على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

منتدى التعاون الصيني- العربي

: مشاركة
2018-07-31 12:48:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

عُقدت في العاشر من يوليو 2018، الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي في بكين، والتي افتتحها الرئيس الصيني شي جين بينغ بكلمة بالغة الأهمية، ومعه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وحضرها السيد وانغ يي عضو مجلس الدولة ووزير خارجية الصين والسيد أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية ووزراء الخارجية وممثلو الدول العربية. أجرى الاجتماع مناقشات شاملة ومتعمقة حول مواصلة توطيد الصداقة بين الصين والدول العربية، وتعزيز بناء "الحزام والطريق"، والدفع المشترك لبناء علاقات دولية جديدة ومجتمع المصير المشترك للبشرية، وتعزيز بناء آلية منتدى التعاون الصيني- العربي وغيرها من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك لكلا الجانبين. في كلمته أمام الاجتماع، أعلن الرئيس شي أن الصين والدول العربية اتفقتا على إقامة "شراكة صينية- عربية إستراتيجية موجهة إلى المستقبل للتعاون الشامل والتنمية المشتركة." وقال إن الدول العربية شريك طبيعي للصين في التعاون فى مبادرة الحزام والطريق، وإن التعاون بين الجانبين بعث النشاط في كل أبعاد العلاقات الصينية- العربية ودفع التعاون الصيني- العربي الشامل إلى مرحلة جديدة. وأعرب رئيس الدولة الأكثر سكانا في العالم عن استعداد بلاده للعمل مع الجانب العربي لتنسيق إستراتيجيات التنمية وإجراءاتها. وقال: "يجب أن نسعى جاهدين لدعم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وحماية النزاهة والعدل وتعزيز التنمية المشتركة والتعلم من بعضنا البعض كما يفعل الأصدقاء." وأشار إلى أن الصين والدول العربية بحاجة إلى تعزيز الثقة الإستراتيجية وأن يظل الجانبان ملتزمين بالحوار والتشاور وتدعيم مبدأ السيادة ومناصرة المصالحة الشاملة ومكافحة الإرهاب. وفيما يتعلق بمساعدة الصين والدول العربية بعضهما البعض في تحقيق حلم النهضة لكل منهما، طالب الرئيس شي بأن يواصل الجانبان التركيز على الترابط، وقال إن التعاون فى مجال الطاقة يحتاج إلى أن يكون مدفوعا بكل من النفط والغاز والطاقة المنخفضة الكربون، كما يجب أن يسير التعاون المالي جنبا إلى جنب مع التعاون فى التكنولوجيا الجديدة والعالية.

وأعلن الرئيس شي أن بلاده، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، سوف تقيم اتحادا مصرفيا بين الصين والدول العربية. وقال إن الصين تتطلع إلى مشاركة الدول العربية فى معرض الصين الدولي الأول للاستيراد في مدينة شانغهاى فى شهر نوفمبر 2018، مؤكدا على أن الصين تلتزم بتعميق الإصلاحات فى جميع الجوانب، وتواصل سياستها الأساسية للانفتاح وتتابع التنمية مع سياسة الباب المفتوح. وقال شي إن الصين والدول العربية، باعتبارهما من الجهات الفاعلة على الساحة السياسية الدولية، ينبغي أن يبذلا جهودا متناغمة لإيجاد طريق جديد نحو النهضة الكاملة للشرق الأوسط، مؤكدا على أهمية احترام الظروف الوطنية المختلفة لدول المنطقة واختياراتها المستقلة وتدعيم مبادئ المعاملة على قدم المساوة والسعي إلى إيجاد أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانبا.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أعرب الرئيس الصيني عن أمله في أن تتمسك الأطراف المعنية جميعها بالتوافق الدولي وبمعالجة القضايا المتعلقة بفلسطين بطريقة متجردة. وقال: "من الضروري البناء على حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وإخراج محادثات السلام بين فلسطين وإسرائيل من الطريق المسدود بأسرع ما يمكن."  

"منتدى التعاون الصيني- العربي" هو أول إطار للتعاون الجماعي العربي- الصيني. تأسس في الثلاثين من يناير عام 2004، أثناء زيارة الرئيس الصيني السابق هو جين تاو إلى مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، حيث أعلن الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير خارجية الصين السابق لي تشاو شينغ "البيان المشترك" بشأن تأسيس المنتدى الذي يهدف إلى تعزيز الحوار والتعاون ودفع عجلة التنمية والتقدم بين الجانبين. 

