العدد9 سبتمبر(أيلول) 2002

التبرك والسعادة (2)

sرسوم البركة

القراءة الواعية للرموز والزخارف المرسومة على الأدوات والأعمال الفنية الصينية تقربك من فهم كيف كان يفكر الصينيون القدماء وكيف كانت طبيعتهم النفسية وعاداتهم الفلكلورية؛ فعلى أدوات الأكل والشرب البرونزية في فترة أسرة شانغ كانت ترسم صورة لحيوان مخيف شره أسموه "هاو تشن"، تنبيها للناس ليعتدلوا في مأكلهم ومشربهم.

من أبرز رموز الثقافة الصينية التقليدية رسوم عيد رأس السنة القمرية  الجديدة والورق المقصوص فهما الأكثر تعبيرا عن الطبيعة الفلكلورية لهذا الشعب. والحقيقة أن رسوم السنة القمرية الجديدة هي تطوير لرسم إله الباب في قديم الزمان، وقد نشأ رسم إله الباب استجابة لحاجة نفسية لدى أبناء الشعب  في طرد الأشرار وإبعاد المصائب. ثم ارتبط رسم إله الباب بنشاطات الأعياد، وفي فترة أسرتي مينغ وتشينغ، بات تميمة لطلب السعادة والبركة. في رأس السنة، القمرية طبعا، تكتظ أسواق الريف وشوارع المدن برسوم السنة الجديدة، كما أنها من أهم الملصقات في منسبات الأعياد والزواج والولادة وتقديم الاحترام للآلهة، لزيادة البهجة والفرح. في هذه الرسوم ترى أشكالا يعتقد الصينيون أنها تجلب البركة وشخصيات من القصص والأساطير، تعبيرا عن فهم الناس للحياة وتمنياتهم، من أشهر هذه الرسوم لوحة "الزراعة والنسج"، و"الاحتفال بالحصاد الوافر" اللتان تعكسان آمال أبناء الشعب في المناطق الزراعية، ولوحة "إله العمر المديد" و"مائة طفل" اللتان تعبران عن التمنيات  بالصحة والعمر المديد، ولوحة "البر" و"سعادة جمع شمل العائلة" اللتان تعبران عن الأمنيات بحياة أسرية، واللوحات حول الشخصيات التاريخية وقصص من المسرحيات ترتقي بالوجدان.

والورق المقصوص حكاية صينية أخرى. فالورق المقصوص الذي يلصق على نوافذ البيوت لا يكون للزينة فقط وإنما لزيادة الفرح والسعادة. يضع الصينيون الورق المقصوص على الهدايا وجهاز العروسين في مناسبات الزواج والولادة والانتقال إلى بيوت جديدة والتهنئة بعيد الميلاد، ويسمون هذا الورق "زهور السعادة". في الريف،  تقص العروس بنفسها "زهور السعادة" التي تستخدم في حفل الزفاف، تعبيرا عن سعادتها، وهي في ذلك تركز على استخدام كلمات ترمز إلى البركة وأشكال تعبر عن الحب والزواج. إضافة إلى ذلك، يستخدم الصينيون الورق المقصوص دائما لطرد الشر وطلب السعادة وزخرفة البيت، كما أنه نموذج للتطريز. جملة القول، الورق المقصوص ورسوم رأس السنة الجديدة يتشابهان في الموضوع والمعنى.

السعادة في الدنيا

رموز البركة

قبل ألفي عام أو يزيد، قال الصينيون إن للسعادة خمسة تجليات هي العمر المديد، والثراء، والصحة والاستقرار، والأخلاق الحميدة، والوفاة. ولكنهم بعد ذلك غيروا رأيهم وقالوا إن السعادة هي العمر المديد والثراء والكرم، أو أن أعظم سعادة هي عدم وجود مصيبة. على أي حال الكل يتمنى السعادة أيا كان معناها بيد أن الرغبة في الإنجاب والعمر المديد كانت قمة السعادة للصينيين.

مؤسسة الأسرة  مكون هام في حياة الصينيين وقد انعكس ذلك في عنايتهم بالانسجام الأسري وكثرة الأبناء. كان الشيئان البارزان في عادات الزواج القديمة، هما التمني للعروسين أن يعيشا حياة سعيدة إلى أن يشيب شعرهما، وأن ينجبا الأبناء مبكرا، وقد ظهرت عادات وأشياء البركة التي تعبر عن هذا المعنى. مثلا، يدخل العريس والعروس عش الزواج يدا بيد وهما يجران "عقدة القلبين المتحدي المركز" المصنوعة من الحرير الأحمر يدا بيد أيضا؛ يقص كل منهما خصلة من شعره ليصنعا بها عقدة قلبين لهما مركز واحد، وقالوا عن هذا "عقد الشعر". وفي منقولات عش الزوجية، صورة لزهور الفوانيا والطيور ذات الرؤوس البيضاء، لماذا؟! لأن الطيور ذات الرؤوس البيضاء ترمز إلى الرغبة في مشاركة الحياة معا حتى يشيب الشعر، وزهور الفوانيا ترمز إلى الثراء والكرم. من بين رسوم رأس السنة الجديدة لوحة لطفلين مبتسمين يحمل أحدهما زهرة اللوتس، ويحمل الآخر علبة مستديرة، والأمر هنا له علاقة باللغة أكثر فكلمتي زهرة وعلبة في لغة الصينيين نطقهما مثل نطق كلمة الالتئام والوئام، المعنى هنا هو أن يعيش الزوجان معا في سعادة ووئام. كانت هناك عادات كثيرة حول التمني بكثرة السعادة وكثرة الإنجاب، من ذلك "نشر ثمار العناب والفول السوداني وقواييوان المجففة وبذور اللوتس وأبو فرو على سرير العروسين، كل هذا تمنيا أن ينجبا بأسرع وقت ممكن، وهذا أيضا له علاقة باللغة أيضا. حاليا قليلون أولئك الذين يعتقدون بأن كثرة السعادة في كثرة الأبناء، غير أن هذه العادة ما تزال باقية في بعض المناطق الريفية، في المدن ينشرون قصاصات الورق الملون والأشرطة الملونة على رأسي العروسين.

