الذكرى السنوية العاشرة للبناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" < الرئيسية

"الحزام والطريق".. فصل جديد لحضارة طريق الحرير بين الصين والدول العربية

: مشاركة
2023-10-16 15:52:00 الصين اليوم:Source دينغ لونغ:Author

يربط بين الصين والدول العربية تاريخ طويل من التبادلات. وبرغم أن آلاف الأميال تفصل بين الحضارتين الصينية والعربية، فقد عرفت كل منهما الأخرى وجرت بينهما تبادلات عميقة جعلتهما من الشركاء المهمين والرئيسيين المؤسسين لحضارات طريق الحرير القديمة. قبل عشر سنوات، ومنذ أن اقترحت الصين مبادرة "الحزام والطريق"، بادرت الدول العربية بالاستجابة لها بحماسة. ولا غرو أن العلاقات التاريخية العميقة والتكامل الاقتصادي الكبير يجعل الصين والدول العربية شركاء طبيعيين في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق". وعلى مدى العقد الماضي، عمل الجانبان الصيني والعربي جنبا إلى جنب في مسيرتهما نحو نفس الاتجاه، وعززا جودة وسرعة تطور التعاون العملي بينهما. إن الصداقة الصينية- العربية، التي ترجع جذورها إلى ألف عام ونيف وترتبط ارتباطا وثيقا بطريق الحرير القديم تواصل كتابة فصل جديد في "الحزام والطريق"، ويحقق التعاون العملي بين الجانبين في مختلف المجالات نتائج مثمرة.

تواصل أوثق بشأن السياسات

في السنوات العشر المنصرمة، تبادل الجانبان الزيارات الرفيعة المستوى بوتيرة متزايدة، وتحسن مستوى الحوار السياسي باستمرار، ولعبت دبلوماسية زعماء الجانبين دورا توجيهيا مهما. زار الرئيس شي جين بينغ الدول العربية غير مرة، وألقى خطابا تاريخيا في مقر جامعة الدول العربية، وحضر الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي مرتين، وألقى خطابات مهمة. من ناحية أخرى، زار العشرات من قادة الدول العربية الصين، فقد زار الصين ثلاثة رؤساء دول عربية منذ بداية عام 2023. في نهاية عام 2022، عقدت القمة الصينية- العربية الأولى بنجاح في الرياض، والتي مثلت نقلة نوعية للحوار الجماعي الصيني- العربي. وقد أصدرت الحكومة الصينية وثيقتين رسميتين تتعلقان بالدول العربية؛ ((وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية)) و((تقرير عن التعاون الصيني- العربي في العصر الجديد))، لإجراء مراجعة تاريخية شاملة ووضع خطة طويلة الأجل للعلاقات الإستراتيجية الصينية- العربية. وقد وقعت إحدى وعشرون دولة عربية وجامعة الدول العربية مع الصين على وثائق بشأن البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، مما يجعلها واحدة من المناطق الأكثر كثافة لتوقيع الوثائق المعنية بالبناء المشترك لـ"الحزام والطريق". الكويت هي أول دولة عربية وقعت مع الصين على وثيقة بشأن البناء المشترك لـ"الحزام والطريق". وحتى الآن، بلغ عدد الدول العربية التي انضمت إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية خمس عشرة دولة عربية، من بينها سبع دول من الأعضاء المؤسسين للبنك، وقد افتتح البنك أول مكتب خارجي له في أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة.

