العدد9 سبتمبر(أيلول) 2002

الإصلاح السياسي يبدأ من الريف أيضا!! ريف

خه ري ون

بدأت الصين في ثمانينيات القرن الماضي إدخال إصلاحات على  أساليب اختيار الكوادر في إطار الخطة العامة للسياسة الديمقراطية الاشتراكية لوضع آلية لاختيار الكوادر تكفل التدفق المتواصل للكفاءات وتواكب تطور اقتصاد السوق الاشتراكي. ولوضع ذلك موضع التطبيق على أرض الواقع سعت كل الأجهزة على مختلف المستويات لاستكشاف وتجربة أساليب تحقق هذا الهدف، وكان من أبرز ثمار هذه العملية تطوير أساليب مشاركة الجمهور في الشؤون السياسية بصورة فعالة، بشكل يجسد تقدما جديدا للإصلاح السياسي في الصين.

انتخابات في القرى المراقبة

منذ تأسيس الصين الجديدة كانت الجهة الأعلى تتولى تعيين الكوادر في الأرياف، أو في أحسن الأحوال تحدد الشخص ويجري استفتاء الفلاحين عليه، وكان ذلك إهدارا لحقوق الفلاحين الديمقراطية، وإلغاء لقناة مشاركة الفلاحين في الشؤون السياسية، وإخلال  بمبادئ  المساواة والعدل والشفافية في توظيف الكوادر، ولم يكن غريبا في ظل هذا الوضع أن تنبعث روائح الفساد الكريهة في كثير من الأماكن.

حقق الاقتصاد الريفي نموا كبيرا في ظل سياسة الانفتاح والإصلاح التي تبنتها الصين، ومع زيادة ثراء الفلاحين ارتفع وعيهم ورغبتهم في أن يكونوا سادة لأنفسهم، ولم يكن أسلوب الإدارة التقليدية للفلاحين في ظل قواعد نظام الاقتصاد المخطط يلبي هذه الطموحات. في عام 1980، أقام الفلاحون في محافظتي ييشان ولوتشنغ بمنقطة قوانغشي من تلقاء أنفسهم لجانا لأبناء القرى عن طريق الانتخاب المباشر. في عام 1982 أقر الدستور الجديد للصين بالوضعية القانونية للجان القروية وفي عام 1987 أجازت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب <<قانون تنظيم لجان القرويين لجمهورية الصين الشعبية (التجريبية)>>. منذ ذلك الوقت يتوسع نظام الحكم الذاتي لأبناء القرى من خلال الانتخاب المباشر في أرجاء البلاد بصورة تجريبية.

بعد أكثر من عشر سنوات من الممارسة والاستكمال، أجاز الاجتماع الخامس للجنة الدائمة للمجلس الوطني التاسع لنواب الشعب <<قانون تنظيم لجان القرويين لجمهورية الصين الشعبية>> الذي صدر في نوفمبر 1998. وفقا لهذا القانون تقيم لجنة الانتخاب لأبناء القرية انتخاب لجنة القرية، يرشح اجتماع أبناء القرية أو مختلف فرق أبناء القرية أعضاء لجنة الانتخاب، لا يمكن لأي جهاز أن يحل محلها. يسمي أبناء القرية مرشحي لجنة القرية بأسلوب التصويت مباشرة أو يسميهم 10 أشخاص فما فوق من أبناء القرية بصورة مشتركة، ولا يجوز أن تسميهم حكومة على مستوى الناحية أو جهاز على مستوى القرية. وفي نفس الوقت يجري انتخاب لجنة القرية بحيث يكون عدد المرشحين أكثر من عدد أعضاء اللجنة وبالتصويت السري وإحصاء الأصوات علنيا، وإقامة أماكن للاقتراع السري عند الانتخاب، وإعلان نتيجة التصويت فورا. الكادر الذي لا يؤدي عمله بصورة مستقيمة ويسئ استخدام السلطة لتحقيق مصالح شخصية ويخالف الانضباط والقانون، يجوز أن يقيله أبناء القرية من خلال عملية ديمقراطية محددة.

