محتويات العدد 8 أغسطس (آب) 2004
م

كيف تربي طفلك في زمن العولمة؟

مراسلة المجلة: تشانغ جيوان 

الأديب والمفكر الصيني وانغ هونغ جيا، 51 سنة، مهموم بالإجابة عن سؤال: كيف يواجه الكتاب والمؤلفون نظام اقتصاد السوق في العهد الجديد؟ ويعتقد أن التثبث بروح المثابرة والاجتهاد في الدراسة وحيازة المعرفة أمر ضروري، لأن كل أمة، من وجهة نظره، في حاجة إلى أعمال أدبية جادة تعكس الثقافة القومية وتكون ذات مستوى أدبي راق، آملا أن يجد الناس فيما يكتبه جذبا للقراءة وأفكارا جديدة تروى ظمأهم.القرن الجديد

في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي كتب وانغ هونغ جيا مقالتين أثارتا ردود فعل كبيرة في المجتمع، الأولى "طريق لا نهاية له" والثانية "لننطلق الآن!". في مقالته الأولى التي كتبها على طريقة التحقيق الصحفي عكس الكاتب واقع الإنتاج في الريف الصيني، ورغبات الفلاحين وطموحاتهم؛ وفي المقالة الثانية كشف الكاتب لأول مرة عن حقيقة خطيرة في مجال البحث العلمي، وهي أن كثيرا من المنجزات العلمية التي يتوصل إليها العلماء بعد جهود شاقة طويلة يكون مصيرها أرفف المكتبات ولا تتحول إلى قوة إنتاجية واقعية. وطالب وانغ هونغ جيا باستثمار العلوم باعتبارها القوة الإنتاجية الأولى، معتبرا أنها سوف تغير جذريا الأساليب التقليدية في البحث العلمي والإنتاج والإدارة، مؤكدا أن عهدا جديدا سيأتي قريبا. القرن الجديد

وتترقب الأوساط الفكرية في الصين صدور مؤلفه الجديد،"عاصفة في التعليم"، الذي يسجل فيه التحولات العميقة التي يشهدها التعليم في الصين، ويستعرض القضايا التي تهم المواطن الصيني حاليا. القرن الجديد

ويتوقع كثيرون أن يثير المؤلف الجديد عاصفة أخرى في أوساط التعليم الصييني، حسبما يرهص عنوان الكتاب، الذي يأتي بلورة لفهم الكاتب العميق للواقع الاجتماعي الصيني ونظرته المتفردة لقضايا هذا المجتمع. القرن الجديد

يقول وانغ هونغ جيا، الذي يتحدث عادة بلهجة جادة: "لقد نشأ اهتمامي بالتربية والتعليم في البداية من الفشل الذي منيت به في تربية ولدي في البيت، وهذا الفشل يؤلمني كثيرا..." وقال: "كنت في طفولتي مولعا بمطالعة سلاسل كتب الأطفال واستفدت كثيرا من معلوماتها، وقد لعبت دورا هاما في تشكيل دائرة معارفي. ولما أنجبت ولدي أوليت اهتماما بشراء أكثر ما يمكن من كتب الأطفال آملا أن يقرأها ويستفيد منها فيما بعد، ولكنه لم يلمس هذه الكتب حتى أنهى الشهادة الثانوية، عندئذ أدركت أنني ارتكبت خطأ كبيرا في التربية. عندما كنت تلميذا في الابتدائية لم يكن لدي من المال ما يكفي لشراء السلسلة كاملة فكنت أشترى بعضا منها وأقرؤه، فيزيد شغفي لمعرفة المزيد فأشتري المزيد منها وأقرأ بشراهة، وكانت النتيجة أنها تركت في ذهني انطباعات عميقة لا تمحي. ولكن ما فعلته مع ابني حرمه من بهجة ومتعة البحث بنفسه عما يحبه، وخنقت بيدي روحه الإبداعية." القرن الجديد

يعتقد وانغ هونغ جيا أن الشئ الأهم للطفل هو بناء ثقته بنفسه، فبدون هذه الثقة لا يستطيع استكشاف فرص النجاح واغتنامها. ويرى أن ثقة الطفل بنفسه تأتي نتيجة المشاعر التي يحس بها وقت نجاحه، ولا يمكن ترسيخها بتشجيع الآخرين له، ودليله على ذلك أن ابنه كان ضعيفا في الدراسة ولكنه كان رائد فصله من السنة الأولى الإعدادية حتى نهاية الثانوية، ولما جاءت نتيجته مخيبة في امتحان القبول للثانوية أصيب بنكسة شديدة وشعر دائما أنه ضعيف أمام زملائه المتفوقين، وكلما جاء موسم الامتحان فقد ثقته بنفسه. إن هذا الضعف النفسي لا يمكن محوه من عقل الطفل بجهود غيره، فقد ظل ابنه في حالة نفسية ضعيفة حتى سافر إلى نيوزيلاندة بعد الثانوية، حيث اعتمد على نفسه في الحياة والدراسة بعيدا عن عناية الوالدين. وبعد سنوات من الدراسة الشاقة في الخارج عاد والتقى مع زملائه القدامى، وفي ذلك الحين وجد نفسه أقوى منهم في التحدث بالإنجليزية وفي مواجهة مشاكل الحياة، فنشأت في قلبه مشاعر فخر بسبب نجاحه في بعض الأمور، واسترجع إلى حد ما ثقته بنفسه. القرن الجديد

