تعليقات < الرئيسية

الصين في عشر سنوات.. تحديات وإنجازات

: مشاركة
2022-10-18 13:46:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

قبل عشر سنوات، عندما أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم لمدة ثلاث سنوات متتالية، كان العالم لا يزال يراقب بحذر ما إذا كانت الصين يمكن أن تتطور بشكل مستدام، بل إن البعض في الغرب توقعوا أن تنتهي قصة صعود الصين بانهيارها. اليوم، أصبحت الصين بالفعل قوة عالمية كبرى. يقول محللون إن الصين كانت متواضعة للغاية ولم تلتفت إلى الأضواء ولكنها ظلت حريصة على معرفة كيف سيُقيّم العالم نموها ويعلق على تطورها، على الرغم من أن الصين تجاوزت اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2010. ومثلما تعلّم الصينيون أن يصبحوا مواطنين في قوة كبرى، يتعلم العالم أيضا التكيف مع الصين الصاعدة ذات القوة المتنامية بسرعة في كل جانب. من التشكيك في استدامة تنمية الصين، إلى التعود على حقيقة أن الصين قوة عالمية رئيسية لها تأثير عالمي، مر العالم أيضا بعملية فهم الصين في العقد المنصرم.

العالم وصعود الصين

اليوم، وجهات نظر العالم بشأن الصين معقدة، حيث تفكر الدول النامية في كيفية الاستفادة من تنمية الصين وإلى أي مدى ترغب الصين القوية في إصلاح النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب؛ ويشعر الغرب بالقلق من أن النمو الذي لا يمكن إيقافه في الصين يمكن أن يغير بشكل شامل النظام العالمي الحالي الذي يخدم مصالح مجموعة صغيرة من البلدان، بعضها يبحث عن طرق للتعايش السلمي مع الصين، بينما يدفع البعض الآخر المنافسة والمواجهة لاحتواء الصين.

تكشف استطلاعات رأي أجراها مركز الأبحاث التابع لصحيفة ((هوانتشيو "غلوبال تايمز")) الصينية حول الصين في بلدان مختلفة من العالم، كيف تغيرت وجهات النظر حول الصين في جميع أنحاء العالم خلال العقد الماضي. وفقا لاستطلاعات عام 2012 التي شملت مشاركين من الدول الكبرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا واليابان وألمانيا، يعتقد 53% فقط من الأشخاص الذين تم استطلاع رأيهم أن الصين قوة عالمية، وفي استطلاع عام 2017، حيث أُضيف مشاركون من دول أخرى (فرنسا وأسبانيا وأستراليا وإندونيسيا وجمهورية كوريا وأوكرانيا وفيتنام)، أقر 83% بأن الصين قوة عالمية.

لكن الاعتراف بقوة الصين لا يعني بالضرورة الاعتراف بالنظام السياسي الصيني ومسار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. لذلك عند مراقبة صعود الصين، يحاول الغرب، الذي يهيمن على المجال الدولي للرأي العام، التقليل من أهمية التنمية في الصين. في مقالة بعنوان "ماذا تريد الصين؟" نشرتها مجلة ((فورين بولسي)) الأمريكية في 13 أغسطس 2022، كتب هال براندز: "تَحدُث أكبر الكوارث الجيوسياسية عند تقاطع الطموح واليأس. قريبا ستكون الصين مدفوعة بالكثير من الاثنين." ويضيف مؤلف كتاب ((منطقة الخطر.. الصراع القادم مع الصين)): "سبب هذا اليأس هو اقتصاد متباطئ وشعور زاحف بالحصار والانحدار. لكن أولا، نحتاج إلى تحديد عظمة تلك الطموحات. من الصعب فهم مدى صعوبة سقوط الصين دون فهم المرتفعات التي تهدف بكين إلى الصعود إليها. يقوم الحزب الشيوعي الصيني بمشروع ملحمي لإعادة كتابة قواعد النظام العالمي في آسيا وخارجها. لا تريد الصين أن تكون قوة عظمى- أحد أقطاب الكثيرين في النظام الدولي. تريد أن تكون القوة العظمى- الشمس الجيوسياسية التي يدور حولها النظام."

