الصين
والتمائم
هو
جيان ين
وطاويط
طائرة بين السحاب الوردي
إذا تكون لديك فرصة
لزيارة بكين فعليك أن تزور بيتا قديما فيها، لماذا؟ لأن
كلا من البيوت القديمة فيها كان ويكون مفروشا ببعض الأمتعة
العتيقة التي تعكس مشاهد حياة المواطنين العاديين. أنظر
تلك القارورة الكبيرة، وعلي سطحها لوحة تحت عنوان"
انتظار قدوم السعادة" تبدي طفلا ينظر رافعا رأسه إلى
وطاويط تطير نحوه. وهذه اللوحة مأخوذة من الرسم العتيق الذي
يمثل السعادة.
الوطواط الذي راحت به الحياة الغابرة
كلما سئل البكينيون المسنون عن حياة طفولتهم لم
يفتهم أن يذكروا كيف كانوا يقضون ساعات المساء في منتصف
الصيف: يجلس الأفراد بعد عودتهم من العمل تحت الأشجار أو
جانب الزهور في أفنية بيوتهم( سيخهيوان- البيت الذي يتوسط
فناء محاط بسور من الجهات الأربع)، حيث يتحدثون أو
يشربون الشاي حاملين بأيديهم المراوح.. يلعب الأطفال مع
عدة وطاويط تطير في ارتفاع وانخفاض وتشقشق بين حين
وآخر، وهم يلقون أحذيتهم المخلوعة نحو تلك الوطاويط لاستدراجها
إلي داخلها.. ما أروع مشهد الحياة السعيدة ! ولكن للأسف،
أن مثل هذا المشهد قد راح بلا عودة منذ فترة طويلة..
مع
مرور الأيام وخاصة بعد الزلزال الخطير الذي وقع في تانغشان
عام 1976، فقدت بيوت سيخيوان داخل بكين مكانها تدريجيا:
إما حلت المساكن الحديثة محلها أو أصبحت أفنيتها مغطية بمنازل
حديثة البناء.. فهكذا كادت المناظر الفريدة التي كانت تشهدها
أفنية بيوت سيخيوان تتلاشى.. وبعد أن فقدت الوطاويط حيزا
كان لها انصرفت من داخل مدينة بكين..
وبرغم وجود الوطواط
في مدينة بكين العتيقة منذ مئات السنين، غير أنها كانت غريبة
على كثير من البكينيين، والبعض منهم يشمئز منها لجهلهم لحقيقتها.
اليوم، وهناك عدد غير
قليل من الأطفال والشباب من مواليد بكين، لم يروا قط الوطواط
الحقيقي في حياتهم، وصورة الوطواط في مخيلتهم تأتي من البطل
الذي على شكل الوطواط، وعربة القتال التي على شكل الوطواط،
وطائرة المقاتلة التي على هيئة الوطواط في الأفلام السينمائية..
الوطواط والإنسان
قديما
كان الصينيون يعتبرون الوطواط " الفأر ذا الجناحين"،
ولا يعرفون أصله، إلى أن جاء من يقولون بأن الوطواط تحول
من الفأر الذي تناول الملح أو زيت الطعام أو حب الملوك.
وهكذا وربط الإنسان الوطواط بسمعة الفأر الرديئة.
كتب الشاعر الكبير تساو تشي( بين عامي 220 و280)
قصيدة بعنوان<< الوطواط>> وقال فيها: "
آه، أيها الوطواط، أنت الذي يجمع بين القباحة والتآمر؛ وأنت
لست من الطيور ولا من الحيوانات". وقالت
إحدى الأساطير الغربية إن الوطواط وصولي يميل إلى الطرف
المنتصر في المعركة الواقعة بين الطيور والحيوانات، وهو
يعبر للطيور عن أنه من الطيور؛ في حين يقول للحيوانات إنه
من الحيوانات. ولكن عندما توصل الطرفان إلى اتفاق على السلام
أصبح الوطواط غير مرغوب فيه من الطرفين، الأمر الذي اضطره
أن يظهر تحت ستار الليل، ويختبئ في أوكاره نهارا.
سجل في الكتب الطبية
القديمة بالصين أن الوطواط البالغ عمره ألف سنة يشابه لونه
الثلج الناصع البياض، وبعد تحويله إلى المسحوق الجاف يمكنه
أن يطيل العمر ويعالج مرض صرع الأطفال. ولكن في الحقيقة،
لم يتم التوصل إلى أدلة على ما سجل في تلك الكتب الطبية.
ومع تقدم العلوم، اكتشف
الإنسان أن الوطواط من الثدييات ذات الأجنحة، ويعتمد في
الطير ليلا على إحساس الأذن والجسم، وليس على عينيه الضعيفة
البصر.
الوطواط وما يرمز له
يمكن القول بأن الوطواط
هو محظوظ، لماذا؟ لأنه وصل بسلامة بعد التخلص مما كان يقذف
عليه من الشتائم خلال القرون الزمنية إلى عصرنا هذا.
