آراء من الخارج < الرئيسية

رابطة المصير المشترك للبشرية بعيون عربية

: مشاركة
2018-02-05 16:00:00 الصين اليوم:Source محمد علام:Author

في بداية قصة البشرية كانت الأسرة هي المنظومة التي يحيا في داخلها الفرد. ولبساطة الاحتياجات الإنسانية في طفولتها، كان هذا التجمع البسيط بدوره كافيا لتلبيتها. وبمرور الأيام تطورت حاجات الإنسان فأصبح لزاما عليه التفاعل مع الآخرين خارج هذا النطاق الضيق، لتعرف قصة الحضارة تجمعات أكبر بدأت بظهور القبائل، ثم المدن فالدول. ورغم أن المؤرخين وعلماء الآثار يشيرون إلى وقوع قتال بل ومذابح أحيانا في الكثير من اللقاءات الأولى بين الناس وبعضهم البعض، فإنها كانت ضريبة لابد وأن تدفع. في النهاية، نجح الإنسان في تغليب رغبته في البقاء حيا وفطرته في التعاون والتعارف بدلا من الحرب أو الإغارة لقضاء حاجاته، لتظل طوال آلاف السنين تتصارع في قصة كوكبنا، مشاعر الشعبوية والبحث عن المصلحة الفردية لدولة أو قومية ما مع هذه الفطرة، مما أنتج خلافات أدت إلى حروب مدمرة واستعمار حفنة دول لعشرات من الأمم. وحاليا ترتفع أسهم الشعبوية في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي.

بنظرتي لهذا كله كعربي، عانت أمته كثيرا من الاستعمار منذ قرون، ويشاهد بعينيه الآن أحداث نزاعات رهيبة بُنيت أساسا على أسس قومية وطائفية، أشعر كالواقف على الطرف الآخر من النهر؛ على هذا الطرف تقف الصين رافعة ضمن مبادئها مبدأ رابطة المصير المشترك للبشرية، مؤكدة أخيرا على هذا في المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، الذي عقد في أكتوبر 2017.

على النقيض

على النقيض من رابطة المصير المشترك للبشرية، نجد الشعبوية كما قلنا. الشعبوية كمصطلح لا تزال تثير خلافا بين المفكرين حول تعريفها، لكننا يمكن التعبير عنها ببساطة بأن دولة ما أو قومية معينة أو حتى مجموعة تشترك في صفة معينة كالوظيفة أو الاعتقاد الديني، قررت أنها الأفضل، أو الأعرق، أو حتى الأكثر ثراء، ولذلك يجب أن تحول دفة الأمور إلى مصالحها فقط، دون أدني اكتراث بمصالح الآخرين.

يعتقد المؤرخون أن أول ظهور لهذا المصطلح كان عام 1878 في روسيا القيصرية، كشرارة أطلقها الفلاحون ضد ملاك الأراضي، لتنتقل سريعا إلى الريف الأمريكي ضد أصحاب البنوك والشركات، لكنها اتسعت في يومنا هذا لنرى نحن العرب دولا تشن حروبا لتسلب ثرواتنا وتترك بلادنا تواجه مصيرا قاتما.

تختلف هذه الصورة القاتمة تماما مع السياسة الصينية، فبجانب ثورتها الاقتصادية في ثمانينات القرن الماضي، صعدت ثورة فكرية تنبذ الأفكار البالية ساعية إلى الأفضل، فظهرت أفكار مثل التعاون والربح المشترك محل الانغلاق على الذات. فعلى الرغم من العلاقات التي تربطنا جميعا نحن العرب مع الصين، لم تقم الصين نجاحها الاقتصادي على أنقاض المدن وجماجم الأبرياء وصرخات الأطفال في بلادنا أو غيرها من دول العالم، بل بالصناعة والتجارة والتعليم. تجد ذلك في مئات المشروعات الضخمة حول العالم أقيمت مجانا لمساعدة الآخرين على العيش بشكل أفضل. تجده في شركات الصين التي أنشأت مشروعات استثمارية في أفريقيا ومن حولها مدارس ومستشفيات مجانية في المناطق الفقيرة، تجده في المنح العلمية المجانية التي تقدم لكوادر من دول أخرى وتزيد أعدادها سنويا، تجده في فرق الصين الطبية التي طارت لتحارب فيروس إيبولا في أفريقيا، وتساعد ضحايا الكوارث الطبيعية في آسيا، تجده في محور قناة السويس عام 2013، حين واجهت مصر أزمة في الطاقة الكهربائية فلم يغادر الصينيون ويتركوا العمال دون مصدر دخل، بل شيدوا لأنفسهم محطة توليد طاقة كهربائية ليستمر العمل وتحفظ للعمال حقوقهم وكرامتهم ومصير أسرهم. وإذا فتشت بدقة بعيون عربية ستجده في ضمير مليار وثلاثمائة مليون صيني.