خلال السنوات الأكثر من العشر التي أجريت فيها بصورة تجريبية الانتخابات القروية المباشرة أظهر الفلاحون الصينيون وعيا قويا للمشاركة السياسية. و في الدورات الأخيرة لانتخاب لجان أبناء القرى ارتفع المستوى الديمقراطي ونسبة مشاركة أبناء القرى ونسبة [[انتخاب الناس الذين ليسوا على قائمة أسماء المرشحين دورة فدورة]]]، وكما قال بعض القرويين: "ربما لا اهتمم بانتخاب رئيس الناحية أو المحافظ، لكنني أهتم كثيرا بكوادر القرية." ذلك أن الضرر الذي يلحق بالفلاحين إذا افتقر الكوادر في قراهم إلى النزاهة يكون فادحا، فتبذير هؤلاء الكوادر يعني استنزاف عرق أبناء القرية؛ وضعف الكوادر في قدراتهم، يعطل نمو اقتصاد القرية، ولكل هذا ورقة الاقتراع شئ هام في أيدي القرويين.

في يوم الانتخاب بقرية تشانغبيقوه، محافظة لوانبينغ بمقاطعة خبي مثلا، استند الفلاح تانغ يوي تشن البالغ من العمر 85 عاما على حفيده ليذهب إلى مقر لجنة الانتخاب ليدلي بصوته. وأبناء قرية تشنغلي بمحافظة شهشيان في مقاطعة خبي استأجروا 6 مصورين مع 6  كاميرات فيديو بأموالهم الخاصة لمراقبة عملية الانتخاب. تعميم انتخاب لجنة القرية ديمقراطيا جعل الفلاحين يقررون مصير الملايين من كوادر الأرياف، فانتخبت مجموعة كبيرة من  المستقيمين والقادرين والمخلصين لخدمة أبناء القرى ليكونوا أعضاء لجان القرى، مما حسن تكوين الكوادر في الأرياف، وعزز التنمية الاقتصادية الريفية والاستقرار الاجتماعي. وفي نفس الوقت تلقي مئات الملايين من الفلاحين التوعية القانونية الديمقراطية الاشتراكية باستمرار أثناء ممارستهم لحقوقهم الديمقراطية مباشرة، فتأصل مفهوم النظام القانوني الاشتراكي في الأرياف.

خادم الشعب المراقبة

العلانية في اختيار الكوادر مثلت اختراقا إصلاحيا لنظام تعيين الكوادر التقليدي. وقد بُذلت جهود كبيرة  في السابق لاستكشاف المؤهلين وتوظيفهم، لكن ذلك ظل بعيدا عن أن يفي بمتطلبات الإصلاح والانفتاح وبناء التحديثات الاشتراكية. في عام 1984، أدخلت مدينة نينغبوه لأول مرة آلية المنافسة في تعيين الكوادر، حيث طبقت أسلوب الاختيار العلمي من جديد للكوادر التي تم تعيينهم بدون الانتخاب في الماضي، وحققت نتيجة جيدة. بعدها قامت كثير من المناطق بالاستكشاف والممارسة في هذا المجال.

عدوى المنافسة في تولي المناصب، انتشرت في كثير من الوحدات وعلى كافة المستويات الإدارية. الاختيار  العلني يمر عادة بمرحلة الإعلان عن الوظيفة ثم مرحلة تسجيل الأسماء علنيا ومرحلة الامتحان التحريري والشفوي ومرحلة الاختبار والتعيين. الذي يقع عليه الاختيار يعمل لمدة عام واحد تحت الاختبار، بعدها وبعد نجاحه في الاختبار والفحص، يجري التعيين الرسمي، بينما يعاد الذي يفشل في الاختبار إلى وحدة عمله السابقة ليمارس عملا آخر.

نظام اختيار الكوادر علنيا فرض تحديا على نظام الكوادر التقليدي. إن نظام شؤون العاملين المعمول به في الصين نشا وتطور تدريجيا في إطار عملية تاريخية طويلة، بحيث بات مناسبا، بصورة عامة، للنظام السياسي الصيني ونظام الاقتصاد المخطط الشديد المركزية بيد انه يحمل كل عيوب مركزية السلطة والأحادية وعدم الشفافية ومع مرور كل يوم تظهر محدوديته في وضع إقامة وإكمال نظام اقتصاد السوق الاشتراكي. أسلوب اختيار الكوادر علنيا حطم أسلوب تعيين الكوادر القديم، فحقق التحول من حكم الفرد إلى الحكم بالقانون؛ والتحول من الانغلاق إلى الانفتاح، فلم يعد اختيار الكوادر يجري في دائرة ضيقة من المعروفين لدى المسئولين، مما حطم القيود الإقليمية والمهنية وقيد العمل، ووسع مجال الاختيار، وحقق الاختيار المزدوج، والقضاء على ظاهرة إنشاء المنصب من أجل فرد بعينه تبذير الكفاءاتء وجعل عملية تنقل الكفاءات أكثر يسرا.

