قضايا ساخنة < الرئيسية

تشن تشون هوا تروي قصة المؤسسات الصينية خلال الأربعين سنة الماضية

: مشاركة
2018-12-28 17:18:00 الصين اليوم:Source :Author

بات معروفا للجميع أن عام 1978 هو عام هام في تاريخ الصين المعاصر، حيث بدأت الحكومة الصينية منذ ذلك العام تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح. مع تلاشي النظام الاقتصادي المخطط المتحجر، ظهر "رجال الأعمال"  في المجتمع الصيني بكل ما يحمله هذا المصطلح من معنى حقيقي. بفضل رجال الأعمال ومؤسساتهم المتطورة، حققت الصين التحول والتقدم خلال فترة بسيطة مقارنة مع الدول الغربية التي حققت هذا التغيير في أكثر من مائة سنة. هكذا، أصبح بإمكان العالم رؤية الصين المزدهرة والمتطورة. في تلك السنة، كانت تشن شون هوا في الرابعة عشرة من عمرها.

ولدت تشن تشون هوا في مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين ونشأت في شمال شرقي الصين. في عام 1982، التحقت بجامعة جنوبي الصين للتكنولوجيا، التي وفرت لها الفرصة لمعرفة تطور المؤسسات الصينية في قوانغدونغ منذ بداية تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح. نظرا لرغبتها القوية في العلوم الاجتماعية، تحولت تشن من تخصصها الهندسي إلى دراسة الفلسفة وإدارة الأعمال، وانخرطت في بحوث المؤسسات الصينية لمدة نحو ثلاثين سنة.

في عام 2016، تلبية لدعوة الأستاذين ياو يانغ ويانغ تشوانغ، بدأت تشن تشون هوا العمل في معهد بحوث التنمية الوطنية بجامعة بكين، وتولت منصب عميد كلية دراسات الماجستير في إدارة الأعمال الدولية في جامعة بكين. إضافة إلى العمل في المجال الأكاديمي، تمارس السيدة تشن الأعمال التجارية، فقد شغلت منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة ليوخه في شاندونغ والرئيس المشارك فيها في عام 2003، ومنصب الرئيس التنفيذي لشركة شينشيوانغ ليوخه (ليوخه الأمل الجديد) في عام 2013. قالت تشن تشون هوا: "أجريت بحوثا حول العديد من المؤسسات الصينية لمدة عشر سنوات. بعد الحصول على النتائج، كنت أود التحقق من صحتها في أرض الواقع." بدأت تشن التحقق في مجموعة ليوخه بشاندونغ لأول مرة. أضافت "قمت بالتحقق من صحة ما درست وبحثت في المؤسسة، ودائما أشعر بالسرور عندما أرى تحقق تلك النتائج النظرية على أرض الواقع والحصول على إنجاز سريع."

في الحقيقة، لم تكن البيئة الخارجية لمجموعة ليوخه جيدة في الأيام الأولى من تولي تشن منصب الرئيس التنفيذي فيها بسبب تفشي وباء الالتهاب الرئوي الحاد اللانمطي (SARS) في عام 2003 وإنفلونزا الطيور في عام 2004، الأمر الذي جعل صناعة الأعلاف، التي تمارسها المجموعة، تعاني من أزمة شديدة. رغم ذلك، لم تتأثر أعمال تشن تشون هوا بهذه الظروف السلبية. في عام 2002، كان حجم مبيعات مجموعة ليوخه 8ر2 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات)، وارتفع إلى 2ر4 مليارات يوان في السنة الأولى من توليها منصب الرئيس التنفيذي وإلى 4ر7 مليارات يوان في عام 2004 بحجم إجمالي تجاوز مليوني طن. هكذا، احتلت مجموعة ليوخه المرتبة الأولى في صناعة الأعلاف بالصين. وفي عام 2013، قادت تشن تشون هوا فريقها لإعادة تطوير المجموعة، حتى أنجز التحول الإستراتيجي.

رغم أنها حققت إنجازات كبيرة في الأعمال التجارية، لم تتوقف تشن في سعيها وجهودها في الدراسات الأكاديمية في الجامعة بالتزامن مع عملها في المجموعة. بفضل عزيمتها القوية، استطاعت أن توفق بين عملها كأستاذة جامعية وسيدة أعمال بكل سهولة. الآن، تتولى تشن منصب عميدة عميد كلية دراسات الماجستير إدارة الأعمال الدولية في جامعة بكين ولا تزال تعكف على دراسة تطور المؤسسات الصينية.