تضاعف حجم التجارة

الصين هي أكبر شريك تجاري للدول العربية. في عام 2022، تجاوز حجم التبادل التجاري للصين مع الاثنتين والعشرين دولة عربية 4ر431 مليار دولار أمريكي، بزيادة بلغت نسبتها 80%، مقارنة مع 9ر238 مليار دولار أمريكي في عام 2013. وقد أرسى التكامل الاقتصادي القوي بين الصين والدول العربية الأساس لزيادة حجم التجارة الثنائية. الصين لديها نظام صناعي كامل نسبيا، وصادراتها إلى الدول العربية هي السلع المصنعة أساسيا. في السنوات الأخيرة، تحسنت القيمة المضافة والمحتوى العلمي والتكنولوجي للمنتجات الصناعية الصينية المصدرة إلى الدول العربية بشكل مستمر، وشكلت المنتجات الميكانيكية والكهربائية وذات التكنولوجيا الفائقة ما يقرب من 70% من صادرات الصين إلى الدول العربية. وإذا أخذنا صناعة السيارات التي تمثل مستوى التصنيع كمثال، فقد دخل السوق العربية أكثر من 20 علامة تجارية لسيارات صينية الصنع، ودخلت العديد من السيارات ذات العلامات التجارية الصينية قائمة أكثر السيارات مبيعا في الدول العربية. وأصبحت السيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة الصينية الصنع الأكثر تفضيلا في الأسواق العربية، ويحتل حجم مبيعاتها المرتبة الأولى.

الصين هي أكبر مستورد عالمي للنفط والغاز والسوق الرئيسية لصادرات النفط العربي. تستورد الصين تقريبا نصف وارداتها من النفط الخام من الدول العربية، بمتوسط يومي أكثر من خمسة ملايين برميل. ثمة خمس دول عربية من بين أكبر عشر دول مصدرة للنفط الخام إلى الصين، إذ تحتل السعودية والعراق والإمارات وسلطنة عمان المرتبة الأولى والثالثة والرابعة والخامسة على التوالي. وفي سياق التحول العالمي في مجال الطاقة، أفسحت الصين والدول العربية المجال كاملا لمواردهما ومزاياهما التقنية، كما أن تعاونهما في مجالات الطاقة الجديدة مثل الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح وطاقة الهيدروجين والطاقة النووية آخذ في التوسع، كما بدأ التعاون في التقنيات التقليدية لإزالة الكربون من الطاقة مثل احتجاز الكربون وتخزينه.

تماشيا مع تنفيذ الصين إستراتيجية التوسع في الاستيراد، شهدت صادرات الدول العربية غير النفطية إلى الصين زيادة سريعة عاما بعد عام، وخاصة الفواكه والمنتجات المائية والمنتجات الزراعية والجانبية، ويفضل المستهلكون الصينيون البرتقال أبو سرة من مصر والرمان من تونس والقريدس من السعودية.

زيادة سريعة للاستثمار في الاتجاهين

خلال السنوات العشر الماضية، زاد حجم الاستثمار الصيني المباشر إلى الدول العربية من 180 مليون دولار أمريكي إلى 83ر2 مليار دولار أمريكي، وزاد الحجم المتراكم للاستثمار من 760 مليون دولار أمريكي إلى 29ر21 مليار دولار أمريكي، بزيادة 27 مرة. وبالإضافة إلى صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات التقليدية، بدأت المؤسسات الصينية تستثمر بالقطاعات الجديدة والناشئة في الدول العربية، مثل الطاقة الجديدة والفضاء والتصنيع الراقي والاتصالات والإنترنت والاقتصاد الرقمي.

بعد الانعقاد الناجح للقمة الصينية- العربية، سادت "حماسة الصين" في الدول العربية وبلغ الاستثمار العربي في الصين ذروة جديدة. قامت الشركات الصناعية، ومنها أرامكو السعودية؛ وصناديق الثروة السيادية، ومنها جهاز أبو ظبي للاستثمار في الإمارات العربية المتحدة بتسريع وتيرة خططها في الصين. استثمرت أرامكو في شركات تكرير وكيماويات جديدة في مقاطعات لياونينغ وفوجيان وقوانغدونغ، كما استحوذت على حصة في شركة رونغشينغ للبتروكيماويات في تشجيانغ، باستثمارات إجمالية تتجاوز عشرين مليار دولار أمريكي. أصبحت سوق رأس المال الصينية هدفا جديدا لصناديق الثروة السيادية العربية، وارتفعت نسبة أصول بر الصين الرئيسي في جهاز أبو ظبي للاستثمار من 7ر2% في نهاية عام 2017 إلى 9ر22% في الربع الأول من عام 2023، لتقفز من المركز الثامن إلى الثالث في ترتيب الحصص. وتعد صناديق الثروة السيادية العربية مثل جهاز أبو ظبي للاستثمار وهيئة الاستثمار الكويتية من بين أكبر عشرة مساهمين في أكثر من أربعين شركة صينية مسجلة في البورصة، في مجالات شبكة الإنترنت والبتروكيماويات والطب الحيوي والمعدات المتطورة واستهلاك المواد الغذائية وغيرها من القطاعات. ومن اللافت للنظر أن الصناديق السيادية للدول العربية قد استثمرت بكثافة في صناعة سيارات الطاقة الجديدة في الصين. في يوليو عام 2023، أعلنت شركة CYVN القابضة المدعومة من حكومة أبو ظبي عن استثمار ما يقرب من 1ر1 مليار دولار أمريكي في شركة نيو (Nio)، ووقعت وزارة الاستثمار السعودية اتفاقية تعاون بقيمة 6ر5 مليارات دولار أمريكي مع Human Horizons، الشركة الأم لشركة قاوخه للسيارات.

