العدد10 أكتوبر (تشرين الأول) 2002
تساي تشي سونغ وتماثيله

شيويه نينغ

في الرابع من إبريل عام 2002 فاز الفنان النحات الصيني تساي تشي سونغ بجائزة تايلور الكبرى، أعلى الجوائز في مسابقة صالون باريس  الخريفي عن تمثال "ريح عصور الصين القديمة" ليسجل لبلاده صفحة مشرقة في تاريخ هذا الصالون الفني الراقي ولينحت اسمه بين مشاهير الفنانين في العالم.

في حفل توزيع جوائز تايلور الكبرى قال رئيس هذه الدورة للصالون: إن عمل تساي تشي سونغ يجعل من الضروري لنا أن نعيد النظر في تقييم مستوى الفن في الصين، كما أنه يفتح أمامنا آفاقا أرحب في الإبداع الفني.

وأمام التصفيق الهادر والنجاح القادم إليه بسرعة لم يتوقعها لم يكن أمام تساي إلا أن يبتسم.

مسيرة شاقة

ولدت موهبة الرسم مع  تساي تشي سونغ. وهو تلميذ  في الإعدادية كان يدرس بالمدرسة النظامية نهارا ويتعلم الرسم في فصل الفنون الجميلة للهواة مساء. وبعد سنة من دراسة برز نبوغه بين زملائه حتى باتت أعماله نماذج تعلق على حائط غرفة الدراسة ليتعلم منها الآخرون.

 بعد أن أكمل دراسته الثانوية كان حلم تساي تشي سونغ أن يلتحق بكلية النحت التابعة للمعهد المركزي للفنون الجميلة، ولكن الحظ لم يكن في جانبه؛ حيث لم يستطع هذا الفنان الموهوب أن يجتاز امتحان القبول بالجامعات على مدى سنتين متتاليتين، وفي السنة الثالثة لم يكن يستطيع أن يستمر في المدرسة الثانوية لأن أسرته كانت من الفقر لدرجة لا تسمح له بهذه الرفاهية التعليمية. لم يكن من بد سوى لزوم البيت يرسم ويذاكر منزليا استعدادا للجولة الثالثة من هذا الامتحان الذي هو بوابة العبور للدراسة الجامعية في الصين. بيد أن الحظ كان، على ما يبدو، مصمما أن ينأى عنه، فقد سقط الشاب المسكين مريضا قبيل الامتحان بأيام وقال الطبيب أن قرنية عينه ملتهبة ولابد من إراحة العين بإغماضها. وبرغم كل ذلك لم يفارقه حلمه وبقى الفن حيا في قلبه.

في صيف عام 1992 تحقق الحلم وخطا تساي تشي سونغ داخل  الحرم الجامعي للمعهد المركزي للفنون الجميلة.

خلال الخمس سنوات للحياة الجامعية لم يشترك تساي في نشاط ترفيهي مرة واحدة. كانت التماثيل التعليمية هي قبلته في أوقات الفراغ، يتأمل التماثيل، من الصينية إلى اليونانية ويفكر فيها بجد. ثم اختار أن يقلد تمثالا منها، وفعل. استفاد تساي من تكرار هذا العمل، واكتشف كثيرا من أسرار نحت التمثال مثل المفاصل العظمية وعروق البشرة، والأسلوب الفني واستخدام المواد..إلخ. وهذه الطريقة الدراسية الخاصة، طريقة "النظر في التماثيل التعليمية" وضعت أساسا راسخا لإبداعات تساي تشي سونغ  الفنية فيما بعد.

في السنة الرابعة من المرحلة الجامعية بدأ تساي تشي سونغ إبداع الأعمال. لقيت تماثيل الإنسان الناطقة التي صنعها بيديه، استحسانا من  معلمه وزملائه. وفي نهاية عام 1999 قرر تساي  إبداع مجموعة من التماثيل بعنوان "عصور الصين القديمة" بدافع من رغبته الشديدة في الإبداع.

ولكن إبداع الفن لا يحتاج حماسة الإبداع والتقنية الفائقة فحسب، بل والأهم عزيمة لا تقهر. قرر تساي إبداع التمثال المأخوذ من الفنون التشكيلية الإنسانية في فترة الربيع والخريف وفترة الممالك المتحاربة من عصور الصين القديمة، وعندما كان في نصف العمل صادف صعوبات كبيرة وتحولت فكرته الإبداعية إلى غموض، فترك العمل.