ظهور مجموعة رجال الأعمال في الصين

قالت تشن تشون هوا: "في ذاكرة كثير الناس من جيلنا، يرمز هذا العصر إلى البساطة والتفاؤل والابتكار والانطلاق، ويتميز بظهور أشياء وابتكارات جديدة وبإمكان كل شخص تحقيق نجاح خاص بتجاربه وأعماله. إن أهمية نمو الشركات والأعمال في الصين ليست أنها تقضي على تقاليد قديمة، ولكنها تبني عالما جديدا." أشارت تشن إلى أنه قبل تنفيذ الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، لم يكن هناك مجموعة رجال الأعمال بصورة حقيقية. مع تنفيذ هذه السياسة في عام 1978، ظهرت هذه المجموعة في تاريخ الصين لأول مرة.

في عام 1984، حددت الحكومة الصينية مفهوم "مؤسسات القرى والبلدات"،  قالت تشن تشون هوا: "لأول مرة وفي تلك السنة، ظهر كثير من المؤسسات الخاصة في الصين ومنها شركة هواوي وشركة لينوفو. لذلك، يعتبر عام 1984 السنة الأولى للمؤسسات الصينية."

منذ عام 1992، تتقدم الصين بخطوات ثابتة إلى الأمام في مسيرة الإصلاح والانفتاح. أصبح اقتصاد السوق معروفا بين الصينيين. بفضل ذلك، دخلت المؤسسات الصينية مرحلة التنافس السوقي، والتي كانت فترة التصنيع. في هذه المرحلة، ظهرت المؤسسات الكبيرة والعلامات التجارية الصينية الذاتية. في عام 2004 تقريبا، استحوذت لينوفو على قطاع الكمبيوتر الشخصي لشركة IBM، واشترت شركة TCL شركة طومسون الفرنسية، فكان ذلك انعطافة تاريخية للمؤسسات الصينية. يمكن القول إن المؤسسات الصينية دخلت إلى المنصة العالمية منذ تلك اللحظة.

وفي العشر سنوات الأخيرة، مع التطور المزدهر للعولمة، أطلقت صناعة تكنولوجيا الإنترنت الثورة الصناعية الثالثة في العالم، مما هيأ فرصة تفوق المؤسسات الصينية التي تحقق تطورا وتقدما منذ أكثر من ثلاثين سنة في السوق العالمية، على المؤسسات الأجنبية، بل تمكن بعض منها تبوأ مركز متقدم في العالم مثل شركة هواوي، شركة علي بابا وشركة تنسنت.

قالت تشن تشون هوا: "حققت المؤسسات الصينية معجزة كبيرة في العقود الأربعة الماضية، وهذا يشجعنا كثيرا لتحقيق المزيد. أنا محظوظة حقا لكوني شاهدة ومشاركة في هذه العملية. في نفس الوقت، قمت بدراسة أكاديمية حول الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء تطور المؤسسات الصينية. في عام 1992، بدأت بحوث إدارة المؤسسات، وقررت أن أتابع تفاصيل تطور المؤسسات الصينية على مدى ثلاثين سنة لاستكشاف قواعدها في التنمية ودراسة ما إذا كانت هذه القواعد لها قيمة عالمية."

اختارت تشن تشون هوا في بحوثها خمس شركات صينية من بين أكثر من ثلاثة آلاف شركة صينية؛ وهي شركة هاير، شركة لينوفو، شركة TCL، شركة هواوي وشركة باوشان للحديد والفولاذ. وهي تمثل شركات أدرجت في البورصة وشركات لم تدرج في البورصة، والشركات الخاصة والشركات المملوكة للدولة. وضعت تشن تشون هوا خطة لبحوث هذه الشركات لمدة ثلاثة عقود. في العقد الأول من عام 1992 حتى عام 2002، حققت هذه الشركات التطور وأصبحت شركات مزدهرة  في تاريخ الصين. قالت تشن إنها كانت تشعر بالتوتر آنذاك. فإذا توقفت إحدى الشركات عن العمل، فلا بد لها من إنهاء الدراسة أيضا، ما يعني ضياع جهودها لفترات طويلة.

المفهوم الصيني والمعيار الغربي

تشن تشون هوا محظوظة؛  فكل الشركات التي كانت محور بحوثها  أصبحت شركات متقدمة في مجالاتها. لكن ذلك لا يرجع إلى الحظ، وإنما إلى عناصر أربعة ذات خصائص صينية، تعكس طبيعة تطور المؤسسات الصينية المتقدمة ومسيرة نمو المؤسسات الصينية بشكل عام.