الاحتباس الحراري

بعين عربية أيضا، ربما لن أجد مثالا عمليا يشرح لنا نحن العرب الفارق العملي بين المبدأ الصيني القائل برابطة المصير المشترك للبشرية، وبين الشعبوية أفضل من الاحتباس الحراري، الذي يمثل تهديدا جديا على الكثير من المدن العربية التي تطل على ساحل البحر المتوسط، مع تحذيرات متتالية بإمكانية غرق هذه المساحات، كواحدة فقط من تهديدات جدية تواجه كوكبنا كله وليس أمتنا فحسب. عالم اليوم شره جدا تجاه الطاقة، فنحن نحتاجها في كل نواحي الحياة، وللحصول عليها نعتمد أساسا على الوقود الأحفوري وفي الطليعة منه البترول والفحم، وبالطبع فلهذا انعكاسات سلبية تمثلت في ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض وظاهرة الاحتباس الحراري. سجل العلماء انشقاقات وذوبان لمساحات شاسعة من الجليد في القطبين، وحالات انتحار جماعي لحيوانات لم تعد قادرة على تحمل التغير المناخي. هناك رابط بين بعض الكوارث الطبيعية أيضا وتلك الحالات، خسرنا نحن العرب أيضا مساحات كبيرة كانت صالحة للزراعة، وتواجهنا مشكلات مثل التصحر.

لمواجهة كل هذا، اتفقت 195 دولة من 197 دولة هي كل أعضاء الأمم المتحدة، باستثناء سوريا ونيكاراغوا، على التزام جميع الدول بمحاربة التغير المناخي، وتقليل مستويات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى مستويات يمكن للأشجار والتربة والمحيطات والأنهار امتصاصها بشكل طبيعي، مع مراجعة دورية للتقدم في هذا الصدد، وتقديم مساعدات لدول الجنوب الفقيرة التي لم تتسبب في هذه الظاهرة وأصبحت تعاني منها بشدة، ومن بينها العديد من دولنا العربية.

وفقا لمبدأ المصير المشترك للبشرية الذي تتبناه الصين، تعتبر هذه الاتفاقية تنفيذا عمليا. الجميع هنا عليه مسؤولية وسيعمل على أداء المطلوب منه. على العكس من هذا موقف الإدارة الأمريكية، إذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاقية. يري ترامب أن "أمريكا أولا" وأن هذه الاتفاقية تشكل خسارة اقتصادية لبلاده وضياع فرص عمل.

كعربي قد لا يثير هذا استغرابي، فلقد اعتدنا لقرون أن القوي دائما يفرض شروطه ويضع مصلحته أولا، وربما منفردة في الكثير من الأحيان. لكن الجديد هذه الأيام، أن الصين وبعد ما حققته من نجاحات، لا تزال تؤمن بوقوفها على الجانب الصحيح، فكانت النتيجة أن صمد مبدأ رابطة المصير المشترك للبشرية أمام انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس.

لم تظل الصين على مبدئها فحسب، وإنما أيضا ردت بشكل عملي على الرئيس الأمريكي، فرغم التزامها بالمعاهدة يمكن للجانبين الصيني والأمريكي المشاركة في الكثير من الأرباح، ومن الأمثلة على ذلك الافتتاح الوشيك لمصنع نسيج صيني عملاق تابع لمجموعة "شاندونغ رويي للتكنولوجيا" في مدينة فورست سيتي بولاية أركنسو الأمريكية، كأول مصنع نسيج صيني عملاق في أمريكا الشمالية. سيوفر هذا الاستثمار 800 فرصة عمل، بخلاف زيادة فرص الفلاحين في زراعة محصول القطن.

معركة واحدة

حسب نظرية "الأواني المستطرقة"، إذا كان هناك تهديد واحد يواجهنا جميعا وبشدة في عالمنا اليوم، فهو ذلك الخطر الأسود المسمى بالإرهاب، الذي هدم دولا بأكملها، وأذهب الأمن في بقاع أخرى بدرجات متفاوتة.

كعربي، رأيت الكثير من دول منطقتي تتأثر بهذا، وبموضوعية فنحن أكثر منطقة ترزح تحت نير الإرهاب، لكننا كشعوب وحكومات عربية نتفق معا على أن هذا التهديد يشكل خطرا على البشرية جمعاء ولسنا نحن فقط. وفقا لمبدأ رابطة المصير المشترك للبشرية، تتشارك الصين نفس وجهة النظر العربية. وكما أن التهديد واحد ينبغي أن تكون المواجهة واحدة، بدلا من اتهام أمتنا بأنها مصدر الإرهاب وجعلها سمة معلقة بنواصينا.