المنتدى، الذي يضم في عضويته كلا من الصين والدول الاثنتين والعشرين الأعضاء بجامعة الدول العربية، له ثلاث آليات عمل رئيسية، هي: الاجتماع الوزاري الذي يعقد دورة كل سنتين في الصين أو في مقر جامعة الدول العربية أو في إحدى الدول العربية بالتناوب كما أن له أن يجتمع في دورات غير عادية إذا اقتضت الضرورة ذلك؛ واجتماع كبار المسؤولين الذي يعقد سنويا ويستضيفه الطرفان بالتناوب، أو كلما اقتضت الضرورة ذلك باتفاق الطرفين؛ والاجتماعات النوعية، مثل مؤتمر رجال الأعمال وندوة العلاقات الصينية- العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية ومؤتمر الصداقة الصينية- العربية ومؤتمر التعاون الصيني- العربي في مجال الطاقة وندوة التعاون الإعلامي الصيني- العربي والفعاليات الثقافية المتبادلة؛ وأخيرا مجموعة الاتصال التي تتولى الاتصال بين الطرفين ومتابعة تنفيذ القرارات والتوصيات التي يتم التوصل إليها في الاجتماعات على المستوى الوزاري وعلى مستوى كبار المسؤولين.

منذ تأسيس المنتدى، تم عقد ثماني دورات للاجتماع الوزراي، الأولى في القاهرة بتاريخ 14 سبتمبر 2004، والتي شهدت توقيع الجانبين على "إعلان منتدى التعاون الصيني- العربي" و"برنامج عمل منتدى التعاون الصيني- العربي". وباستضافة بكين للدورة الثامنة للاجتماع الوزاري، فإن التعاون الصيني- العربي دخل عصرا جديدا نحو البناء والتطوير، من أجل مواصلة تعزيز التعاون الثنائي في كافة المجالات، حيث تسعى الصين إلى تطوير الروابط الإستراتيجية مع الدول العربية من أجل تحقيق شراكة متكاملة في بناء "الحزام والطريق"، وكذلك تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وتعميق التعاون في مجالي السلام والأمن ودعم التبادل الثقافي والإنساني بين الجانبين.

والحقيقة أن الاجتماع الوزاري الأخير جاء في ظل ظروف ملائمة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق نقلة نوعية وقفزة إلى الأمام في العلاقات الصينية- العربية الجماعية، فقد أقامت الصين علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة وعلاقات الشراكة الإستراتيجية وعلاقات التعاون الإستراتيجي مع 11 دول عربية، وفي عام 2016 أصدرت الحكومة الصينية "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية"، التي وضعت خطة إستراتيجية شاملة للتنمية المستقبلية للعلاقات الصينية- العربية في العصر الجديد. كما أن الصين وقعت اتفاقيات مع كافة الدول الاثنتين والعشرين الأعضاء في جامعة الدول العربية في مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والفني، وشهد حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية زيادة هائلة، من 7ر36 مليار دولار أمريكي في عام 2004 عند تأسيس المنتدى إلى أكثر من 191 مليار دولار أمريكي في عام 2017. كما أن الصين حاليا هي ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية. وفي نهاية عام 2016، وصل حجم التدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة المتراكمة إلي الدول العربية إلى أكثر من 15 مليار دولار أمريكي، مقارنة مع 180 مليون دولار أمريكي فقط في عام 2004، كما بلغ حجم العقود الجديدة التي وقعتها الشركات الصينية مع الدول العربية إلى أكثر من أربعة مليارات دولار أمريكي.

وتعزز الصين تعاونها مع الدول العربية في القضايا الإقليمية والدولية الساخنة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والأزمة السورية، والأزمة اليمنية، ومكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، ويعارض الجانبان الصيني والعربي سياسات الهيمنة والقوة ويدعوان إلى الحفاظ على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وتشارك الصين في منصات الحوكمة العالمية المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العشرين من أجل الحفاظ على حقوق ومصالح البلدان النامية، ومنها الدول العربية. وتولي الصين اهتماما بتعزيز التفاهم المشترك مع الدول العربية في إطار نهج "التوجه غربا" الذي تتبناه في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، ليتلاقى ذلك مع نهج "التوجه شرقا" على طول طريق الحرير الذي تتبناه الدول العربية. 