زيادة سريعة للتعاون في مجال البنية التحتية

قدمت مؤسسات البناء الصينية مساهمات إيجابية في تحسين مستوى بناء البنية التحتية، ووضع أساس للتنمية وتحسين معيشة الناس ورفاههم في الدول العربية. في عام 2020، وقعت المؤسسات الصينية عقودا جديدة في الدول العربية بقيمة 7ر22 مليار دولار أمريكي، ونفذت عقودا قيمتها 3ر29 مليار دولار أمريكي. في عام 2021، احتلت الدول العربية على حوالي 10% من حجم مقاولات المشروعات الخارجية للمؤسسات الصينية، واحتلت السعودية والإمارات والعراق المراكز الثلاثة الأولى في حجم مقاولات المشروعات الخارجية للمؤسسات الصينية.

شاركت المؤسسات الصينية بنشاط في بناء المشروعات الهندسية في مختلف المجالات بالدول العربية، مثل النقل والمرافق العامة والطاقة النظيفة والمعلومات والاتصالات والمنشآت الصناعية، ونفذت عددا كبيرا من المشروعات الكبرى مثل مترو مكة وقطار الحرمين السريع، والطريق السيار شرق- غرب بالجزائر، ومنطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة بمصر، وإستاد لوسيل، الملعب الرئيسي لكأس العالم في قطر، ومحطة بنبان لتوليد الطاقة الشمسية في أسوان، وشاركت بنشاط في بناء عدد من المشروعات البنية التحتية الواسعة النطاق، مثل مدينة نيوم في السعودية.

التبادلات الشعبية تعزز الروابط الإنسانية

منذ طرح مبادرة "الحزام والطريق"، توسعت التبادلات الشعبية بين الصين والدول العربية. وتتعاظم التبادلات الوثيقة بين الشباب ومراكز الفكر والجامعات من الجانبين، كما عززت المهرجانات الثقافية وسنوات السياحة وغيرها من الأنشطة التفاهم المتبادل بين الشعبين. أصبح تعليم اللغة جسرا ورابطا للتبادلات الشعبية. ازدهر تعليم اللغة الصينية في الدول العربية وأصبح نقطة تطور جديدة للتبادلات الشعبية بين الجانبين. فقد أدرجت السعودية والإمارات ومصر ودول أخرى اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، وتسود "حماسة الصين" العالم العربي. بالإضافة إلى ذلك، يواصل الجانبان توسيع مجالات جديدة للتبادلات الشعبية، مثل ترجمة الأعمال الكلاسيكية والصحافة والنشر وعلم الآثار والسياحة والرسوم المتحركة والرياضة الإلكترونية تعاظما متواصلا.

تعزيز البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"

بعد طرح مبادرة "الحزام والطريق"، ساعدت الصين والدول العربية بعضهما البعض وسار الجانبان في نفس الاتجاه، وحققا نتائج مبهرة في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، والتي يمكن اعتبارها نموذجا للبناء الصيني- الأجنبي المشترك لـ"الحزام والطريق". وتعد القمة الصينية- العربية الأولى حدثا بارزا في تاريخ العلاقات الصينية- العربية، حيث ستلعب دورا مهما في تعزيز البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" بين الصين والدول العربية من حيث المستوى الإستراتيجي، مما يدل على أن العلاقات الصينية- العربية دخلت مرحلة جديدة من التعميق الشامل للتعاون الإستراتيجي. في المستقبل، يمكن للجانبين التركيز على المجالات التالية لتعزيز البناء المشترك لـ"الحزام والطريق".

