محتويات العدد 8 أغسطس (آب) 2004
م
جزءا من العملية صيف صيني ساخن في مصر! جزءا من العملية

كادت مصر أن تكون، خلال صيف هذا العام، عاصمة صينية، ليس لأن المنتجات الصينية تحتل أرفف متاجر القاهرة وحواضر المحافظات المصرية بل وجنبات الطرق وعربات الباعة، وليس لأن الوجه الصيني بات مألوفا لدى المصريين من قاطني المدن، ولا نبالغ إن قلنا لدى كثير من أبناء ريف مصر، وليس لأن الصين أضحت الأمل المنشود وشعاع الضوء لدى كثير من المحبطين بالنظام العالمي وسياسات القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم التي تمارسها في منطقة الشرق الأوسط، سواء بنفسها في العراق أو من خلال حليفها الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، ليس لكل هذا فقط، وإنما أيضا لأن للصين سفيرا بالقاهرة يرسم بشخصيته وثقافته ومعرفته وسلوكه نموذجا للدبلوماسي وفقا لنصوص كتب الدبلوماسية وتجسيدا لعراقة وتاريخ الأمم العظيمة. لقد أكسب السفير وو سي كه، الذي مازالت كثير من أجهزة الإعلام المصرية تكتب وتنطق اسمه خطئا، أكسب الدبلوماسية الصينية في العاصمة المصرية وجها إنسانيا ثقافيا حضاريا متألقا، وخرج بسفارته من حدود عاصمة البلاد ودلف إلى قلوب الناس فكتبت الصحف عن زيارته برفقة زوجته للفنان المصري أحمد زكي وهو يرقد مريضا، وتحدثت عن لسانه العربي الفصيح الذي يفوق كثيرين من الحاملين للقب مثقف كبير، وسمعت همهمات في قاعات الندوات والمعارض عن هذا الصيني المعتز بلسان قومه فيقرأ كلمته بالصينية ثم يتبعها بالعربية، وسط تساؤلات وإعجاب لماذا لم يقرأها بالعربية فقط، بينما كثير، إن لم يكن كل، المسئولين العرب يحرصون على أن تكون كلماتهم في مناسبات رسمية بلغة غيرهم، تدليلا على ثقافتهم الرفيعة ومستواهم المتميز! جزءا من العملية

الصيف الصيني بالقاهرة بدأ مبكرا، قبل سخونة الجو، بندوة عن صعود الصين أقيمت بجامعة القاهرة في شهر مايو (نشرت "الصين اليوم" عرضا لها في العدد السابق، يوليه 2004)، ثم جاء الأسبوع الثقافي الصيني بمدينة المنصورة حاضرة محافظة الدقهلية الذي افتتحه يوم 13 يونيه السفير ووسي كه وأحمد سعيد صوان محافظ الإقليم الرابض على نيل مصر ونخبة من المثقفين العاشقين للصين، جاء نفحة صينية عابقة في دلتا النيل روت شيئا من عطش أبناء الوادي لمعرفة المزيد عن الصين. وفي الخامس والعشرين من يونيه كانت ندوة إحياء الذكرى الخمسين لإعلان المبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي تحرص الصين على الالتزام بها وإلزام الدول التي تبغي شراكتها أيضا بها، رسالة واضحة لا لبس فيها بأن الصين، وإن كانت تضع مصالحها في المقام الأول، فإنها مازالت دولة مبادئ، تلتزم بما تعلن وتنفذ ما تتفق عليه.  . وكان معرض الجامعات الصينية الذي أقيم يومي الرابع والخامس والعشرين من يوليه  بجامعة عين شمس وجها متألقا آخر للصين أبرز النهضة العلمية لهذا البلد وقدم صورة عملية لكيفية نهوض الدولة بالعلوم والتعليم والتكنولوجيا، ذلك المبدأ الذي اختارته الصين قولا وفعلا. جزءا من العملية

لقد كنت محظوظا أن أشارك في جانب كبير من هذا الصيف الصيني الساخن؛ ثقافة وفكرا ونشاطا، المعتدل جوا على غير عادة صيف القاهرة، وكأن العاصمة المصرية شاءت هي الأخرى أن تساهم في هذا العمل بالقدر الذي تستطيعه. وقد حاولت أن أدمج هذه الفعاليات في مشهد واحد فرصدت من ملامحه ما يلي: جزءا من العملية

