العدد 4 إبريل (نيسان) 2002

 الصين .. الشعر والرسم

بلد الشعر 

الأدب والفن اعظم تجسيد حيوي للروح القومية. في تاريخ تطوره على مدى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، لم ينقطع الأدب الصيني، بل ظهر أسلوب أدبي متميز في كل أسرة من الاسرات، مثل شعر تانغ، وتسي سونغ (موشح سونغ)، ومسرحية يوان، وقصة تشينغ ..

نشأ الشعر في الصين مبكرا وتطور جيدا. كتاب "الأغاني الصينية" (شيجينغ)، هو أول ديوان للقصائد الصينية،  جمع 305 قصائد من القرن الحادي عشر قبل الميلاد إلى القرن السادس قبل الميلاد. افضل فصوله فصل "قوه فنغ" الذي يجمع الأغاني الشعبية للدويلات. ثم نشأ في جنوب الصين أسلوب جديد للشعر على أساس الأغاني الشعبية في دويلة تشو، فظهر ديوان "تشو تسي" الذي اتخذ أعمال الشاعر تشيوي يوان ( 340-278 ق.م) موضوعا رئيسيا له. كانت قصيدة "الشكاوي" (لي ساو) عملا نموذجيا لتشيوي يوان. فيما يتعلق بأسلوب الإبداع الشعري، بدأ "قوه فنغ" مذهب الواقعية في الأدب الصيني، بينما بدأت قصيدة "لي ساو" المذهب الرومانسي للأدب الصيني.

كانت فترة أسرة تانغ عصرا ذهبيا للشعر الصيني، انتشر نظم الشعر من البلاط الإمبراطوري إلى بيوت الموظفين حتى بيوت الدعارة، وأصبح أهم موضوعات الامتحان الإمبراطوري، فظهر عدد كبير من الشعراء والقصائد، جمع كتاب "قصائد فترة تانغ" (تشيوان تانغ شي) أكثر من 48900 قصيدة لأكثر من 2200 شاعر، وكان أشهرهم "اله الشعر" لي باي و"مقدس الشعر" دو فو كممثلين للرومانسية التقليدية، والواقعية التقليدية في الأدب الصيني.

بعد أسرة تانغ بدأ ينتشر موشح سونغ وهو تسي. نشأ تسي من الأغاني الشعبية في المدينة، ينظم وفقا لموسيقى الأغاني، يختلف طول الجمل فيه. بعد فترة ازدهار أسرة تانغ، أحب المثقفون والشعراء نظم تسي بكلمات رقيقة لطيفة. في فترة أسرة سونغ، ظهر عدد كبير من شعراء تسي، بينهم مذهب الانطلاق والشجاعة الذي يمثله سو تشي وشين تشي جي، ومذهب اللباقة والليونة الذي يمثله لي تشينغ تشاو وليو يونغ. يعتبر تسي في فترة أسرة سونغ قمة أخري تضارع الشعر في فترة أسرة تانغ في الأدب الصيني. حتى يومنا هذا تقريبا كل من يلتحق بالمدرسة في الصين يحفظ عن ظهر القلب بعض القصائد من شعر تانغ أو تسي سونغ.

مقارنة مع الشعر الغربي، لا يحب الشعراء الصينيون التعبير المفرط عن شعورهم. تشتهر الفنون الصينية بالتلميح وليس التصريح. لذلك القصيدة الممتازة هي التي تنتهي كلماتها ولا ينتهي معناها. أحيانا لا يعبر الشاعر عن قصده بأبيات شعره مباشرة، بل يكون قصده "خارج هذه الأبيات".إلى جانب ذلك فإن اللغة الصينية موجزة للغاية وغامضة أحيانا. لذلك يصعب ترجمة القصائد الصينية ذات الكلمات الموجزة والتلميح الغني والاهتمام بالأوزان والقوافي إلى لغات أخرى.