يقول تقرير لصحيفة ((هوانتشيو)) في التاسع من يوليو 2022: "من النظر إلى الصين بازدراء إلى المبالغة في تقدير القوة الصاعدة للصين وحتى شيطنة تنمية الصين من خلال نظرية التهديد الصيني، غيرت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها الغربيين وجهة نظرهم وإستراتيجيتهم في التعامل مع التطور الذي لا يمكن وقفه للصين في العقد الماضي. قال خبراء إن الولايات المتحدة الأمريكية وجدت أنه بسبب هيمنتها غير المعقولة في العديد من المجالات، فإنها تواجه الآن تحديات وتهتز." ويقول وانغ يوي، مدير معهد الشؤون الدولية بجامعة رنمين الصينية: "أدى الاعتراف المتزايد بقوة الصين بالتأكيد إلى مزيد من الضغط. إذا لم تكن الصين قوة عالمية، فإن تطورها لن يجعل الولايات المتحدة الأمريكية قلقة. لن تشن واشنطن عمليات وقواعد احتواء وكبح شاملة ضد دولة غير قادرة على التأثير على هيمنتها." والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت في احتواء الصين. وحسب ((هوانتشيو))، فإن واشنطن فشلت في الحرب التجارية التي شنتها على الصين (في فترة حكم دونالد ترامب) والآن يدفع الاقتصاد الأمريكي والمواطنون الأمريكيون ثمن الأخطاء التي ارتكبتها تلك النخب الأمريكية المتغطرسة.

التنمية الشاملة

في تقرير نشرته مجلة ((الصين اليوم)) في عدد أكتوبر 2022، يقول وانغ جيون: "سجلت الصين فصلا رائعا في التنمية الاقتصادية خلال رحلة غير عادية من عام 2012 إلى 2022، حيث تجاوز الناتج المحلي الإجمالي مائة تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7 يوانات حاليا)، وتجاوز متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عشرة آلاف دولار أمريكي؛ وتم بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وبدأت رحلة جديدة لبناء الصين دولة اشتراكية حديثة بشكل كامل وتحقيق الهدف المئوي الثاني." ويستشهد التقرير بعدد من البيانات والمؤشرات المهمة؛ ففي السنوات العشر الماضية، زاد عدد الشركات غير المملوكة للدولة من عشرة ملايين وثمانمائة وخمسين ألفا إلى أربعة وأربعين مليونا وخمسمائة وسبعين ألفا؛ وتم تشكيل سوق طلب محلية قوية بحجم اقتصادي إجمالي يزيد عن مائة تريليون يوان، بعدد سكان يبلغ أكثر من مليار وأربعمائة مليون نسمة، من بينهم نحو أربعمائة مليون ينتمون إلى فئة الدخل المتوسط؛ وارتفع الترتيب العالمي لبيئة الأعمال في الصين من المرتبة السادسة والتسعين في عام 2013 إلى المرتبة الحادية والثلاثين حاليا؛ ويحتل حجم الاستثمار الأجنبي في الصين المرتبة الأولى بين الدول النامية، حيث بلغ حجم رأس المال الأجنبي المستخدم فعليا تريليون ومائة وخمسين مليار يوان في عام 2021، بزيادة بلغت نسبتها 62.9% مقارنة مع عام 2012. ومن عام 2017 إلى عام 2021، خفضت الصين القائمة السلبية لوصول الاستثمار الأجنبي لمدة خمس سنوات متتالية، وطرحت سلسلة من تدابير الانفتاح المهمة في التصنيع والتعدين والزراعة والتمويل وغيرها من المجالات لجذب المزيد من مؤسسات الاستثمار الأجنبي للقيام بالأعمال في الصين.

وحسب يانغ ين كاي، نائب أمين عام اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين، حلت الصين في السنوات العشر المنقضية مشكلة التوظيف لمائة وثلاثين مليون فرد في المناطق الحضرية. وقال يانغ إنه من عام 2013 إلى 2021، كان إجمالي الاستثمار في الأصول الثابتة بالصين حوالي 409 تريليونات يوان، بزيادة سنوية قدرها 7.8%؛ وكان متوسط ​​ النمو السنوي للاستثمار في الصناعة الثالثة (قطاع الخدمات) 8.9%، وبلغ ​​معدل النمو السنوي للاستثمار في صناعات التكنولوجيا العالية 15%، وحافظ الاستثمار في المجال الاجتماعي على معدل نمو برقم مزدوج في السنوات الأخيرة. منذ عام 2012، شكل الاستثمار غير الحكومي أكثر من 55% من إجمالي الاستثمار الكلي، وأصبح القوة الدافعة الرئيسية لنمو الاستثمار.

