العدد 4 إبريل (نيسان) 2002

مدخل لفهم الطب التقليدي الصيني (25)مر

د. عزت شحرور

نواصل في هذه الحلقة التعرف على ما يعتقد الطب الصيني بأنه مسببات مرضية.

(Qi Qin) ب2- الانفعالات (الأحاسيس) السبعة

ويقصد بها تلك الانفعالات الداخلية الناتجة عن سبعة أنواع من الأحاسيس والمشاعر وهي بالتحديد الفرح، الغضب، الحزن، الكآبة، القلق، الخوف والرعب.

وهي من العناصر المرضية الداخلية أي بخلاف العناصر المرضية الطبيعية الستة التي تعرضنا لها في الحلقة السابقة والتي تهاجم الجسم من خارجه.

ويعتقد الطب الصيني بأن هذه المشاعر والأحاسيس تلعب دورا هاما في مجال الصحة والمرض وبأن الحياة الداخلية لا يمكن فصلها عن الحياة الجسدية. وتعتبر العناصر السبعة آنفة الذكر هي الأهم في هذا الإطار. وكما يلاحظ فإن الفروق نسبية بينهما كالفرق مثلا بين الحزن والكآبة أو بين الخوف والرعب.

وبالطبع لابد من التنويه قبل الدخول في تأثيرات هذه الأحاسيس على أن العامل المرضي لا يوجد فيها. فهي موجودة عند كل الأصحاء بل يجب أن تكون كذلك. ولكن الإفراط في زيادتها أو نقصانها لفترات زمنية طويلة أو حدوثها بشكل مفاجئ وقوي يفقد التوازن ويؤدي إلى المرض بحيث تؤثر على دورة  تشي والدم بين الأعضاء.

ويعتقد الطب الصيني أن المشاعر والأحاسيس السبعة يرتبط كل منها ارتباطا وثيقا بأحد الأحشاء الخمسة (راجع الحلقة 3) فقد ورد في الكتب الصينية القديمة " أن للإنسان خمسة أحشاء تولد خمسة طبائع. فالقلب هو مركز الفرح، والكبد هو مركز الغضب، والطحال مركز القلق والتأمل، والرئة مركز الكآبة. والكلية مركز الخوف."

وبالتالي فإن الإفراط في الفرح المفاجئ يؤدي إلى تشتت وتباطؤ تشي القلب. وباعتبار القلب هو المسيطر على النشاطات العقلية فسيؤدي ذلك إلى ظهور اضطرابات عقلية وسرعة دقات القلب وأرق ليلي، وأحلام مزعجة. كما أن الإفراط المفاجئ في الغضب يؤدي إلى صعود تشي الكبد نحو الأعلى، وبالتالي يؤثر على وظيفته في الحفاظ على حركة حرة لتشي وتظهر أعراض ذلك على شكل امتلاء في الصدر، وآلام في منطقة الشرسوف، مصحوب بنزق شديد وتجشؤ.

أما القلق والحزن والكآبة فعادة ما تؤدي إلى ضعف حركة تشي الطحال وعرقلتها، وبذلك تتأثر وظيفة الطحال في التحويل والإيصال وتظهر الأعراض السريرية الإكلينيكية على شكل الشعور بامتلاء في البطن وفقدان شهية للطعام وإمساك .. الخ.

هذا بالنسبة لتأثيرات الأحاسيس والمشاعر على الأحشاء والأجهزة والعكس صحيح أيضا حيث أن الخلل الوظيفي لتشي الأحشاء يؤثر على اختلاف الطبائع بحيث تؤدي زيادة تشي الكبد إلى سرعة الغضب، وزيادة تشي القلب تؤدي إلى فرح وغبطة وضحك متواصل تصعب السيطرة عليه. كما أن نقصان تشي الكلية يؤدي إلى حالات خوف وهلع ووساوس دائمة.. وهكذا فإن المشاعر والأحاسيس السبعة لا تؤدي حسب ما يرى الطب الصيني، إلى التسبب في الأمراض فحسب بل تؤدي إلى زيادة حدتها ولهذا يولي الطب التقليدي الصيني عناية بالغة لهذه المشاعر خلال تشخيصه وعلاجه للأمراض.