كان الأدب الصيني القديم عاطفيا، ونشأ الأدب القصصي متأخرا، ولم تظهر الملاحم الكبيرة إلا عند بعض الأقليات القومية. في الأدب التقليدي،  كان الشعر وتسي والنثر التيار الرئيسي للأدب، واعتبرت القصص "حوارات الشوارع"، والمسرحية لعامة الشعب، فلم تحظيا بالاهتمام. لذلك بدأت القصص والمسرحيات الصينية تطورهما في الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والثامن عشر، وظهرت عديد من الأعمال الرائعة، مثل الروايات الكلاسيكية الصينية الأربع وهي "الممالك الثلاث" (تأليف لوه قوان تشونغ، نحو 1300 -1400) و"على شاطيء البحيرة" (شي ناي آن، في الفترة من أواخر أسرة يوان إلى أوائل أسرة مينغ)، و"رحلة إلى الغرب" (وو تشنغ أن، نحو 1500-1582)، و"حلم القصور الحمراء" (تساو شيويه تشين، نحو 1715-1764). "حلم القصور الحمراء" التي تعتبر قمة فن القص الكلاسيكي، تروي مأساة حب بين شاب وشابة، وتظهر التنوعات والملامح المختلفة في المجتمع بأفراح أشخاصه وأتراحهم وازدهار وتدهور بعض الأسرات.

بصورة عامة، اهتم الأدب الصيني القديم بالموضوعات السياسية والأخلاقية كثيرا، لأن الصينيين القدماء كانوا يعلمون الناس ويهذبونهم بالشعر والمقالات دائما. في نفس الوقت، تأثر الشعراء والرسامون الصينيون بمدح الطاوية للحرية الروحية وجمال الطبيعة، لذلك هناك كثير من الأعمال الأدبية التي تدور موضوعاتها حول الطبيعة.

الرسم الصيني

في تاريخ العالم، لا يوجد مذهب للرسم يشبه الرسم الصيني من ناحية أسلوب الرسم باستثناء اليابان التي تأثرت بالثقافة الصينية.

يرسم الصيني بريشة الشعر. يحتل رسم الحبر المائي مكانة رئيسية. لذلك كلمتا "الريشة" و"الحبر" لا يمثلان فقط أدوات الرسم والخط، بل يمثلان منزلة فنية.

في تاريخ الصين كان كثير من الرسامين الممتازين موهوبين في فنون مختلفة. نشأ رسم الأدباء والشعراء منذ فترة أسرة سونغ وازدهر في فترة أسرة يوان حيث اصبح التيار الرئيسي في مجال الرسم. لم يسع هؤلاء الفنانون الأدباء والشعراء لدقة وصحة المرسومات، بل أكدوا على الروح والفكرة، لذلك لم يستخدموا الألوان الزاهية بل فضلوا الحبر المائي لرسم الجبال والأنهار والزهور والطيور. ترك هذا الأسلوب أثرا كبيرا في الأجيال اللاحقة  حتى اعتقد الذين لا يعرفون الفن الصيني كثيرا أن الرسم الصيني هو الرسم التعبيري بالحبر المائي.

إلى جانب الرسم التعبيري بالحبر المائي كان هناك رسم قونغبي بالألوان الزاهية. في هذا الرسم ترسم خطوط عريضة أولا، ثم ترسم التفاصيل بالخطوط الدقيقة وبالألوان الزاهية، فتبدو لوحاتها دقيقة ومنتظمة وفاخرة وقد أقبل عليها رسامو البلاط الإمبراطوري. كانت فترة أسرة سونغ فترة ازدهار رسم البلاط الامباطوري، حيث أقيمت هيئة إمبراطورية للرسم تمنح الفنانين مناصب حكومية وفقا لمستواهم، وأقيم "علم الخط والرسم" في فترة من الفترات والامتحان الإمبراطوري لإعداد المؤهلين في الرسم.

تنقسم موضوعات الرسم الصيني إلى رسم الأشخاص ورسم الجبال والأنهار ورسم الزهور والطيور. لفترة طويلة كانت القصص الدينية ومآثر الشخصيات التاريخية موضوعات رئيسية للرسم. منذ القرن الحادي عشر، بدأ رسم الأشخاص تصوير الحياة في الريف والمدينة.

