تعقد في الفترة من الرابع إلى الحادي عشر من مارس 2025 في بكين، الدورة الثالثة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي الرابع عشر للشعب الصيني، ويعتبر اجتماع هاتين الدورتين مهما للواقع السياسي والدبلوماسي الصيني، حيث تناقش خلالهما القضايا السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية المهمة للصين وعلاقاتها بالآخر. كما تتميز الدورتان بوجود مناقشة حية ومباشرة وتفاعل بين أعضاء المجلسين وقادة الصين، بدءا من الرئيس شي جين بينغ والوزراء وأعضاء المجلسين "نواب الشعب والاستشاري السياسي" حول سياسات الحكومة وتحديد الأولويات الوطنية التي تهم الشعب الصيني. وتناقش الدورتان العديد من المهام، مثل تقرير الحكومة الصينية عن الأداء الاقتصادي والتجاري والاستشاري والاجتماعي للدورتين الماضيتين، ومناقشة الميزانية العامة للدولة، والقوانين والتشريعات الواجب إصدارها في ظل المستجدات الداخلية والخارجية، مثل مستقبل العلاقات الصينية- العربية في ظل التحديات الأمريكية المتجددة. كما تهتم الدورتان الحاليتان بمناقشة حية حول سياسات الحكومة الصينية من حيث الأولويات والتحديات الداخلية والخارجية. ومن أهم وأبرز الموضوعات التي تتم مناقشتها في هذا الاجتماع قضية الذكاء الاصطناعي، خاصة ديب سيك التي أثارها الرئيس الأمريكي ترامب، نظرا لتفوق الصين في هذا الابتكار المتميز والذي تفوقت به على الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الصين أصبح لديها ما يزيد على 450 شركة للذكاء الاصطناعي، كما وصل حجم الميزانية في هذا المجال ما يقرب من 6000 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا).
ونظراً لاهتمام الحكومة الصينية بتطوير البنية التحتية وارتفاع مستوى دخل الفرد والمجتمع الصيني، والحرص على علاقات دولية متميزة من منطلق الاستفادة المتبادلة، كان اهتمام دورتي "المجلس الوطني لنواب الشعب والمجلس الوطني للمؤتمر لاستشاري السياسي" الأكثر اهتماما بهذه الموضوعات. ومن أكثر الموضوعات مناقشة خاصة الاهتمام بالجوانب الاقتصادية، سواء الاقتصاد الخاص بالتنمية الشاملة على المستوى الداخلي والخارجي من خلال التبادل الاقتصادي والتجاري والاستثماري للصين مع الدول العربية والأفريقية، نظرا لأن هناك العديد من الأهداف المشتركة بين الشعبين الصيني والعربي خاصة مصر، ومن خلال معايشتي وخبرتي مع الشعب الصيني وكوني مصريا عربيا، وجدت أن هناك مشاعر وأهدافا ومصالح مشتركة بين الشعبين الصيني والعربي، مثل المودة والمحبة وعدم الرغبة في اتخاذ مواقف عدائية ضد الآخر. كما تحرص الصين والدول العربية على الاستفادة المتبادلة، والدليل على ذلك أنه منذ نهضة الصين المعاصرة توجد نهضة مستمرة في تطور العلاقات الاستثمارية والاقتصادية والدبلوماسية بين الشعبين العربي والصيني في معظم المجالات.
لهذا، كان من اهتمام الدورتين لعام 2025 مناقشة الرؤية المستقبلية للعلاقات الصينية- العربية في ظل التحديات الأمريكية، وكيفية تطويرها إلى المزيد وفى جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاستثمارية والصناعية والعلمية والتكنولوجية والثقافية، إلخ. والتي تتمثل في ما يلي:
- الرؤية المستقبلية للدورتين في العلاقات الصينية- العربية. نظرا لأن الصين والدول العربية أصحاب حضارات. ولأن العلاقات الصينية- العربية تاريخية ولا يشوبها أي تشويه أو تعكير منذ آلاف السنين. لهذا كان منتدى التعاون الصيني- العربي الذي تم تأسيسه في عام 2004 والذي يقوم على تعزيز العلاقات والتعاون ودفع السلام والتقدم. كما نجد أن من فعاليات الدورتين أنهما مهتمان بالعمل الجاد لتطوير الاقتصاد الصيني في جميع المجالات مع الدول العربية، والدليل على ذلك أن الصين منذ انطلاق مبادرة "الحزام والطريق" وهي حريصة على ازدهار الاقتصاد والاستثمار على المستوى المحلي والدولي بالتعاون مع الدول العربية، لهذا كان من أهم أهداف اجتماع الدورتين السنويتين هو بحث مجالات التوسع الاقتصادي والاستثماري في جميع المجالات، وعلى المستوى الدولي من منطلق الاستفادة المتبادلة بين الشعوب العربية والصين. وقد حققت الصين ذلك من خلال التوسع الاقتصادي والاستثماري، وتأسيس آلاف المصانع الصينية المشتركة مع العديد من الدول العربية، والتي تنعش الاقتصاد الصيني والدول المشاركة. والدليل على ذلك وجود أكثر من 2500 شركة صناعية في جمهورية مصر العربية في العديد من المجالات، مثل مصانع الإلكترونيات والمنسوجات والملابس والأجهزة المنزلية والأعلاف الحيوانية، ومن أهم هذه الشركات الصناعيةـ المصانع التي تتبع شركة تيدا الصينية والتي تضم حوالي 150 مصنعا في المنطقة الاقتصادية بالعين السخنة بمصر، وتقدر استثمارات هذه المصانع بحوالي 8 مليارات دولار أمريكي، وشركة هواوي في التكنولوجيا والهواتف المحمولة. وليس مصر فقط بل توجد العديد من الشركات الصينية في الكثير من الدول العربية.
