الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني < الرئيسية

الاشتراكية ذات الخصائص الصينية

: مشاركة
2021-06-28 10:40:00 الصين اليوم:Source عبد الحسين الهنين:Author

"البساطة تصنع العظمة، والأبطال يأتون من الشعب"، بهذه العبارة التي تنتمي إلى الحكمة الصينية العظيمة ختم الرئيس الصيني الصديق شي جين بينغ عام 2020، متحدثا بثقة وتواضع كبيرين عن حالة الصين ومكانتها العالمية. كذلك يصادف بنهاية هذا العام أن يكون الحزب الشيوعي الصيني الذي تأسس في أول يوليو 1921 على بعد أشهر من ذكرى مرور مائة عام من عمره المليء بالأحداث والمعاني الكبيرة. في الفترة من 26 إلى 29 أكتوبر 2020، عقدت الدورة الكاملة الخامسة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، التي اعتمدت اقتراحات اللجنة المركزية للحزب بشأن صياغة الخطة الخمسية الرابعة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية (2021- 2025)، والأهداف البعيدة المدى حتى عام 2035، الأمر الذي يشكل التزاما من الحزب للمضي قدما في إكمال مرحلة الإصلاح والانفتاح التي بدأت عام 1978 على يد الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ التي اعتمدت على توسيع الإصلاح والانفتاح تحت مظلة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. فقد أكد الحزب الشيوعي الصيني على أن الصين مستمرة في عملية التطوير للنظام الاقتصادي الاشتراكي بشكل أساسي وتعزيز القطاع العام وتحديثه بشكل مستمر، إلى جانب تشجيع تنمية القطاعات الأخرى ودعمها وتوجيهها لضمان نظام توزيع عادل للعوائد التنموية على أساس مقدار العمل، وتحسين اقتصاد السوق الاشتراكي المتضمن تطوير الأنظمة والآليات التي تولد الابتكار في العلوم والتكنولوجيا، الأمر الذي يتطلب إيجاد مؤسّسات جديدة تضمن اقتصادا منفتحا بمعايير نوعية عالية تحقق للمنتجات الصينية ريادة عالمية في جميع أسواق الكوكب.

الاشتراكية ذات الخصائص الصينية قد تبدو شكلا من أشكال الرأسمالية تحت مظلة نظام تديره الدولة، أكثر مما هي سمة لنظام اشتراكي بالمعنى التقليدي للكلمة التي تعودنا قراءتها في الأدبيات السياسية للقرنين التاسع عشر والعشرين. لكن المطلع غير المأسور للنماذج الفكرية الجامدة يرى حتما أن الصين تعمل على تعزيز ثقافة اشتراكية متقدّمة أثبتت فاعليتها على أرض الواقع، فهي تعتمد الماركسية كأيديولوجيا مرشدة في تطوير المؤسسات التي تتولى حماية الحقوق والمصالح الثقافية المتميزة للشعب الصيني، إلى جانب وضع المنافع الاجتماعية للشعب في المقام الأول ضمن سلم أولويات الدولة الصينية التي أثبتت أن النموذج الناجح في التنمية لن يكون نموذجا ثابتا بالضرورة، وإنما الثابت الوحيد هو منفعة الشعب ومصالح البلاد العليا.

إن تطويع الفكر في الممارسة العملية للسياسة أمر سهل ومقبول، لكن عملية اعتماد المبادئ وتكييفها في إدارة شؤون الحكم أمر مختلف ومعقد ويحتاج إلى قادة من نوع مختلف لتنفيذه. وقد تكون هذه السمة البارزة للتمييز بين القادة العظام والقادة التقليديين؛ فالقادة العظام هم أقلية في التاريخ بينما الزعماء العاديون هم الأغلبية الطاغية. ومن هناك نقول من الإنصاف والموضوعية إن الزعيم الصيني شي جين بينغ ينتمي إلى الصنف الأول من الزعماء والقادة العالميين، مثلما هو القائد العظيم دنغ شياو بينغ، حيث ينتمي الزعيمان إلى أولئك النوع من القادة الذين يمزجون بين الفكر والممارسة في إدارة شؤون الحكم والسلطة. وهذا العامل الهام هو الذي يمكننا من تفسير خلاصة مائة عام من التطور في الفكر الشيوعي الصيني، الذي وصل بالصين إلى أن ترسخ نموذجا مختلفا لاشتراكية غير معهودة في الأدبيات السياسية التقليدية.