أولا: أن الصين تحظى بإعجاب كبير في مصر، على مستوى القيادات والمسئولين وعلى مستوى رجل الشارع، وهو إعجاب، في رأيي، نابع من عوامل كثيرة لا نستطيع أن نغفل العامل الحضاري فيها، ولكن الأهم هو أن الصين فرضت وجودها مصريا وعربيا مثلما هو شأنها على الساحة العالمية، من خلال تجربتها في التنمية ومن خلال منتجاتها التي لا يخلو منها بيت مصري وعربي. ثم  أن هناك عاملا آخر هو حالة الإحباط العربي العام لما يحدث في المنطقة، والأمل في أن تكون الصين هي المنقذ، والقوة السحرية المرسلة من السماء لإنقاذ هذه المنطقة، ولهذا ترددت في غير مناسبة أصوات مطالبة بدور  صيني أكبر في سياسات المنطقة يكون معادلا للدور الأمريكي الغير منصف للقضايا العربية. والحق أن الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط يتزايد، ولكنه دور يأخذ في الاعتبار أولا مصالح الصين، وهو دور يعرف حجمه وحدوده. وقد سمعت كثيرا في مصر الذين يتحدثون عن الصين كقوة عظمى، بينما الصينييون يؤكدون دائما أنهم ليسوا قوة عظمى الآن وفي المستقبل المنظور، والفرق بين هذا وذاك، أن الفريق الأول يبحث عن أمل، عن ومضة في نهاية نفق مظلم، والثاني، أي الصينييون، يتحدثون عن واقع ملموس ورؤية حقيقية لا زيف فيها لمستقبل قابل للتحقيق. جزءا من العملية

ثانيا: أنه برغم الحديث الكثير عن التجربة الصينية، وهو حديث ممتد عربيا ومصريا، إلا أن أحدا لم يقل، كيف تتحقق هذه الاستفادة، برغم أن هناك توجيهات صينية ومصرية هلى مستوى القيادات بتفعيل المشروعات المتفق عليها وزيادة وتنويع التعاون المشترك، ولكن البيروقراطية والمنفذين مازالوا متخلفين كثيرا عن هذه التوجيهات. ومن الملاحظ أن كثيرا من الذين يتحدثون عن الصين، يتحدثون عن زمن مضى وتاريخ انقضى، ومازالوا يتغنون بالتاريخ الحضاري العريق للصين ومصر، وهو حديث ملت الأذن سماعه، فبرغم أهمية هذا التراث الحضاري ودوره الهام في رسم خطط مستقبل قائم على أسس راسخة إلا أنه بدون واقع ملموس يشعر به المواطن، سواء في مصر أو الصين، يظل ذلك كلاما خاويا من المضمون. وكثيرون ممن يتحدثون عن الصين مثل عجائز الفرح الذين يبحثون عن دور، يذكرون لك أرقاما دخلت ذمة التاريخ وأحداثا لم تعد تعني أحدا في شيء، وقد سمعت من يتحدث عن التجربة الصينية ويذكر مدنا صينية وأرقاما وأشياء لا وجود لها، وعجبت لرجل يكاد يكون حاضرا كل مناسبات الصين في القاهرة ولا يعرف اسم وزير خارجية بلد عمل فيها زمنا ليس قصيرا! جزءا من العملية

ثالثا: أن هناك، برغم الإعجاب المصري بالصين، شكوى من تدني جودة المنتج الصيني، وتساؤل حائر، كيف تتقدم الصين بهذه السرعة وتنتج أشياء بهذا ا لمستوى المنخفض. وقد قلت، لمن استفسر مني، إن الصين تصدر إلى ألمانيا، على سبيل المثال. والعيب ليس في المنتج الصيني وإنما في المستورد الذي يطلب منتجا بمواصفات محددة وبأسعار محددة فيكون له ما يريد، وإن كان هذا لا يعفي الجهات الصينية من تحمل المسئولية، فمن المفترض أن يكون هناك حد أدنى للجودة لا يسمح بخروج سلعة لا تتفق مع معاييره. جزءا من العملية

رابعا: أن هناك رؤية مصرية بأن كل ما في الصين سمن وعسل، وقد أبدت صحفية مصرية شابة دهشتها أن تنشر "الصين اليوم" على غلافها عنوانا كبيرا يقول "البطالة تهدد خريجي الجامعات في الصين"، والحقيقة أن الصين مثل كل بلاد الدنيا لديها مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ربما الاختلاف أن ولاء الصينيين لوطنهم وشدة انتمائهم لترابهم يجعلهم حريصين على إبداء الجانب المضئ لهذا الوطن، ونادرا ما نسمع صينيا ينتقد حكومة بلاده أو مسئوليها، كما أن الطبيعية المنظمة والمنضبطة للمواطن الصيني تجعل المشاكل التي يواجهها المجتمع خاضعة للسيطرة غير قابلة للانفلات، ثم أن الوجود القوي لسلطة الدولة وهيبتها في كل شبر من أرجاء البلاد لا يترك المشاكل تستفحل وتستعصي على الحل، فالدولة موجودة في داخل كل مواطن وفي بيته ومكان عمله وفي الشارع. والذي لا يعرفه كثيرون أن المواطن الصيني يظل خاضعا لعملية تثقيف سياسي لا تتوقف حتى وإن سافر خارج الوطن،  في عملية تهدف إلى ربطه دائما بقضايا وطنه وتوجهاته وأهدافه فيكون في النهاية جزءا من العملية السياسية، واعيا لما يحدث ومشاركا في رسم السياسات العليا للدولة.. جزءا من العملية

لقد امتدت الصين إلى الآفاق حتى طالت شوارعها ووصلت القاهرة، فأنت وإن كنت في مصر تجد نفسك "على مقهى في الشارع الصيني". جزءا من العملية

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.