وانغ هونغ جيا إنه سجل قصة ابنه في كتابه الجديد، لأنه يريد أن يقول لأولياء الأمور اخلقوا الفرصة لأطفالكم لكي ينجحوا في قضاياهم في المستقبل. وهناك مجالات كثيرة يمكن للطفل أن يحقق فيها النجاح فيبني ثقته بنفسه، فإذا وجد الوالدان درجات الدراسة لولدهما ليست جيدة بشكل مستمر، يمكنهما أن يساعداه على إيجاد أعمال أخرى ليكون متفوقا فيها ويحرز نجاحا مرموقا. على سبيل المثال يمكنهما أن يطلبا منه أداء أعمال بسيطة، شراء شئ من السوق مثلا، وحينما يعود به إلى البيت وحظي بمدح والديه، سيشعر بفرحة لنجاحه في أداء مهمته، مما يولد في نفسه شعورا بالثقة. ولا ينبغي التقليل من أهمية هذا النجاح، لان الثقة الناجمة عنه تسانده وتشجعه على التقدم إذا تعرض لنكسة في يوم ما، والثقة بالنفس تكون مضمونة اكثر من تشجيع الآخرين في لحظة تعرضه للنكسة. وفي الوقت نفسه على الوالدين أن يوضحا للطفل طبيعة النكسة، ويعلماه كيفية مواجهتها. القرن الجديد

لقد اتخذ وانغ هونغ جيا من تجربة تربية ابنه منطلقا لمعالجة قضية التعليم في الصين، مشيرا إلى أن البلاد تشهد حاليا عملية التحول التاريخي الثالث في مجال التربية والتعليم، حيث تتحول مهمات التعليم من تربية الجيل الناشئ لتحقيق التصنيع في القرن العشرين إلى إعداد جيل جديد في القرن الحادي والعشرين لإنجاز مهمات التحديث الأعظم، وهذا يعني أن على الجميع أن يقبل تغيرات أساسية، فعلي المعلمين الذين يبلغ عددهم 13 مليونا شخصا أن يغيروا من طرق التعليم، وعلى الثلاثمائة مليون طالب أن يغيروا من أساليب الدراسة، وعلى الستمائة مليون من أولياء أمور الطلبة وأجدادهم أن يبحثوا عن سبل جديدة للتربية الأسرية. القرن الجديد

ويؤكد وانغ هونغ جيا على أن التحول الحالي في التعليم نابع من تأثر التعليم في الصين بالتطور السريع للعلوم والتكنولوجية الجديدة والنظام الاقتصادي العالمي الجديد، "... هناك عدد لا يحصي من الطلبة وأولياء أمورهم يشعرون بضغط متزايد تجاه مهماتهم الدراسية الثقيلة ومستقبلهم بعد التخرج. هذا الضغط يصيب كثرة منهم بالحيرة والألم، والسبب هو أننا ما زلنا نستخدم المعايير القديمة التي كانت سائدة في قرن التصنيع الماضي لتقييم مستوى طلاب يعيشون في عصر جديد قوامه اقتصاد المعرفة والعلم." القرن الجديد

ويصل وانغ هونغ جيا إلى نتيجة مفادها أن قضية التربية والتعليم في الصين تواجه ثورة جديدة لا بد أن تحدث فيها تحولات جذرية. وهذا التحول سيكون شاملا لتغيرات في الأفكار التعليمية وفي المنهاج التعليمي الوطني وفي معايير إعداد جداول التدريس ومواد الدراسة وفي طرق التدريس وأساليب الامتحان ومعايير تحديد الدرجات لها. جملة القول إنه مشروع كبير سيغير تغييرا عميقا مكونات معارف الصينيين ومصيرهم في القرن الجديد. القرن الجديد