 ويهتم الصينيون بعيد ميلاد الفرد، ولكن لماذا؟! تعبيرا عن تمنياتهم في عمر مديد. تنتشر بين أبناء الشعب كثير من الأشياء التي ترمز إلى البركة وقصص تهنئة الآلهة بعيد الميلاد. وقد صمم الناس أشكالا مختلفة لكلمة "العمر"الصينية لتطبع على الورق أو ترسم على الأدوات، واخترعوا صورة إله العمر المديد الذي يبتسم حاملا في يده خوخة العمر المديد. اهتمام الصينيين بعيد الميلاد يعكس أيضا احترامهم للمسنين. في الزمن القديم، كان الفرد إذا تجاوز الستين عدوه من المعمرين، فلابد من الاحتفال بعيد الميلاد الستين، الذي يسمى الاحتفال بالعمر المديد، بينما يسمى الاحتفال بعيد الميلاد قبل الستين "قضاء عيد الميلاد". هناك من يحتفل بالعمر المديد في عيد ميلاده الخمسين. كان هذا الاحتفال التقليدي مختلفا حسب الحالة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية. عند الاحتفال بعيد ميلاد المسن، كانت تقام قاعة للعمر الطويل دائما، تضاء شموع العمر الطويل، وتعلق زهور العمر الطويل الحريرية، وتعلق كلمة "العمر" في وسط القاعة، بينما تعلق لافتتان للعمر الطويل على جانبي هذه الكلمة، مكتوب عليهما عبارتان للعمر الطويل مثل "السعادة الكثيرة مثل مياه البحر الشرقي المتدفقة، العمر الطويل مثل أشجار الصنوبر التي لا تهرم في الجبل الجنوبي". في هذا الاحتفال يأتي الضيوف بهدايا العمر المديد مثل خوخ العمر المديد وستار العمر المديد ولافتة العمر المديد.

من بين أساليب طلب السعادة والبركة، تتميز الكلمات الصينية بجاذبية خاصة. مثلا، في اللغة الصينية نطق كلمة الوطواط مثل نطق السعادة، لذلك يرمز الوطواط إلى السعادة، ونطق الأيل مثل نطق المنصب، فهو رمز للمناصب الحكومية. من عادات عيد الربيع أن تكتب كلمة "السعادة" الصينية على ورقة مربعة، لتلصق على جدار البيت أو على الأدوات والمفروشات في البيت رمزا للبركة والسعادة. هناك من يلصقها مقلوبة رمزا إلى وصول السعادة والبركة إلى البيت. عند الزواج دائما تكتب كلمة "الفرح" أو "السعادة" مزدوجة على ورق أحمر لتلصق على النافذة أو الباب أو الأثاث، رمزا إلى وصول السعادة المزدوجة إلى البيت.

والصينيون يستخدمون اللون الأحمر للتعبير عن السعادة والفرح، فيعلقون الفوانيس وأبيات الشعر المزدوجة الحمراء في الأعياد والزواج وافتتاح الشركات الخ. اللون الأحمر رمز للفرح والكرم، مثلا، كان يسمون أبواب بيوت المسؤولين الكبار "الأبواب الحمراء" في الزمن القديم، كما استخدم اللون الأحمر كثيرا في بنايات القصور الإمبراطورية. اللون الأصفر من الألوان التي ترمز إلى البركة أيضا، كان رمزا للكرم والقداسة والسلطة والمهابة في الزمن القديم، فاحتكر الأباطرة استخدامه، لذلك كانت أزياء الأباطرة باللون الأصفر، وسقوف القصور الإمبراطورية لفترة أسرتي مينغ وتشينغ كلها صفراء.

اليوم، لا يزال الصينيون يهتمون بالعلاقات الأسرية والنسب، غير أن عدد الذين يعتقدون أن كثرة السعادة تكمن في كثرة الإنجاب بات قليلا. رموز البركة التقليدية لا تزال تزين حياتهم، تغير معناها التقليدي، أصبح ضعيفا أو تبدل. كلما حلت أيام الأعياد، لا يزال الصينيون يعلقون الفوانيس والزهور الحريرية ويرقصون رقصة الأسد والتنين، ويستخدمون أساليب حديثة أخرى. اليوم، كل الصينيين، أيا كانوا يكتبون بالكمبيوتر أو بالريشة الصينية، يشربون الشاي أو القهوة، يتمتعون بالأوبرات الصينية أو بالموسيقى الحديثة، يشتغلون محامين أو تجارا، يعيشون في المدن أو الأرياف، كل منهم له لونه المفضل، ويمكن لكل منهم أن يختار أسلوب حياته، ويمتلك مزيدا من الوعي الحديث. لكن تقاليد الثقافة الصينية،لا تزال متواصلة تتوارثها الأجيال. لذلك يحمل كل صيني، أيا كان، بصمات الثقافة الصينية التقليدية التي يصعب محوها.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.