في نهاية القرن الثالث عشر، بدأ رسم الأشخاص يتدهور، وازدهر رسم الجبال والأنهار والزهور والطيور. موضوع رسم الزهور والطيور هو الزهور والخيزران والصخور والطيور والحيوانات والحشرات والأسماك، ويجمع الزهور والطيور دائما. كان لهذا الرسم أسلوبان منذ بداية تشكيله، أسلوب السعي للتشابه شكليا وبالألوان الثقيلة وهو ما أحبه رسامو البلاط الإمبراطوري، وأسلوب الاهتمام بالتعبير بالخطوط الذي أحبه الرسامون الأدباء والشعراء.

رسم الجبال والأنهار أهم نوع في الرسم التقليدي الصيني. كاد يلتزم كل رسامي الجبال والأنهار القدماء تقريبا بمبدأ "الرسم في القصيدة، والقصيدة في الرسم" الذي طرح في القرن الحادي عشر. حيث اهتموا بـ"البيئة الشعرية"، فرسموا المناظر من بعيد إلى قريب، من الأعلى إلى الأسفل وشخصا أو شخصين بينها لتحقيق الوحدة بين السماء والأرض والإنسان. في هذا الرسم تظهر الفروق بين البعد والقرب والعمق والظل والإضاءة، لكن الصور به ليست مجسمة وليس به ظل الضوء مثل الرسم الغربي.

يستخدم الرسم الصيني الخطوط في تصوير الأشكال وفي تصوير الأشخاص بشكل خاص. مما أكسب كثيرا من أعمالها طبيعة راقصة. يهتم الرسم الصيني بالتشابه روحيا بينما يهتم الرسم الغربي بالتشابه شكليا، ذلك لأن الرسم الصيني يتخذ التعبير الروحي هدفا رئيسيا بينما يتخذ الرسم الغربي الرسم من الحياة هدفا رئيسيا. يهتم رسم الأشخاص الصيني بتفاصيل تعبير العيون وهيئة الجسم للتعبير عن روح وشخصية الفرد. رسم الزهور والطيور الصيني ليس رسما للنبات والحيوان في الطبيعة فقط، بل ينقل الفنان من خلاله مشاعره وعواطفه على اللوحة. مثلا زهور ميهوا والسحلب والخيزران والأقحوان التي ترسم دائما في أعمال الفنانين الأدباء والشعراء سميت  "الشهام الأربعة" رمزا للنبل والاستقامة، أراد بها الفنانون التعبير عن روحهم الفكرية وتطلعاتهم.

دخل أسلوب المنظور البؤري للرسم الغربي إلى الصين في فترة أسرة مينغ، لكنه لم يثر اهتمام الفنانين الصينيين الذين كانوا يفضلون أسلوب المنظور المتناثر. قال أحد الرسامين الغربيين: "نحن نجعل الفضاء في ركن واحد، مثل ما نراه من خلال نافذة مفتوحة؛ بينما رسم الصينيون فضاء لا محدودي للطبيعة، مثل ما نراه بعد أن نخرج من الباب." طبعا لكل هذين الأسلوبين تفوقه. في ناحية تحطيم القيود المكانية والزمنية للتعبير عن فهم الرسام الخاص للفضاء، قدم أسلوب المنظور المتناثر فضاء حرا وواسعا للفنانين الصينيين.

يختلف الرسم الصيني عن الرسم الغربي في الاهتمام بالمجال الفارغ في اللوحة. مثلا، كان الفنان ما يوان في فترة أسرة سونغ الجنوبية يرسم دائما الأشكال في ركن واحد من اللوحة فسماه الناس "ما يوان الركن الواحد". في لوحته " صيد الأسماك في الجو البارد"  زورق يجلس عليه صياد مسن فقط، ومعظم اللوحة فراغ بدون صور. في نظر الفنانين والمشاهدين "المجال الفارغ" هو لوحة داخل اللوحة أو لوحة خارج اللوحة. عكس ذلك، إذا كانت اللوحة مملوءة بالصور تبدو كأنها عشوائية.

في الرسم الصيني ترى دائما الجمع بين الشعر والخط وفن الختم.. يساعد الشعر في التعبير عن المنزلة الروحية للوحة، فن الخط يبين أسلوب الخطوط في الرسم، وفن حفر الختم يوضح صفة الفنان. في بداية الرسم يفكر الفنان في توزيع الصور والشعر والخط والختم ليساعد بعضها بعضا، فاصبح ذلك أسلوبا فنيا متميزا للرسم الصيني. 

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.