أولا، تعزيز التواصل بشأن السياسات والتنسيق الإستراتيجي. الصين والدول العربية قوتان مهمتان في حماية التعددية وبناء عالم متعدد الأقطاب. وسيواصل الجانبان تعزيز التواصل والتنسيق بشأن السياسات، وتعزيز التعاون في المنظمات الدولية والمنتديات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، والمشاركة بنشاط في الحوكمة العالمية. ويتعين على الجانبين السعي لاستكمال المفاوضات حول منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في أقرب وقت ممكن، وإطلاق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الدول العربية الأخرى في الوقت المناسب، وإنشاء آليات للتعاون في تسهيل التجارة وتشجيع وحماية الاستثمار.

ثانيا، بناء نمط جديد من التعاون في مجال الطاقة. سيظل التعاون في مجال الطاقة "حجر الصابورة" للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني- العربي في الوقت الحاضر، ولفترة طويلة قادمة. يتعين على الصين والدول العربية تعميق التعاون في مجال الطاقة في إطار "النفط والغاز+"، ومع استمرار توسيع تجارة النفط والغاز، ينبغي تعميق التعاون في السلسلة الصناعية بأكملها؛ في مجالات استكشاف النفط واستغلاله وتخزينه ونقله، والاستخدام المبتكر للطاقة الهيدروكربونية والطاقة الجديدة. وقد أعلنت الصين وبعض الدول العربية عن أهداف بلوغ ذروة الكربون والحياد الكربوني، وسيصبح الاقتصاد الأخضر والمنخفض الكربون محيطا أزرق للتعاون في مجال الطاقة بين الجانبين.

ثالثا، فتح مجالات تعاون جديدة. تعمل الدول العربية بقوة على تطوير تقنيات متقدمة، مثل الاقتصاد الرقمي والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والفضاء، وتتمتع الصين بمزايا كبيرة في هذه المجالات. التصنيع هو أحد الأهداف الأساسية لإستراتيجية التنويع الاقتصادي للدول العربية. ويمكن للصين، كدولة صناعية رئيسية، مساعدة الدول العربية على تطوير التصنيع الأخضر والذكي من خلال التعاون الدولي في مجال الطاقة الإنتاجية، وتعزيز التكامل والتنمية المتعمقة للسلسلة الصناعية وسلسلة القيمة؛ وفي القطاع المالي، يمكن للجانبين توسيع نطاق مقايضات العملات المحلية تدريجيا، وتطوير أعمال تسوية المدفوعات عبر الحدود بالعملة الصينية (الرنمينبي)، وتسوية مدفوعات تجارة النفط والبتروكيماويات بالرنمينبي. تتمتع المؤسسات الصينية بمزايا في التكنولوجيا والمعدات والإدارة، وتتمتع دول الخليج العربية بوفرة مالية، مما يوفر أساسا للجانبين للقيام باستثمارات مشتركة في المشروعات. وقد بدأ التعاون الاستثماري الصيني- العربي في أسواق طرف ثالث، مثل جنوب آسيا وآسيا الوسطى وأفريقيا، وكذلك التعاون الاستثماري لصناديق الثروة السيادية، ومن المتوقع أن يصبح نقطة نمو جديدة للتعاون الاستثماري بين الجانبين في المستقبل.

منذ بداية هذا العام، وبوساطة الصين، استأنفت السعودية وإيران العلاقات الدبلوماسية، وقادتا موجة قوية من "مد المصالحة" في الشرق الأوسط، مما خلق بيئة جيدة لدول المنطقة للتركيز على التنمية الاقتصادية التي لم نشهدها منذ عقود. وفي الوقت نفسه، فإن "مد المصالحة" سيفيد أيضا التعاون الصيني- العربي ويضع الأساس لمزيد من تعميق مبادرة "الحزام والطريق" في العالم العربي.

--

دينغ لونغ، أستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4