 الصين تشهد حاليا عملية إصلاح لمواد التدريس، وهي العملية التي يسميها العاملون في مجال التربية والتعليم بالإصلاح الشامل الثامن في إعداد مواد التدريس منذ تأسيس الصين الجديدة، والذي يعتبر بداية للتحول التعليمي القادم. وقد كان لمقاطعة تشجيانغ بجنوب الصين قصب السبق في مباشرة هذا الإصلاح، فقد قام أكثر من300 معلم فيها باستطلاع شامل داخل البلاد وخارجها، ووضعوا بعد ذلك سلسلة متكاملة من مواد التدريس الجديدة، ثم استخدموها بين عشرة آلاف طالب تجريبيا عام 1991، وبعد عامين من ذلك عمموها في المقاطعة. وفي عام 2001 حددت وزارة التعليم الصينية 38 منطقة على المستوى الوطني في 26 مقاطعة ومنطقة أو بلدية مركزية في أنحاء البلاد لتجربة مواد التدريس الجديدة، وزادت في العام التالي إلى 500 منطقة تجريبية على مستوى المقاطعة، ثم توسعت في عام 2003 إلى مناطق أكثر حتى شملت 35% من إجمالي الطلبة في مرحلتي الابتدائية والإعدادية في الصين. وفي الجدول الزمني لوزارة التربية والتعليم تم تحديد الموعد النهائي لتعميم الطرق الجديدة للتدريس في التعليم الأساسي وهو سبتمبر عام 2005. هدف هذا الإصلاح هو تحطيم الحواجز بين مختلف المواد الدراسية، وإقامة منصة جديدة للطلبة بواسطة التدريس الشامل للمعارف المتنوعة، وتدريبهم على استيعاب القدرة الشاملة لمعالجة المشاكل المعقدة في الدراسة. القرن الجديد

يقول وانغ هونغ جيا إن الطالب لم يعد وعاء يصب فيه المعلم المعارف كما كان الأمر في عهد التصنيع السابق. كان النظام التعليمي القديم يتميز بالأسلوب الإلزامي تجاه الطلبة، وكان المطلوب هو أن يقبل الطالب كل ما يلقيه عليه المعلمون من الدروس دون أي تفكير إيجابي من جانبهم، وكان المدرسون يكتفون بإكمال مهمات التدريس من نسق موحد في مواد الدراسة ومعايير تحديد مستوى الطلبة دون التمييز بين خصوصياتهم، تماما مثلما يفعل العمال على خط إنتاج في ورشة، حيث يكون كل شئ عليه موحدا من التصميم والمواد الخام والمقاييس الفنية وحتى حركات العمال في الإنتاج، فلم يكن هناك مجال لإظهار الروح الإبداعية سواء لمن يُعلم أو لمن يتعلم. أما الآن فقد دخلنا عهد اقتصاد العلم الذي تتدفق فيه المعارف بلا حدود، ولا يستطيع أي شخص، مهما كان قويا في ذكائه واجتهاده، أن يستوعبها على مدى حياته، لذلك نجاح الشخص في إبداعه لا يتوقف على كثرة معارفه بل على مهارته في استخدام هذه المعارف بمرونة وبتفكير شامل. القرن الجديد

تحقيق النجاح في عملية التحول التعليمي يتطلب، وفقا لوانغ هونغ جيا، حل ثلاث مشاكل: توفير موارد بشرية كافية من المعلمين، إعداد مواد التدريس المناسبة والوافرة؛ واستنباط الطرق الصحيحة في تقييم جودة التدريس. ويطالب بإصلاح طرق الامتحان التي أصبحت محور اهتمام الناس مشيرا إلى أن وزارة التعليم تبذل جهدا كبيرا لتحقيق التوافق التام بين طريق امتحان القبول للجامعات وبين الإصلاحات في اختيار مواد التدريس المناسبة، فقد كان امتحان القبول للجامعات يعتمد على ورق الامتحان الموحد لكل البلاد، وكان الهدف هو اختيار الطلبة المتفوقين وفق معيار موحد لقبولهم بالجامعات، أما الأسلوب الجديد في الامتحان فإنه يهتم بتشكيل الطالب الممتاز وليس اختياره. وسوف يلغي ورق الامتحان الموحد، ويستخدم ورق امتحان يختلف من مكان إلى آخر وفق لظروف كل منطقة ومقاطعة. في عام 2004 طبقت هذه التجربة في عشر مقاطعات ومدن رئيسية. القرن الجديد

وينصح وانغ هونغ جيا كل ولي أمر بأن يكون بعيد النظر في تربية طفله، قائلا إن إنجاز عملية التحول التعليمي قد يستغرق وقتا طويلا، ولكن تشكيل طبيعة الطفل يمكن أن يتحقق في فترة وجيزة، لذلك فلا ينبغي قصر الاهتمام على درجات الامتحان ونتائج الدراسة، بل تشجيع الطفل على التفكير العلمي المرن. إننا نعيش فترة الانتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد، وسيتيح القرن الجديد فرصا جديدة لمن يمتلك أسلوب دراسة جديدا ولديه القدرة على استكشاف مزايا العهد الجديد." القرن الجديد

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.