العلوم والتكنولوجيا

في السنوات العشر الماضية، شهد الابتكار العلمي والتكنولوجي في الصين تغيرات هائلة، فقد ارتقت الصين إلى المركز الثاني عشر في القائمة العالمية للاقتصادات الأكثر ابتكارا، مقارنة بالمركز 34 في عام 2012. في عام 2021، بلغ إجمالي إنفاق الصين على البحث والتطوير 2.79 تريليون يوان، وهو ثاني أعلى إنفاق في العالم، ويمثل 2.44% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، ويقترب من معدل الإنفاق في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وحسب تصريحات لوزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، وانغ تشي قانغ، في 23 أغسطس 2022، فإن تمويل الصين للأبحاث الأساسية يبلغ 3.4 أضعاف ما كان عليه قبل عشر سنوات. ووصل عدد براءات الاختراع لكل عشرة آلاف فرد إلى 19.1 في عام 2021، مقارنة مع 3.2 في عام 2012. وارتفعت نسبة المواطنين المتعلمين علميا في البلاد من 3.27% في عام 2010 إلى 10.56%في عام 2020.

القضاء على الفقر

ظل الفقر لصيقا بالصين على مدى عقود قبل تأسيس الصين الجديدة، وظل القضاء على الفقر التحدى الأكبر والمهمة الأعظم للحزب الشيوعي الصيني. حتى نهاية سنة 1978، كان 97.5% من سكان الريف في الصين، أي سبعمائة وسبعين مليون صيني، فقراء لا يجدون طعاما كافيا ولا لباسا دافئا. أنجزت الصين هذه المهمة بنجاح مع إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ في الخامس والعشرين من فبراير 2021، أن الصين حققت "انتصارا كاملا" في معركتها ضد الفقر، قائلا: "إنه تم القضاء على الفقر المدقع في أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان." في الحادي والثلاثين من مارس 2022، أصدرت وزارة المالية ومركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني والبنك الدولي تقريرا بعنوان "أربعون عاما من الحد من الفقر في الصين.. القوى الدافعة والأهمية المرجعية والسياسات المستقبلية"، والذي أشار إلى أنه على مدار الأربعين سنة المنصرمة، انخفض عدد الفقراء في الصين بنحو ثمانمائة مليون فرد، وفقا لمعيار الفقر العالمي للبنك الدولي (1.9 دولار أمريكي للفرد في اليوم)، وهو ما يمثل 75% من الفقر العالمي خلال نفس الفترة.

 الصين.. إلى أين؟

الآن، ومع انعقاد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وبينما يستعرض الصينيون ومعهم العالم الإنجازات التي حققتها الصين خلال السنوات العشر الماضية، منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب، يتطلع الصينيون ومعهم العالم أيضا إلى خارطة طريق الصين في السنوات المقبلة، وفقا لرؤية المؤتمر العشرين للحزب. يقول هال براندز في مقالته المشار إليها أعلاه: "من الصعب الآن تفويت هذا الطموح فيما يقوله مسؤولو الحزب الشيوعي الصيني. بل إنه أكثر وضوحا فيما يقوم به الحزب الشيوعي الصيني، من برنامج بناء السفن البحرية الذي يتفوق على العالم إلى جهوده لإعادة تشكيل الجغرافيا الإستراتيجية لأوراسيا. تتضمن الإستراتيجية الكبرى للصين السعي وراء أهداف قريبة من الوطن، مثل تعزيز سلطة الحزب الشيوعي الصيني واستعادة أجزاء من الصين تمزقت عندما كانت البلاد ضعيفة. كما يتضمن أيضا أهدافا أكثر اتساعا، مثل بناء مجال نفوذ إقليمي ومنافسة القوة الأمريكية على نطاق عالمي. تمزج أجندة الحزب الشيوعي الصيني بين الإحساس بالمصير التاريخي للصين مع التركيز على أدوات القوة الحديثة في القرن الحادي والعشرين."

في تقريرها المنشور في السابع من يوليو 2022، تقول ((هوانتشيو))، إن العالم ينظر إلى الصين على أنها قوة راسخة مختلفة عن الغرب. وتضيف: "تحتاج الصين إلى إثبات نفسها من خلال إجراءات ملموسة، وأن تُظهر للعالم أنها ستقدم المساهمة والحماية واليقين، بدلا من الدمار والفوضى والاضطراب الذي تسببه الولايات المتحدةالأمريكية، حسبما أشار الخبراء. يتعلم العالم الآن التعايش والتعاون مع هذه الدولة القوية والواثقة ذات الحضارة العريقة والرائعة، والتي من المرجح أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم في العقد المقبل. على الرغم من استمرار وجود العديد من الأعمال العدائية والتحيزات ضد الصين في بعض أنحاء العالم، فإن التاريخ سيخبر العالم في النهاية من كان على حق."

*حسين إسماعيل: خبير مصري في الشؤون الصينية

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4