الإعلان قبل التعيين: المراقبة الديمقراطية المراقبة

يقصد بنظام الإعلان قبل التعيين إعلان اسم الكادر الذي سيعين ومؤهله الدراسي ومنصبه الحالي ومنصبه الجديد عبر أجهزة لإعلام للاستماع إلى آراء الجمهور في وقت محدد، التحقيق الرقابة الاجتماعية. إذا ظهرت آراء سلبية من الجمهور بشان الكادر، وتأكدت هذه الآراء بعد التحقق منها يلغى تسميه الكادر في المنصب الجديد. ويتم التعامل مع الكوادر الذين يخالفون الانضباط والقانون وفقا للقانون.

يرى معظم الصينيين أن الإعلان أسلوب ديمقراطي فعال، وتجسيد لامتلاك أبناء الشعب السلطة في أيديهم. هذا الإعلان هو مراقبة للسلطة وتقييد لها، كما أنه سلاح حاد لتحجيم تحويل السلطة العامة إلى سلطة خاصة وإساءة استخدام السلطة، وهو أيضا فكرة جديدة لإدارة المجتمع الحديث. يرى البروفيسور تشو قوي يوي في إحدى جامعات مقاطعة خبي أن الإعلان يعزز اعتراف الجمهور بمن يتولون إدارة المجتمع وثقتهم بهم، بينما يعمم مديرو المجتمع مبدأ العلانية بوعي، مما يرسخ الأساس القانوني لسلطتهم، ويرفع درجة ثقتهم الذاتية بأعمالهم.

إساءة اختيار الكوادر قضية يشكو الصينيون منها بصورة شديدة حيث تشير كثير من الدلائل إلى أن الحصول على المنصب بالرشوة وبيع المنصب وغيرها من ظواهر الفساد على المستوى العميق متفشية في بعض المناطق والوحدات، والسبب يعود بدرجة كبيرة إلى الإبقاء على الغموض والانغلاق في أسلوب اختيار الكوادر. لقد أتاح الجمع بين الآلية القديمة لاختيار الكوادر ومبدأ دفع مصالح اقتصاد السوق، فرصا استغلها عدد من المسؤولين الذين أعماهم الجشع والمتملقين في سبيل الحصول على المنصب. وتطبيق نظام الإعلان قبل تعيين الكوادر ونظام الإعلان المسبق لاختبار الكوادر بصورة تجريبية يعنى أن إدارة شؤون العاملين في الصين تتحول من الانغلاق إلى الانفتاح، فيمكن معرفة الكوادر مسبقا، بل مشاركتهم ومراقبة أعمالهم، وهذا ليس أقل من فتح في إصلاح نظام الكوادر.

نظام انتخاب القرويين لمسئوليهم، وانتخاب أبناء الشعب من يتولى خدمتهم والإعلان قبل تعيين الكوادر وغيرها من أساليب وآليات تعيين الكوادر تمثل ثورة على نظام الكوادر القديم والأفكار التقليدية، كما أنها إصلاح هام مكمل لنظام اقتصاد السوق الاشتراكي. لقد أثار هذا الإصلاح الثوري اهتماما واسعا. بعد دراسة تحقيقية للنظام الإداري الصيني قال ديفي بولان، رئيس الجمعية الدولية للعلوم الإدارية، إن الصين تشهد ثورة إدارية عظيمة، هذه الثورة هي إصلاح للحكومة أيضا. وطالب بولان دول منطقة آسيا والمحيط الهادي بل كل الدول في العالم أن تستفيد  من الإصلاح الإداري الصيني المتميز، لدفع الإصلاح الإداري بها. 

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.