت في مجتمعاتها وسياساتها وتعليمها وشؤونها الأكاديمية. فشكلت هذه البلدان مع الصين "محيط الثقافة الكونفوشيوسية".

في القرن الثالث قبل الميلاد، انتشرت أفكار كونفوشيوس مع الكلمات الصينية إلى كوريا، ثم أصبحت الفكرة الحاكمة تدريجيا بعد الميلاد. أقامت كوريا في تاريخها الهيئات الحكومية وفقا لنظام أسرة تانغ، وبعثت الطلاب الوافدين إلى أسرة تانغ، وطبقت التعليم الكونفوشيوسي في مدارسها، واختارت المسؤولين الحكوميين وفقا لنظام الامتحان الإمبراطوري. فيما يتعلق بالأخلاق الاجتماعية أخذت من الأخلاق الكونفوشيوسية ليبر الأبناء بالوالدين وفاء للإمبراطور.

في القرن الثالث الميلادي ظهرت في اليابان دار العلم التي تعلم الأمراء والوزراء الكتب الكونفوشيوسية. منذ القرن السادس، بدأت الحضارة الصينية تنتقل إلى اليابان بشكل عظيم. عاد العلماء والرسل والحرفيون والرهبان اليابانيون من الصين بأسلوب جديد للحياة وإيمان جديد. طورت اليابان لغتها المكتوبة مستفيدة من اللغة الصينية المكتوبة؛ ونشرت التعليم الكونفوشيوسي مستفيدة من النظرية الكونفوشيوسية؛ وقبلت البوذية الصينية مع الحفاظ على         الطابع الياباني. في القرن السابع، أقامت اليابان، على غرار أسرة تانغ، دولة مركزية. حتى يومنا هذا، يمكننا أن نجد آثار الثقافة الصينية التقليدية في اللغة اليابانية المكتوبة وفي معابد كونفوشيوس.

مع نهوض النظام الرأسمالي  وأفكار العلوم والديمقراطية في العصر الحديث، فات أوان الأفكار الكونفوشيوسية كنظام فكري كامل، لكن أسلوب التفكير الكونفوشيوسي وأفكارها الأخلاقية ظلت ذوات أهمية عامة  تجاوزت فترتها، مثل حب الناس والرحمة، واحترام الكبير والعناية بالصغير، والاهتمام بوئام الأسرة والمجتمع، خضوع مصلحة الفرد لمصلحة العامة، المصالح العامة ومصلحة الدولة أولا، و"أنا أول من يتعب من أجل  المصلحة العامة وآخر من يتمتع بالسعادة في الدنيا"، والاهتمام بالتعليم الأخلاقي والثقافي، المكافحة بجلد في سبيل التقدم.

اليوم يحاول البعض شرح الكونفوشيوسية، باعتبارها جزءا من الحضارة التقليدية الصينية، بروح حديثة.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.