العدد9 سبتمبر(أيلول) 2002
الحرب أم السلام؟

 

مستقبل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

 

وانغ جين ليه، باحث بمعهد آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية

حول الصراع الحالي بين فلسطين وإسرائيل التنمية

الحرب والسلم موضوع دائم منذ القدم، يؤثر في التنمية البشرية على مدار تاريخ الحضارة المبهرة. لذلك فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي بات  مقياسا للحضارة البشرية في القرن الحادي والعشرين. هذا ليس تهويلا لأن هذا الصراع كونه أهم تناقض في مجتمع الشرق الأوسط مستمر منذ أكثر من نصف قرن، وقضية فلسطين هي نواة هذا التناقض.

ظلت منطقة فلسطين واحدة من أكثر مناطق العالم سخونة بعد الحرب العالمية الثانية. هذا الصراع المعقد والطويل لم يحرم فقط أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعذب في أرضه المحتلة من حقوقه القومية المشروعة فحسب، بل أنكر على شعوب العالم حقها في التمتع بالحضارة البشرية للقرن الحادي والعشرين تحت نيران المدافع ودخان القذائف. في سبتمبر 2000 اقتحم أرئيل شارون المسجد الأقصى مفجرا انتفاضة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ أكثر من  عشرين شهرا، ويوما بعد يوم تزداد حدة الصراع، الذي يحتل بؤرة اهتمام العالم.

سياسة القوة التي ينتهجها  شارون منذ توليه السلطة في إسرائيل أقحمت عملية السلام في الشرق الأوسط في نفق مسدود، ويتهم شارون، دائما، منظمة التحرير الفلسطينية بأنها منظمة إرهابية‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍. بعد أحداث 11 سبتمبر حاول شارون أن يدخل ضربه للسلطة الوطنية الفلسطينية ضمن"الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب" الأمريكية. وبرغم أن إسرائيل "حبست" الرئيس ياسر عرفات، وضربت الشعب الفلسطيني بالطائرات والدبابات، وجعلت العين لا ترى إلا آثار الخراب والدمار في المنطقة الفلسطينية، لم تستطع قهر الشعب الفلسطيني، وحظيت فلسطين بالتأييد في كل دول العالم. حيث شهدت معظم الدول مظاهرات شعبية احتجاجا على القمع الإسرائيلي الوحشي ومساندة للشعب الفلسطيني. بل إن بعض  أنصار السلام جاءوا إلى مقر عرفات ليكونوا "درعا بشريا" يحمي عرفات. من بينهم سيدة يهودية.

ياسر عرفات ليس زعيما للشعب الفلسطيني فقط، بل بطل في العالم العربي، وقد أكدت وسائل الإعلام العربية أن مكانته تتعاظم، فأصبح مرة أخرى رجل الساعة في العالم، تأثيره مثل تأثير جمال عبد الناصر في العالم العربي أثناء حرب السويس عام 1956.   

حول طبيعة حركة التحرير الفلسطينيةالتنمية

كيف نرى الصراع الحالي بين فلسطين وإسرائيل؟ من المهم أولا أن نحدد طبيعة هذه الصراع، لأن ذلك يساعدنا في التعرف على الوضع من بين الحقائق المعقدة لنستشرف المستقبل.

التناقضات الحالية بين فلسطين وإسرائيل ليست مثل التناقضات العادية بين مختلف الدول. حيث خاض الشعب الفلسطيني نضالا طويلا من أجل حقوقه الوطنية وحقه في الحياة، مما جعل هذا النضال حركة تحرر وطنية، جزء من حركة التحرر الوطني العالمية في القرن العشرين. مع أن حركات التحرر الوطني قد انتهت تقريبا في كل العالم بالنصر، لم تحقق حركة التحرر الوطني الفلسطينية النصر حتى الآن في ظل بيئة دولية وظروف اجتماعية وتاريخية معقدة، لكن طبيعتها لم تتغير، فهي مازالت حركة تحرر وطني لم تنته حتى اليوم. تعرض هذا النضال لنكسات وعثرات، وتعرضت منظمة تحرير الفلسطينية، القوة الرئيسية لحركة التحرر الوطني الفلسطينية لضربات شديدة بسبب سياسات الدول الكبرى، ومن ثم من الصعب عليها أن تواجه خصمها مواجهة عسكرية مباشرة، ولا تزال حتى اليوم في وضع "أن قوتها أضعف من الحقيقة التي تتمسك بها". لكن ذلك لا ينفى أو يقلل من عدالة وشرعية حركة التحرر الوطني الفلسطيني، لذلك حصلت حركة التحرر الوطني الفلسطيني على دعم معظم الدول، من ضمنها الصين، حيث اعترف بها أكثر من مائة بلد بعد إعلان إقامة دولة فلسطين عام 1988. حظيت فلسطين بدعم معظم الدول لأنه حسبما يذهب قول صيني قديم: العدل ينال تأييدا كبيرا أما الظلم فلا يعينه إلا القليل.هذا هو التيار الرئيسي للحضارة البشرية.