كانت لي فرصة اللقاء بالرئيس شي جين بينغ، في 23 سبتمبر 2019، ضمن الوفد العراقي حيث تم توقيع أهم اتفاقية اقتصادية في تاريخ العراق الحديث، ألا وهي الاتفاق الإطاري المالي مع الصين حول التمويل السلس الذي يبعد العراق عن القروض المباشرة، باعتماد جزء بسيط من صادرات العراق النفطية إلى الصين كضمانة مقابل الضمانات التي قدمتها الصين من خلال مؤسسة دعم الصادرات. كنت أستمع بعناية لقوله "إن الصين صديق موثوق به عند الشدائد". أهمية الاتفاقية هي أنها مع أكبر دولة صاعدة في العالم، ويُتوقَع أن يكون اقتصادها الأول عالميا عام 2028، وهي دولة تمتلك التكنولوجيا والشركات الكبرى في مجال الإعمار، وقد أصبحت أول دولة تحقق نموا إيجابيا بين الاقتصادات الرئيسية في العالم بعد أن تجاوز إجمالي الناتج المحلي فيها عام 2020 مستوى المائة تريليون يوان (15 تريليون دولار أمريكي)، حيث شهد عام 2020 إنجازا تاريخيا عظيما في بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل وانتصارا حاسما في معركة القضاء على الفقر، بعد ثماني سنوات من العمل تم فيها انتشال نحو مائة مليون فقير ريفي من براثن الفقر وخرجت المحافظات الـ832 الفقيرة كافة من دائرة الفقر.

 إن مرور مائة عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني تزامن مع انتشار وباء فيروس كورونا الجديد (كوفيد- 19)، حيث أظهرت الصين وشعبها حالة عظيمة من الحب الإنساني الكبير من خلال وضع الشعب في أعلى مكان واعتبار الحياة قيمة عليا، حيث تمت كتابة ملحمة تاريخية في مكافحة الوباء بالتصميم الجماعي القوي والإصرار والجلد وتكاتفا لم يشهده مكان آخر في العالم في التغلب على الصعوبات بروح عالية من التضامن الاجتماعي.

يحق للصين أن تفتخر بأنها أصبحت ظاهرة في التنمية، وأن السياسات التي تسلكها الصين سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي أصبحت مادة للدراسة في أهم الجامعات العالمية، لسبب جوهري هو أن عملية الإصلاح والانفتاح لم تتوقف، مثلما يؤكد هذا الأمر الرئيس شي جين بينغ: "عملية الإصلاح والانفتاح مستمرة دائما ولن تتوقف، وبدون الإصلاح والانفتاح، لا يوجد حاضر للصين، ولا مستقبل لها". كذلك يؤكد في ما يتعلق بالشأن الاقتصادي على ضرورة أن يكون النمو الاقتصادي في الصين نموا حقيقيا دون فقاعات، ونموا ذا فعالية وجودة واستدامة. وهو يشدد أيضا على ضرورة الانفتاح بشكل أوسع على العالم من خلال انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج بكل عزم وثبات، وتحسين السياسات المستمر، إلى جانب بذل الجهود اللازمة لرفع القدرة على الخدمات وتحسين مستوياتها وتوفير بيئة أصلح وظروف أروع لأصحاب المؤسسات الأجنبية عندما يأتون للاستثمار، وهي فرصة سانحة لرجال الأعمال الأجانب للاستثمار في الصين.