وقد تجسد الخط العام للعلاقات الصينية- العربية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية- الصينية العربية في التوافق العام حول قضايا العلاقات الدولية؛ بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان والتنمية وإصلاح الأمم المتحدة والنظام الاقتصادي العالمي، من دون انخراط أي من الطرفين بشكل مباشر ومؤثر في قضايا تدخل في دائرة الاهتمام الإستراتيجي لأي منهما. وقد تواصل هذا النهج توسعا وانكماشا في فترات تاريخية مختلفة، ولكنه ظل في إطار معين لا يتجاوزه. غير أن النمط التقليدي للعلاقات الصينية- العربية يشهد منذ بداية القرن الحادي والعشرين تطورات تُعد توطئة لعلاقات أكثر عمقا وتشعبا بين الجانبين.

خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ لمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في يناير 2016، أعلن عن أول وثيقة خاصة بسياسة الصين تجاه الدول العربية، والتي تناولت مختلف جوانب العلاقات بين الجانبين وأكدت على التزام الصين بتطوير علاقاتها مع الدول العربية على أساس خمسة مبادئ، هي: الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، عدم الاعتداء، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، المساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. فضلا عن إعادة التأكيد على موقف الصين الداعم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ومن خلال القراءة التحليلية لمحتوى الوثيقة، والأوضاع التي تشهدها الدول العربية في الفترة الراهنة وواقع السياسة الدولية ومؤشرات الاقتصاد العالمي، يمكن القول إن العلاقات الصينية- العربية ستواصل تطورها في المستقبل المنظور، وخاصة في الجانب الاقتصادي والثقافي والتعليمي. لقد ظل ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية الملمح الأبرز لتلك العلاقات في السنوات الأخيرة. وقد ساهم نمو التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية وتطور وسائط الاتصال والتواصل الحديثة، والارتفاع الكبير في عدد المواطنين العرب الذين يسافرون إلى الصين لأغراض مختلفة، وزيادة عدد الصينيين الزائرين للدول العربية، في تقليل الفجوة في معرفة العرب بالصينيين ومعرفة الصينيين بالعرب، وإن كان جَسْر هذه الفجوة المعرفية يحتاج إلى مثابرة وجهود جبارة، من خلال توظيف آليات متنوعة أهمها العمل الثقافي بمختلف أشكاله، والتواصل الجماهيري المباشر، واقتراب كل طرف بشكل مباشر من قضايا الطرف الآخر والتأثير فيها بما يتاح له من أدوات، لتصبح الشراكة الإستراتيجية الشاملة الصينية- العربية واقعا يشعر به المواطن العادي من الجانبين. وهنا، يقع على عاتق المؤسسات الرسمية والبحثية والإعلامية الصينية والعربية مهمة تبني مشروع يحدد آليات من شأنها جَسْر هذه الهوة المعرفية بين الجانبين؛ ولابد من تعزيز حركة الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية، والأهم من ذلك هو خلق حالة من الزخم الشعبي الصيني والعربي لدفع الجانبين لمعرفة بعضهما البعض. هذه الجهود ليست مسؤولية طرف واحد وإنما مسؤولية الجانبين لأنها في النهاية تحقق مصالح الشعبين الصيني والعربي.

إن الرصيد الكبير الذي تراكم للعلاقات الصينية- العربية خلال أكثر من الستين عاما الماضية يمكن أن يكون قاعدة انطلاق لعلاقات صينية- عربية أكثر قوة وتنوعا في المستقبل، خاصة وأن الجانبين يؤمنان بأن "السلام والتنمية" هما تيار العصر، وأن حجم المصالح المشتركة بينهما يتنامى بشكل كبير.

يقول الصينيون: "إن الناس عندما يسيرون معا يشقون دربا جديدا"، ويقول العرب: "التمسوا الرفيق قبل الطريق"، وأحسب أن كلا من الصينيين والعرب قد أحسنوا اختيار رفقاء الطريق وأن سَيرَهم معا يشق دروب الخير لكل منهما.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4