رؤية شاملة للصراع  #

من أجل مزيد من التعرف على تطور الصراع بين فلسطين وإسرائيل، قمنا قبل عشر سنوات وعلى أساس الاستعراض الشامل لهذا الصراع بتقسيم المراحل التاريخية له، وقمنا بالتحليل المستقبلي لتطوره.

انطلاقا من الوضع الكلي للصراع بين فلسطين وإسرائيل، نقسم عملية تطور هذا الصراع إلى ثلاث مراحل: مرحلة المجابهة الكلية، مرحلة الصراع المتكافئ، مرحلة الحل السياسي.

أولا، مرحلة المجابهة الكلية (من نهاية أربعينيات إلى نهاية سبعينيات القرن العشرين). "قرار التقسيم" الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947، وإقامة دولة إسرائيل عام 1948 وحرب فلسطين التي نشبت فور إقامة دولة إسرائيل رفعت ستار المواجهة الشاملة العربية الإسرائيلية. تتميز هذه المرحلة بالنضال السياسي والاقتصادي ضربة بضربة بين الطرفين العربي والإسرائيلي والمجابهة العسكرية العنيفة، وقد اندلعت أربع حروب في الشرق الأوسط.

ثانيا، مرحلة الصراع المتكافئ (من نهاية السبعينيات إلى بداية التسعينيات). زيارة الرئيس المصري السابق أنور سادات إلى القدس في نهاية عام 1977 كسرت حلقة المواجهة الكلية الطويلة المزمنة بين الطرفين العربي والإسرائيلي ورفضهما للتفاوض، فبدأ التفاوض الجزئي المباشر. ودخل الصراع بين فلسطين وإسرائيل مرحلة اختلط فيها الصراع والتفاوض مع وجود التفاوض الجزئي والحرب الجزئية (حرب لبنان عام 1982) وكانت الصراعات مثل الأمواج الهائلة. مع أن هذه المرحلة استمرت بضع عشرة سنة فقط، لكنها أكثر من المرحلة السابقة تعقيدا.

ثالثا، مرحلة الحل السياسي (من تسعينيات القرن العشرين إلى اليوم). دخل الصراع بين فلسطين وإسرائيل مرحلة تاريخية جديدة أبرز رموزها مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط. رغم أن المناوشات الصغيرة بين الطرفين العربي والإسرائيلي لم تنقطع بل تحدث دائما حتى اليوم، قلت العناصر التي تسبب حروبا واسعة بصورة ملحوظة، وأصبح الحل السياسي "النغمة الرئيسية" لهذه المرحلة. وطبيعي أن التناقضات بين الطرفين العربي والإسرائيلي مزمنة ولن يمكن حلها دفعة واحدة، ونحن نتوقع حدوث تقلبات وتكرارات وتراجعات كما ثبت من عملية التفاوض السلمي بين الطرفين منذ مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط الذي انعقد أكتوبر 1991.

المشروع السعودي والحل النهائي ي التنمية البشرية

في 28 مارس هذا العام أصدر مؤتمر القمة العربية<<إعلان بيروت>> الذي يتخذ المشروع السعودي أساسا له. طرح هذا الإعلان اعتراف الدول العربية بوجود إسرائيل وضمان أمنها وإقامة علاقات طبيعية معها مقابل انسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 واعترافها بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين بصورة عادلة. ولأن هذا الإعلان هو قرار جماعي للدول العربية، فإن له أهمية واقعية كبيرة وأهمية تاريخية عميقة، ويتفق وقرارات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية المعنية (مثل قراري مجلس الأمن 242 و338)، ونال الإعلان تأييد المجتمع الدولي، من الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا، وسيكون هذا الإعلان هيكلا أساسيا لحل الصراع العربي الإسرائيلي في النهاية.

يعني <<إعلان بيروت>> أن الدول العربية ستتخذ تنازلات هامة متحملة تضحيات جسيمة لتحقيق السلام. وفقا لقرار التقسيم رقم 181 لعام 1947، تقام دولتان في فلسطين: دولة يهودية ودولة عربية، مساحة الأولى 5ر14 ألف كم مربع، تحتل نحو 55% من أراضي فلسطين؛ ومساحة الدولة العربية 6ر11 ألف كم مربع، تحتل نحو 44% من أراضي فلسطين، وتكون منطقة القدس التي تبلغ مساحتها 187 كم مربعا منطقة دولية مشتركة الإدارة. توقفت الحرب الفلسطينية الأولى في يوليو 1949، وسمى خط إيقاف النار الخط الأخضر في ذلك الوقت، تحتل إسرائيل نحو 20697 كم مربعا من الأراضي داخل الخط الأخضر، تحتل نحو 78% من إجمالي مساحة فلسطين. قبل حرب  1967، كان الخط الأخضر الخط الفاصل بين منطقتي سيطرة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي (العربي والإسرائيلي) بصورة أساسية.