ساعدتنا الصين، بداية من المدفع والصاروخ، فقدمت الأسلحة الصينية ذات التكنولوجيا العالية وتكلفة التشغيل المنخفضة مقارنة بنظيرتها الغربية والروسية، وقدمت مساهمات بارزة بكفاءة عالية في أرض المعارك في العراق، وخصوصا الطائرات دون طيار الصينية الصنع، بجانب ذلك فبكين حريصة على التعاون مع أجهزة إنفاذ القانون في مختلف الدول في مجال تبادل المعلومات والخبرات والدروس المستفادة.

حتى على الصعيد الإعلامي، فلا مجال في الصين لتسمية مقاتلي التنظيمات الإرهابية بالمسلحين أو المتمردين على سبيل المثال، لا تعبير في القاموس الصيني لوصفهم سوى بالإرهابيين. أما فكريا فلم نسمع الصين في هذا الصدد يوما يصدر منها حديث عن الإرهاب الإسلامي. الصين لا تلصق تلك التهمة بالديانة الإسلامية، بل لا تلصقها بأي ديانة على الإطلاق، بل تدرك تماما ومنذ زمن طويل أن الفهم الصحيح للإسلام هو اللبنة الأولى لمواجهة الإرهاب وتحصين المجتمعات ضده، وهي في إطار ذلك تتعاون مع مؤسسات مثل الأزهر الشريف في مصر. المبعوثون الصينيون لا يتوقفون عن القدوم لمصر للدراسة في أروقة الأزهر وكليات جامعته العريقة، كما تزيد أعداد المساجد في الصين بشكل مطرد لتنشر رسالة السلام السامية للإسلام.

كعربي

منذ إعادة تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه أمام المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي في أكتوبر 2017 على مبدأ "رابطة المصير المشترك للبشرية"، لم تتوقف وسائل الإعلام الغربية عن إنتاج مئات من مقالات الرأي، وخصصت فترات طويلة من ساعات البث التليفزيوني والإذاعي تنافست جميعها في إثارة القلق حول هذا المبدأ الصيني في نفوس شعوبنا، التي تاقت ليوم يساعد فيه الإنسان أخاه الإنسان بمبادئ وقيم.

وكعربي، أدرك أن النفسية العربية من طول ما عانت من خذلان الدول الكبرى التي لم تعرف في أي يوم إلا مصلحتها، تحتاج إلى إيضاح كامل للصورة. وينبغي هنا الإشارة إلى العديد من المسائل الهامة، ربما على القمة منها انطلاق الصين بمخزون حضاري يمتد ضاربا بجذوره إلى أعماق التاريخ. هذه الحضارة والأخلاق والفلسفة والأدب والفنون تشير جميعها إلى شعب يعرف التعاون والربح المشترك منذ طريق الحرير القديم، فبالتجارة لا بالسيف تعرف الصيني القديم على العالم وعرفه العالم. ويمكن أن نشير إلى هذا بمصطلح "الخصائص الصينية"، الذي تعتمده دائما القيادة الصينية في حديثها. يقول الرئيس شي: "إن الصين لن تسعى أبدا إلى التنمية على حساب مصالح الآخرين." هذا تراه أمتنا العربية عمليا، فالصين صارت ثاني أكبر اقتصاد في العالم من دون أن تشن حربا أو تطلق رصاصة، وفي تجمع "بريكس"، وفي مبادرة "الحزام والطريق".

لقد أصبحنا في عالم شديد التعقيد، لا يمكن فيه لأي بلد أن يعالج تحدياته منفردا، وإن كان هناك من يرى نفسه خارج الصف أو أفضل من الآخرين، فإن معظم الدول تتشارك الإيمان بالمبدأ الصيني السامي، وظهر ذلك جليا لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة في العاشر من فبراير 2017، عندما دمجت المبدأ الصيني في قرار دولي دعا المجتمع الدولي لتعزيز التنمية في أفريقيا بروح التعاون المربح للجميع ولخلق مستقبل مشترك يركز على مصيرنا المشترك، وتلى ذلك في 17 مارس صياغة مفهوم بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية في قرار الأمم المتحدة 2344 المتعلق بتعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان والمنطقة المحيطة بها، وفي 23 من نفس الشهر اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارين بشأن إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جميع البلدان، والحق في الغذاء، وحمل القراران دعوة لبذل جهود لبناء مجتمع المصير المشترك، لأول مرة في تاريخ مجلس حقوق الإنسان.

إن هذا المبدأ الذي يتمسك به الرئيس شي جين بينغ منذ يومه الأول في الحكم، أوسع بكثير مما حصره البعض في التعاون الاقتصادي، فهو يشتمل على التعاون من أجل السلام وتعزيز الثقافة وحق الإنسان في الحياة والتعلم، وصولا إلى التعاون في أمن الطيران والنقل البحري. هذا كله سنراه أمرا واقعا نتيجة المبدأ الصيني العالمي. آن الأوان للإنسانية كي تستريح من الدمار، لتضع الحروب أوزارها، وآن لنا أن ندرك أن مصير البشرية مصير واحد.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4