الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني < الرئيسية

الديمقراطية ليست كوكا كولا

: مشاركة
2021-06-28 10:38:00 الصين اليوم:Source أدريانو مادارو:Author

أقول دائما لأصدقائي الذين لم يزوروا الصين من قبل، إن المرء لا يذهب إلى الصين، وإنما يعود إلى الصين. وأضيف، إنك إما أن تحب الصين أو تكرهها، فليست هناك إنصاف مقاييس. يمكنك أن تتظاهر باللامبالاة أو بعدم الاكتراث، وعليك أن تتحمل العواقب؛ بيد أن المملكة الوسطى القديمة تثير مشاعر قوية؛ وبالنسبة لي تثير خليطا من مشاعر الصداقة والتفاهم، ولكن في أغلب الأحيان تثير الإعجاب.

خلال طفولتي، كنت أتخيل الصين على أنها "أرض العجائب". إن ((كتاب العجائب "Livre des Merveilles"))، وبالإيطالية ((المليون "Il Milione")) هو بالفعل عنوان الكتاب الشهير لماركو بولو. عندما كنت في المدرسة الابتدائية شعرت بالانجذاب لسبب غير مفهوم إلى الخريطة الكبيرة للعالم المعلقة على جدار الفصل، وتخيلت رحلات غريبة إلى تلك المساحة الصفراء الشاسعة التي تحمل اسما قصيرا ولكنه يثير في الذهن صورا ومشاعر قوية؛ إنه الصين.

لا يمكنني تفسير افتتاني وانبهاري في مرحلة طفولتي بالإمبراطورية السماوية الأسطورية. لكن، بعيدا عن حكايات ماركو بولو، كان الكتاب الصغير المصور الذي أعطاني إياه والداي عندما كنت في الخامسة من عمري عاملا هاما بلا شك في انجذابي لهذا البلد الرائع. يحكي الكتاب مغامرات صبي فضولي يعبر صحاري شبه الجزيرة العربية وغابات الهند قبل أن يصل أخيرا إلى إمبراطورية التنين، حيث استقبلته فتاة صغيرة بترحيب حار. حديثهما لا يزال مطبوعا في ذهني: "أسألك أيتها الفتاة الجميلة، ما اسم هذا البلد؟"، فتجيبه: "لقد وصلت إلى الصين، وإذا أردت يمكنك البقاء"، "شكرا لك أيتها الفتاة الصينية الجميلة! سأكون سعيدا بالبقاء هنا بكل تأكيد".

منذ تلك اللحظة أصبحت الصين وشعبها وتاريخها وحضارتها جزءا من حياتي، كطالب مدرسة وطالب جامعي وباحث أكاديمي، وظلت كذلك على مر السنين. بالنسبة للآخرين، قد تبدو مغامراتي غير عادية، لكن بالنسبة لي فهي مقدرة، وتقريبا هي مهنتي ونداء خفي للتخصص بها.

وبالتالي، كان موضوع رسالتي الجامعية هو الصين ودورها في العالم. كان من الضروري فحص الأحداث التاريخية في القرنين التاسع عشر والعشرين لتحديد كيف ولماذا حدث الانقسام المؤلم والصريح بين الصين والغرب. لذلك، سعيت في دراساتي وأبحاثي إلى فهم هذا الاضطراب الجيوسياسي والأسباب الكامنة ورائه.

لقد عانت الصين من الحروب والغزو وخسارة الأراضي والنهب الاقتصادي وعبودية الأفيون بسبب اتجار البريطانيين فيه، والفظائع على أيدي الغزاة اليابانيين، والاستغلال المستمر لشعبها. لكن ما الذي يعرفه الغرب عن الجرائم التي ارتكبها ضد الصين؟

كان قدري أن أنمو وأعيش في تلك الفترة اللامتناهية التي أعقبت الحرب فيما يسمى بـ"القرن القصير"- النصف الثاني من القرن العشرين- كما صورته آلة الإعلام الأمريكية. شيطنة الدعاية المثيرة للانقسام التي أطلقها حلف شمال الأطلسي كانت قد سيطرت على نصف العالم، لذا لم أتمكن من الاعتماد على الكتب أو الصحف للحصول على معلومات دقيقة. لتجنب الوقوع في مفرمة التقارير المتحيزة، كنت بحاجة إلى تجربة الصين خارج هذه الإثارة. كصحفي، كان عليّ أن أذهب وأرى وأحكم بنفسي.

لذلك، في عام 1976 حصلت على تأشيرة دخول للصين وبدأت أول رحلة من أصل 216 رحلة إلى هذا البلد الرائع. بعد 45 سنة من الرحلات والعمل والتقصي، من الإنصاف القول إنني رأيت الكثير. إنني شاهد موثوق على كل ما حدث، وقبل كل شيء على التحول الاستثنائي لهذا البلد العظيم، جمهورية الصين الشعبية. بعد أن رأيت كيف "تم إحضار الجنة إلى الأرض والأرض إلى الجنة"، كتبت عن تجربتي في كتاب بعنوان "فهم الصين"، نشرته دار نشر "Giunti" في فلورنسا. آمل بصدق أن يساعد، كتابي هذا، القارئ الغربي بالفعل على فهم البلد وتقديم ردود صادقة على شكوكه ومخاوفه.

ولكن في غضون ذلك، وبعد فترة من السكون والهدوء، وبسبب فترة الإصلاحات والمشروعات المشتركة والانفتاح على اقتصاد السوق التي تصب كلها في مصلحة المنفعة العالمية المشتركة، اشتد عداء الغرب، وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية، للصين مرة أخرى. تزامن ذلك مع انتصار الصين الحاسم في القضاء على الفقر المدقع قبل عشر سنوات من توقعات الأمم المتحدة، وهو إنجاز لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تضاهيه.