وعليه فإن <<إعلان بيروت>> يعني أن الدول العربية تقدم تنازلات مهمة، ستتنازل عن نحو 22% من الأراضي. ومقارنة مع قرار التقسيم، ستحصل إسرائيل على زيادة في الأراضي نحو 23% (تشمل بعض الأراضي التي تنتمي إلى المنطقة الدولية المشتركة الإدارة سابقا).

إضافة إلى ذلك علينا أن نلاحظ أن إسرائيل قد حلت مشكلة وجودها، وأصبحت ضمن المجتمعات الثرية (منذ أواسط التسعينيات، تجاوز معدل نصيب الفرد من الناتج القومي 15 ألف دولار أمريكي)، هذا النوع من المجتمعات يحتاج الاستقرار موضوعيا؛ وفي داخل إسرائيل تنمو قوى السلام تدريجيا، وتلعب دورا متزايدا في الحياة الاجتماعية والسياسية؛ وفي الواقع لا يمكن لإسرائيل أن تسيطر على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالعنف لمدة طويلة، لأن ذلك يعارض المبادئ الأساسية لإقامة دولة إسرائيل (الخاصية اليهودية ومبدأ الديمقراطية).

لذلك ومع تبني الدول العربية "المبادرة السلمية"، إذا استطاعت الحكومة الإسرائيلية أن تدرس الوضع وتقدر تطوراته، وتغير موقفها المتصلب، فليس من المستحيل أن يتحقق السلام.

مفتاح السلام في يد إسرائيل ي التنمية البشرية التنمية

بعد عشرات السنين من التطور تحولت إسرائيل التي كانت بلدا صغيرا في الركن الغربي لآسيا إلى بلد قوي في الشرق الأوسط  (تمتلك الأسلحة النووية). في الواقع أصبحت إسرائيل منذ أواخر الثمانينيات الطرف الرئيسي في النزاع - الصراع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، الذي يقرر توجه تطور هذا النزاع ويمسك بمبادرة الحرب والسلام. واستعراض الفترة من تسعينيات القرن الماضي إلى اليوم نجد أنه كلما اتخذت الحكومة الإسرائيلية سياسة مرنة نسبيا، حققت عملية السلام في الشرق الأوسط نوعا من التقدم؛ وبالعكس، تدخل عملية السلم في مأزق، بل تتراجع، فالسياسات المتشددة التي اتخذها شارون بعد توليه السلطة لم تؤدي فقط إلى تراجع خطير لعملية السلم، بل زادت من اضطراب الوضع في الشرق الأوسط. رغم أن الدول العربية لوحت بغصن الزيتون مبكرا لخصمها (إعلان فاس الذي أصدره مؤتمر القمة العربية لعام 1982 يوضح التغير الشامل لاستراتيجية الدول العربية تجاه إسرائيل)، لم يؤثر ذلك في إسرائيل التي تعتقد أن قوتها العسكرية جبارة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانبها.

الواقع دائما قاس. المشروع السعودي اعتبر أن الدول العربية تلوح لآخر مرة بغصن الزيتون لإسرائيل، لكن مفتاح السلام في يد إسرائيل، التي لم تغير موقفها المتصلب. من أجل تحقيق مزيد من المصالح لا تريد إسرائيل إعادة الأراضي العربية المحتلة والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وهذا هو أهم عائق لحل الصراع العربي الإسرائيلي.

نتمنى تحقيق السلم في الشرق الأوسط قريبا ي التنمية البشرية التنمية

رغم أن دخان نيران الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي كثيف والوضع معقد ومحير، خاصة وأن الليكود أجاز مؤخرا قرارا يعارض  إقامة دولة فلسطين، الغيوم لن تحجب أشعة الشمس دائما، لا يزال هناك أمل لتحقيق السلام، وإن كان الطريق إليه طويلا. فلسطين هذه الأرض التي تحتضن الحضارة البشرية العريقة، ومهد الأديان السماوية الثلاثة كانت تسمى "أرض اللبن والعسل"، الآن يسيل عليها "الدم والدموع". إن عدم استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية واستمرار إراقة الدم والعنف على هذه الأرض ليس فقط مأساة للشعب الفلسطيني، بل مأساة للحضارة البشرية في القرن الحادي والعشرين. نأمل أن يدرس طرفا الصراع الوضع ويقدرا تطوراته، ويتمسكوا بالفرص ليقدما إسهامهما للحضارة البشرية. كي ينعم الشرق الأوسط بالسلام في أقرب وقت ممكن.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

الصين والعالم العربي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.