 تدرك الصين الحديثة، باعتبارها دولة كبرى ذات مسؤولية كبيرة أمام المجتمع الدولي، أنها دولة تعمل تحت مظلة القانون وتطبق الدستور على نحو شامل بعيدا عن الفردية والشخصنة، لأن بناء الدولة والحكومة والمجتمع على أساس سيادة القانون سوف يعزز الإنصاف والعدالة ويحقق قدرا عاليا من الحياة الرغيدة، وهي بذلك إنما تطبق روح المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني على نحو شامل. ومنذ اختتام المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب في عام 2012، أجابت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني التي يمثل السيد شي جين بينغ نواتها، بشكل منهجي، عن الموضوع العام للعصر وهو "ماهية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي يجب التمسك بها وتطويرها في العصر الجديد"، حيث طرحت سلسلة من المفاهيم الجديدة والأفكار الجديدة والإستراتيجيات الجديدة لحوكمة الدولة وإدارة شؤونها، فتشكَّلت أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد. إن أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد هي وراثة وتطوير للماركسية اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ وفكر "التمثيلات الثلاثة" الهام ومفهوم التنمية العلمي، وهي أحدث منجزات تصيين الماركسية، وبلورة لخبرات الممارسات والحكمة الجماعية للحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني، وجزء هام للمنظومة النظرية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وهي المبادئ الأساسية للتمسك بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتطويرها ودفع قضية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وهي دليل العمل للكفاح من أجل تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية. وفي أكتوبر عام 2017، لخّص المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني وطرح أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وحددها كالأفكار الإرشادية التي يجب على الحزب الشيوعي الصيني التمسك بها لمدة طويلة، وسجّلها في دستور الحزب. في مارس عام 2018، سجّلت الدورة الأولى للمجلس الوطني الثالث عشر لنواب الشعب الصيني أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد في دستور الصين، مما حقق تحويلها من الأفكار الإرشادية للحزب إلى الأفكار الإرشادية للدولة.

يستند بناء الدولة الاشتراكية القوية ثقافيا إلى توفر السند الأخلاقي القوي لتحقيق حلم الصين وتعزيز القوة الثقافية الناعمة للبلاد، لتحقيق أهداف النهضة العظيمة للأمة الصينية. وهو الأمر الذي يتطلب إرساء أساس متين من خلال نشر القيم الصينية المعاصرة، وإظهار الجاذبية الفريدة للثقافة الصينية، وإيلاء اهتمام لتشكيل الصورة الوطنية لها وبناء الحضارة الإيكولوجية التي تهيئ بيئة أفضل للصين الجميلة، والتي تعني بيئة صالحة تتمثل في سماء زرقاء وأرض خضراء ومياه صافية، وتعزيز الدفاع الوطني من خلال بناء جيش قوي، بجانب بناء جيش شعبي خاضع لقيادة الحزب الشيوعي الصيني قادر على الانتصار مدركا بشكل عميق لفلسفة "دولة واحدة ونظامان" من دون الاستغناء عن إعادة توحيد الوطن والتأكيد على أن مصير هونغ كونغ وماكاو وبرّ الصين الرئيسي مرتبط ارتباطا وثيقا بالوطن الأم. وهذا يتماهى مع تركيز السياسة الخارجية للصين على تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، بما يجعلها عنصرا بناء في المجتمع الدولي من خلال انتهاج طريق التنمية السلمية، حيث يرى المجتمع الدولي أن ما تشهده الصين يصب في مصلحة التنمية الشاملة في العالم، وأن الصين لن تسعى لتحقيق التنمية على حساب مصالح الدول الأخرى، وهي لن تلقي مشكلاتها على الآخرين، بل هي تعمل بثبات على تحقيق السلام والتنمية المشتركة، والتمسك بالنظام التجاري المتعدد الأطراف، والمشاركة في حوكمة الاقتصاد العالمي، حيث تساهم بشكل فعال في بناء نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبرى وخصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال دفع التنمية السلمية في العالم، وبناء جسور للصداقة والتعاون بين قارتي آسيا وأوروبا.

--

 عبد الحسين الهنين، مستشار رئيس وزراء العراق.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4