ب3 -  الغذاءب

يولي الطب الصيني، بل الصينيون بشكل عام أهمية كبيرة جدا للغذاء، فحتى تحيتهم المتبادلة عند اللقاء يسألون بعضهم "هل أكلت؟" ناهيك عن المطبخ الصيني وما يحتويه من صنوف مختلفة مما لذ وطاب أحيانا، وأحيانا مما لا يخطر على بال بشر لغرابته. وعلى أي حال فحتى الصيني العادي غير الملم بتفاصيل الطب الصيني يفاجئك بكم هائل من المعلومات والنصائح المتوارثة عن فوائد وصنوف الطعام الصيني. فعندما تجتمع معه على مائدة فإن الحديث لابد أن يتطرق إلى أن هذا الطبق يقوي "اليانغ" وذاك يقوض "الين"، وهذا يقوي الباه وذاك يطيل العمر والآخر مفيد للبشرة أو مدر للبول، وسلسلة لا تنتهي من هذا الإرث الثقافي الممتد عبر آلاف السنين.

والطب الصيني لا ينظر إلى الغذاء باعتباره ضرورة حياتية فقط بل ضرورة صحية أيضا يحددها ماذا نأكل وكم وكيف ومتى. وبالتالي فإن  الإفراط أو النقص في الكمية أو النوعية يؤدي بالتأكيد إلى حالات مرضية.

ولم يكتف الطب الصيني بالتأكيد على ضرورة توازن الكمية والنوعية مع احتياجات الجسم بل ذهب أبعد من هذا عندما ربط الأذواق الخمسة بالأحشاء الخمسة. فالكبد له من المذاق الحامض والقلب له المر والطحال له الحلو والرئة لها اللاذع والمالح للكلية (انظر الجدول في الحلقة الثانية). وإن أي نقص أو إفراط في هذه المذاقات سيؤدي بالتالي إلى خلل وظيفي في هذه الأحشاء تظهر أعراضه بشكل واضح وملاحظ بعلاقته بالعضو (المصاب). ولهذا يولي الطب الصيني أهمية لنوع الغذاء ومذاقه وكميته خلال التشخيص والعلاج. وعليك عزيزي القارئ أن لا تستغرب عند مراجعتك لعيادة صينية بأسئلة الطبيب لك، إن كنت تحبذ أكل الطعام الحلو أو المر، أو تميل إلى الحامض أم اللاذع وهل تفضل البارد أم الساخن، فهو بذلك إنما يحاول تحديد بؤرة المرض لإعطاء الوصفة الصحيحة.

ملاحظة: عند الحديث عن الغذاء فإننا نقصد بذلك الطعام والشراب.

ب4- التعب والراحة وأسباب أخرىب

التعب والراحة أيضا عاملان يهتم بهما الطب الصيني ويعتبرهما عاملين مسببين للمرض إذ أفرطنا فيهما زيادة أو نقصانا. فالحركة الدائمة والمتوازنة عامل هام للحفاظ على صحة دائمة وحياة طويلة.

وفي إطار التعب والراحة يجمل الطب الصيني الحياة الجنسية في هذا الإطار ويدعو إلى ممارستها بشكل متوازن وعدم الإفراط فيها لأنها تؤثر على تشي الكلية وبالتالي تؤدي إلى ظهور أعراض كالضعف والخمول والإعياء مصحوبة بآلام في المنطقة القطنية أسفل الظهر.

بل إن الطب الصيني يولي هذه المسألة "الحياة الجنسية" اهتماما كبيرا ويفرد لها أبوابا وفصولا وصفحات كثيرة في مكانها وزمانها وكيف تتم ولسنا بصدد ذكرها هنا.

هذا وبالإضافة إلى الأسباب المرضية السابقة يورد الطب الصيني عدة أسباب أخرى منها لدغ وعض الزواحف والحشرات، وزيادة إفرازات البلغم والدم المتخثر في الجسم، وفقدان التوازن بين "الين" و"يانغ" أو التصادم بين أنواع تشي في الجسم وخلل في نظام حركتها ودورانها. كل هذه الأسباب يوليها الطب الصيني اهتماما بالغا في التشخيص والعلاج كما أنه يسدي النصائح الكفيلة بالوقاية من الإصابة بها للحفاظ على حياة صحية وسعيدة.  

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.