العنصر الأول هو قادة الشركات. تطلق عليهم تشن تشون هوا "الأبطال" إذ أنهم يحملون طموحات كبيرة وإصرارا قويا ويبذلون أقصى الجهود في تطور الشركات ودفع تقدم المجتمع وخاصة في الأيام الأولى منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح. هكذا، نجح هؤلاء في كسب الأرباح ودفع تطور الصناعة كلها.

على سبيل المثال، استقال ليو تشوان تشي من وظيفته في مؤسسة مملوكة للدولة وأنشأ شركة لينوفو في عام 1984، وقد أصبحت شركة متقدمة مشهورة في مجال الحاسوب الشخصي على مستوى العالم. وكذلك، تحت رئاسة رن تشنغ فيّْ، يتحلى موظفو شركة هواوي بشعور قوي بالإلحاح والنقد الذاتي، ويتمسكون بمبدأ "لا نجاح نهائي، بل تطور مستمر" في طريق التحول والابتكار. فيما يلتزم تشانغ روي مين، رئيس مجلس إدارة شركة هاير، بالانفتاح لمواجهة تأثير الإنترنت. لذلك، تحولت شركة هاير من شركة تقليدية في إنتاج الأجهزة المنزلية إلى شركة يمكنها مواجهة الإنترنت.

العنصر الثاني هو المفهوم الصيني والمعيار الغربي. أشارت تشن تشون هوا إلى أن العنصر هذا يمثل تحديا كبيرا. ظهرت المؤسسات الصينية منذ تنفيذ الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، لذا، فلم تكن أمامها ت خبرات كثيرة يمكنها الاستفادة منها. مع توسيع نطاق انفتاح الصين على الخارج، دخل كثير من المؤسسات الأجنبية ورأس المال الأجنبي إلى الصين، ترى تشن تشون هوا أن المؤسسات الصينية الناجحة هي التي قامت بدمج الوضع الوطني في الصين مع خبرات الإدارة في المؤسسات الغربية. جدير بالذكر. هذه المؤسسات تعرف وتلتزم بمفهوم القيم الصيني وأسلوب التصرفات والعادات الثقافية الصينية، وفي نفس الوقت، تتمسك بالمعيار الغربي بشكل صارم. هكذا، تمكنت من إيجاد أسلوب الإدارة الخاص بها وفقا لعلم الإدارة الغربي وعلى أساس الوضع الوطني الصيني. على سبيل المثال، في نهاية تسعينات القرن الماضي، من أجل إدخال نظام إدارة شركة IBM، قامت شركة هواوي بإصلاح كامل. لم يغير رن تشنغ في محتويات النظام بل درس جوهره وطبقه في أعمال شركته. بعد سلسلة من الإصلاحات، أصبحت عملية المشروعات واضحة وتحولت شركة هواوي من شركة تسعى إلى وفرة في المنتجات إلى شركة تسعى إلى الإبداع والابتكار.

فضلا عن العنصرين السابقين، تعد القنوات ورابطة الربح المشتركة عنصرين آخرين لتطور المؤسسات الصينية. في بداية تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، لم تشكل المؤسسات الصينية علاماتها التجارية الخاصة، وكان يجب عليها أن تواجه التنافس العالمي. في تلك المرحلة، ركزت المؤسسات والشركات الصينية أقصى جهودها لبيع منتجاتها وجذب الزبائن الجدد باستمرار بدون النظر والاهتمام بمدى قدرة التأثير للعلامات التجارية. لذلك، أطلقت تشن تشون هوا على هذا العنصر اسم "القنوات" بدلا من العلامة التجارية. أما العنصر الرابع، فهو رابطة الربح المشترك. ترى تشن تشون هوا أن هذا العنصر يتمثل في الممارسات الواقعية إذ أن المؤسسات الرائدة ترغب في التعاون مع الحكومة ومع الأطراف ذات الربح المشترك. وبإمكانها أن تبني رابطة الربح المشترك مع الموظفين والشركات الموردة.

بعد سنوات من التطور، شكلت المؤسسات الصينية نمطها الخاص وجمعت الخبرات، مما يجذب اهتمام الدول الغربية للدراسة والاستفادة من التجربة الصينية. في نفس الوقت، تقدم هذه الخبرات مشروعات مفيدة للدول النامية.