بعد نصف سنة رأى تساي التمثال الذي لم يكتمل واقفا في ركن حجرة النحت فشعر بخجل شديد. وقال في نفسه: هل ينجح من يتراجع أمام الصعوبات؟  واستأنف العمل؛ ألصق الرقائق النحاسية بيدي التمثال وقدميه، وصنع ملبسا من الصفائح النحاسية وألبسه، ثم صنع شعر الرأس لهذا التمثال باستخدام أسلاك نحاسية ضفرها حسب تسريحة الشعر للإنسان في تلك الفترة، كما صنع حزام الخصر بنفس المادة ونفس الطريقة.. الأسلاك النحاسية الصلبة والرقيقة كإبر فولاذية لدغت أصابع تساي مرارا، نزف منها الدم. من أجل إظهار لون الملبس المطلوب قام بجلي النحاس بكبريتيد الصوديوم، وأثارت الرائحة القوية الناتجة عن عملية تأكل النحاس التهاب حنجرته وآلمته، ودخل بعض المساحيق النحاسية عينيه.. كل الصعوبات لم تمنع تساي بل تغلب عليها. بعد نصف سنة أتم إبداع تمثالا نابضا بالنشاط والحيوية بعنوان <<ريح عصور الصين القديمة>> وهو ثمرة حكمة ومهارة وعزيمة تساي تشي سونغ، وبلورة للأسلوب الصيني التقليدي في صنع التماثيل والأسلوب الغربي في استخدام المواد الحديثة، تتجسد فيه تماما الحضارة الشرقية والغربية، والأصالة والمعاصرة.

جاذبية فنية

هذا التمثال يؤثر في ناظره بجماله الفريد والحقيقي. ولم يكن غريبا أنه أدهش المحكمين في صالون باريس، فوافقوا بالإجماع على تقديم الجائزة الكبرى لصالون الخريف إلى مبدع التمثال تساي تشي سونغ، الفنان الصيني الشاب البالغ من العمر 29 عاما.

عندما سألوا تساي تشي سونغ عن القوة الدافعة وراء إبداع هذا العمل وهدفه قال: "الحقيقة أن أوساط الفنون المعاصرة ظلت تشجع تطور الفنون المعاصرة المتعددة العناصر، ولكن تحقيق ذلك ليس أمرا سهلا وبسيطا. وفي يومنا هذا رغم أن أشكال الفنون مختلفة ومتنوعة، ولكنها تعكس اتجاه عنصر واحد. وهذه الوحدانية قوامها الحضارة الغربية وتمتد إلى العالم بقوتها الاقتصادية الجبارة، وتشكل تأثيرا ثقافيا قويا، وفي هذا الوضع يتحول كثير من الثقافات الإقليمية إلى ثقافة جانبية تدريجيا إلى أن تدخل الظل، أو تصبح ثقافة سياحية، أو ثقافة غريبة. ولكن تقدم البشرية وروحها بحاجة إلى الثقافات المتعددة العناصر، وفي العالم يجب ألا يظهر صوت واحد، ولون واحد."

أضاف: "إن عملي هو تحطيم لهذه الأحادية الثقافية. وعلى الفنان أن يتحمل مسؤولية تحويل روائع ثقافة وتاريخ أمته إلى منتجات روحية معاصرة تقدم خصائص أمته في عالم اليوم المضطرب. إن الأمة إذا فقدت روحها الثقافية تزول من الوجود.  ودولة مثل الصين ذات الجذور الثقافية العميقة لا بد أن تطور الجزء الجوهري من ثقافتها التقليدية أمام الصدمات من الثقافة الأحادية.

تساي تشي سونغ يعمل حاليا مدرسا بالمعهد المركزي للفنون الجميلة، وحقق أمنية طفولته. قال تساي: "في طفولتي كنت أتمنى أن أكون طبيبا أو مدرسا. الطبيب يعالج العلل لإنقاذ المرضى، والمعلم ينشر المعارف ويثقف الطلبة. وهاتان المهنتان تجعلان الناس أسمى."

تمثال "ريح عصور الصين القديمة" عمل نحت من مجموعة تماثيل تحمل عنوان "عصور الصين القديمة"، وقد وعد تساي تشي سونغ بمواصلة العمل في إبداعها، مع  تطوير نظريات الفنون وإبداع الجديد في الممارسات الفنية.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.