وعندما
اكتشف الصينيون أن الوطواط من الثدييات التي تأكل الحشرات
الضارة، وأن نطق الوطواط يشابه نطق "السعادة"
و" البركة" باللغة الصينية، صارت صورة الوطواط
رمزا للسعادة والبركة في المجتمع الصيني منذ مئات السنين.
يعود ظهور رسوم الوطواط
كعلامات إلى ما قبل أو بعد القرن السابع عشر، ثم دخلت مرحلة
ذروة ازدهارها التي استمرت من أواسط أسرة تشينغ(بين عامي
1699 و1911) إلى أواخرها. وكانت هذه العلامات المأخوذة من
رسوم الوطواط تنتشر في كل من البنايات والمنسوجات والمطرزات
واللوحات والخزفيات والأدوات الخشبية والمنقوشات الطوبية..
ومما عثر عليه من اللوحات
المأخوذة من رسوم الوطواط: لوحة " ووفو" التي
تمثل خمسة وطاويط تعبيرا عن العمر المديد، والرخاء، والسلام،
والأخلاق الطيبة، والذهاب إلى السماء ( بعد الرحيل).
لوحة" ووفوبنغشوه"
التي تمثل خمسة وطاويط حول حلقة مستديرة تتوسطها كتابة "العمر"
تعبيرا عن السعادة والعمر المديد.
لوحة" العمر"
التي تظهر كتابة صينية - شوه( العمر) منظومة من رسوم الوطاويط
والخوخ تعبيرا عن السعادة الفائضة والعمر المديد.
لوحة
" فوتساييان" التي تمثل رسما من الوطاويط والنقود
المعدنية تعبيرا عن وصول السعادة والبخت.
ومن لوحات رأس السنة
الجديدة: لوحة " تشونغ كوي ووطواط" التي تظهر
فيها تشونغ كوي يرفع سيفه- يقال أنه إلاه طرد ابليس، وجلب
السعادة في الأسطورة الصينية- وفوق تشونغ كوي وطواط طائر.
لوحة " الوطواط
الأحمر" تمثل السعادة والبخت العظيمين.
تسلية بالكتابات
في قديم الزمان، كان
المثقفون يحبون التسلية بالكتابات من خلال الكلمات المكتوبة
والمؤلفات الأدبية والرسوم الفنية وفي الحياة اليومية. <<
القصور الحمراء>> - من أشهر المؤلفات الأدبية في التاريخ
الصيني، ومنها فقرة تصف مشهد ضحك الآنسة شى على وصيفة (ياتو-
بنقط اللغة الصينية) لها في أثناء الوليمة العائلية، حيث
قالت الآنسة شي: "..هذا ياتو (رأس البط- بنقط اللغة
الصينية) ليس تلك ياتو( الوصيفة التي تدهن شعرها زيت قوي
هوا- زهرة سنا)، وهذا ياتو( رأس البط) لم يدهن شعره زيت
قوي هوا..".
ولكن
في الحياة المعاصرة، فقدت مثل هذه التسلية بالكتابات والكلمات
المكتوبة الصينية جاذبيتها تدريجيا، في حين تظل الرغبة في
جلب السعادة بالاستمداد من نقط كتابات
اللغة الصينية الذي يماثل نقط " فو"- السعادة
تراود الناس حتى وقتنا الراهن. وعلى سبيل المثال:
- رقم 8. ونطقه في
اللغة الصينية يقارب " فا" وهو يعنى التطور، والثراء.
فأصبح الرقم 8 رقما ساخنا يفضله الناس لأرقام تلفوناتهم
أوللوحات سياراتهم أو لـ..
-
هناك عدد كثير من الرسوم الشعبية يعبر عن السعادة بالاستفادة
من الألفاظ المتشابهة في اللغة الصينية، ومنها مثلا: لوحة<<
وطواط طائر وأيل >> التي تعبر عن السعادة والراتب
- الوطواط( نطقه في اللغة الصينية "بيانفو"، وفو
يعنى السعادة؛ والأيل( نطقه في اللغة الصينية " لو"
وهو يعنى الراتب). لوحة<< زهرية فيها ثلاث حراب>>
التي تعبر عن ارتقاء المنصب على التوالي ثلاث درجات. ولوحة<<
زهور البرقوق وفوقها عقعق>>التي تعبر عن التحية الطيبة.
ولوحة <<طائر ابن الماء وزهرة اللوتس
والشرغوف>> التي تعبر عن حظ الوظيفة الرسمية. لوحة<<
طفل يتوسط زهور اللوتس حاملا سمكة كبيرة>> التي تعبر
عن الحصاد الوافر كل سنة.
تجاوز عدد أنواع الرسوم
التي تعبر عن السعادة والبركة والتي تم إبداعها عن طريق
الاستلهام من الألفاظ المتشابهة بين الكتابات الصينية تجاوز
مائة نوع.
إن التمائم والرسوم
التي تمثل السعادة والبركة تجسد شوق البشرية للحياة السعيدة
والمستقبل المشرق، وتسجل المعالم العصرية وتعرض خصائص الثقافة
القومية. ولا نبالغ إذا نقول إنها من التراث الثقافي الصيني
والعالمي.