"الرقص مع الفيل"

تجدر الإشارة، إلى أن كل الشركات الخمس التي أجرت تشن تشون هوا بحوثا عنها حققت التدويل ثم الانطلاق والتطور في المنصة العالمية. اتجهت شركة هواوي إلى السوق الدولية منذ عام 1996 بشكل منتظم. في البداية، لم يحالفها التوفيق وتعرضت للفشل، لكنها لم تتخل عن عزيمتها أبدا. الآن، أصبحت شركة هواوي قوة صينية غيرت الوضع التنافسي في صناعة الاتصالات العالمية. في عام  2004، أقامت شركة TCl بالتعاون مع شركة طومسون الفرنسية شركة TTE في شنتشن، التي بلغ حجم مبيعاتها من أجهزة التلفزيون الملون  5ر18 مليون وحدة سنويا، الأمر الذي جعل هذه الشركة أكبر شركة في العالم لتصنيع أجهزة التلفزيون الملون، وأبرز قدرة الشركة الصينية على إعادة هيكل الصناعة الرئيسية في العالم لأول مرة. في عام 2004، أعلنت شركة لينوفو شراء أعمال إنتاج الحاسوب الشخصي لشركة IBM مقابل 25ر1 مليار يوان. ثم سرعان ما احتل حجم صنع الحاسوب الشخصي لشركة لينوفو المرتبة الثالثة في العالم. ولكن "الرقص مع الفيل" وعملية التغيير الذاتي لهذه المؤسسات الصينية لم تكن سهلة بالمرة.

على سبيل المثال، وكما ذكرنا في عام 2004، اشترت شركة لينوفو أعمال قطاع الحاسوب الشخصي لشركة IBM، حيث توفرت لشركة لينوفو فرصة جيدة للدراسة وكانت إيذانا ببدء عملية تدويل الشركة على مستوى العالم. بعد التغلب على التحديات والصعوبات الكثيرة، أنشأت شركة لينوفو فريقها الدولي الخاص، وأنشأت العلامة التجارية الخاصة بها، وتوسعت قنواتها في السوق العالمية. في السنوات الخمس الأولى، واجهت شركة لينوفو مشقات عديدة منها عدم فعالية فريق العمل الدولي في الشركة، وعدم التكييف بين الإستراتيجية الصينية وأحوال السوق العالمية، والضغوط الناجمة عن كيفية تحقيق التطور وكسب الأرباح. بدلا من الانسحاب، قامت شركة لينوفو باستكشاف نمط عمل جديدا وتحويل أسلوبها، وأدركت أكثر نهج ونمط الشركات الصينية في التدويل: أولا، بناء فريق عمل دولي وإعداد الأكفاء الصينيين في نفس الوقت؛ ثانيا، الاهتمام الكامل باستقرار الشركة وتأقلم فريقها الإداري مع الثقافة الدولية وسرعة تطوره؛ وأخيرا، التخطيط الاسترتيجي الذي يتمثل في العودة إلى السوق الصينية مع توسيع نطاق سوقها العالمية.

قالت تشن تشون هوا إن شركة لينوفو مرت بمرحلة الدراسة والاستكشاف على مدى السنوات الماضية، في البداية، لم تكن تعرف أعمال التجارة الدولية، فدرست وتعلمت من الشركة التي اشترتها واستوعبت الخبرات وطبقتها في السوق العالمية، ثم شقت طريق التدويل الجيد. أشارت تشن إلى أن المؤسسات الصينية التي تعمل في السوق العالمية أصبحت تمتلك قدرة التنافس مع نظيراتها في العالم، بل إن بعضها يحتل مراتب متقدمة عالميا.

قالت تشن تشون هوا في كتابها ((طريق الريادة))، إن التجارة الصينية بحاجة إلى الأشخاص الذين يملكون الطموحات وعزيمة وموهبة الاستكشاف، أما الشركات الصينية التي تقف على المسرح الدولي فتحتاج إلى من يتحملون المسؤولية، ويتمتعون بقوة الإبداع. لقد مرت أربعة عقود منذ تنفيذ الصين لسياسة الإصلاح والانفتاح. في الأربعة عقود القادمة، في مسيرة تحقيق حلم النهضة للأمة الصينية، ستقود المؤسسات الصينية، باعتبارها قوة هامة لنمو الاقتصاد، تغيرات تاريخية جديدة.

--

يان ينغ، يو شان شان، صحفيتان بمجلة ((الصين المصورة)).

    

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4