- العلاقات الصينية- العربية في ظل التحديات الأمريكية. نظرا للتحديات الأمريكية ضد الصين والدول العربية، فقد ناقش اجتماع الدورتين لمجلسي الشعب والاستشاري السياسي الوضع الحالي والمستقبلي للعلاقات العربية- الصينية في ظل التحديات الأمريكية الحالية، خاصة في ظل الرئاسة الحالية للرئيس ترامب. وتتمثل التحديات الأمريكية ضد الصين والدول العربية، في القرارات الأمريكية في تطبيق التعريفات الجمركية على الصادرات الصينية وغيرها، مما يؤثر على حركة التجارة بين الصين والدول العربية. ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية منع الصين من الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات. هذا بالإضافة إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من بحر الصين الجنوبي ومسألة تايوان. ولكي تواجه الصين والدول العربية لهذه التحديات، يجب اتخاذ العديد من القرارات خلال هاتين الدورتين الحالتين. كما نوقشت مجالات التعاون مع الدول العربية، مثل التعاون الاقتصادي في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة المتجددة وتعزيز التعاون التكنولوجي، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات. هذا بالإضافة إلى مناقشة كيفية التعاون الأمني خاصة في مجال مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة.
ونظرا لهذه التحديات التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الصين والدول العربية، كان يجب أن تناقشها الدورتان لعام 2025، مما يعزز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي والأمني لمواجهة التحديات الأمريكية، حتى تتمكن الشعوب العربية والصين من العيش في سلام.
ومن المفترض مناقشة كيفية تفعيل التعاون الثقافي والعلمي بين الشعوب العربية والصين، نظرا لأن الثقافة جسر التواصل بين الشعوب. هذا بالإضافة إلى تعزيز التعاون في جميع المجالات، خاصة وأن معظم الدول العربية وعلى رأسها مصر، لها علاقات تاريخية مع الصين في جميع المجالات سواء الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتوافق الدولي في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة والمنظمات العالمية.
ومما يؤكد اهتمام الدورتين بمناقشة الوضع الحالي للدول العربية وموقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية فلسطين وغزة وسوريا ولبنان، حيث تقف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وراء كل هذا في محاولة منها لإضعاف القوى العربية ضد إسرائيل، تصريح وزير خارجية الصين وانغ يي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد على هامش الاجتماع الحالي للدورتين السنويتين، بدعم خطة مصر لاستعادة السلام في غزة والتي اعتمدتها مصر والدول العربية. كما أكد وانغ على أن قطاع غزة ملك للشعب الفلسطيني وجزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية. كما رفضت الصين تهجير أهل غزة، وصرح وانغ بأن الفصائل الفلسطينية في حاجة الى الوفاء بإعلان بكين لتحقيق الوحدة الذاتية الفلسطينية. كما أكد وانغ على قيام الصين بالتواصل المستمر والسعي من أجل تحقيق العدالة والسلام والتنمية للشعوب العربية.
كما أوضحت التصريحات الصينية، خلال انعقاد الدورتين السنويتين لعام 2025، موقف الصين من هذه القضايا العربية، نظرا لأن الصين دائما تريد السلام وتوفير الاستقرار حتى يتوفر المناخ الملائم للاستثمارات الصينية في الدول العربية والذي تتحداه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وبالأخص منذ تولي الرئيس ترامب الحكم في 20 يناير 2025، وهو له موقف عدائي من الصين والدول العربية. والدليل على ذلك، التصريحات المتكررة ضد الصين والعديد من الدول العربية، وفرض التعريفة الجمركية على الصادرات الصينية مما يؤثر على حركة التجارة بين الصين والدول العربية، ومحاربة الصين في تطورها التكنولوجي والذكاء الاصطناعي مثل ديب سيك. ولمواجهة هذه التحديات وضعت الصين إستراتيجية شاملة للتعاون مع الدول العربية في العديد من المجالات والتي تناولها برنامج اجتماع الدورتين، وبحث الحلول المناسبة لكل مرحلة من مراحل التحديات الأمريكية. هذا بالإضافة إلى مناقشة هذه التحديات وتعزيز الدبلوماسية الصينية في المنطقة العربية، والتي تتميز بين دول العالم بالسلمية والحفاظ على حقوق وواجبات الشعوب.
ومما يؤكد ذلك، تصريح وزير خارجية الصين وانغ يي، على هامش انعقاد الدورتين، أن الصين ستتخذ تدابير مضادة ردا على قيام الولايات المتحدة الأمريكية بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية. ودعا الولايات المتحدة الأمريكية في نفس الوقت إلى ضرورة الالتزام بالعلاقات القائمة على المنفعة المتبادلة. كما أكد على أن تايوان جزء غير قابل للانفصال عن الصين. وصرح بأن الصين تقوم بتعزيز منظمة شانغهاى للتعاون والتخطيط للمستقبل، وبناء توافق للتعاون مع الدول العربية من منطلق التعاون المثمر في جميع المجالات بين الشعبين.
من هذا نستنتج أن العلاقات العربية- الصينية تتميز بقوة وإنتاجية، وستبقى راسخة ومستمرة في المستقبل وعلى مدار التاريخ. وقد تجلّى ذلك بوضوح من خلال اهتمام الدورة الثالثة للمجلس الوطني الرابع عشر الرابع عشر الرابع عشر لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي الرابع عشر للشعب الصيني بتعزيز هذه العلاقات، بالإضافة إلى مناقشة الأوضاع الراهنة في فلسطين والتأكيد على دعم الموقف المشرف لمصر تجاه أهل غزة.
--
أ. د الصاوي الصاوي أحمد، الأستاذ بجامعة بنها المصرية وخبير العلاقات المصرية- الصينية.