في أعقاب الإصلاحات الكبرى للصين، باتت الصين الآن تتحدى التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة. إن نجاح الصين الحالي، على الرغم من الأزمة الناجمة عن جائحة كوفيد- 19، واضح للجميع. مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ هي دليل كاف على ذلك النجاح والتفوق. في هذا العام، مع احتفال الصين بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، تشعر البلاد بالفخر. أعتقد أنه اليوم، أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الصين الحديثة، توجد علاقة عميقة بين الناس والسياسة.

إن الحزب الذي أخذ شعبا بأكمله في أحضانه وأثبت أنه يستطيع أن يقودهم إلى الخلاص الوطني والتقدم والازدهار، هو فقط الذي له الحق المشروع في ممارسة السلطة. هذا ما حدث في الصين، بلد التطور المستمر. لم يغفل الحزب الشيوعي الصيني، خلال المحن والاضطرابات المؤلمة، عن مهمته؛ البحث عن سعادة ورخاء الشعب الصيني وإنهاض الأمة الصينية.

لقد كنت شاهدا مباشرا على الأحداث في الصين. عندما قمت برحلتي الأولى، كان الرئيس ماو تسي تونغ لا يزال على قيد الحياة، ولكن كان باستطاعة المرء أن يشعر بترقب عام لتغيير هائل. في عام 1978، أطلق دنغ شياو بينغ حملة الإصلاح والانفتاح في البلاد. لقد انخرط الحزب الشيوعي الصيني في تحد لم يواجهه أي بلد آخر، أو ربما حتى تخيله.

لطالما اعتقدت أن إجراء تغيير بهذا الحجم مع البقاء مخلصا للمبادئ الأساسية، سيتطلب قادة حزبيين بمعايير كافية للتعامل مع التحديات التي يمكن أن يكون لها تأثير عميق على الشعب الصيني. ومع ذلك، ظلت القيادة السياسية، منذ أيام المسيرة الطويلة المجيدة (1934- 1936)، صامدة. علاوة على ذلك، فإن "المسيرة الطويلة" الجديدة، من عام 1978 إلى عام 2021، قد أوصلت الصين إلى عتبة كونها أكبر قوة اقتصادية في العالم.

من المحزن أن نقول إن كوفيد- 19 قد أوقف التبادل الثقافي بين بلدينا، وبالتالي تأجيل المشروعات التي كنت أعمل عليها مع الأصدقاء في المتاحف الرئيسية في الصين. بعد تنظيم سلسلة من المعارض الأثرية في إيطاليا بين عامي 2005 و2015، قمنا بتنظيم المزيد من المعارض في الصين، ونأمل في استئناف أنشطة التبادل في وقت قريب جدا. لقد كرست 15 شهرا من الخمول القسري خلال فترة الحظر الصحي الذي فرضه الوباء لكتابة كتاب من 700 صفحة عن بكين، وهو مشروع بدأت فيه منذ سنوات عديدة.

في ظل هذه الظروف، وعلى الرغم من عدم قدرتي على السفر إلى الصين، لا يزال هذا البلد العزيز على نفسي يحتل بشكل كبير الروتين اليومي لحياتي بفضل الاتصالات الحديثة. أنا على اتصال دائم بالأصدقاء في بكين بينما نضع اللمسات الأخيرة لخطط المشروعات الثقافية فيما بعد مرحلة فيروس كورونا الجديد. نتطلع إلى المستقبل بثقة بينما ننتظر انحسار الوباء لكي يصبح السفر آمنا مرة أخرى.

أتابع عن كثب، وبقلق متزايد، التطورات السلبية الناجمة عن تنمر الولايات المتحدة الأمريكية على الصين. فقد تفاقمت التوترات المتعلقة بهونغ كونغ وشينجيانغ وتايوان وبحر الصين الجنوبي بسبب الافتراءات التي تهدف إلى إثارة حرب باردة جديدة. إن إنهاء الاستعمار وعودة هونغ كونغ، واجتثاث الإرهاب المتطرف في شينجيانغ، ومسألة تايوان، كلها قضايا داخلية للصين لا ينبغي للكيانات الأجنبية التدخل فيها.

نشهد اليوم ما يبدو أنه استمرار لما بدأ عام 1839؛ حيث كان الهجوم على الصين مع بدء حرب الأفيون الأولى والذي استمر لأكثر من قرن بالنهب والاستعمار وإفقار البلاد. لقد حان الوقت الآن لإظهار الاحترام لتطلعات الصين إلى أن تكون دولة حرة وموحدة- مزدهرة وحديثة وقادرة على الاستفادة من تجربتها التاريخية لتعزيز السلام والازدهار في العالم.

ولكن على النقيض من ذلك، يهدد الغرب الصين ويمارس الضغط عليها من خلال الإصرار، ناهيك عن النفاق، في العزف على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية. الصين دولة اشتراكية تشكلت من خلال ثورة تاريخية عظيمة. بعد أن نجت من التناقضات والأخطاء والمعاناة الماضية، وجدت البلاد طريقها، أو الطاو (الطريق في الفلسفة الطاوية)، بالاعتماد على الخبرة والتقاليد القديمة والفلسفة. وقد لخص وزير خارجية الصين وانغ يي الأمر تماما عندما أعلن: "الديمقراطية ليست مثل كوكا كولا التي تعد بنفس المذاق في كل مكان بالعالم. ديمقراطيتنا لها نكهة صينية ".

--

أدريانو مادارو، كاتب إيطالي وصحفي وخبير معروف في شؤون الصين. نشر أكثر من 30 كتابا عن الصين الحديثة.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4